شبح حرب المياه يقترب من دول حوض النيل .. الأصابع الصهيونية والأميرگية \لعبة مياه النيل!

2009-08-02 03:40:29

محمد جمال عرفة

بفشل اجتماعات وزراء دول حوض النيل العشر في الإسكندرية، يقترب شبح حرب المياه من منطقة النيل، ويوشك أن يظلل سماء المنطقة بالسواد، لأن مواقف دول منابع النيل ودول المصب لا تتزعزع خطوة واحدة، والمهلة التي أعطيت لمدة ستة أشهر للتوصل لاتفاق تعد مجرد محاولة لتفادي هذه الحرب القادمة.

وبعد ستة أشهر بالضبط، وتحديدا في يناير 2010، عندما تنتهي مهلة ال 6 أشهر للتوصل لاتفاق إطاري لكل دول النيل، قد نشهد طبول حرب خطيرة غير عادية في منطقة النيل تهدد الحياة، لأن مصر لن تقبل بأي حال من الأحوال أن يمس أمنها المائي الذي هو الخط الأول في منظومة الأمن القومي المصري.

اجتماعات الإسكندرية الأخيرة التي انتهت الثلاثاء الماضي لم تتطرق لتفاصيل الخلاف بين دول منابع النيل ودول المصب، واقتصرت على مناقشة المشروعات المشتركة وجس النبض بشأن احتمالات تنازل أي من الفريقين عن مطالبه وجاءت المحصلة محبطة، لتؤكد تشدد كل طرف في موقفه خصوصا القاهرة التي تعتبر الأمر مسألة حياة أو موت؛ مما يتطلب تدخلا على أعلى مستوى وربما لقاء قمة بين قادة دول حوض النيل لنزع فتيل الانفجار.

قصة الأزمة

وقد تصاعدت أزمة المياه الحادة هذه منذ بداية شهر مايو الماضي بين دول حوض النيل الإفريقية ال 10 بسبب مطالب قديمة لدول منابع النيل السبع بإعادة توزيع أنصبة مياه النيل المقسمة في اتفاقية عام 1929، والتي تعطي لمصر بموجبها 55. 5 مليار متر مكعب من المياه، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت حروب المياه قد بدأت مبكرا في المنطقة، فضلا عن سر تحريك هذه المطالب الآن، ومن يقف وراء إثارتها.

فخلال لقاء وزراء المياه في كينشاسا بالكونغو، 21 مايو 2009، كان مقررا وضع الترتيبات النهائية لاتفاقية إطارية بين دول حوض النيل بدلا من الاتفاقيات الثنائية الحالية، لكن مصر فوجئت أن الاتفاقية خلت من النص على حقوقها المائية السابقة، وأعطت دول المصب الحق في بناء ما تشاء من سدود ومشاريع قد تحجب المياه عن مصر، ولذلك رفضت توقيع هذا "الإطار القانونى والمؤسسي لمياه النيل"، وبدأت القاهرة تغير من لهجتها من اللين إلى الشدة، وانعكس هذا على التغيير الوزاري المفاجئ لوزير الموارد المائية.

ولم ينص الإطار القانوني والمؤسسي الذي طرحته دول المنبع على حصة مصر من المياه أو حقها في الفيتو لو أقامت أية دولة منشآت على النيل تعوق وصول المياه، ولذلك طالبت مصر أن تتضمن الاتفاقية في البند رقم (14 ب) الخاص بالأمن المائي نصاً صريحاً يتضمن عدم المساس بحصة مصر من مياه النيل وحقوقها التاريخية في مياه النيل وأن ينص على الإبلاغ المسبق عن أي مشروعات تقوم بها دول أعالي النيل.

واشترطت مصر أيضا للتوقيع على هذا الاتفاق ضرورة تعديل البند رقم 34 أ و34 ب بحيث تكون جميع القرارات الخاصة بتعديل أي من بنود الاتفاقية أو الملاحق بالإجماع وليس بالأغلبية، وفي حالة التمسك بالأغلبية؛ فيجب أن تشمل الأغلبية دولتي المصب (مصر والسودان) لتجنب عدم انقسام دول الحوض ما بين دول المنابع التي تمثل الأغلبية ودولتي المصب اللتان تمثلان الأقلية.

وحلاً للمشكلة اقترحت دول المنابع السبع أن يتم وضع البند الخاص بالأمن المائي رقم 14 ب في ملحق للاتفاقية وإعادة صياغته بما يضمن توافق دول الحوض حوله خلال ستة أشهر من تاريخ توقيع الاتفاقية وإنشاء هيئة حوض النيل المقترحة في اتفاقية، ولكن مصر رفضت هذا المقترح وطرحت بدلا منه صيغة توافقية، وفشل الاجتماع لتمسك كل طرف بموقفه، وتكرر هذا الفشل في اجتماع الإسكندرية في 28 يوليو 2009؛ فتقرر إعطاء مهلة ستة أشهر للتوافق.

وكي لا يتيه القارئ في تفاصيل غامضة، نشير لأن القصة كلها ترجع إلى اتفاقية 1929 التي أبرمتها بريطانيا باسم مستعمراتها في شرق إفريقيا مع مصر، وهي حددت نصيب مصر من مياه النيل ب 55. 5 مليار متر مكعب، وألزمت دول منابع النيل وبحيرة فيكتوريا بعدم القيام بأي مشاريع مياه بدون موافقة مصر، وتمنح هذه الاتفاقية مصر حق النقض "الفيتو" على أي مشروع بشأن مياه نهر النيل من شأنه التأثير على منسوب مياه النيل التي تصل إلى مصر، باعتبارها دولة المصب.

والجديد هو أن دول المنبع الإفريقية - التي تنبع مياه النيل من أراضيها وتصب في مصر والسودان- بدأت تطالب منذ عام 2004 بحقها في إقامة مشاريع سدود وجسور على مسار النيل بحجة توليد الكهرباء والزراعة الدائمة بدل الزراعة الموسمية، وتطالب بتوقيع اتفاق جديد بخلاف اتفاق 1929 بدعوى أن من وقع الاتفاق هو بريطانيا التي كانت تحتل أوغندا وإثيوبيا وبقية دول منابع النيل، وظهر أن وراء هذه التحركات الإفريقية أصابع أمريكية وصهيونية للضغط على كل من مصر والسودان.

وقد وصل الأمر لحد قول وزير الثروة المائية التنزاني "إن بلاده ستمد أنابيب بحوالى 170 كيلو مترا من بحيرة فيكتوريا لتوصيلها إلى حوالي 24 قرية وأجزاء واسعة في الشمال الغربي لبلاده تتعرض لأزمة المياه والجفاف"، وأنها (تنزانيا) لا تعترف باتفاقية مياه النيل التي تعطي الحق لمصر على أن توافق أو لا توافق على أي مشروع يقترحه أي طرف من أطراف دول حوض النيل للاستفادة من المياه قائلا أنه اتفاق "لا يلزم بلاده، وأنها لن تلتزم بهذا الاتفاق وستمضي قدما في إنشاء مشاريعها دون استشارة مصر".

ومع أن الهدف من اجتماع الإسكندرية الأخير كان التغلب على الخلافات التي ظهرت في اجتماع كينشاسا بالكونغو في مايو الماضي الذي رفضت فيه مصر توقيع الاتفاقية؛ فقد فشل هذا الاجتماع أيضا في التقريب بين وجهتي نظر الطرفين.

ثلاثة خطوط حمراء

ووفقا لمصادر حكومية مصرية، فقد سعت دول منابع النيل -في الاتفاقية الإطارية التي رفضتها مصر- لتغيير ثلاثة خطوط حمراء ترفض مصر بشدة تغييرها هي:

1 تغيير عبارة "موافقة بقية الدول" التي تعني ضرورة موافقة باقي دول النيل على أي مشاريع على النيل (خصوصا موافقة مصر) بعبارة "إخطار عند إقامة أي مشروعات جديدة في إحدى دول الحوض" التي تعني مجرد إخطار مصر بأي مشاريع سدود دون أن يكون لها حق الفيتو وفق الاتفاقيات القديمة.

2 تغيير كلمة "الأغلبية" التي تعني ضرورة موافقة دولتي المصب (مصر والسودان) بكلمة "الإجماع التي تعني موافقة 7 دول هي دول المنبع على أي مشاريع وتجاهل موافقة دولتي المصب فقط!.

3 تغيير عبارة "إنشاء سدود لتوليد الكهرباء"، التي تعني السماح فقط لهذه الدول ببناء سدود لتوليد الكهرباء تمر منها المياه لمصر، إلى عبارة أخرى صريحة تقول: "إنشاء سدود لصرف أو حجز مياه"!.

وقد اعترضت القاهرة على هذه التعديلات واعتبرتها "لاءات ثلاثة" لا يجوز التنازل عنها.

أصابع صهيونية وأمريكية!

والحقيقة أن هناك أصابع صهيونية وأمريكية تشجع دول منابع النيل على المضي في خططها التي ستضر مصر، من خلال عروض قدمتها شركات صهيونية وأمريكية لتمويل مشاريع المياه الإفريقية التي تعارضها مصر لأنها ستنقص من حصتها المائية، وأثبت هذا وزير الموارد المائية المصري السابق الدكتور محمود أبو زيد في تصريح له يوم 11 مارس الماضي عندما حذر في بيان له حول أزمة المياه في الوطن العربي ألقاه أمام لجنة الشئون العربية من تزايد النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في منطقة حوض النيل من خلال "السيطرة على اقتصاديات دول الحوض وتقديم مساعدات فنية ومالية ضخمة"، بحسب تعبيره!.

والجديد في هذا التدخل الصهيوني الأمريكي هو طرح فكرة "تدويل المياه" أو تدويل مياه الأنهار من خلال هيئة مشتركة من مختلف الدول المتشاطئة في نهر ما، والهدف من ذلك هو الوقيعة بين مصر ودول حوض النيل. وقد ألمح وزير الموارد المائية المصري السابق الدكتور أبو زيد في فبراير 2009 إلى وجود مخطط إسرائيلي - أمريكي للضغط على مصر لإمداد تل أبيب بالمياه بالحديث عن قضية "تدويل الأنهار"، وأكد أن إسرائيل لن تحصل على قطرة واحدة من مياه النيل.

إسرائيل. . الدولة رقم 11 في النيل!

وتكمن خطورة الخلاف الحالي بين دول منابع النيل ودول المصب في تصاعد التدخل الصهيوني في الأزمة عبر إغراء دول المصب بمشاريع وجسور وسدود بتسهيلات غير عادية تشارك فيها شركات أمريكية، بحيث تبدو الدولة الصهيونية وكأنها إحدى دول حوض النيل المتحكمة فيه أو بمعنى آخر هي الدولة "رقم 11" في منظومة حوض النيل. والهدف بالطبع هو إضعاف مصر التي لن تكفيها أصلا كمية المياه الحالية مستقبلا بسبب تزايد السكان، والضغط على مصر عبر فكرة مد تل أبيب بمياه النيل عبر أنابيب، وهو المشروع الذي رفضته مصر عدة مرات ولا يمكنها عمليا تنفيذه حتى لو أردت لأنها تعاني من قلة نصيب الفرد المصري من المياه، كما أن خطوة كهذه تتطلب أخذ إذن دول المنبع!.

فالدولة الصهيونية تطمح في أن يكون لها بصورة غير مباشرة اليد الطولى في التأثير على حصة مياه النيل الواردة لمصر، وبدرجة أقل السودان؛ وذلك كورقة ضغط على مصر للتسليم في النهاية بما تطلبه إسرائيل. وهناك عشرات الوثائق الصهيونية التي ترصد هذا الدور الإسرائيلي في السعي لحصار مصر إفريقياً ومائياً والتحرك مع دول منابع النيل، وهو دور أفلحت فيه تل أبيب ليس لمهارتها وإنما لغياب الدور المصري عن إفريقيا بعكس ما كان عليه في الستينات والسبعينات من القرن الماضي!

محلل سياسي

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد