2017.. عام التصعيد العسكري وانتكاسة السلام (1-2)

2018-01-01 12:06:09 ملف أعده/ وليد عبد الواسع

كان عام 2017 بالنسبة لليمنيين استثنائياً، وذلك بفعل كميّة التحولات الهائلة التي صبغت العام الحالي، بدءاً من تفكك تحالفات، ومقتل رئيس سابق، إلى تشكيل مجلس انتقالي جنوبي وحكومة انقلابية بصنعاء.
عام بلا مفاوضات برعاية الأمم المتحدة، لكنه صاخب بالتحولات السياسية المحلية، وشكّل محطة أساسية تسبق تحوّلاً مفصلياً في تاريخ اليمن في العام 2018م.
عام شهد تحولات كبيرة على صعيد خارطة التحالفات السياسية، وخُتم بالحدث الأكبر منذ سنوات، المتمثل بانهيار تحالف الانقلاب، بعد مقتل الرئيس صالح، وطي صفحة عقود من تأثيره السياسي في البلاد.

انتكاسة السلام
إذا كانت مفاوضات الكويت التي رعتها الأمم المتحدة بين الأطراف اليمنية، أبرز محطة سياسية في اليمن خلال عام 2016، فإن عام 2017 شهد انتكاسة بالنسبة للجهود السياسية برعاية الأمم المتحدة، مع إعلان الحوثيين وحلفائهم في فبراير/ شباط الماضي، رفضهم للمبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وطالبوا الأمم المتحدة بتغييره، بعد فشل الجهود الأممية في حل "أزمة المرتبات"، وبعد سقوط الخطة الأممية التي عُرفت بـ"خارطة الطريق"، وبدأت بالمبادرة التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، في أغسطس/ آب 2016.
بالتالي مضى العام الحالي من دون أي لقاءات مباشرة بين الأطراف اليمنية، وأطلق ولد الشيخ، منذ أشهر، خطة جديدة متعلقة بميناء الحديدة، غربي البلاد، وبمقترحات لدفع مرتبات الموظفين الحكوميين، إلا أن المبادرة قُوبلت بالرفض من قبل الحوثيين.
وتعرّض موكب المبعوث الأممي لإطلاق نار في صنعاء، في 22 مايو/ أيار الماضي، فيما عيّنت الأمم المتحدة في سبتمبر/ أيلول الماضي، نائباً لمبعوثها في اليمن، وهو الفلسطيني معين شريم، الذي كان ضمن بعثة الأمم المتحدة في ليبيا.
وكان مبعوث الأمين العام إلى اليمن تقدم في شهر مارس/ آذار بـ"خريطة الحل"، والتي تنص على بقاء الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، لمرحلة انتقالية بكامل صلاحياته، وإلغاء منصب نائب الرئيس اليمني، وتشكيل حكومة وحدة وطنية بكامل الصلاحيات، وتسليم جماعة الحوثي السلاح؛ وهي الخارطة التي اعترضت عليها الحكومة اليمنية، ما أدى إلى تعثّر جهود ولد الشيخ أحمد.
وفي السادس والعشرين من أبريل أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ احمد، عن ترتيبات لعقد جولة جديدة من المشاورات اليمنية نهاية مايو، وسط تصعيد عسكري قياسي، وتباين في وجهات النظر حول أولويات الحل السياسي والأمني. ونقلت وسائل إعلام حينها من مصادر سياسية قولها أن مشاورات رفيعة تسعى إلى عقد صفقة تتضمن نقل إدارة ميناء الحديدة من تحالف الحوثيين، إلى سلطات دولية مشتركة تحت إشراف الأمم المتحدة.
وفي شهر مايو انتعشت المبادرة المقدمة من شخصيات قبلية يمنية للتهدئة، وكان أبرزها ، إعلان وساطة يقودها القيادي في حزب المؤتمر، سلطان البركاني، المعروف بقربه من صالح وبكونه من أبرز قيادات الحزب، لكنه منذ بدء الحرب، بقي على الحياد، ويقود وساطة تقضي بانسحاب المليشيات من عدد من المحافظات اليمنية ووقف القتال في محافظة تعز، التي يتحدر منها، وبعث برسائل رسمية لمختلف الأطراف يطالبها بالقبول.
ومنتصف شهر مايو عادت جهود الأمم المتحدة لإحياء مسار السلام في اليمن مجدداً، من خلال جولة بدأها المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، إلى السعودية، وسط استمرار التعقيدات التي تواجه الجهود الدولية الرامية لتفعيل هدنة جديدة، تمهيداً للعودة إلى المشاورات.
ومطلع شهر يوليو أعلنت الأمم المتحدة عن مبادرة سمتها "الحديدة والرواتب"، تؤكد على ضرورة أن يتسلم طرف محايد ميناء الحديدة على البحر الأحمر الذي يعد نقطة حيوية لنقل المساعدات، وتحويل إيرادات الميناء وبقية الإيرادات من مناطق الحوثيين إلى حساب خاص بإشراف الأمم المتحدة واستخدامها لدفع رواتب موظفي الدولة.
وفي شهر أكتوبر أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد عن مبادرة جديدة لحل الأزمة اليمنية، هدفها، وفق تصريحات مراقبين، الإطاحة بالحكومة الشرعية. وكانت مساعٍ وجهودٍ تقودها بعض الدول الإقليمية والدولية لانعقاد اللجنة الرباعية الدولية المعنية بالملف اليمني، وذكرت مصادر مطلعة أن من بين المبادرات المقدمة للاجتماع، مبادرة وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، التي عرفت بمبادرة أو "خطة كيري" التي تبناها المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، أواخر العام 2016م، والتي تنص على أن يعين الرئيس نائباً له يوافق عليه صالح ومليشيا الحوثي ويقوم الرئيس بنقل جميع صلاحياته وسلطاته لنائبه المعين بالتوافق، كما يقوم بتعيين رئيس وزراء تتوافق عليه جميع أطراف الأزمة اليمنية بما فيها مليشيا الحوثي وصالح.

مجلس جنوبي وآخر شمالي
منتصف 2016 دخل الحوثيون وحزب صالح (المؤتمر الشعبي العام)، بأول صيغة شراكة رسمية لتشكيل ما سُمي بـ"المجلس السياسي الأعلى" ثم الحكومة الانقلابية في صنعاء. جنوباً واعتباراً من فبراير/ شباط الماضي، تصاعد التوتر بين الإمارات، المتصدرة لواجهة عمل وحضور التحالف في جنوب اليمن، وبين الحكومة الشرعية، ممثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي.
وتطور الصراع إلى مواجهات مسلحة محدودة بين قوات موالية لأبوظبي وأخرى للرئيس اليمني، بعد إصدار الأخير قراراً بتغيير قوة الحماية في مطار عدن الدولي، المقرّبة من الإمارات، بقوة أخرى من الحماية الرئاسية التابعة له. وهو ما رفضه الموالون للإمارات، فأجبرت الأزمة الرئيس اليمني على مغادرة عدن مجدداً، إلى الرياض، في مارس/ آذار الماضي.
جنوباً أيضاً، شهد اليمن خلال العام 2017م تطورات مثيرة، ففي 27 أبريل/ نيسان أصدر هادي قرارات أطاح من خلالها بمحافظ عدن عيدروس الزبيدي. كما شملت الإطاحة وزير الدولة هاني بن بريك، وهو قيادي سلفي، إيذاناً ببدء موجة من التحولات جنوباً.
في الرابع من مايو/ أيار الماضي، نظّم الموالون لمحافظ عدن المقال، الزبيدي، مهرجاناً لرفض القرارات الرئاسية، وصدر عن المهرجان ما سُمي بـ"إعلان عدن التاريخي". بموجب الإعلان تم تفويض الزبيدي تأسيس "قيادة سياسية وطنية برئاسته لإدارة وتمثيل الجنوب". وفي 11 مايو، أعلن الزبيدي عن تشكيل ما سُمي بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي قدم نفسه كسلطة في جنوب اليمن.
وبعد تشكيل المجلس الجنوبي وضم في عضويته محافظي محافظات معينين من الحكومة الشرعية، دخل في مرحلة جمود، مع مغادرة الزبيدي ومعه هاني بن بريك بزيارة إلى الرياض، ثم أبوظبي وكذلك العاصمة المصرية القاهرة.
وعادت قيادة المجلس، لاحقاً، في خطوات طريق استكمال البناء التنظيمي للمجلس، بالتزامن مع تدشين عمله في المحافظات وتعيين قيادات محلية له في المحافظات وذلك من خلال تأسيس فروع للمجلس في المحافظات، وصولاً إلى إعلان تشكيل "الجمعية الوطنية الجنوبية" في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، والمؤلفة من 303 أعضاء وعقدت أول اجتماع لها في 23 ديسمبر/ كانون الأول الحالي، والمعروفة بأنها "البرلمان الجنوبي".
وظل يصر المجلس، الذي تحول بنظر يمنيين إلى مكون سياسي بين المكونات الجنوبية الأخرى المطالبة بالانفصال، على تقديم نفسه كممثل لـ"الجنوب"، وعلى أنه ليس مكوناً سياسياً أو حزباً وإنما "قيادة للجنوب"، ومع ذلك، لم يترجم خطابه فعلياً، بتنصيب سلطة بديلة للمسؤولين المعينين من قبل الحكومة الشرعية.
بعد أكثر من نصف عام على تأسيسه، فقد "المجلس الانتقالي الجنوبي"، جزءاً كبيراً من الزخم الذي أحيط به، مع الجمود في أنشطته أو على الأقل عدم تحويل قراراته إلى "سلطة فعلية". وهو ما كشفته كلمة محافظ عدن السابق، رئيس "المجلس الانتقالي"، عيدروس الزبيدي، خلال تدشين أول اجتماع لـ"الجمعية الوطنية"، عن أن المجلس، لم يعد يحصل على الثقة الكافية من التحالف العربي. ومع ذلك، ظل المجلس يواصل استكمال بناه التنظيمية التي يقدمها على أنها "سلطة جنوبية".

انهيار تحالف الانقلاب
الحدث الأهم في اليمن خلال العام الحالي، بل الأكثر أهمية منذ تصاعد الحرب في البلاد بدخول الحوثيين صنعاء عام 2014 وتدخل التحالف العسكري 2015، كان انهيار تحالف الحوثيين مع علي عبدالله صالح، تدريجياً، وصولاً إلى مقتل الأخير بتطورات دراماتيكية شهدتها العاصمة صنعاء مطلع ديسمبر الحالي، أنهت صفحة الرجل الأكثر تأثيراً في اليمن، منذ عقود، ودخلت معها البلاد بمعطيات جديدة على الصعيدين السياسي والميداني.
وتصاعدت خلافات الشريكين شيئاً فشيئاً داخل المؤسسات الحكومية، مع اتهامات حزب صالح للحوثيين برفض تنفيذ مضامين اتفاق الطرفين بسحب المشرفين وما يسمى بـ"اللجان الثورية" التابعة للجماعة من الوزارات.
وساد التوتر في علاقة الطرفين على صعيد "الشراكة" على الرغم من جوانب التقاء الطرفين بمعركة واحدة ضد الشرعية والتحالف. ومنذ إبريل الماضي ومع دخول الحرب عامها الثالث، بدأت وتيرة تصريحات وتسريبات بفتح التحالف بقيادة السعودية خطوط تواصل مع حزب صالح، واتجه الأخير إلى إحياء نشاطه تنظيمياً باللقاءات واستقطاب عناصر جديدة إلى الحزب، على نحو أثار ريبة متزايدة لدى الحوثيين.
وفي مطلع مايو الماضي، أطلق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، تصريحات عكست "غزلاً" تجاه حزب صالح، ففسّر بن سلمان موقف صالح بأنه "ناتج عن وقوعه تحت رحمة الحوثيين، وأنه إذا ما غادر صنعاء، فإن موقفه قد يختلف".
وفي يوليو/ تموز الماضي، أعلن حزب صالح عن إقامة مهرجان جماهيري بذكرى تأسيسه الـ35 في 24 أغسطس/ آب الماضي. وفي أغسطس 2017، عاش اليمن مرحلة مفصلية بين الحليفين، فبينما كان حزب صالح يستعد لإقامة مهرجانه الحاشد في ميدان السبعين، حشد الحوثيون قواتهم إلى صنعاء، وانتشروا بكثافة، وأعلنوا عن اعتصامات مسلحة في مداخل صنعاء في اليوم نفسه، استعداداً لمواجهة أي تحرك، لما قيل يومها عن احتمال انقلاب صالح، واتخاذه من المهرجان غطاءً لذلك التحرك.
وأثناء التحضير للمهرجان، وصلت الأزمة بينه وبين الحوثيين حدوداً غير مسبوقة، مع شكوك الجماعة بسعي صالح للانقلاب عليها، فوصل التوتر في الشهر نفسه إلى مواجهات محدودة، نجح الطرفان باحتوائها، لكن ذلك عنى تأجيلها فقط.
ولم تكد تمضِ عدى ساعات على إقامة المؤتمر مهرجان السبعين، حتى أصدرت مليشيا الحوثي عدة قرارات هامة، منها تعيين القيادي الحوثي أبو علي الحاكم رئيسا للاستخبارات العسكرية، في محاولة لإغلاق منافذ الاتصال والتواصل لحليفهم صالح مع التحالف أو غيره، حيث بدا ذلك المهرجان وكأنه فتح صفحة جديدة بين الطرفين، والذهاب نحو الافتراق، والاقتتال.
وفي محاولة لردم الخلافات بينهما، أعلن الحوثيون وإعلام حزب صالح، عن تواصل مباشر جرى بين عبد الملك الحوثي وعلي عبد الله، لاحتواء الخلافات التي تفجرت بينهما في الآونة الأخيرة. وفي الوقت الذي واصلت فيه مليشيا الحوثي، انتهاكاتها بحق حلفائها في المؤتمر الشعبي العام، في المناطق الخاضعة لسيطرتها وتحديدا في العاصمة صنعاء، دعا قيادي في حزب المؤتمر الشعبي، مطلع أكتوبر الماضي، أنصار الحزب إلى ثورة مسلحة ضد قيادات حزبه، وميليشيات الحوثي على حد سواء، وذلك في أسرع وقت، باعتبارها فرضا وواجبا، وعملا مقدسا تقتلع العصابة الحاكمة في صنعاء.
ومع تواصل وتيرة الخلافات بين مليشيا الحوثي والمؤتمر جناح صالح، والذي ترافق مع بروز مظاهر عسكرية لها، حيث قام الحوثيون بحملات تعبئة واستعراض لمسلحيهم في العديد من المحافظات، تحت مسمى "رفد الجبهات"، في إشارة لمناطق المواجهات مع الشرعية والتحالف أو ما يصفونه بـ"العدوان السعودي الأميركي". لكن تلك التحركات، لم تكن بعيدة عن رسائل داخلية حول الخلافات مع حليفها حزب صالح. وفقا لمراقبين.
ففي الـ25 من أكتوبر الماضي، شهدت العاصمة توترا كبيرا بين مليشيا الحوثي، وقوات موالية لصالح، أدى هذا التوتر إلى إغلاق لمداخل ميدان السبعين، من قبل قوات أمنية وعسكرية، الأمر الذي استمر لساعات، قبل أن تنجح وساطة تولاها محسوبون على الطرفين باحتواء التصعيد.
وفي الـ22 من نوفمبر الماضي، اتهم حزب المؤتمر الشعبي العام، حلفاءه الحوثيين، فبارتكاب ممارسات واتخاذ قرارات "خارج إطار الدستور والقانون واتفاقات الشراكة" بينهما، وعبّر الحزب "عن أسفه البالغ" إزاء ما وصفه بـ"الممارسات التي تنتهجها جماعة أنصار الله في مؤسسات الدولة وأدائها السياسي والإعلامي الذي لا يوحي بتوجّهات صادقة نحو الحفاظ على وحدة الصف الوطني وتفعيل مبدأ الشراكة الوطنية بين طرفي الاتفاق".

انتفاضة صنعاء ومقتل صالح
مطلع ديسمبر/ كانون الأول انفجرت الأوضاع مجدداً في العاصمة صنعاء بعد مهاجمة الحوثيين جامع الصالح، ومنازل تابعة لأقاربه بالتزامن مع احتفال المولد النبوي. وفي الثاني من ديسمبر، دعا صالح وحزبه إلى انتفاضة شعبية ضد الحوثيين فتوسعت المواجهات في صنعاء بين الطرفين، ولكن مع تفوق مفاجئ للحوثيين، الذين اقتحموا منزل صالح وقتلوه في الرابع من الشهر ذاته. فدخلت البلاد منعطفاً جديداً ومرحلة ما بعد صالح، على مختلف المستويات السياسية والتحالفات العسكرية والقبلية في البلاد.
عاد التوتر مجددا بين طرفي الانقلاب، الحوثيون وصالح، وذلك تزامنا مع تحديد مليشيا الحوثي، ميدان السبعين، مكانا لحشد أنصارها للاحتفال بما يُسمى المولد النبوي. حاول الحوثيون السيطرة على جامع الصالح، الذي يقع في محيط ميدان السبعين، المربع الأبرز الذي يقع تحت سيطرة صالح وأقاربه، والذي قوبل بالرفض من قبل حراسة المسجد، ما أدى الى اندلاع اشتباكات مسلحة بين الطرفين، سقط على إثرها عدد من القتلى والجرحى، وتحديدا في الــ 29 من نوفمبر الماضي.
في اليوم التالي، وتحديدا في الأول من ديسمبر، أعلن الحوثيون، أنّ لجان تهدئة تمكّنت من إزالة مظاهر التوتر بين مسلحي الجماعة، والموالين للرئيس علي عبد الله صالح، في صنعاء. لم يمض على ذلك الاتفاق 24 ساعة، حتى تجددت الاشتباكات بين طرفي الانقلاب، وتحديدا فجر الـ1 من ديسمبر، حيث بدأت من شارع الجزائر والحي السياسي، بعد أن اتهمت مصادر في حزب صالح، الحوثيين بخرق الهدنة ـ واستهداف منزل نجل شقيقه، طارق صالح.
السبت الـ2 من ديسمبر، كان هو الحديث اليمني الأهم على مستوى العالم، خصوصا مع ما ظهر حينها، أنه حسم عسكري قام به رجال صالح، الذي تحوّل من "رئيس مخلوع" إلى "رئيس سابق" في الإعلام السعودي والإماراتي، والذي احتفل بتطورات صنعاء بشكل استثنائي، غذّى الفرضيات التي تفيد باحتمال حصول صفقة بين هذا المحور وصالح الذي عرض وقفاً للحرب على اليمن مقابل تفاهمات وحوارات.
ولم تقتصر الأحداث على العاصمة صنعاء، إذ امتد التوتر والاشتباكات بين الطرفين إلى محافظات أخرى كالمحويت وإب، بعدما أعلن حزب صالح دعوة رسمية لأنصاره وللمواطنين في البلاد، بأن "يهبوا هبة رجل واحد"، ضد "الحوثيين".
لم تمض سوى ساعات قليلة على تلك الانتصارات التي وصفها البعض بالوهمية لصالح وقواته، حتى تمكنت مليشيا الحوثي من استعادة تموضعها وإعادة فرض سيطرتها على العاصمة صنعاء، قبل غروب شمس السبت الـ2 من ديسمبر. حيث وجّه الحوثيون، مساء ذلك اليوم، ضربة قوية لقوات صالح والموالين له، عندما تمكنوا من الوصول إلى مقر قناة "اليمن اليوم" التابعة له، في منطقة بيت بوس جنوب العاصمة، كما قاموا بتوقيف إذاعة تابعة له في صنعاء عن البث، وحجبوا أهم المواقع الإلكترونية التابعة للحزب، عن المتصفحين من داخل اليمن، وبذلك استطاعوا حجب إحدى أهم أدوات الحرب، ممثلة بالإعلام، ليعلنوا بعد توقف إعلام صالح بياناً باسم رئيس ما يُسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى"، صالح الصماد، يعلن فيه إخماد ما وصفه بـ"الفتنة".
وفي اليوم التالي، ومع إحكام مليشيا الحوثي سيطرتها على العاصمة صنعاء بشكل كلي، أعلنت المليشيا عن مقتل صالح، في بيان لها بثته قناة المسيرة، أكدت من خلاله إخماد ما وصفتها بالفتنة، والقضاء على زعيمها المتمثل بعلي عبد الله صالح، وتحديدا يوم الاثنين الـ4 من ديسمبر 2017م، مع أمين عام حزب المؤتمر عارف الزوكا، وعدد أخر من الموالين لصالح، واعتقال عدد من أقاربه، أثناء محاولته الهروب إلى مدينة مأرب، لتنهي بذلك حقبة صالح الذي لطالما وصف حكمه بالرقص على رؤوس الأفاعي.

تحالفات الخصومة والتقاء الضرورة
يبدو أنّ خارطة تحالفات جديدة، يجري نسجها في اليمن، عقب التطور المحوري الذي شهدته البلاد، بمقتل الرئيس علي عبد الله صالح، وجاءت اجتماعات كل من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في الإمارات، محمد بن زايد آل نهيان، في هذا الصدّد تقريباً، لكن المفاجأة التي لم تكن متوقعة، هي أن تشهد الرياض اجتماعاً يضم بن سلمان وبن زايد مع قادة حزب الإصلاح اليمني.
فبعد أن كان موقف التحالف والإمارات على وجه خاص، من حزب الإصلاح اليمني، من القضايا المعروفة يمنياً، والتي تردد أنها أحد أسباب عرقلة العمليات العسكرية باليمن، شهد الشهران الأخيران من العام 2017م تطورين لافتين.
حصل الأول في نوفمبر الماضي، عبر لقاء هو الأول من نوعه جمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، برئيس حزب الإصلاح، محمد اليدومي، والأمين العام للحزب، عبدالوهاب الآنسي، وذلك في سابقة مثيرة للجدل، بالنظر إلى الموقف السعودي المتشدد تجاه الإخوان، لكن المفاجأة الكبرى، هي ظهور الرجلين في لقاء مع محمد بن زايد بضيافة محمد بن سلمان، في الرياض.
التطور الثاني حصل في الثالث عشر من ديسمبر/ كانون الأول، إثر تطورات صنعاء، إذ شهدت الرياض اللقاء المثير للجدل، الذي جمع بن سلمان وقادة الإصلاح، مع ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، بعد أن كانت الأزمة بين الإصلاح– الإمارات، هي السائدة يمنياً منذ نحو السنتين.
وجاء اللقاء في إطار محاولة الرياض التقريب بين الأطراف اليمنية الفاعلة، لتكوين جبهة عريضة ضد الحوثيين. وأثار اللقاء جدلاً واسعاً، في الأوساط اليمنية، التي رأته مؤشراً على مرحلة مختلفة وخارطة تحالفات يمنية جديدة، تعمل الرياض وأبوظبي على نسج خيوطها، بعدما خسرت العاصمتان، بخطة دعم انتفاضة صالح في صنعاء ضد جماعة الحوثيين، ولكنهما في المقابل، كسبتا، بأن باتت الجماعة المتهمة بتلقي الدعم من إيران، وحيدةً، من أي تحالفات حقيقية، فيما بات غالبية أنصار صالح والقسم الأكبر من حزبه الذي حكم اليمن لعقود، في صف الشرعية التي تدعمها السعودية.
في حين جاء اللقاء الذي جمع بن زايد وبن سلمان بقيادة الإصلاح، ليبدو في إطار الترتيبات السياسية الجديدة التي يدعمها التحالف لمرحلة ما بعد مقتل صالح، ومن خلالها يحصل الإصلاح على تطمينات، تقلل توجسه من دور أبوظبي في التحالف، في ظل الأزمة السائدة منذ أشهر طويلة بينها وبين الحزب.
من زاوية أخرى، ترافقت مع زيارة بن زايد إلى الرياض، تسريبات عن جهود مدعومة إماراتياً وسعودياً لتوحيد أكبر قدر من قيادات حزب المؤتمر (الذي كان بقيادة صالح)، واستيعابه في الشرعية، على نحو يسمح للحزب بأن يساهم بدور فاعل في المرحلة المقبلة، مع بقية القوى المؤيدة للشرعية، وجاء لقاء "المحمدين"، بقادة الإصلاح، لتعزز التسريبات، التي تتحدث عن دعم الرجلين توجهاً بتقريب وجهات النظر بين القوى اليمنية المؤيدة للشرعية، ضد الحوثيين، بالاستفادة من الوضع الذي خلقته الأحداث الأخيرة في صنعاء.
وكشف حزب الإصلاح في الرابع والعشرين من ديسمبر، وعبر أمينه العام، أنّه طُلب منه، بعد اللقاء الذي عُقد مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد آل نهيان، في الرياض، التواصل مع أنصار حزب الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، ضدّ الحوثيين.
إلى ذلك، وفي سياق الحديث عن مرحلة ما بعد مقتل صالح، بدت اجتماعات الرياض، في شقها المتعلق بلقاءات بن زايد وبن سلمان الثنائية أو مع قادة الإصلاح، مؤشراً يرفع احتمالات توجه التحالف لبدء مرحلة تصعيدية ضد الحوثيين، الذين باتوا المتحكم الوحيد بالعاصمة صنعاء، وهو المؤشر الذي انعكس في ردود أفعال قيادات جماعة الحوثي.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد