عدن بين تحضّر وبداوة
أحمد ناصر حميدان
أحمد ناصر حميدان
تحتل عدن موقعاً جيوسياسياً واستراتيجياً هاماً، نعمة من نعم الله على المدينة والمنطقة، وإذا به نقمة وعب ثقيل على ساكنيها، نتيجة الأطماع الدولية عبر العصور المختلفة حتى يومنا هذا، طمع خارجي وداخلي، طمع غزاتها شركاء الحرب ظالمة 1994م،النفوذ الذي رسخ أذنابه ومخالبه في جسد عدن وجردها من خيراتها ونعمتها الذي وهبها الله واستحوذ على السلطة، هم اليوم رؤوس أموال وكيانات رأسماليه عفنة جشعة بطونها منتفخة، رأس مال بأدوات سياسية قذرة تسخّر كل شيء لمصالحها وجشعها، تاجرت بكل ما هو حلال وحرام من الحجر للبشر، ولازالت عدن والجنوب قضية يتجاذبها المغرضون ويستثمرها الفاسدون، قضية تحتكرها الأطماع والرأسمال الجشع.
آه يا عدن تكالبت عليك كل تلك المصالح الضيقة بما فيها الإقليم، لا ننسى صفقات الفساد مع سلطة فاسدة للتضييق على منافذ عدن التجارية المطار والميناء الرئتين التي تتنفس منهما عدن، والمنطقة الحرة النغمة التي تغنى بها الفاسدون وهم معيقون لنهضة عدن .
 سقط النظام، وصار العبث بدونه واضح المعالم، عبث مباشر وله أدواته القابضة على الأمور، عبث الماضي هو ذاته الحاضر، التركيز على تدمير البنية التحتية والركود الاقتصادي واحتكار حركة التجارة، لصالح مواقع اقتصادية ومواني منافسة لعدن كمنطقة حرة ومركز تجاري، ومهمتهم اليوم إبقاء عدن تصارع الوهم، تعيش مكبلة في المعانات تنهار كل يوم لتستسلم للواقع لتكن تابعة على الهامش حتى تتضح الرؤية لضمان عدم المنافسة، الشعور بخطر استعادة عدن موقعها و نهضتها، بالمختصر المفيد عدن تحت الحصار وضحية أطماع دوائر واحتكارات وعصابات رأسمالية في المنطقة والإقليم وعلى الأرض .
لازالت الصورة الرائعة لأيقونة عدن الفخر حاضنة للثقافات والتنوع العرقي والفكري والثقافي والوعاء الذي ينضح حب و وئام وتسامح، مدرسة للأخلاق وألإتكيت في التعامل مع الإنسان كانسان، عدن الحرة والمدنية ومنبر لكل صوت حر يرفض الظلم والعنصرية، السباقة في كل جديد ومفيد، ترعب مضاجعهم، لازالوا ولازلنا نذكر عدن التي حلم بها السلطان قابوس الأب وغيرهم من سلاطين وأمراء المنطقة أن تكون منطقتهم ومصدر نفوذهم.
وعدن اليوم تعيشونها واقعاً بائساً نكراً، مصابة بكل الأمراض الاجتماعية حقنوها بفيروساتهم القاتلة، كراهية وعنصرية وصراعات سلبية مدمرة، البعض لا يقبل الآخر ولا يرضى بالتعايش، ويرفض الحزبية والتحزب أدوات التنمية السياسية والديمقراطية، عدن التي كفرت بالوحدة وكفرت بالتعددية، عدن التي يراد لها أن تخلع هويتها لتلبس هوية مزورة، لتنتزع من جذورها في حضارة وتاريخ المنطقة، كل ذلك جزء من مخطط للتآمر على عدن .
ولا ننسى السياج القبلي المتخلف المحيط بعدن، الذي روضته ثورة أكتوبر وتنورت فيه بعض العقول وبترت مخالب التخلف والجهل لتطويعه لمجتمع مدني متنور، إلا أنه كان نقطة الضعف الذي سهلت للجهل والتخلف أن يغزو عدن والجنوب، فأعادوا له البرمجة للقبيلة والعصبية والبداوة، وأعادوا له صراعاته وثاراته وأمراضه وعاداته البالية، وإذا بعدن في صراع بين مجتمعين الحضر والبداوة، والكل يعلم أن للسلطة تأثيراً أكبر على المجتمع، وبمجرد ما أن ذهبت من أيدي المجتمع المتحضر في عدن لأيدي المجتمع القبلي البدوي المتخلف، بدأت عجلة النهضة تتعثر وتعاق، وأدواتها تقصا وتهمش، وتستبدل بأدوات العصبة والقبيلة والبداوة التي تجرنا للخلف للعادات والتقاليد البالية تستدعي ثارات القبائل والعشائر وتسلط الإنسان على أخيه الإنسان، تلك الأدوات سممت عقول الحاضر وأوقفت حركة التاريخ والنهضة باستدعاء أسوء ما في الماضي لنخر عقول عماد المستقبل وتقييد حركة العصر لتعيق مسار النهضة في هذه المدينة، لتتحول لساحة صراعات تجاوزها الزمن وصارت تاريخ، وإذا بالأساطير تغزوا الأفكار والرؤى لتصنع سيناريو موحشاً واقعاً نعيشه اليوم .
هذه هي عدن اليوم في صراع مع حركة التاريخ، في صراع من التخلف والجهل والمرض والعصبية والقبلية والبداوة، تحاول أن تنهض وفي طريق نهضتها تحديات ومعوقات، فلا ننكر أن جزءا من ذلك هم من أبنائها الذي انجروا خلف ذلك الواقع الآسي المعيق لنهضة عدن، أرهقوهم فكريا ومعنويا حتى صاروا يصدقون ما يقال، ويعيشون أوهام دغدغت المشاعر، لا يقرؤون المواقف والتصريحات جيداً، بل يعيشون على الإشاعات والتسريبات التي هي جزء من المؤامرة، وكما اصطادوا عقول التنوير ومناضلي التحرير في السنوات الماضية يصطادون اليوم الشباب الواعد بالعقول المتحررة الرافضة للانجرار خلف أوهام العصبية والتخلف، اليوم يقتل أخيار عدن باسم الإلحاد، الهم جنبنا شرهم وعصبيتهم وتخلفهم وتحجر عقولهم وارحمنا وارحم عدن من تهورهم وتعطشهم للدماء، أمين يأرب .


في الخميس 08 يونيو-حزيران 2017 04:07:39 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=80025