الانتحار.. خراب الحرب النفسية!
فكرية شحرة
فكرية شحرة


"وأخشى كثيرا، إن غيّبني الحزن في عالمه، أن يفتقد أحبتي حبي لهم .."
إذا كان في حياتك شخص يقول لك: "إذا أنت بخير، فأنا بخير يا سعادتي". وقررت، في لحظة نزق ومعاندة لمشيئة الله، أن تُنهي حياته بانتحارك، فأنت قاتل مع سبق الإصرار والمكابرة..!!
القتلُ فعل متعدي، أكثر من تخيلنا نحن البشر. فحين قرر الله أن "من قتل نفسا، فكأنما قتل الناس جميعا"، أوضح هذا التعدي الصارخ لحق الحياة، كيفما كانت لكل الناس، بما فيهم أنت أيها الشجاع الذي قرر الانتحار.
روح الإنسان لا تخصه، تقريبا. فهو واحد من الكل؛ كيان مرتبط بآخرين، وانتزاع هذه الروح، بهذه الطريقة، سيمثل فجوة في روح الكل حوله.
الانتحار فعل أناني حقا؛ لكنه الفعل الأناني الوحيد الشجاع، رغم أن الشجاعة ارتبطت بالإيثار وتفضيل الآخر. ورغم أن الشجاعة، في رأيي، هي قدرتك على الاستمرار في الحياة مع عدم رغبتك فيها.
إلا أن الانتحار شجاعة؛ لكنها، هنا، شجاعة الإقدام الوقحة، المتبجحة، بقدرة تعاند إرادة الخالق، كأنك تقول لله مكابرا: أنت خلقت هذه الروح، وأنا سأنزعها وقت أريد..!!
لا تقولوا لي إن المرء مخلوق مسير، حتى انتحاره بقدر!! الحقيقة، لسنا مسيرين طوال الوقت، نحن لنا الخيار أيضا.. لذا خلقنا الله، وقال- في أكثر من موضع- إنه ينظر إلينا ماذا نصنع ..؟!
أليس البعض يخاطبه، في نقمته، قائلا: يا الله، أنا متعب كثيرا، وأنت تتفرج عليَّ فقط؟! ألا يقول البعض- عند الغضب: لماذا يرى الله كل هذا الشر، وهذه الحرب المدمرة، ويرى عذابنا، ولا يفعل شيئا؟!
الحقيقة أن الله لن يفعل شيئا!! هو خلقنا لنعمل، ونصنع، ثم يعطي مكافأة عظيمة للجيدين منا، ويذهب بالأشرار إلى الجحيم. الجحيم الذي صنعوا شبيها له للمساكين، أمثالنا، في المرحلة الأولى من الحياة، التي هي الدنيا، وسنستيقظ بعد استراحة بسيطة في البرزخ، وننهض لنأخذ ما نستحق، ويرحم الله من يشاء.
في إحصائية سابقة، قيل إنه يموت أكثر من 800 ألف شخص سنويا جراء الانتحار؛ في حين أن ما يزيد عن هذا العدد، يجرب (يحاول) الانتحار، ولا ينجح بذلك، لنقص الشجاعة، ربما، وربما لفشل العملية بسبب الطريقة التي لم تكن جيدة وناجعة.
المؤكد؛ أن كل هؤلاء لم يلجئوا للانتحار لذات السبب، وإن كانت الأسباب تعود لعطب كبير في روح الإنسان وصحته النفسية.
قبل أيام قليلة، انتحرت إحدى النساء في حدة بصنعاء، بسبب المعاملة القاسية التي نالتها من زوجها، حيث قيل إنه حبسها وعذبها جسديا لسنوات!! وقبلها بأيام، أنتحر رجل لتكالب الديون عليه، وطرده هو وعائلته من السكن إلى الشارع!!.. وآخرين كُثر، انتحروا (بشجاعة)، حين عجزوا عن توفير متطلبات أسرهم، وضاقت بهم المعيشة في بلد يعاني حربا مزدوجة!!
هذه الحالات من الانتحار، لا تشبه قصة الشاب الذي ترجل من سيارته الفارهة، على أحد الجسور، وقرر قذف نفسه في النهر بكامل أناقته، حتى حذائه "الماركة"، ومحفظة نقوده المنتفخة!! لسبب يبدو تافها، كتخلي حبيبته عنه، وذهابها مع آخر..!!
الإدمان، يعد أخطر وأهم أسباب الانتحار. وليس إدمان المخدرات فقط، إنما إدمان الأشخاص!!
كلها حاجات مختلفة، وملحة، لأشخاص مختلفين، وطبيعيين، يسقطون فريسة للاكتئاب، الذي يعد مرض العصر، ويسبب آلاما نفسية أقسى من آلام الأمراض العضوية، بما في ذلك السرطان.
الاكتئاب، يقود لعلل نفسية تهزم أكثر الناس صلابة وتحملا، ولا علاقة للتدين بحدوثه من عدمه. بمعنى أن الشخص المتدين، حتى، يمكن أن يسقط فريسة للاكتئاب والمرض النفسي.
هذه الآلام النفسية المبرحة، من الخوف والقلق، تدفع المرء لإنهائها بالموت!! وفي أحيان كثيرة، يقتل المريض عائلته، خوفا عليها مما يتخيل أنها ستعانيه بعد موته..!!
للأسف؛ أثر الحروب والنزاعات والتشرد، في روح المرء، أكبر بكثير من آثارها في العمران والمدن، وإحصائيات الخسائر المادية..!!
ستُعّمَر المدن في زمن ما، ويُدفن المقهورون بأوجاعهم وخرائب أرواحهم، كما هي..!!


في الأربعاء 10 يوليو-تموز 2019 08:37:40 ص

تجد هذا المقال في صحيفة أخبار اليوم
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/articles.php?id=82643