وضعية محبطة غير مريحة
محمد علي محسن
محمد علي محسن
السلطة الشرعية يستلزمها عمل الكثير، كيما تثبت ذاتها كقوة نافذة مسيطرة، وبيدها زمام القرار كاملاً على المحافظات اليمنية المحررة. 
فقبل مطالبة السعودية أو الإمارات بدعم السلطات الشرعية وتمكينها من السيطرة على مساحة جغرافية مهمة وغنية بمواردها ومقدراتها الاقتصادية، على هذه السلطات دعم وجودها وتعزيز نفوذها وسيطرتها، وهذه جميعها مهام يصعب إنجازها بسلطات طارئة ومتنقلة أو منفية في الخارج، وإنما بسلطات مستقرة ومسيطرة على الحالة القائمة، وفوق ذا وذاك لدى هذه السلطات ارتباط وثيق بمجريات الأحداث والتطورات الحاصلة في كل منطقة ومحافظة يتم تحريرها عسكرياً.
 وللأسف الشديد، النجاح العسكري المحرز خلال العامين والنصف، لم يتم استثماره سياسياً ودبلوماسياً، بل على العكس قادة الانقلاب هم من استثمر تلك السيطرة والنفوذ على عاصمة البلاد وبقية المحافظات التي مازالت تحت سيطرة ميليشياتهم الانقلابية.
فرغم خسارة قوى الانقلاب لمحافظات ومناطق مهمة ومؤثرة، مثل عدن وحضرموت ومأرب وشبوة والضالع ولحج وأبين والمخا ومناطق أخرى في تعز وصعدة والجوف، إلا أن هذه الانتصارات لم يتم استثمارها من جهتي السلطات الشرعية ودول التحالف، إذ تم الاستعاضة عنها بالحديث عن صمود قوى الانقلاب واستمرار سيطرتها على المحافظات غير محررة.
فبعد مضي نحو ثلاثة أعوام على الانقلاب، وعامين ونصف على اندلاع الحرب وتدخل دول الجوار العربي، إلَّا أن المعركة مازالت محتدمة وفي مختلف المناحي العسكرية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والخدمية، ودونما أن يطرأ على هذه المعركة أي تقدم ملحوظ جدير بقلب المعادلة القائمة. 
فبرغم تحرير العاصمة المؤقتة عدن وأخواتها الجنوبية، وصولاً إلى تحرير مأرب النفطية شرقاً وميناء المخا الاستراتيجي غرباً، إلا أن هذه المكاسب وعلى أهميتها لم تخلق وضعية مريحة ومشجعة للسلطة الشرعية أو لدول التحالف أو حتى المواطن العادي.
فهذه الانتصارات العسكرية لم يصاحبها إنجازات ملموسة في الواقع الخدمي والتعبوي والإعلامي والمؤسسي، فباستثناء الاغاثة الانسانية التي يمكن القول إن تحققها جاء بفعل جهود العاملين في الهيئات والجمعيات الإنسانية، تكاد بقية القطاعات عاجزة عن الإيفاء بمسؤولياتها والتزاماتها النظامية والأخلاقية ناحية السكان.
نعم، المرتبات الشهرية والى اللحظة والحكومة لم تستطع إيصالها بانتظام إلى مئات الآلاف من العسكريين والمدنيين والمتقاعدين، ما يعني أن قرار نقل البنك المركزي إلى عدن وبدلاً من أن يكون عاملاً مهماً وحيوياً يمكنه تعزيز فرص السلطة الشرعية في حربها لقوى الانقلاب، بات القرار عامل إحباط زاد من سخط ونقمة اليمنيين الذين صدمتهم حكومتهم بفشلها الذريع في إدارة وتوزيع وتحصيل الموارد والمرتبات والنفقات.
حقيقة لا أفهم كيف أن مرتبات المتقاعدين العسكريين، أو مرتبات الجيش والأمن، لم تصرف وحتى اللحظة؟ وكيف أن مرتبات الشهداء يتم صرفها بالقطارة؟ بل وحتى مكرمة الملك سلمان المقررة بخمسة آلاف ريال سعودي لكل عائلة شهيد، لم تصرف كاملة ولأسباب وأعذار غير مقبولة مطلقاً. 
تسأل: عسى المانع خيراً يا خبرة؟ فلا تعثر على إجابة شافية ومقنعة؛ فمسؤول يحدثك عن شهداء مرحلة أولى وثانية وثالثة، وآخر يرجع سبب التأخير لسقوط مئات الأسماء من كشف أول صرف، ثالث يبرر هذا التأخر للزيادة الحاصلة في بيانات المرتبات على اعتبار أن الحرب مازالت قائمة، وهذا تبرير منطقي وواقعي لهذه الزيادة، فطالما وهناك حرب مستعرة لم تتوقف، فبكل تأكيد، أعداد الشهداء في تزايد مستمر.
بصدق أقول لكم إن السلطة الشرعية، للأسف، عجزت عن تقديم أنموذج طيب وناجح يمكنه ردم الهوة الشاسعة بين السلطات وبين المواطن، فبرغم أن خصوم السلطة الشرعية ليسوا في مستوى يؤهلهم لنيل ثقة السكان، خاصة بعد تجربة العامين المنصرمين، إلَّا أن السلطة الشرعية أخفقت في تقديم نفسها كبديل، ما زاد من مضاعفة الحالة، بحيث صرنا نتحدث عن وضعية غريبة مربكة وناتجة عن مشروعين، وكلاهما خلقا الإحباط السائد والصادم، أيضاً، للمواطن العادي.
أتحدث عن عدن وجوارها بكونها جميعاً مناطق محررة من قوى الانقلاب، وفي ذات الوقت غير محررة نظراً لوجود قوى مناهضة للسلطة الشرعية، وهذه القوى وعلى اختلافها ومبررات وجودها، كان يمكن السيطرة عليها واحتواءها في حال أن السلطة الشرعية قدمت ذاتها كقوة بديلة وبمقدورها التعاطي مع حالة الفراغ الناشئة في الجنوب، بل وبيدها أوراق عدة لو أنها أحسنت استغلالها، أولها بالطبع أنها مازالت صاحبة المشروعية الوحيدة المعترف بها إقليمياً ودولياً وإغاثياً وعسكرياً.



في الأحد 27 أغسطس-آب 2017 08:23:00 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=80397