الأحداث تطوق الأسواق وتشلّ الملاحة.. و"رسوم الحرب" تغرق السلع.. ومخاوف من أزمة اقتصادية قد تلقي بظلالها على حياة المواطنين..

عدن.. مشهد ضبابي يصيب الحياة بمقتل

2018-02-02 18:25:57 تقرير/ وليد عبد الواسع

طوّقت الأحداث الأخيرة التي شهدتها عدن، جنوب اليمن، مظاهر الحياة، في المدينة التي تتخذ منها الحكومة الشرعية عاصمة مؤقتة، ليسيطر الهلع على السكان من نشوب أزمة اقتصادية.
ورغم انقشاع غبار المعارك، لم تعد الحياة إلى ما كانت عليه قبل 28 يناير، في ظل توتر العلاقات بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي.
وما زال الخوف ينتاب كثيرين من تجدد المواجهات، بينما يعيشون لحظات حرجة، خصوصاً أنه لم تلوح في الأفق بوادر انفراجة للأوضاع. 

تعطلت كثير من مظاهر الحياة، وأغلقت المتاجر والمصارف أبوابها، على خلفية الاشتباكات المسلحة بين قوات الحكومة الشرعية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي وقوات المجلس الانتقالي.
وكانت مدينة عدن، جنوبي اليمن، شهدت خلال 28- 30 يناير مواجهات عنيفة واشتباكات بين قوات الحماية الرئاسية التابعة لحكومة الرئيس هادي وقوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، خلفت العديد من القتلى والجرحى.
وأتت الأحداث، التي استمرت ثلاثة أيام، بعد ساعات حرجة عاشتها العاصمة المؤقتة عدن، مع انتهاء المهلة التي حددتها القيادات في المقاومة الجنوبية للرئيس هادي، لإقالة حكومة بن دغر التي اتهموها بـ"الفساد وضعف الكفاءة"، وأعلن المجلس الانتقالي الجنوبي ما وصفها بثورة لإسقاط الحكومة.
شلل الحياة
وتسببت الأحداث بإغلاق شبه تام لمختلف شوارع المدينة التي شهدت توقف شبه كلي لحركة المرور في أغلبها، وشلل تام أصاب الحياة العامة. كما توقف النشاط الإداري والعمالي في المؤسسات الحكومية والخاصة التي أحجمت عن الدوام، وتعليق للعملية التعليمية.
وقال موظفون من القطاعين العام والخاص، إن مؤسساتهم أوعزت إليهم بالمغادرة بعد وقت قصير من بدء الدوام، وأعلنت إجازة غير محددة ريثما يستقر الوضع، وتعطلت جميع مؤسسات الدولة، ولزم الموظفون منازلهم.
وأغلقت المصارف الحكومية والتجارية وشركات الصرافة والمحال التجارية والمطاعم أبوابها، كما أُغلقت محطات تعبئة البنزين الحكومية، نتيجة للمواجهات التي شهدتها عدن، وبسببها أصيبت السوق بركود تجاري، فيما خيم الذعر على المواطنين، في وقت نبه متابعون وخبراء اقتصاد من أزمة اقتصادية قد تلقي بظلالها على حياة المواطنين.
توقف الملاحة
وتسببت المعارك في توقف الملاحة الجوية وإلغاء الرحلات من مطار عدن، كما توقفت الملاحة البحرية في مينائها، وإغلاق منافذ المدينة البرية، وتوقف عمليات النقل بين عدن وبقية المحافظات.
وتوقف النشاط الإداري والعمالي في ميناء عدن البحري بعد اندلاع المواجهات بين الجانبين، وجرى إغلاق الميناء وتوقّف عن استقبال السفن، وتوقفت السفن في رصيف الميناء عن تفريغ البضائع.
وأُغلق مطار عدن أمام الملاحة الجوية، وأكدت مصادر حكومية أن شركة الخطوط الجوية اليمنية ألغت رحلة كانت مقررة عصر الأحد من عدن إلى القاهرة، وغادرت من دون ركاب، وأُغلق مطار المدينة بعد اشتباكات مسلحة في محيطه، كما أُغلق ميناؤها وتوقف عن استقبال السفن".
ووفقا لإفادات حصلت عليها بي بي سي من مصادر حكومية وموظفين في مطار وميناء عدن، فقد أدت الاشتباكات إلى إخلاء موظفي المطار والميناء وبقية الوحدات الحكومية، وتوقف العمل فيها حفاظا على سلامة الموظفين والمدنيين.
أسواق مشلولة
وساد الهلع لدى السكان من نفاد المواد الغذائية، وعدم قدرتهم على الحصول على المؤن، في ظل إغلاق المحلات التجارية وإصابة الحركة التجارية بالشلل.
مصادر تجارية أكدت أن الأحداث أدت إلى شلل الحركة التجارية بين عدن وبقية المحافظات، فيما عجز التجار عن نقل بضائعهم من ميناء عدن إلى المحافظات المجاورة، في ظل مخاوف من استمرار المواجهات في الأيام القادمة.
وأبدا تجار خشيتهم من حدوث عمليات نهب وسطو مسلح وسط الفوضى في المدينة، في حين كثفت المصارف التجارية إجراءات الحماية الأمنية، وزادت عدد عناصر الحراسة حول مقارّها.
ويؤكد مواطنون، أن المعارك التي شهدتها المدينة ستدمر الخدمات الموجودة، وستترك السكان بلا كهرباء ولا مياه، بينما حذر محللون اقتصاديون من أزمة غذائية في حال استمرار المواجهات المسلحة.
مخاطر الحرب
وفي ظل عدم الاستقرار الأمني، أقرت خطوط الملاحة البحرية فرض رسوم جديدة تحت بند "مخاطر الحرب"، بالإضافة إلى رسوم ازدحام، في ظل بقاء السفن فترات طويلة انتظارا لتفريغ الشحنات، ما أدى إلى زيادة أسعار السلع الأساسية.
وبدأت شركات مثل "هاباغ لويد" الألمانية للشحن، تطبيق رسوم إضافية على مخاطر الحرب، منذ الأحد الماضي، بسبب زيادة خطر الشحن إلى اليمن وزيادة تكلفة التأمين، مشيرة إلى أنها تبلغ 450 دولاراً لكل حاوية نمطية، وفق تعميم.
كما أقرت مجموعة "سي إم إيه سي جي إم" الفرنسية، ثالث أكبر مجموعة لنقل الحاويات في العالم، فرض رسوم إضافية بسبب الازدحام في ميناء عدن، ابتداء من العاشر من يناير/كانون الثاني.
وحددت المجموعة رسوم الازدحام الإضافية، وفق بيان لها، بمبلغ 300 دولار لكل حاوية سعة 20 قدما، و600 دولار لكل حاوية سعة 40 قدما، مشيرة إلى أنه قد يتم تطبيق رسوم إضافية متعلقة بشحنات الوقود، ورسوم إضافية متعلقة بالأمن، ورسوم أخرى مثل رسوم الطوارئ والرسوم المحلية.
وقبل الحرب، كانت رسوم نقل البضائع والحاويات تقدر بنحو 800 دولار للحاوية سعة 20 قدما، وطبقت شركات النقل البحري أول زيادة في الرسوم للشحنات إلى اليمن، في مايو/أيار 2015، بمقدار 300 دولار إضافية لكل حاوية سعة 20 قدما، و600 دولار لكل حاوية سعة 40 قدما.
ونقلت وسائل إعلام عن مصادر في ميناء عدن إن تكاليف نقل البضائع للحاوية 20 قدماً، وصلت حاليا إلى 1500 دولار، بينما تكلفة النقل لنفس الحاوية إلى موانئ الدول المجاورة لا تتجاوز 500 دولار في المتوسط.
تعقيدات وضغوط
وحذّر رئيس مؤسسة موانئ خليج عدن، محمد أمزربة، في 16 يناير/كانون الثاني، من أزمة اقتصادية بسبب توقف بعض الخطوط المنتظمة لنقل البضائع المتجهة إلى ميناء عدن، بسبب تأخير إصدار التصاريح.
وأوضح أمزربة، في رسالة إلى وزير النقل في حكومة هادي، أن هناك 13 سفينة، موجودة في منطقة الانتظار لميناء عدن، تنتظر الحصول على تصاريح الدخول، في الوقت الذي يكون لدى الميناء مراسٍ فارغة.
وأكد أن توقف الخطوط المنتظمة يعني مزيداً من الضغط الاقتصادي على اليمن، ومزيداً من الخسائر، والذي ينعكس مباشرة على المواطن اليمني. مشيراً إلى أن اليمن مصنف لدى شركات التأمين كمنطقة حرب، وبالتالي يتم فرض أقساط تأمين إضافية على السفن الزائرة.
وقال رئيس موانئ عدن أنه" كلما طالت مدة بقائها زادت مبالغ التأمين، موضحاً أن مبالغ التأمين تنعكس سلبا على المواطن، الذي يعاني أصلا من انهيار المنظومة الاقتصادية".
وأكد أن التأخير في إصدار التصاريح، يؤدي إلى إرباك عملية دخول السفن، ويصبح من البديهي لملاك السفن العزوف عن نقل البضائع للموانئ اليمنية، أو المخاطرة بوضع شروط نقل بحري غاية في التعقيد.
تهديدات محتملة
وحذّرت هيئات عالمية للنقل البحري، نهاية الأسبوع الماضي، من تهديدات محتملة للشحن التجاري في البحر الأحمر وباب المندب، ويشمل ذلك الصواريخ والألغام والمتفجرات، ومخاطر أخرى ناتجة عن النزاع الدائر في اليمن.
ونشرت الهيئات إرشادات مؤقتة بشأن الأمن البحري في جنوب البحر الأحمر وباب المندب، وأكدت أنه ينبغي أن يكون مالكو السفن ومشغلوها على بيّنة من التهديدات الجديدة في المنطقة، ومنها الصواريخ.
وبجانب ارتفاع رسوم الشحن التجاري بصورة قياسية، تسببت الاضطرابات الأمنية وتقاسم المناطق بين الحكومة والحوثيين، في ارتفاع كبير في أجور النقل البري الداخلي للشحنات التجارية، وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع من المواد الأساسية.
وكان صالح الصماد، القيادي في جماعة الحوثي ورئيس ما يُعرف بـ "المجلس السياسي الأعلى"، هدد في التاسع من يناير/ كانون الثاني بإغلاق البحر الأحمر أمام الملاحة الدولية في حال استمر هجوم قوات التحالف على الحديدة.
وبدعوى منع وصول الصواريخ الإيرانية إلى جماعة الحوثيين، يفرض التحالف العسكري، إجراءات أمنية تدفع الخطوط الملاحية إلى مغادرة الموانئ اليمنية، وتحاصر النشاط التجاري في البلد الذي يستورد 90% من احتياجاته.
وتسببت إجراءات التحالف في تأخير دخول 13 سفينة إلى ميناء عدن، منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول الماضي. كما تسبب إغلاق ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين، أمام الشحنات التجارية، إلى تحويل السفن مسارها نحو ميناء عدن في العاصمة المؤقتة لليمن.
تطورات مفصلية
ويبدو الجنوب اليمني مقبلاً على تطورات مفصلية، بعد اشتراط المجلس الانتقالي، تغيير حكومة أحمد عبيد بن دغر، وانفجار الوضع إلى مواجهات مسلحة. وفي نظر محللين فلا يمكن قراءة الأحداث المحلية، بمعزل عن التحركات التي قامت بها الأطراف المختلفة في اليمن والجنوب تحديداً.
وسبق دعوة المجلس الانتقالي الجنوبي لإسقاط حكومة بن دغر تطورات عدة على مستوى التحالف وحكومة بن دغر التي استقرت أخيراً في عدن، وأعلنت في وقت سابق من شهر يناير أول موازنة للبلد منذ 2014م، بعد توقف لثلاث سنوات، بسبب الحرب الدائرة.
ووفقاً لانتقادات مراقبين تكشف بنود الموازنة عن تقسيم سياسي للدولة، بعد أن قصرت الإنفاق على المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة فقط، واستبعدت المناطق الأخرى الخاضعة لسيطرة الحوثيين، والتي تضم نحو نصف سكان اليمن.
ويعيش حوالي نصف سكان اليمن، البالغ عددهم 26.8 مليون نسمة، في مناطق متأثرة مباشرة بالحرب، الذي أدى إلى انهيار المؤسسات الاقتصادية، وصعود قياسي في أسعار المواد الغذائية والوقود، وفق بيانات الأمم المتحدة.
ويستورد اليمن نحو 90% من احتياجاته اليومية من المواد الغذائية الأساسية، مثل القمح والأرز، والوقود الذي وصل مخزونه الآن إلى مستوى حرج بحلول ديسمبر الماضي، حسب تقارير الأمم المتحدة.
ويبدو أن استقرار حكومة بن دغر في عدن كان من شأنه أن يحرك عجلة التنمية ويكرس الاستقرار الأمني ولو نسبياً، بحسب ما يراه مراقبين. غير أن هناك من ينظر إلى هذه الحكومة بأنها لم تحقق القدر المطلوب مما كان يأمله المواطن، ولم تكن عند قدر التطلعات، وأنها أخفقت في جوانب كثير.
ومنذ إعلان تحريرها من الحوثيين في يوليو/ تموز 2015، عاشت عدن موجة من الصراعات بين القيادات والفصائل المحلية، وبين القيادات والأطراف اليمنية الداعمة للحكومة الشرعية، التي واجهت العديد من العراقيل، في طريق استقرارها الكلي في المدينة.
ورغم مضي أكثر من عامين ونصف العام على إعلانها "محررة"، لم تتوفّر إلى الآن الظروف الكفيلة بتحويل عدن إلى عاصمة مؤقتة فعلياً لليمنيين، بقدر ما أصبحت تتنازع الحكومة الشرعية والقوى الأخرى السيطرة فيها، في حين لا يزال الرئيس هادي والعديد من قيادات الدولة في العاصمة السعودية الرياض.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد