أوجاع لا تنتهي
فتحي أبو النصر
فتحي أبو النصر
كل ما في الأمر أننا نعيش الآن، مرحلة التتويج الأخيرة لسنوات من التخريب الممنهج لوعي الجمهورية والوحدة والدولة، بكل ما كان يفترض أن ينطوي عليه من قيم المواطنة والقانون والتمدن.
فيا للتضحية الشعبية والاغتراب والضياع من أجل ذلك الحلم الذي كنا نعتقد بأنه الحلم الوطني الجامع، عاشته وتمثلته عديد أجيال من أجل الازدهار والتحديث والتقدم، لكنه تخرب رويداً رويداً رويداً حتى صار يفضي كما نرى حالياً بوضوح إلى كل هذا العبث الرهيب الذي لا يُحتمل.
والحال أن الحرب يوماً ما ستنتهي، ولذا ينبغي على كل من ساندوا الميليشيات ضد مجتمعاتهم المحلية، أن يبادروا ويقوموا بالدعوة للمصالحة مع مجتمعاتهم، وإذكاء مشاعر التسامح والاعتراف بالخطأ، بما يعيد التوازن والوئام والأمان رغم كل الجراح والمواجع التي حدثت بسبب الطيش الذي بدر منهم في لحظات نزقه، وقبل أن تتراكم الأحقاد والثأرات.
على أن يتفق الجميع بشأن ضمان الحرية المذهبية والفكرية وممارسة الشعائر وتحريم فرضها أو منعها بالقوة من أي جهة كانت، فضلاً عن وجوب رد الاعتبار لكل من أُسِيء إليهم، مع رفض لغة التكفير والتخوين بالضرورة.. لعل مثل هذه المبادرات الشجاعة والواعية، هي وحدها الممكنة والضامنة لإعادة ترسيخ ثقافة العيش المشترك التي تضررت وضربت في الصميم جراء الانقلاب والحرب وتداعياتهما.

وأما بالتعبير الشعبي فإن الجميع في "حنبة" لكن "القِمر" مرض يمني بامتياز.. ولذلك يفضلون مواصلة الرضوخ لتجار ومهندسي الحروب في الداخل والخارج، بينما هؤلاء يستمرون في دفعهم للتشدد وللانتقام، كما يزينون لهم حمقهم وفوضويتهم باعتبارهما أعلى مراحل الوطنية والحكمة..ثم بما أنهم قد خادعوا أتباعهم بنتائج وهمية ومستحيلة، رافضين الصدق مع ذواتهم والآخرين، فإنهم يشعرون بأنه من المهين لهم ممارسة العقلانية والسياسة والدفع باتجاه المراجعات والسلام. ولذلك أيضاً يستمرون في ممارسة النزق والشطط وسوء التقدير، بدلاً من تقديم التنازلات الضرورية والواقعية لحقن الدماء، وتفكيك الأزمات التي تراكمت بسبب عبثهم وأنانيتهم، والبدء في معالجتها بدلاً من كل هذه المراوغات والاحتيالات.
من هذا المنطلق ينبغي على أية تسوية سياسية مقبلة، عدم إغفال حقوق الضحايا في هذه الحرب.. الحرب التي لا يوجد أقذر منها، إلا ما يجري من تبرير أو تسويف صفيق لجرائم وانتهاكات جميع الأطراف. بمعنى أنه لابد من لجنة تحقيق دولية مستقلة، على مسافة من كل الأطراف، تفند بمهنية وشفافية، كل الشكاوى والاتهامات المتعلقة بجرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان، ارتكبتها ضد المدنيين عدة أطراف، هي الميليشيات الحوثية أو القوات الموالية لصالح أو المقاومة أو القوات الموالية لهادي أو التحالف العربي أو المقاومة الجنوبية والسلفية وغيرها من الكيانات المسلحة.. على أن تكون لجنة لا تخضع للابتزاز السياسي أو لسماسرة حقوق الإنسان.. لجنة ذات إجماع، تحقق في كافة الانتهاكات والجرائم منذ بداية الحرب وحتى اللحظة دون تمييز أو انتقاء أو تجيير أو فهلوة.
ثم إن هذا المسعى فقط هو ما سيكرس الحق الأصيل وطنياً وإنسانياً لصالح الضحايا، كما لإقرار العدالة والإنصاف، وبالمحصلة كي لا تستمر الكارثة التاريخية المتمثلة في انفلات المجرمين من العقاب تكرر لعنتها. وبالتأكيد لن يستفيد المجتمع من دروس الاستبداد والعنف والحروب، ما لم يتم التصدي لكل الإعاقات التي يرفض أطرافها فتح هذا الملف، وفق هذه الشروط وبالمعايير الدولية، وهو الملف المكتظ بآلاف الضحايا وأوجاع ذويهم التي لا تنتهي.


في الأربعاء 02 أغسطس-آب 2017 05:50:19 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=80246