الشرعية بين حكيم الصين وطباخ مبارك!!
محمد علي محسن
محمد علي محسن
من كثر ما حاولت إقناع الناس الذين أقابلهم بأن السلطات الشرعية ستجلب لهم الخير والسلام والتنمية؛ صرت الآن أشعر بالخجل كلما رأيت طوابير السيارات تتزاحم أمام محطات بنزين فارغة، أو سمعت المواطن العادي يلعن أبوها حكومة عجزت عن وقف انقطاعات الكهرباء، أو عجزت عن تسليمه معاشه الشهري الزهيد. 
المسألة هنا لا يستلزمها أكثر من النظر إلى الحالة البائسة التي يعيشها الإنسان البسيط في عاصمة البلاد "عدن"، فانطفاءات التيار وأزمات المشتقات المتتالية كفيلة بخلق أزمة فقدان للثقة بين الحاكم والمحكوم.
وعندما تصل المسألة لحد فقدان الثقة فتلك أزمة أعظم وأخطر من كل الأزمات السياسية أو الاقتصادية، ما يستوجب من أي سلطة تحترم ذاتها ووظيفتها فعل اشياء مدهشة وخارقة او التنحي بعيدا وترك السلطة للقادرين على تحمل مسؤولية القيادة.
طبعا، عربيا، للأسف لا يوجد حاكم عربي واحد غادر كرسيه بمحض إرادته ورغبة في التاريخ المشرف، لذا امحوا من ذهنكم فكرة الحاكم المثالي الذي يصعد إلى سدة الحكم بانتخابات حرة ونزيهة ويغادره كذلك، فحكامنا لا يحترمون أنفسهم مطلقا، والذي لا يبجل ذاته حتما لا يكترث باحترام شعبه له. 
تستحضرني إجابة الفيلسوف الصيني كونفوشيوس على تلميذه "تزه" الذي سأل معلمه عن أهم واجبات الحكومات نحو مواطنيها، فرد المعلم كونفوشيوس: القوة لحمايته والغذاء لحياته والثقة لصيرورتها كحكومة تحظي برضاء المحكومين. الخطير ليس هنا، بل في حال كان ولابد من الاستغناء عن واحدة أو اثنتين.
 فحكيم الصين رأى أن الحكومات يمكنها التخلي عن القوة والهيلمة أولا وعن إطعام شعبها ثانيا، أما الثقة فلا مناص لها من العظ عليها وبالنواجذ ؛ لأنها وإذا ما خسرتها فلا بقاء لها.
فالثقة هنا يجب أن تبقي وتسود بين الحكام والمحكومين وإلا بات هؤلاء الحكام نسخة طبق الأصل من القذافي ومبارك وبن علي وبشار وصالح وسواهم من طغاة العصر الراهن.
نعم، الشرعية الحقيقية ليست مادة مكتوبة في دستور البلاد، وإنما هي أولا وأخيرا تتجسد بقناعة ورضا المحكومين، وهذه القناعة والرضا لا تأتي بخطب معاوية والحجاج المهددة للخصوم، بل يمكن العثور عليها بملامسة الحكام لرعاياهم، فكلما اقترب الحاكم من مجتمعه كلما سنحت له معرفة مشكلاته ومعاناته.
طبعا لا أتحدث هنا عن فيلم " طباخ الريس " الذي تم إنتاجه في عهد المخلوع مبارك، وبلغ فيه الابتذال والسخف لحد تصوير مبارك وكأنه ملاكا حجبته سدنته الفاسدة من الوصول إلى المصريين الفقراء البسطاء، وإنما أتحدث عن عهد جديد يتخلق من رحم مرحلة تاريخية حفلت بالاستبداد والفساد والاقتتال الداخلي الذي مازال أتباع العهد القديم يفرضونها على عموم اليمنيين.
ولمن لا يعرف قصة فيلم طباخ الريس، فمبارك الرجل العجوز الهرم تم تصويره كشخص بسيط ونزيه وفوق ذلك طيب وأهبل لا يعلم شيئا عن واقع شعبه الذي يتجرع مرارة الغلاء والفساد فيما رئيسه المسكين مسجون بين أربعة حيطان وجماعة عتاولة يتحكمون بكل شيء في البلاد.
 لذا وفي كل مرة ينزل فيها متخفيا مع طباخه الغلبان ودونما هيلمة أو موكب فيعود إلى قصره الوثير منتشيا وفرحا مما رآه من مشاهد مضللة تم الترتيب لها دون علمه ومن جهة أجهزته الأمنية الفاسدة المطبقة على تفاصيل حياته اليومية.
المهم انتهى الفيلم والريس يسأل عن " الكشري " وما إذا كان باثنين أو أربعة أو عشرة جنية، وفي كل مرة يسأل لا يجد إجابة شافية نظرا لهلع طباخه من عقاب دائرة الريس.
السلطة الشرعية للأسف كل ساعة تنطفئ فيها الكهرباء تخسر الكثير من الفئات المجتمعية، ومع كل أزمة مشتقات أو سيولة أو هرولة في قيمة العملة الوطنية تخسر مصداقيتها التي هي في المحصلة ثقة مجتمعها بها وجدير بها أن لا تبددها وفي كافة الظروف والأحوال.
وعليه يجب أن تعلم السلطة الشرعية أنها المسؤولة عن كل أزمة في التمويل أو الخدمات أو المرتبات. مللنا الأسطوانة القائلة بأن فلانا طيب ونزيه ويريد الخير لولا حاشيته وأقاربه العابثين الفاسدين، فلطالما سمعنا هذا في زمن أسوأ حاكم في تاريخ اليمن "علي عبدالله صالح"، لذا لا نريد تكرار تلك العبارات والجمل في العهد الجديد الذي نأمل أن يكون مختلفاً كليا عما ساد في الحقب السالفة.
ختاما هنالك خطبة للشيخ/ عبد القادر الجيلاني، وقيل إنها أقصر خطبة في التاريخ الإسلامي وعمرها ألف عام تقريبا؛ فحينها صعد المنبر وقال: لقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع، و خير ممن كسا الكعبة وألبسها البراقع، وخير ممن قام لله راكع، و خير ممن جاهد للكفر بسيف مهند قاطع، و خير ممن صام الدهر والحر واقع، وإذا نزل الدقيق في بطن جائع له نور كنور الشمس ساطع، فيــــــا بُشرى لمن أطعم جائع".


في الأربعاء 22 فبراير-شباط 2017 02:27:48 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=79395