خاب من ليس له ذراع
أحمد عبدالملك المقرمي
أحمد عبدالملك المقرمي


هناك مثل شعبي يمني يقول: كلٍّب أو زَرِّب أو من بني عمك قرّب! إنها نظرية عسكرية في الدفاع والأمن.
كلب - بتشديد اللام - حصّن نفسك بحماية وحراسة، تقيك شر الأعداء، وأما زرب - بتشديد الراء - فتعني ضع حول ما تهتم لحمايته شجرا مشوكا - يسمى الزرب - يمنع المعتدي من الوصول إليك أو إلى الشيئي الذي تريد حمايته، وأما من بني عمك قرب، أي اعتمد على حماية حياضك ونفسك ومالك وعرضك على أهلك وإخوانك وعشيرتك :
تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي صولة المستأسد الضاري
هذا زمن لا يحترم الكرامة، ولا الإنسانية، ولا الحياة، وما يسمعه الناس عن بكائيات العواصم الاستعمارية عن الإنسان، وحقوق الإنسان، فهو يعني أحد أمرين : إما أن هذا التباكي يتخذ ستارا لجرائم تنفذها تلك العواصم التي لم يشبع نهمها من دماء الأبرياء أيام عهد الاستعمار بصورته السابقة؛ وإما لتتخذ قضية التباكي على حقوق الإنسان مبررا لتدخل سافر ؛ لارتكاب جريمة إنسانية قادمة.
هذا زمن لا يراعي الضعفاء! وشعاره: إذا لم تكن ذئبا كنت في الغنم!
والتذؤب المطلوب هنا، في هذا الزمن التعيس ليس تذؤب عدوان وأذى واعتداء، ولكن تذؤب وقاية واستعصاء :
إذا لم تكن ذئبا على الأرض أجردا كثير الأذى بالت عليك الثعالب
إن أمتنا اليوم أحوج ما تكون إلى أن تحصن نفسها بعمقها الشعبي، وتماسك بنيتها الاجتماعية، فهو الورقة الرابحة، والقوة الباقية الدائمة. تتبدل الأنظمة، وتتغير القيادات والزعامات، وذلك شأن طبيعي في الأفراد، أو الآحاد، فيظهر هذا عليهم، لكن الشعوب والمجتمعات تنمو ولا تقاس حياتها بمقياس حياة الأفراد، فكمية الماء التي تنتزع من بحر لجيٍّ متلاطم لا يصيبه نقص، ولا اختلال، والشعوب الحية هكذا شأنها أيضا.

تلجأ حكومات إلى اختلاق أذرع لها خارج أرضها سعيا لتستأسد على غيرها، وهي في سبيل ذلك تصنع علاقات مع من تجد فيهم نقاط التقاء معها مهما كانت هذه النقاط هشة وضعيفة، فهي في الأول والأخير تريد ذراعا يمثل لها رأس حربة يعمل لخدمتها في أرض أو على حدود من تتخذ منهم خصوما، أو بهدف صنع خط دفاع يحيط بها يجعلها في منأى عن مخاطر تتوقعها، إضافة إلى استخدام تلك الأذرع مخالب ضرر وأذى ضد الآخرين، وما تفعله إيران غير خاف، بل إنها اليوم تباهي بأذرعتها التي وجدت فراغا أمامها في مساحة من وطننا العربي.
مشكلة بعض مناطقنا العربية أنه يتم التعامل بريبة وتوجس مع أنفسنا وأذرعنا الذاتية التي هي جزء من تكويننا العضوي، ناهيك عن أن نذهب لنصنع أذرعا لنا في مجابهة الخصوم والأعداء، فالشك والتوجس والريبة تحكم تصرفات أصحاب القرار، وربما - وهو الأخطر- أنهم يذهبون لينفخوا في أصابع رجاء أن يصنعوا منها أذرعا، أو يتخوفون من الحصون ويأوون إلى عشش، فتحترق الفكرة، وتفشل الخطة، ويبدد المال ؛ كما تنكسر الأصبع وتطير العشش في الهواء.
لإيران أذرع تسعى جاهدة لتقويتها وتعزيزها؛ بينما البعض منا لا من بني عمه قرب، ولا حول نفسه زرب، ولا حشد أهله وإخوته وذويه، لأن النفوس معبأة بالهواجس والشكوك وفي مرمى التشكيك الذي من أهداف من يقف وراءه تمزيق النسيج الاجتماعي، وإحداث قطيعة بين العامة والنخبة، وبين القمة والقاعدة.
نقلا عن الصحوة


في الأحد 26 مايو 2019 05:34:49 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=82493