في انتظار التغيير في السياسة الأميركية.. حروب مستمرة بلا نهاية!

2009-08-03 05:15:07


نبيل زكي

الآن يتجه جورج ميتشل، مبعوث الرئيس الأميركي باراك أوباما، إلى المنطقة لإبلاغنا بأن علينا اتخاذ خطوات تطبيعية مع إسرائيل"!!" متجاهلا التحدي الصارخ من جانب حكومة نتنياهو للموقف الأميركي الداعي إلى وقف الاستيطان والإصرار الاسرائيلي على الاستيلاء على القدس وتهويدها وهدم منازل الفلسطينيين وفرض الأمر الواقع. فهل تراجع أوباما أم أن هذا هو موقفه؟. . وكل ما حدث هو أننا تصورنا أنه يختلف عن الرئيس الأميركي السابق بوش! هناك في الولايات المتحدة الآن من يعتقدون أن هذه هي الفترة الرئاسية الثالثة لجورج بوش الابن "!" لأنه لم يحدث تغيير حقيقي في السياسة الأميركية، أم أننا نتعجل الأمور وعلينا أن ننتظر لفترة أطول قبل أن نصدر حكمنا على سياسة أوباما؟.

ثمانية أعوام تقريبا انقضت على بدء الحرب في أفغانستان، ولا يوجد ما يشير إلى نهاية قريبة، ثمانية أعوام مرت على سقوط نظام طالبان. . ومع ذلك، فإن البلاد تحاول، بلا جدوى، البقاء على قيد الحياة، وفي ظل أكثر الظروف قساوة وضراوة ووحشية: فساد- ومؤسسات للدولة عاجزة وغير فعالة- آلاف الأميال من الحدود لا تخضع لأي حراسة- أمية متفشية بين أعداد ضخمة من سكان الريف- رئيس ضعيف- تحالف يعاني من الخلل الوظيفي- تطرف ديني يحكم البلاد. . .

ثمانية أعوام. . ولا توجد أية دلائل على تحسن الأوضاع في أفغانستان، والهجمات التي تشنها قوات ما يسمى بالائتلاف الدولي تتصاعد، وكذلك الغارات الجوية الأميركية، بينما يشن مقاتلو حركة طالبان هجمات جريئة في أنحاء البلاد حتى أن البعض بدأ يخشى من أن تؤدي هذه الحرب في أفغانستان إلى تقويض الاستقرار في جمهورية طاجيكستان، كما حدث في باكستان! بل إن شهر يوليو الحالي هو أسوأ الشهور بالنسبة للقوات الأميركية في أفغانستان؛ فقد لقي أكثر من ثلاثين جنديا مصرعهم "وكان الرقم 28 في الشهر الماضي".

وكما هو معروف فإنه توجد في أفغانستان قوات أميركية وبريطانية وكندية وألمانية وقوات تابعة لدول أخرى في حلف الأطلنطي. وقد بلغ عدد القتلى من القوات الأجنبية خمسة وخمسين قتيلا في شهر يوليو "كان الرقم 46 في شهر يونيو". ويقدر عدد القتلى من الجنود الأجانب منذ بداية التدخل العسكري الغربي في أفغانستان بأكثر من 746 جنديا. ويقول مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية وفي حلف الأطلنطي إن هذه السنة هي الأكثر دموية منذ 2001.

ورغم أن عدد القتلى من الجنود المحاربين في أفغانستان سواء من أميركا أو غيرها، بلغ رقما قياسيا في هذا الشهر، إلا أن جوزيف بايدن، نائب الرئيس الأميركي، أعلن مؤخرا أنه يتوقع زيادة عدد الجنود الغربيين القتلى في الحرب الأفغانية "التي تستحق التضحية" على حد تعبيره!

ومع ذلك، فإن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، تخطط لإجراء انتخابات رئاسية في أفغانستان في الشهر القادم "أغسطس" ولا يعرف أحد الكيفية التي ستجرى بها هذه الانتخابات وسط هذا العنف المتصاعد "!" وخاصة بعد محاولة اغتيال محمد قاسم فهيم، المرشح لمنصب نائب الرئيس حميد كرزاي، وهي المحاولة التي نجا منها بأعجوبة!

استراتيجية جديدة

عدد القوات الأميركية في أفغانستان حوالي سبعين ألف جندي؛ وقام الرئيس أوباما بإرسال تعزيزات جديدة يقدر عدد جنودها بحوالي 21 ألف جندي إضافي، وتكشف الاستراتيجية الجديدة التي وضعها الرئيس أوباما- كما جاء في الكتاب الأبيض الذي وزعه البيت الأبيض- أن توسيع الحرب لتشمل باكستان هو أساس هذه الاستراتيجية.

ويبدو. . أن كل الطرق تؤدي إلى باكستان حيث ستحصل حكومتها على مليارات الدولارات كمعونة جديدة في مقابل الالتزام بتقديم كل التسهيلات لهذه الحرب التي تتركز على مناطق محددة، وخاصة الحدودية مع أفغانستان "ستحصل إسلام آباد على خمسة مليارات دولار خلال السنوات الخمس القادمة".

وفي بداية هذا الشهر، قام مشاة البحرية الأميركية بشن أكبر عملية برية في أفغانستان منذ الغزو السوفييتي في منتصف الثمانينات، الأمر الذي أثار قلق المسؤولين الباكستانيين من احتمال أن تتوسع العمليات العسكرية الأميركية لتشمل إقليم بلوشستان الباكستاني عبر الحدود. وكان المسؤولون الأميركيون قد اتهموا جهاز المخابرات الباكستانية بأنه يقيم صلات مع الجماعات المتطرفة ويقدم مساندة مباشرة لحركة طالبان في أفغانستان تشمل الأموال والمعدات والتخطيط، وقال هؤلاء المسؤولون إن عناصر من المخابرات الباكستانية تلتقي بانتظام مع قادة طالبان.

وتقول مصادر باكستانية إن هذا الاتهام يستهدف تحميل جهاز المخابرات الباكستانية مسؤولية الفشل الذي يواجه الحرب الأميركية في أفغانستان.

الدرس الخطأ

الآن يطلق المحللون في واشنطن على ما يجري اسم "حرب أوباما"، أي أن أفغانستان هي الحرب التي اختار أن يخوضها كما فعل غيره في فيتنام وكمبوديا ولاوس والعراق. ولا يتعلم الرؤساء الأميركيون من دروس حروب مثل حرب فيتنام مثلا. . أو يتعلمون الدرس الخطأ. فهم لا يتعلمون أن الولايات المتحدة يجب ألا تتدخل في الشأن الداخلي للدول الأخرى، ولكنهم يقنعون أنفسهم بأنه ما دامت أميركا قد تدخلت، فإنها لا يجب أن تتوقف مهما كانت التكاليف البشرية أو المادية.

ويبدو أن الولايات المتحدة تكرر نفس الخطأ في أفغانستان، ولا تدرك أن الحرب هناك يمكن أن تستمر لعقود وتستنزف كل طاقاتها وإمكانياتها، ثم إن الرأي العام الأميركي قد يتقبل استمرار هذه الحرب لفترة زمنية محددة، ولكنه سوف ينقلب ضدها مع مرور الوقت دون أن تظهر نتائج حاسمة ونهائية. وإذا كان المسؤولون الأميركيون يخشون من تفسير الانسحاب الأميركي على أنه علامة ضعف، فإن الاستمرار في الحرب هو الذي يمكن أن يؤدي إلى إضعاف الولايات المتحدة.

نصف عام مضى على دخول الرئيس أوباما البيت الأبيض بعد حملة انتخابية طويلة وعد الناخبين خلالها- وبصورة مستمرة- ب"التغيير" و"استعادة مكانة أميركا في العالم". ومع ذلك، فإن كل الشواهد تدل على أن الإدارة الأميركية الجديدة هي استمرار لإدارة جورج بوش الابن.

صحيح أن ستة أشهر ليست بالمدة الكافية لتقييم سياسة الإدارة الحالية، حيث إن هذه المدة تشكل واحد على ثمانية من فترة الدورة الرئاسية، غير أن باراك أوباما نفسه قال إن انتخابات التجديد النصفي للكونجرس ليست بعيدة "فهي في عام 2010" وإن التغيرات الكبرى تصبح أكثر صعوبة مع مرور الزمن، ومعلوم أنه عقب انتخابات التجديد النصفي. . تبدأ الاستعدادات لحملة انتخابات الرئاسة عام 2012، وعند هذه المرحلة "مرحلة الاستعدادات" تكره واشنطن الإقدام على أي مخاطرة، ويفضل الرؤساء بقاء الأمور على ما هي عليه خوفا من أي تصرف يؤدي إلى رد فعل في غير صالحهم.

لا. . جديد

لماذا نقول إن سياسة أوباما، حتى هذه اللحظة، تشكل استمرارا لسياسة سلفه؟ ما حدث بالنسبة للعراق هو أن الاتفاقية الأمنية التي وقعها بوش مع المسؤولين العراقيين هي السارية المفعول، والتي يجرى تطبيقها؛ وبالتالي، فإن أوباما لم يضف جديدا إلى المسألة العراقية، بل إن هناك إشارات سلبية حول احتمال بقاء القوات الأميركية إلى ما بعد الموعد المحدد للانسحاب، بحجة أن هذا هو ما تريده الحكومة العراقية!

وخلال الحملة الانتخابية، طالب أوباما بزيادة كبيرة في الوجود العسكري الأميركي في أفغانستان على أساس أن الحرب الحقيقية يجب أن تكون على الأرض الأفغانية بغرض محاربة الإرهاب، كما أنه وعد الناخبين بالقبض على أسامة بن لادن أو قتله؛ وبعد أسبوع من توليه الرئاسة، أشار إلى سياسة جديدة في أفغانستان وشرح تفاصيلها في شهر مارس الماضي. غير أن الخطة "الجديدة" لا تحتوي إلا على قدر محدود من العناصر "الجديدة".

فقد سبق أن لجأ بوش إلى زيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان- بطريقة حثيثة وهادئة- قبل ذلك بستة أشهر، كما أن الرئيس الأميركي السابق عين الجنرال ديفيد بتريوس مهندس "التعزيزات العسكرية للقوات الأميركية في العراق" الذي تزعم الدعوة إلى جعل محاربة الإرهاب في مكان الأولوية في الجيش الأميركي، بوصفه رئيس القيادة الوسطى. وكما هو معروف فإن من المؤشرات الهامة للاستمرارية احتفاظ أوباما بوزير الدفاع في عهد بوش وهو روبرت جيتس والإبقاء عليه في نفس منصبه؛ والآن يستكمل كل من الجنرال بتريوس وروبرت جيتس المهمة التي بدأها قبل سنة.

وفيما يتعلق بإيران، فقد كرر أوباما ما كان يقوله بوش حول البرنامج النووي الإيراني واحتمال توصل طهران إلى إنتاج سلاح نووي باعتبار أن ذلك "غير مقبول". وبعد أن كان أوباما يدعو للحوار بدون مهلة زمنية، تراجع أمام الضغط الإسرائيلي، وحدد شهر سبتمبر القادم نهاية للمهلة؛ وهو يدرك أن الخيارات أمامه محدودة فيما يتعلق بإيران. وكان هذا هو نفس اعتقاد سلفه.

على نفس الطريق

وبصرف النظر عن تعبير "اف باك" "الذي يرمز لضرورة النظر إلى أفغانستان وباكستان باعتبارهما "جزءا من استراتيجية واحدة"، وهو ما كان يجرى تطبيقه لسنوات" فإن الولايات المتحدة تمضي في نفس الطريق؛ ولم يكن أوباما موفقا عندما اعتبر أن القبض على أسامة بن لادن هو مقياس مدى فاعلية ونجاح سياسة بوش. وكما هو معلوم، فإن أوباما لم يقبض على بن لادن حتى الآن، وقد لا يتمكن من ذلك. . فإنما يلقي بالكرة في ملعبه هو نفسه دون ضمان لقدرته على إعادة تصويبها نحو الهدف؟

وما زال كيم جونج إيل حاكم كوريا الشمالية يجري اختبارات لإطلاق الصواريخ بعد تجربته النووية الناجحة؛ ويفعل الكوريون ذلك في أي وقت يختارونه ويتجاهلون ضغوط المجتمع الدولي. . رغم ما يقال عن مرض كيم جونج إيل.

أوحال الحروب

وحول العلاقات الأميركية- الروسية، فإن الملاحظ أن التوترات بين المتنافسين الرئيسيين في الحرب الباردة السابقة ما زالت محتدمة رغم الكلمات والعبارات الإنشائية الناعمة.

ويواصل أوباما دعوة الروس إلى ضرورة الابتعاد عن أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، ويكرر مقولة إنه لن يسمح بالفيتو الروسي على توسع حلف الأطلنطي. ورغم أن اتفاقية تجديد معاهدات "ستارت"، والتخفيض المتواضع للترسانات النووية، قوبلت بالترحيب إلا أن المفاوضات مع روسيا بهذا الشأن كانت قد بدأت قبل وقت طويل يسبق تولي أوباما للرئاسة، وبالتالي. . فإن مساهمته تقتصر على توقيعه على المعاهدة.

والمؤكد أن أوروبا الغربية تشعر بارتياح إزاء أوباما، على عكس الحال مع سلفه، الذي كان الأوروبيون يعتبرونه مغرورا ويتخذ مواقف أحادية وينفرد بالقرارات ويفتقر إلى الذكاء. ومع ذلك، فإن الأمور لم تختلف. . فأوروبا لن ترسل المزيد من القوات إلى أفغانستان بصرف النظر عن الطريقة المهذبة والرقيقة التي يستخدمها أوباما في التعامل مع الأوروبيين ودعوته إلى مشاركتهم.

ولا يمكن إغفال أن الدورة الرئاسية الثانية لبوش شهدت بداية تحول- بلا ضجيج- بعيدا عن المحافظين الجدد. وهكذا تم نقل بول وولفويتز إلى البنك الدولي عام 2005، وترك دوجلاس فايت منصبه في نفس العام. وبعد التجديد النصفي للكونجرس في انتخابات نوفمبر 2006 تم إبعاد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد.

ولم يستطع أوباما حتى الآن الخروج من العراق وأفغانستان وباكستان أو حتى من الأزمة الاقتصادية والمالية التي تركها له بوش "!"، بل إنه يزداد تورطا في أوحال الحروب. <

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد