معركة تحرير صنعاء بين الحسم العسكري وخطة السلام

2018-01-07 18:05:55 تقرير خاص

الأربعاء جددت الأمم المتحدة، التزامها بمواصلة العمل من اجل إقناع أطراف الأزمة في اليمن بالعودة إلى طاولة المفاوضات بحثا عن حل سلمي للأزمة في البلد الذي تمزقه الحرب منذ ثلاث سنوات.
وبين الشرعية التي تسند صفها العسكري، بأغلب جنرالات صالح، وبين الحوثيين الذين يصدرون القرارات وينفذون حملات التجنيد لمواجهة الضغط العسكري المتزايد عليهم في أكثر من جبهة في البلاد، يترقّب اليمنيون المحطة المقبلة، والمرجح أن تكون معركة استعادة صنعاء من الحوثيين.

وفي وقت سابق قال مصدر سياسي يمني، أن نائب مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن معين شريم، سيبدأ مشاورات شاقة مع الحوثيين في صنعاء لتحريك مسار السلام، وفرص احتواء تصعيد حربي دام في المنطقة الساحلية، وأنحاء متفرقة من البلاد.
وحسب المصادر، فإن وسطاء غربيين من الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، وروسيا شجعوا على إرسال وفد أممي إلى صنعاء للقاء الحوثيين حول خطة سلام تتضمن إجراءات لبناء الثقة وتحييد ميناء الحديدة، تمهيدا لمفاوضات سلام تفضي لمشاركة الجماعة في حكومة وحدة وطنية مقابل تسليم أسلحتها البالستية إلى طرف محايد.
يأتي هذا في وقت تستعد فيه السعودية وحلفاؤها لشن هجوم عسكري كبير نحو العاصمة اليمنية، وموانئ الحديدة على البحر الأحمر. وقال فرحان حق، نائب المتحدث باسم أمين عام الأمم المتحدة، في تصريحات للصحفيين، إن موقف الأمم المتحدة من الأزمة ثابت وانه لا يوجد حلا عسكريا للصراع، ويتعين على جميع الأطراف الجلوس إلى طاولة المفاوضات.
وأكد حق، أن المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد جاهز تماما، خلال هذا الشهر (يناير)، لتقديم إفادة إلى أعضاء مجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في اليمن، حال طلب منه ذلك”.
مضمون الخطة
وتأمل الأمم المتحدة موافقة الأطراف المتحاربة على خطة سلام معدله تبدأ بإجراءات لبناء الثقة وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، ووضع البلاد على طريق انتخابات. وتشمل الخطة المعدلة عن مقترح سابق توسطت له المنظمة الدولية في مشاورات شاقة استضافتها الكويت دون التوصل إلى اتفاق حاسم، على ترتيبات أمنية للانسحاب من المدن واستعادة مؤسسات الدولة، مرورا بتشكيل حكومة وحدة وطنية، والشروع في عملية إصلاح دستوري بمشاركة كافة القوى اليمنية.
ويبدأ المقترح بتشكيل لجان عسكرية محايدة للإشراف على ترتيبات أمنية انتقالية وانسحاب المليشيات من العاصمة ومحافظتي تعز والحديدة في غضون 45 يوما كمرحلة تمهيدية يعقبها اتفاق سياسي كامل وشامل لتقاسم الحكم والتهيئة لانتخابات.
كما تتضمن الخطة سلسلة من الترتيبات لإنهاء النزاع المسلح، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين ، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية وإنقاذ الاقتصاد وإعادة الإعمار، وتحسين معيشة السكان.
وبموجب مشروع الاتفاق تلتزم الأطراف المتحاربة بالعمل من اجل الوصول إلى حل سياسي يضع حدا نهائيا دائما وشاملا للحرب بما يكفل الوقف الكامل والشامل والدائم لكافة أشكال العمليات العسكرية.
ولاستعادة وتسليم مؤسسات الدولة، يلزم مشروع الاتفاق جماعة الحوثيين بحل المجلس السياسي، واللجان الثورية والشعبية، ومغادرتها كل مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية خلال المرحلة الانتقالية.
جهود أممية متعثرة
وتعثرت جهود الوسيط الأممي إسماعيل ولد الشيخ احمد مرارا في جمع الأطراف المتحاربة إلى طاولة مفاوضات منذ انتهاء الجولة الأخيرة من المشاورات في الكويت نهاية أغسطس العام الماضي.
وتصطدم مساعي المبعوث الاممي بتحديات كبيرة بلغت ذروتها مع مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح بنيران الجماعة مطلع الشهر الماضي. ومنذ اندلاع الفصل الجديد من النزاع عقب تدخل تحالف عسكري بقيادة السعودية في 26 مارس/ آذار 2015، فشلت أربع جولات من مفاوضات السلام اليمنية، في التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب التي خلفت نحو 10 آلاف قتيل، إضافة إلى 3 ملايين نازح اجبروا على الفرار من ديارهم بعيدا عن مناطق المواجهات، حسب آخر التقديرات الأممية.
عام انتكاسة السلام
ووصف العام 2017م بأنه عام بلا مفاوضات برعاية الأمم المتحدة، لكنه صاخب بالتحولات السياسية المحلية، وشكّل محطة أساسية تسبق تحوّلاً مفصلياً في تاريخ اليمن في العام 2018م. وإذا كانت مفاوضات الكويت التي رعتها الأمم المتحدة بين الأطراف اليمنية، أبرز محطة سياسية في اليمن خلال عام 2016، فإن عام 2017 شهد انتكاسة بالنسبة للجهود السياسية برعاية الأمم المتحدة، مع إعلان الحوثيين وحلفائهم في فبراير/ شباط الماضي، رفضهم للمبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وطالبوا الأمم المتحدة بتغييره، بعد فشل الجهود الأممية في حل "أزمة المرتبات"، وبعد سقوط الخطة الأممية التي عُرفت بـ"خارطة الطريق"، وبدأت بالمبادرة التي أطلقها وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، في أغسطس/ آب 2016.
بالتالي مضى العام الحالي من دون أي لقاءات مباشرة بين الأطراف اليمنية، وأطلق ولد الشيخ، منذ أشهر، خطة جديدة متعلقة بميناء الحديدة، غربي البلاد، وبمقترحات لدفع مرتبات الموظفين الحكوميين، إلا أن المبادرة قُوبلت بالرفض من قبل الحوثيين.
وكان مبعوث الأمين العام إلى اليمن تقدم في شهر مارس/ آذار بـ"خريطة الحل"، والتي تنص على بقاء الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، لمرحلة انتقالية بكامل صلاحياته، وإلغاء منصب نائب الرئيس اليمني، وتشكيل حكومة وحدة وطنية بكامل الصلاحيات، وتسليم جماعة الحوثي السلاح؛ وهي الخارطة التي اعترضت عليها الحكومة اليمنية، ما أدى إلى تعثّر جهود ولد الشيخ أحمد.
وفي السادس والعشرين من أبريل أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ احمد، عن ترتيبات لعقد جولة جديدة من المشاورات اليمنية نهاية مايو، وسط تصعيد عسكري قياسي، وتباين في وجهات النظر حول أولويات الحل السياسي والأمني. ونقلت وسائل إعلام حينها من مصادر سياسية قولها أن مشاورات رفيعة تسعى إلى عقد صفقة تتضمن نقل إدارة ميناء الحديدة من تحالف الحوثيين، إلى سلطات دولية مشتركة تحت إشراف الأمم المتحدة.
وفي شهر مايو انتعشت المبادرة المقدمة من شخصيات قبلية يمنية للتهدئة، وكان أبرزها ، إعلان وساطة يقودها القيادي في حزب المؤتمر، سلطان البركاني، المعروف بقربه من صالح وبكونه من أبرز قيادات الحزب، لكنه منذ بدء الحرب، بقي على الحياد، ويقود وساطة تقضي بانسحاب المليشيات من عدد من المحافظات اليمنية ووقف القتال في محافظة تعز، التي يتحدر منها، وبعث برسائل رسمية لمختلف الأطراف يطالبها بالقبول.
ومنتصف شهر مايو عادت جهود الأمم المتحدة لإحياء مسار السلام في اليمن مجدداً، من خلال جولة بدأها المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، إلى السعودية، وسط استمرار التعقيدات التي تواجه الجهود الدولية الرامية لتفعيل هدنة جديدة، تمهيداً للعودة إلى المشاورات.
ومطلع شهر يوليو أعلنت الأمم المتحدة عن مبادرة سمتها "الحديدة والرواتب"، تؤكد على ضرورة أن يتسلم طرف محايد ميناء الحديدة على البحر الأحمر الذي يعد نقطة حيوية لنقل المساعدات، وتحويل إيرادات الميناء وبقية الإيرادات من مناطق الحوثيين إلى حساب خاص بإشراف الأمم المتحدة واستخدامها لدفع رواتب موظفي الدولة.
وفي شهر أكتوبر أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد عن مبادرة جديدة لحل الأزمة اليمنية، هدفها، وفق تصريحات مراقبين، الإطاحة بالحكومة الشرعية. وكانت مساعٍ وجهودٍ تقودها بعض الدول الإقليمية والدولية لانعقاد اللجنة الرباعية الدولية المعنية بالملف اليمني، وذكرت مصادر مطلعة أن من بين المبادرات المقدمة للاجتماع، مبادرة وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري، التي عرفت بمبادرة أو "خطة كيري" التي تبناها المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، أواخر العام 2016م، والتي تنص على أن يعين الرئيس نائباً له يوافق عليه صالح ومليشيا الحوثي ويقوم الرئيس بنقل جميع صلاحياته وسلطاته لنائبه المعين بالتوافق، كما يقوم بتعيين رئيس وزراء تتوافق عليه جميع أطراف الأزمة اليمنية بما فيها مليشيا الحوثي وصالح.
وخلال الأشهر الأخيرة، تصاعدت الضغوط الأممية على الأطراف من اجل وضع حد للصراع، وسط مخاوف دولية واسعة من تداعيات إنسانية وخيمة للحرب التي تمزق البلاد منذ ثلاث سنوات.
رص الصفوف نحو صنعاء
وبين الشرعية التي تسند صفها العسكري، بأغلب جنرالات صالح أو من كانوا في منازلهم منذ سنوات، وبين الحوثيين الذين يصدرون القرارات وينفذون حملات التجنيد لمواجهة الضغط العسكري المتزايد عليهم في أكثر من جبهة في البلاد، يترقّب اليمنيون المحطة المقبلة، والمرجح أن تكون معركة استعادة صنعاء من الحوثيين أو ترسيخ الأخيرين سلطتهم الخاصة التي تحارب أغلب قوى الداخل والإقليم في العاصمة اليمنية، حتى حين.
ومع تأكيد نجاة نجل شقيق علي عبدالله صالح، طارق صالح، وانتقال الأخ غير الشقيق للرئيس علي صالح الأحمر لمناطق الشرعية، تحديداً مأرب، يكون جزء مهم من تركة صالح العسكرية بات تقريباً في صف الشرعية.
كما تتضح يومياً ملامح ترتيب جديد لموازين القوى العسكرية في اليمن، لا يبتعد كثيراً عن المرحلة التي سبقت تفكك نظام صالح بالنسبة للصف العسكري الذي يلتئم في مأرب، من جناحي الشرعية وصالح، أو من استطاع الوصول إليها من الناجين من الحرب.
واستقبلت محافظة مأرب، وسط اليمن، يوم الثلاثاء الماضي، الأخ غير الشقيق لصالح، أحد الرموز العسكرية في أسرته ونظامه في العقود الماضية، إذ كان قائداً لقوات الحرس الجمهوري حتى العام 1998، وتوارى لسنوات خارج البلاد بعد الإطاحة به من منصبه من قبل صالح، وتعيينه ملحقاً عسكرياً لسفارة اليمن في واشنطن، في ملابسات تتحدث بعض المصادر السياسية عن أنها كانت في ظلّ خلافات بين الرجلين، قبل أن يعود اسمه إلى الحضور منذ العام 2011، بتسريبات عن دور يلعبه ضمن قوات الحرس الجمهوري (سابقاً)، من دون أن يتسلّم منصباً عسكرياً واضحاً أو يبرز له دور واضح خلال الحرب الدائرة منذ ما يقرب من ثلاث سنوات.
وتفيد مصادر قريبة من حزب المؤتمر لـ”العربي الجديد”، أن علي صالح الأحمر يمثّل إحدى الشخصيات العسكرية المهمة، بالنسبة لقوات الحرس الجمهوري، ويتمتّع بخبرة وعلاقات في الأوساط العسكرية التي كانت قريبة من صالح، وكذلك بالنسبة لنفوذه في المناطق المحيطة بصنعاء وخارطتها القبيلة. وقد انتقل إلى مأرب متنقلاً عبر المناطق الريفية المحيطة بصنعاء، وصولاً إلى مناطق قبلية هناك، قبل أن يتم استقباله في مركز المحافظة من قبل قيادات عسكرية. وتتحدث أنباء لم يتسن التأكد منها، عن انتقاله من مأرب مساء الثلاثاء الماضي، إلى السعودية.
وبالتزامن، أكد أقارب لصالح رسمياً، يوم الثلاثاء الماضي، أن نجل شقيقه، والقائد الفعلي للقوات الموالية له قبل مقتله، العميد طارق محمد عبدالله صالح، لم يُقتل كما أشيع، كما لم يقع في قبضة الحوثيين الذين يضعونه على رأس قائمة المطلوبين، بل أصيب إصابات بليغة نتيجة القصف على المنطقة التي كان يتواجد فيها، من قبل الحوثيين، الذين فرضوا حصاراً على الحي الذي يسكنه صالح منذ الثالث من ديسمبر/كانون الأول المنصرم، وشرعوا باقتحام منازل صالح وأقاربه بمختلف الأسلحة الثقيلة بما فيها الدبابات.
لكن خارطة القوى العسكرية بدأت تتغير أخيراً، بالتحام الناجين من الحوثيين وحروب السنوات الماضية، في مأرب، التي باتت ملجأً للناقمين على الحوثيين ومركزاً لتحركات الشرعية واستعداداتها العسكرية شمال البلاد.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد