نضال الكرامة والعزة
أحمد ناصر حميدان
أحمد ناصر حميدان

نحن أمة فينا من يقدّس عصبيته، ويعشق تكرر مآسيه، يأخذ من ماضيه أسوأ ما فيه، في ماضينا القريب والبعيد دروس وعبر وتجارب طيبة لا نلتفت لها، بعضنا يعشق البحث في قمامات ذلك الماضي والتلوث بمزابله، ويستدعي صراعاته وثاراته ومآسيه للحاضر، يركع ليمتطيه المتعصبون، ويجعل من أحلامه وطموحاته نقمة عليه، بل كل نعم الحياة يبددها بغباء شديد، يسيطر على عقليته ليجعله مشكلة في البلد، والمصيبة الأعظم إذا تمكّن من الدفة لتسيير مشروعاً ما، غباء الجهل والتخلف المغيب للوعي القادر على نهضتنا لنتجاوز ماضينا وننتقل للحاضر لنرسم المستقبل المنشود لكل الأطياف والجماعات والأفكار لوطن يستوعب الجميع .
لازلنا في صراع محتدم مع هذا العقلية، الذي تتمادى في اتهاماتها وتصنيفاتها لكل من يتصدى لعنجهيتها وغبائها، غباء الجنوب هم وهم الجنوب، والجنوب أكبر منهم ومن أفكارهم الدنيئة التي تحط به لأسفل السافلين، الجنوب أسمى وأرقى من الصورة التي يقدمونها في ثقافتهم وسلوكهم وتعاملهم مع الآخرين بعنصرية مقيتة، المدمرة للعلاقات والثقافات والتعايش وروعة وجمال الحياة، ما يقدمونه ليس جنوبنا بل الجنوب المشوهة في مخيلتهم .
عن أي جنوب تتحدثون دون تلك الفسيفساء الرائعة من الأفكار والثقافات والأعراق العابرة للمناطقية والطائفية والسلالة والقبيلة إلى الدولة الضامنة للمواطنة والمدنية، تلك الدولة التي لها وعليها، عشناها بمرارتها وحلاوتها من الخمسينات، كنا جزءاً من أيقونتها في التعايش وقبول المختلف، لم نر فيها ما نراه اليوم، من عقلية وثقافة مشوهة، هي عصارة نتنة خلفها المستبد، مجموعة من الأنانيين أصحاب المصالح ولوبي فساده، مع عددِ من المتضررين روحياً ونفسياً فتعوقوا فكرياً وثقافياً، وأصبحوا بشكل مباشر أو غير مباشر معيقين للمسار التحولي والدولة الضامنة للمواطنة والحرية والعدالة والمستقبل المنشود .
لستم الجنوب، الجنوب غني برجاله الأوفياء، الذين خدموه وأفنوا شبابهم فيه، بصماتهم شاهدة في جيل بل أجيال، لا وجه للمقارنة بين من لم يترك أرضه في أصعب الظروف، وفي أحلك اللحظات، هي شرفه وكرامته ما أن تطأ قدمه أرضاً غيرها حتى يعود أدراجه لاستعادة ذلك، وبين من تركها واغترب عنها واليوم أتى ليستثمرها بأنانية مفرطة وارتزاق قذر، أرض طيبة ورب غفور، لن نسمح لها أن تكون جحيما للحياة ومصدر رزق للعصابات ومرتعاً للعصبيات .
البعض يرى أن الوضع لا يستدعي المواجهة، في مجتمع متخلف ومتعصب ومتهور..
قد يأتي مريض مشحون إرهابي، يعدّه البغاة لتصفية خصومهم، وتكون الكارثة: أتفهم قلق البعض، لكن من الصعب أن نستسلم، ونتحول لرعاع خلف متهور باغٍ مستبدٍ متخلفٍ وعسكري بليد وقبيلي متعصب.. حلمنا لابد أن ندافع عنه حتى آخر قطرة دم فينا، حلمنا كرامتنا وعزتنا وشرفنا، صعب أن يعيش الفرد دون كرامة وعزة وشرف، على هامش مع الصوت المرتفع، وتحت سياط المستبد وتهديده المستمر .
لسنا أقل ممن يدافع عن الأرض والعرض في جبهات القتال، ونحن لنا جبهتنا ضد الظلم والقهر والعنصرية، مع الدولة الضامنة للمواطنة والحرية والعدالة والمساواة، والأمن والأمان، والنظام والقانون هو الحكم، دون ذلك هو الإرهاب بعينه وأدواته إرهابية مهما ردد من شعارات، وتغنى بالخطابات، العبرة بأعماله على الأرض .


في الأحد 22 يوليو-تموز 2018 05:12:21 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=81053