عدن في دوامة الامبريالية
أحمد ناصر حميدان
أحمد ناصر حميدان
كما ورد في صحيفة الغد، كتب اثنان من كبار مستشاري دونالد ترامب٬ هما هـ. ر. مكماستر وغاري كوهن٬ في مقالة لهما نشرت في صحيفة "وول ستريت جورنال": العالم إنما هو حلبة تنخرط فيها الدول واللاعبون غير الحكوميين "انطلق الرئيس في أول رحلة خارجية له برؤية واضحة٬ مؤداها أن العالم ليس مجتمعاً كونياً والأعمال التجارية ويتنافسون على المزايا". تشكل هذه الجملة خلاصة مشروع ترامب. وهي تؤكد أن الأنانية هي الدافع الوحيد وراء الشؤون الإنسانية. وهي تأتي انطلاقاً من وجهة نظر عالمية تقوم على التنافس من أجل الكسب. وتوحي بأن المجتمعات التعاونية هي عبارة عن أغطية منافقة للتسابق الأناني الكامن تحتها. الحياة لا تعدو كونها كفاحاً أنانياً، وهذا يعد تفسيراً في أن جماعة ترامب يشكون في أي ترتيب عالمي تعاوني٬ مثل حلف الناتو والاتفاقيات التجارية المختلفة. ويفسّر لماذا انسحب ترامب من اتفاق باريس للمناخ. كما يفسّر السبب في انجذاب ترامب إلى قادة مثل فلاديمير بوتين ومختلف الرجال الأقوياء في العالم: لأنهم يشاركونه وجهة نظره العالمية الجوهرية القائمة على أن الحياة بصراحة هي كفاح أناني من أجل المال والهيمنة. تجاه بعضهم بعضاً.
همجية تقود العالم في جملة من التبعات، بالحروب وبالأزمات (الفقر البؤس والمرض)، نظام رأسمالي عفن، وسياسة قذرة نتائجها نزوح الناس من أوطانهم الذي ولدوا وترعرعوا فيها، التدخلات الامبريالية العالمية وأذنابها في الشرق الأوسط والوطن العربي الذي حلم بالتغيير، وها هو اليوم يعاني نتائج هذا الحلم الذي أرق الامبريالية وأذنابها في المنطقة، حيثما اجتمعت مصالحهم تواجدوا معاً، السياسة أداة لخدمة تلك المصالح، وخلال عقود الاستبداد تكونت تلك القوى الجشعة والنفوذ السرطاني الناهب لثروة الشعوب، وارتبطت بمصالح مع الامبريالية لتقتسم الساحة السياسية في إطار هذه الرؤية الخبيثة، لم يعد مسموحاً تجاوز الخطوط المرسومة، هنا ستجد الجواب الواضح لكثير من الأسئلة الغامضة، عن تأخر التحرير، عن معاناة عدن وتعز، عن الصراع في المنطقة واليمن جزء من ذلك، وصمود المخلوع وشبح الأخوان وسيناريو محاربة الإرهاب للإرهاب الآخر .
ولعدن أهمية قصوى ومركز تجاري واقتصادي له أثره ولا يمكن تجاوزه، هي في خضم هذا الإعصار ولها دور في الرؤية والسياسة المعدة لتقسيم المنطقة، أخرجتها الحرب من أيادي داخلية أثيمة طامعة وجشعة، لأيادي إقليمية وخارجية استغلالية قذرة، إخطبوط الامبريالية بتعدد الأذرع التي تلتف حول أعناقنا نحن الضحايا.  
اليوم العالم ينظر بعين مجردة من الأخلاقيات والإنسانيات، اليوم الرأسمالية في أوج احتكاراتها تدوس على كل ضعيف من أجل مصالحها، في عدن لها أجندات، طغت تلك الأجندات عن المصلحة العامة، والنتيجة معاناة عدن كمعاناة غيرها من المدن العربية، يراد لعدن أن تفقد دورها المحوري والهام والاستراتيجي، حتى لا تنافس، أرادوا لها أن تكون ساحة للصراعات السلبية، ومدينة مغلقة معاقة منهكة، لا تستطيع أن تنهض، لتتحول أحلامنا كطعم لاصطيادنا، ونتحول لمرضى مقعدين بحثنا عن العافية ببتر أهم أعضاء الحركة في الجسد وأصبنا بالكساح، عدن تقع بعد أن وقع البعض في هذا المضمار الذي فيه عدن هي أكبر الخاسرين،كل شي في عدن معاق سلطة وحكومة ومؤسسات، وفينا أدوات الإعاقة بتفاخر.
عدن جوهرة بيد فحامين، عينهم على الجواهر المزورة لغيرهم، ونسوا وتناسوا عدن كأرض وثقافة وإنسان وثروة وتاريخ وحضارة، فغلبت عليهم مصالحهم عن حب وعشق ومصالح عدن لخدمة حاضرها ومستقبلها، لنترك تلك الأجندات المدمرة لنا قبل غيرنا ولعدن، ونتفرغ لما هو أهم لنقدم عدن كنموذج لتتبوأ المكانة التي تستحقها في المنطقة والعالم، عدن مصالحها تكمن في انفتاحها على الجميع كمركز تجاري واقتصادي ومنطقة حرة، لتنافس وتعلن عن نفسها، فينا الداء وبيدنا الدواء، أن نكون أو لا نكون، وللتاريخ لعناته التي ستصيبنا، ننتظر لنرى ماذا يخبئ لعدن في هذا العالم العجيب وغريب الأطوار .


في الأربعاء 21 يونيو-حزيران 2017 03:10:35 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=80057