الإعلام المسموع في زمن الحوثي.. خطاب طائفي غير سوي

2018-02-11 19:21:31 أخبار اليوم/ تقرير

على مدى خمسة وأربعون عاما لم يسمع اليمنيون عبر أثير عاصمتهم التاريخية، سوى إذاعة واحدة، وهي إذاعة صنعاء الناطقة باسم الحكومة والمعبرة عن سياسات وتوجهات النظام السابق، والذي احتكر الإعلام المسموع ومنع من تعدد وانتشار الإذاعات الخاصة، وحتى عندما سمح نظام صالح من افتتاح إذاعة «يمن اف ام » الخاصة قبيل اندلاع الثورة الشبابية السلمية في فبراير من العام 2011، كانت تلك الإذاعة تتبع حزبه “المؤتمر الشعبي العام “لتكمل ذات الدور الذي قامت به إذاعة صنعاء منذ عقود طويلة.

وعقب ثورة 11 من فبراير شهد الإعلام المسموع في اليمن انفتاحا غير مسبوق حيث حصل ظهور إذاعات محلية خاصة كثيرة وسقف تناولها للقضايا السياسية وعقب إزاحة صالح من السلطة في اليمن .
وفي العام 2012 منحت الحكومة اليمنية ممثلة بوزارة الإعلام الحق في منح الإذاعات المحلية غير الحكومية تراخيص مزاولة العمل حتى إقرار قانون الإعلام السمعي والبصري والالكتروني ولائحته التنفيذية، وكان من أوائل الإذاعات عقب تلك المرحلة إذاعة «يمن تايمز» التابعة لصحيفة «يمن تايمز» التي تملكها نادية السقاف والتي عينها الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، فيما بعد وزيرة للإعلام.
ومن ثم جاءت إذاعات أخرى كإذاعة «صوت اليمن» المملوكة للمذيع في إذاعة صنعاء مجلي الصمدي، ومن ثم افتتحت «إذاعة حياة أف أم» المملوكة لرجل الأعمال الكبوس، وإذاعة ناس «إف إم » الممولة من رجال أعمال يمنيين.
إذاعات حوثية
وما أن تنفس الإعلام المسموع الحرية في صنعاء حتى أشهر قليلة من انقلاب الحوثيين على الدولة اليمنية في 21سبتمبر/أيلول من العام 2014، عمد الحوثيون على إنشاء إذاعات محلية وفق خطة إعلامية مدروسة تهدف إلى تعزيز حضورها وثقافتها في المجتمع وصفها مراقبون خطابها تحريض ويدعوا للعنف والطائفية، والتهيئة لتقبل الناس بما قاموا به ومازالون من سياسة القمع وتزييف الوعي الوطني السوي.
كانت أول إذاعة حوثية في صنعاء هي إذاعة “سام اف ام، وعقب نجاح الانقلاب اقتحم الحوثيون إذاعتي ”حياة أف أم” و“ناس اف ام “، وقاموا بنهب معدات تلك الإذاعتين، كما توقفت في تلك الفترة إذاعة خاصة بـ “القرءان الكريم”، حينها افتتح الحوثيون إذاعات جديدة كـ”إذاعة صوت الشعب”، ووسعوا بث قناة “المسيرة” التابعة لهم إلى راديو سمعي يبث على موجة آلاف ام ، وكثف الحوثيون حضورهم الإعلامي، عبر الموجات الإذاعية، نظراً لقدرتها على الانتشار والتوسع في نطاق جغرافي كبير وبتكلفة أقل.
استقطابات
ومنذ العام 2014 حتى اليوم تزايد عدد الإذاعات المحلية ،حيث استغل عدد من رجال الأعمال المحسوبين على جماعة الحوثي ، وآخرين يبحثون عن المال والربح السريع توقف صدور عدد كبير من الصحف التي كانت تستقطب المعلنين، لينشئوا إذاعات محلية بهدف إيصال رسائل وأهداف الحركة الحوثية إلى الرأي العام المحلي من جهة، ومن جهة أخرى استقطاب عدداً كبيراً من المعلنين الذين وجدوا في الإذاعات نافذة لإعلاناتهم خصوصاً مع أسعار الإعلانات المخفضة مقارنة بالصحف والتلفزيون.
ويغطي بث تلك الإذاعات ضواحي صنعاء، ويصل بث بعضها إلى المحافظات القريبة مثل ذمار وعمران والمحويت وحجة،بل يصل بث بعض هذه الإذاعات إلى مختلف المحافظات اليمنية.
ومثلت الإذاعات المحلية نافذة إعلانية مناسبة في ظل ما باتت تمثله صنعاء كسوق كبير مع تزايد عدد السكان جراء النزوح إليها من مناطق النزاع المسلح في البلاد منذ نحو ثلاثة أعوام.
تشابك المصالح
وحسب تصنيف إعلاميين، فقد انقسمت الإذاعات التي تبث في العاصمة صنعاء إلى خمسة أقسام: القسم الأول: إذاعات حكومية تمول من ميزانية الدولة تحت سيطرة الحوثيين وهي(إذاعة “صنعاء”، إذاعة “الشباب”، إذاعة “العاصمة” التابعة لديوان عام أمانة العاصمة صنعاء، إذاعة ” وطن ” التابعة لوزارة الداخلية التي يسيطر عليها الحوثيون، وإذاعة “الإعلام” التابعة لكلية الإعلام بجامعة صنعاء )، وكل البرامج التي تبث في تلك الإذاعات هي موجهة بحسب سياسة الحركة الحوثية.
أما القسم الثاني من الإذاعات المحلية التي تبث اليوم في العاصمة صنعاء فهي إذاعات تُـعرف نفسها للناس على أنها تتبع الحركة الحوثية مباشرة وهي (إذاعة “سام اف” ام ويديرها الإعلامي المقرب من زعيم الحركة الحوثية حمود شرف الدين ،و إذاعة صوت الشعب ويديرها أحمد المختفي أحد القيادات الحوثية المنتمية لمحافظة صعدة والذي درس في معهد إعلامي يتبع حزب الله اللبناني في بيروت منذ سنوات طويلة.
وإذاعة “الهوية” والتي يديرها القيادي الحوثي محمد العماد، وإذاعة” 21 سبتمبر ” والتي افتتحت قبل أيام .، القسم الثالث من الإذاعات التي تعمل اليوم في صنعاء وهي إذاعات يملكها رجال أعمال حوثيين (كإذاعة “إيرام اف ام” المملوكة لوليد محسن الوشلي، وإذاعة “يمن ميوزك “المملوكة لوليد السراجي )، القسم الخامس من الإذاعات العاملة اليوم في صنعاء وهي إذاعات تعرضت للسطو من قبل الجماعة الحوثية (كإذاعة يمن اف والبث الصوتي لقناة اليمن اليوم التابعتين لحزب المؤتمر واللتين احكما الحوثيون السيطرة عليهما عقب قتلهم الرئيس الراحل صالح .).
الإذاعات المجتمعية والتجارية تندرج ضمن القسم الخامس من الإذاعات التي ماتزال تعمل اليوم في صنعاء وهي إذاعات تتبع رجال أعمال يبحثون عن الربح المادي (كإذاعة “طيرمانه اف ام” التي تبث برامجها باللغة الإنجليزية والمملوكة لرجل الأعمال الكباب، وإذاعة “جراند اف ام” المملوكة لشركة إخوان ثابت التجارية ، وإذاعة “برق اف ام “المملوكة لرجل الأعمال الباشا ، وإذاعة “ألوان اف ام “المملوكة لرجل الأعمال منذر العريقي، وإذاعات “هواء اليمن” و”صوت اليمن “و”يمن تايمز” و”بانوراما اف ام ” و”صحتك اف ام “المملوكة لمجموعة من رجال الأعمال اليمنيين المقيمين داخل اليمن وخارجه، وفي ذات التصنيف هناك إذاعات تبث اليوم في صنعاء وتتبع منظمات مجتمعية كإذاعتي “اف ام شباب “والتي تتبع الاتحاد العام لشباب اليمن، وإذاعة “مواهب اف ام” للأطفال والتي تتبع منظمة المركز الإعلامي للتدريب والتنمية.
سياسة العداء
وتسعى جماعة الحوثي لإصباغ الإذاعات المحلية في العاصمة صنعاء بلون واحد وفرض طقوس وأفكار طائفية مستوردة ودخيلة عن المجتمع اليمني في البرامج التي تبثها الإذاعات المحلية الغير تابعة لها.
وأكدت مصادر إعلامية أن الحوثيون أصدروا سلسلة توجيهات للقائمين على تلك الإذاعات من بينها: إلزام جميع الإذاعات ببث برنامج موحد ضد الحكومة الشرعية ودول التحالف العربي لاستعادتها بعنوان "العدوان يوحدنا" ، كما منع الحوثيون بث التلاوات القرآنية بصوت مقرئين خليجيين، بالإضافة إلى توجيههم بمنع بث الأغاني الخليجية .
وفي ذات السياق كشفت دراسة صادرة عن مركز الدراسات و الإعلام الاقتصادي بأن الإذاعات في اليمن ما زال دورها ضعيف جدا تجاه قضايا الخدمات الأساسية كالكهرباء والمياه ومشاكل الطرقات والمشاكل الأمنية حيث تمثل نسبة 20 % فقط.
بينما تحتل المادة الترفيهية والغنائية والرياضية والسياسية ما نسبته 80 % من برامج هذه الإذاعات، (في إشارة من الدراسة إلى الإذاعات التجارية التي تبث في العاصمة صنعاء).
و أوضحت الدراسة بأن هذه الإذاعات غابت عن برامجها قضايا هامة منها: الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية والمشتقات النفطية، الأضرار التي تعرض لها القطاع الزراعي بسبب ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، البطالة وغياب فرص العمل، انقطاع الرواتب وأثرها على الأسر محدودة الدخل، توقف المرافق الصحية والتعليمية في الريف، التلاعب في معايير القبول في الكليات، التفكك الأسري، غياب الحقوق والحريات في ظل الحرب القائمة في اليمن، القضايا الأمنية المتمثلة بانتشار السرقة والنهب والقتل والتقطعات والثأر والاختطافات.
إضافة إلى الانقطاع المستمر لشبكة الكهرباء، وندرة البرامج الخاصة بالمرأة في ظل استمرار الصراع القائم في اليمن تتمثل في النزوح وانقطاع الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء وغياب الخدمات الصحية خاصة خدمات صحة المرأة والطفل، حالات الاغتصاب المتزايدة، ضحايا المواجهات العسكرية من النساء، وغيرها من المشاكل التي تواجهها المرأة في اليمن.
كما كشفت الدراسة عن هيمنة المركزية الشديدة في اتخاذ القرارات داخل هذه الإذاعات مما يؤثر في تناول الأحداث المختلفة وبالتالي في المستوى المهني والحرفي للإذاعة. حيث تتحكم الإدارة في العمل الفني والتحريري والمهني داخل الإذاعة بما يعوق روح التجديد والابتكار ويحد من سقف الحريات المسموح بها.
قمح للحريات
وفي هذا الإطار يقول مصطفى نصر رئيس مركز الدراسات و الإعلام الاقتصادي في حديثه لـ"المشاهد": "إجمالا هناك تراجع في سقف الحريات بشكل عام نتيجة للحرب التي حدت من سقف الحريات الصحفية بشكل عام ،ووجدت حالة من النزق".
وأضاف: "وبالنسبة للإذاعات الموجودة تحت سيطرة الحوثيين بكل تأكيد أصبحت بلون واحد لان معظم هذه الإذاعات أصبحت تأتمر بأوامر جماعة الحوثي ، وبالتالي مساحة الحرية فيها ضئيلة جدا، ومساحة الانتقاد للسلطات القائمة محدودة رغم أنها أكثر صوتا وانتشارا كونها ورثت كل المؤسسات الإعلامية للدولة ،والإذاعات أيضا التي كانت تمتلك بنية جيدة سيما في صنعاء والمحافظات الرئيسية التي يسيطرون عليها، وأيضا قمعت جماعة الحوثي وأغلقت الكثير من الإذاعات التي كانت معارضة لها"
وأوصت الدراسة التي أطلقها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي أواخر العام 2017 إلى “ضرورة تركيز الإذاعات على القضايا ذات الأولوية لدى المجتمع والمرتبطة بحياة المواطنين ومعيشتهم، ووضع خطط توعية إعلامية لتشجيع إقبال المرأة على العمل وتغيير النظرة السلبية تجاهها. إضافة إلى تصميم برامج إذاعية موجهة للمرأة لمناقشة احتياجاتها وأولوياتها والتحديات التي تعيق مشاركتها الفاعلة في شتى المجالات. وإعداد و بث برامج إذاعية خاصة بمحو أمية المرأة الأبجدية و الثقافية و السياسية.
كما أوصت الدراسة على ضرورة أن تعمل الإذاعات من خلال ما تقدمه من مضامين على زيادة مجالات التواصل بين المستمعين و الجهات الحكومية من خلال إتاحة الفرصة للمستمعين لعرض مشكلاتهم و حلها من قبل المسئولين، وذلك لتحقيق جماهيرية واسعة وسط المستمعين وبالتالي انعكاس على مستوى الاستماع للإذاعة.
وأوصت الدراسة إلى ضرورة العمل على رفع معدلات مشاركة العاملين في اتخاذ القرارات المختلفة الخاصة بالمؤسسة الإذاعية وما تقدمه من مضامين، لكي يشعروا بانتمائهم لمؤسسة وقيمة أرائهم بما ينعكس على أدائهم في العمل وضرورة وضع ميثاق شرف مهني لتعريف العاملين بحقوقهم وواجباتهم وتنظيم الضوابط المطبقة عليهم والعمل على حمايتهم عند اللزوم وذلك في ظل حماية الكلمة وإعمال مبادئ حرية الصحافة المكفولة بالدستور، وضرورة العمل على توفير فرص التدريب المستمر للعاملين بالخدمات الإذاعية مع التركيز على التدريب العملي والمناقشات الجماعية.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد