حلول عادلة ومنصفة !!
محمد علي محسن
محمد علي محسن
لا الجنوب سيعود جنوباً وفق خارطته السياسية التي كانت قائمة قبل العام 90م أو الشمال سيبقي كتلة جغرافية واحدة مثلما كان حاله إلى عهد قريب، ففي كلا الحالتين هنالك تبدل سياسي وتاريخي حدث خلال حقبة ربع قرن ونيف، وينبغي التعاطي معه بشيء من الذكاء الذهني والبراغماتية السياسية، بدلاً من إنكاره بالقفز عليه أو إغفاله، وكأنه مجرد حالة عرضية أو ثانوية لا تستدعي القلق أو الخوف.
فحال الكثير من الساسة الطارئين أو المعتقين المتخندقين بقوالب قديمة لا يبدو من أفعالهم أنهم فهموا واستوعبوا أن الأفكار والشعارات يمكن أن تهرم وتشيخ وتموت مثل هو حال البشر.
والفطنة والحنكة هنا تقاس بمدى قدرة الساسة على جعل الفكرة نابضة بالحيوية والاستدامة، كما وتمايز السياسي عن العسكري، بكون الأول ذو ذهنية استثنائية لا تعرف الإحباط أو السأم وفي أصعب الظروف، بينما الآخر وبحكم وظيفته لا يفهم أو يتفاهم بغير لغة القوة والجبروت وبقصد إخضاع الخصم وإذلاله.
حيوية الفكرة تتجسد بمضمونها العادل القابل بالاستدامة والتطوير، فمثلما قيل بأن الفكرة الممتازة ليس لها ماض وإنما مستقبل واعد ينتظرها، وعلى هذا الأساس ينبغي أن تكون أفكارنا خلاقة قابلة للحياة والاستدامة. 
فبدلاً من إرهاق أنفسنا برؤى وأفكار ماضوية تقليدية أثبتت التجربة القصيرة أنها لا تؤسس لوطن حر ومستقر ومتسامح؛ علينا التعاطي وبموضوعية مع الحلول العادلة المرضية لكل الأطراف المجتمعية. 
وأظن أن مقررات مؤتمر الحوار الوطني وإن لم نشارك فيه، ما يستوجب النضال والاصطفاف لأجل تحقيقها باعتبارها أهم مضامين تؤسس لدولة اتحادية مدنية حديثة.
البعض سيكابر ويعاند معتقداً أن استعادة الدولة الجنوبية إلى حدودها السابقة، التي هي في النهاية صنيعة الانكليز والأتراك، سيكون حلاً مثالياً للجنوبيين المحبطين القانطين من إمكانية إقامة الدولة ومؤسساتها المدنية الحديثة وفي مساحة استعصت تاريخاً على التطويع.
ومع احترامي لهذه الأفكار وأصحابها، أجدني اختلف معهم جملة وتفصيلاً، فالعبرة في النهاية تتجسد في النتائج وبما تحققه من مصالح ومنافع على المجتمع، فإذا كان التوحد السياسي خطأ سياسيا وتاريخيا لا يغتفر بسبب تجاهله لطبيعة المصالح المجتمعية وتركيزه على تقاسم السلطات بين الطرفين الحاكمين؛ فإن التجزئة وإذا ما أغفلت المصالح المجتمعية المستقبلية ستكون أشر وأخطر.
والأكثر خطورة في المسألة هو في محاولات اعتساف التاريخ والجغرافيا وبطريقة غبية ممزقة لما تبقي من نسيج مجتمعي قابل للحياة وإعادة الروح إليه مستقبلاً.. فالحال أن التوحد وفشله أو نجاحه هو وفي كافة الأحوال قضية سياسية ويجب معالجتها بأدوات ووسائل ورؤى سياسية.
ومن يعتقد أن حلها سيكون ممكنا ومن خلال التشبث بالجغرافيا ونفي التاريخ، أظنه أساء التقدير، فمثل هاتين الفكرتين لن تقيم وطنا موحداً أو تبني مجتمعاً متجانساً أو تؤسس لمنافع مستديمة، فعلى العكس، إذ ستكون خطأ فادحا وقاتلاً لفكرة الدولة المنشودة التي هي في المبتدأ والمنتهى فكرة سياسية غايتها حماية المجتمع ومصالحه وحرياته واستقراره، وغيرها من واجبات الدولة والتزاماتها القانونية والأخلاقية.
لطالما قلت بأن الخيارات الكبرى لا يصنعها غير الكبار، فمن سوء حظ اليمنيين أنهم سلموا مصير بلادهم لمن هم أدنى واقل من أن يصنعوا نهضة أو يحدثوا تغييراً ايجابياً، فما حصل للتوحد السياسي يمكن حدوثه في أي تجزئة سياسية، وكلاهما التوحد والتجزئة صارا في ذمة التاريخ، ما يستدعي من العقلاء مغادرة الاثنين معاً، والبحث عن بدائل سياسية تكون عادلة ومنصفة للجميع.
وهذه البدائل متاحة وممكنة التحقيق، فربما قد تطول الحرب أكثر، ما يحول دون الشروع في الدولة الاتحادية وفي تنفيذ مضامين العدالة الانتقالية؛ لكنها ومن جهة أعدها مقررات واعدة، وأفضل بكثير من كل الأفكار والرؤى المطروحة الآن جنوباً أو شمالاً.
فيكفي القول هنا أن قوى الانقلاب إذا ما خيرت ما بين التجزئة وبين الدولة الاتحادية، فإنها لن تتردد في الانحياز لخيار التجزئة، وان ادعت بحرصها على الوحدة، ففي المحصلة علينا أن ننحاز للخيارات الصائبة المحققة لمصلحة الناس عموماً.
وهذه المصلحة الجمعية تمنعنا على الأقل من التعاطي مع أي أفكار تتصادم معها أو تنتقص منها، لأننا في هذه الحالة نقدم خدمة مجانية للقوى التقليدية القبلية والعسكرية التي لطالما وقفت مقوضة لفكرة الدولة اليمنية الحديثة. 


في الإثنين 11 سبتمبر-أيلول 2017 05:02:54 م

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=80447