إلى هنا يكفي!!
محمد علي محسن
محمد علي محسن
أعتقد أن الوقت قد حان لوقف العبث الحاصل في عدن وأخواتها المحافظات التائهات في خضم شعارات وخطب راديكالية لا تفضي لتحرير واستقلال أو تحقق للناس حاجاتهم من الخدمات والمرتبات وإعادة الإعمار واستعادة النظام والمؤسسات.
أقول لهؤلاء ناصحاً: إلى هنا يكفي، فلو أن التظاهرات والهتافات كافية لتحقيق الاستقلال السياسي للجنوب؛ لكان هذا الاستقلال تحقق وأنجز- خلال المرحلة المنصرمة لا سيما بعد تحرير الجنوب وسيطرة الجنوبيين على محافظاتهم.
فليس هناك فرصة تاريخية كهذه التي سنحت للجنوبيين، ولكن المسألة أكبر وأعقد من التحرير ودحر القوات الموالية للمخلوع والحوثي.
فلا يكفي في هذه الحالة أن تسيطر عسكرياً على مساحة أرض أو تكون مرغوباً لدى المجتمع المحلي.. فهذان الشرطان وعلى أهميتهما في النزاعات الداخلية، إلا أن توفرهما في بعض الحالات ليس كافياً لقيام دولة ما، إذ ولابد من توافق سياسي أو على ﺍلأﻗﻞ إجبار طرف ما بقبول الأمر الواقع، وهذا يتوجب له دعماً إقليمياً ودولياً.
فلو أن استعادة الدولة الجنوبية حلاَ ممكناَ لما استدعى الأمر كل هذه السنون من اللهث خلف قيادات وأسماء وشعارات أثبتت التجربة أنها جميعاً غير مقبولة وغير مستساغة وغير واقعية.
ولما وصلت أوضاع المحافظات المحررة إلى الحالة الراهنة التي لا تسر صديقاً أو عدواً، فباستثناء توقف مسلسل الاغتيالات وأعمال التخريب والإرهاب - وهذا النجاح الأمني تحقق بفضل الدعم الإماراتي- تكاد بقية الأوضاع معطلة واقفة إلا من رحم ربي.
صحيح أن ما حدث أبان حكم المخلوع، كان ثقيلاً ومروعاً، لكن ما حدث خلال السنوات القليلة الفارطة لهو أقسى وأفظع على صالح وشركائه، فهؤلاء مازالوا يخوضون حرباً خاسرة وبكل الحسابات السياسية والعسكرية.
وعلى هذا الأساس، أتمنّى على الجهة الداعية للتظاهر بيوم ٧ يوليو المشؤوم، أدراك حقيقة أن هناك معطيات جديدة، ما يستوجب منها التعاطي معها بعقلانية وحكمة.
فما حدث في المنطقة برمتها، لهو أشبه بزلزال تسونامي لم يقتصر تأثيره وضرره على بلاد بعينها، وإنما بلغ أرجاء شاسعة.
وأرجو من هؤلاء استيعاب ما حدث وقبل أن يجدوا أنفسهم خارج سياق المنطق والعقل والتاريخ.
نعم، كان التظاهر في السنوات التالية للحرب فعلاً جريئاً وملهماً جديراً بالاحترام والفخر والمشاركة.
أما وقد سقط الرئيس صالح ونظامه، بل وأكثر، إذ أن المخلوع ورموزه باتوا الآن في معركة مفتوحة مع الداخل والإقليم، ما جعلهم يعيشون في سراديب وأقبية خشية من غارة جوية.
فالانقلاب والحرب ومن ثم تحرير محافظات الجنوب من تلك القوى التقليدية، تستوجب من أصحاب التظاهرة مغادرة عهد المخلوع، بحيث يمكنهم تنظيم أنفسهم، ومن أجل قضايا سياسية وحياتية ملامسة لحياة المواطن.
أحدهم أخبرني بقصة ذاك العقيد الذي أعطي منصباً عسكرياً بعد تحرير عدن، ومع قيادته لكتيبة قتالية أبى إلا أن يزاول احتجاجه الذي اعتاده منذ سنوات ولحد الإدمان على المشاركة في التظاهرات.
قصة ثانية وقعت بعد تحرير المحافظات، وقدر لي حضور هذه الاحتفائية الحزينة في منطقة سناح بالضالع حيث اقترفت جريمة مخيم العزاء نهاية ديسمبر من العام ٢٠١٣م.
 فبرغم ان الدبابة التي أطلقت القذيفة على المخيم باتت هيكلاً مخربا في المكان بعيد تعرضها لصاروخ طيران، إلا أن التظاهرة تحولت إلى مناسبة لهتافات قديمة جديدة لاهجة بإطلاق الأسرى والمعتقلين، غافلة طبعا ن القائد ضبعان صار مصنفا كمجرم حرب وانه قد مني بشر هزيمة.
ومثل هكذا دعوات، بكل تأكيد ستعثر لها على مؤيدين وأيضا داعمين وناقلين، فطالما هذه المحافظات الجنوبية المحررة تعيش وضعاً غامضاً ومبهماً ومحبطاً أيضا، فما من شك أن مثل هذه الاحتجاجات الشعبية متوقعة، ففي عدن وحدها ألف سبب ومبرر للتظاهر.
طبعاً، الذي لم أستوعبه بعد هو اختيار يوم ٧ يوليو كذكرى باتت من الماضي ويفترض أنها طويت بتحرير مدينة عدن منتصف يوليو. فالمعتاد أن التظاهر سنوياً كان غايته إيصال رسالة سياسية إلى رأس النظام العائلي العسكري السابق.
وقتها كان لمثل هذه الاحتجاجات دلالتها وأهميتها السياسية، أنها بمثابة أول تعبير رافض لنتائج الحرب الكارثية صيف ٩٤م.
 أما وقد طويت تلك الصفحة السوداء من تاريخنا الحديث ومن خلال معركة تحرير مشرفة سحقت فيها ترسانة تسعة ألوية عسكرية في عدن لوحدها، فأجزم أن استحضار الأمس البعيد والتنديد به ليس إلا محاولة بائسة عاجزة عن استيعاب وإدراك حقيقة أن التواريخ في تبدل مستمر ما بقيت ﺍلأﺣﺪﺍﺙ ومجرياتها في صيرورة لا تتوقف.
السؤال الآن هو: ماذا بوسع المجلس الانتقالي فعله؟ ففي حال وأن اجتمع في حضرموت أو عدن، فهل يتوقع منه أكثر من بيان سياسي موغل في تذكير الجنوبيين بما يفترض نسيانه بعيد انتصارهم العظيم؟
وهل ينتظر الجنوبيون من المجلس الانتقالي إعلان الاستقلال التام وفك ارتباط المحافظات الجنوبية عن أي تبعية للسلطة الشرعية المتجسدة هنا برئاسة وحكومة مسنودة من دول التحالف العربي ومعززة بقرارات دولية؟.
أعتقد أن على الجنوبيين التوقف عن إهدار جهدهم وطاقتهم وذهنهم في تظاهرات أثبتت الأيام أنها لا تزيدهم إلا عزلة وتفككاً وتمزقاً.
فبدلاً من مناصبة العداء للسلطة الشرعية عليهم إدراك حقيقة أنه ما من دولة خليجية أو أوروبية أو دولية يمكنها دعم الجنوبيين وبمعزل عن السلطة الشرعية وبعيداً عن العملية السياسية المنقلب عليها من المخلوع والحوثي.
أؤكد ثانية أنه ما من دولة في العالم مستعدة الآن للتضحية بالسلطة الشرعية مهما بدت لنا أنها سيئة وفاسدة، فمازالت البلاد تخوض حرباً مدمرة ومكلفة غايتها استعادة الدولة وتحقيق الدولة الاتحادية الفيدرالية المنقلب عليها من قبل أتباع صالح والحوثي.
ومن الغباء والسذاجة الاعتقاد بأن تحشيد الناس إلى الساحات سيكون حلاً مثالياً وواقعياً لاستعادة الدولة، أو إثبات مشروعية ما وفي مواجهة الشرعية.
ففي الحالتين الحكومة والرئاسة، إذا ما سقطا في المحافظات المحررة، فهذا يعني فقدان الدولة وخسارة الحرب، ولا أعتقد أن هنالك عاقلا يمكنه الحديث عن أي تسوية سياسية في ظل تنامي الفوضى وخسارة المعركة الراهنة ضد القوى الانقلابية.


في الجمعة 07 يوليو-تموز 2017 03:46:33 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=80102