وسط تجاهل مركزي مأرب.. البنوك التجارية والإسلامية متورطة بمضاربة الصرافين بالدولار

«أخبار اليوم» تتقصى الحقائق حول رفض البنوك التعامل بعملة الدولار المطبوعة قبل تاريخ 2006م

2019-01-24 10:01:20 أخبار اليوم/ خاص


يتوافد المئات من المواطنين بشكل يومي إلى مدينة مأرب، ليس نزوحاً هذه المرة، ولا بغرض الاستقرار في المدينة، ولكنها (أي مأرب) معبرهم الأم وخيارهم الأفضل للوصول إلى المشاعر المقدسة، وزيارة البيت الحرام والفوز بثواب العمرة، استفادة من الفرصة السعودية التي خفضت رسوم الشعيرة الثانية بعد الحج، إلى أسعار رمزية، مساهمة في تحقيق أحلام الكثير من المواطنين.
لكن المتوجهين للسعودية بقصد الحج أو العمرة أو العابرين من مأرب إلى سيئون أو المملكة بغرض السفر منهما إلى جهات أخرى بغرض الدراسة أو العمل أو العلاج، انصدموا هم أيضاً بواقع السوق المصرفي في المحافظة، والتي يثار حوله الكثير من الشكوك، في ظل غياب الرقابة الصارمة من الجهات الحكومية المعنية، وفي هذا السياق شكا عدد من المواطنين ممن يريدون التوجه لأداء مناسك العمرة، من تمييز الصرافين بين فئة الدولار حسب تاريخ طباعتها، وصرفهم للمبالغ التي في حوزتهم (تاريخها قديم طباعة 2006 وما قبل) بسعر أقل من سعر الصرف الحالي، كما رفضوا بحسب –شكاوي المواطنين – مبادلة وصرافة مدخراتهم من فئة 100 دولار أمريكي بالريال السعودي، الذين هم في حاجته كونهم قاصدين الأراضي السعودية.
شكاوي سابقة للمواطنين
كانت «أخبار اليوم» قد تناولت في أعداد سابقة، شكاوي المواطنين والتجار، من رفض الصرافين، التعامل وصرف الدولار فئة 100دولار، والصادرة في تاريخ قديم، خصوصاً المطبوعة في تاريخ 2006م، وما قبل ذلك التاريخ.
وناشد التجار عبر الصحيفة الجهات المعنية في البنك المركزي وسلطة المحافظة المحلية وإدارتها الأمنية، للوقوف أمام المشكلة وحلها، متهمين في مناشداتهم البنوك التجارية والإسلامية والحكومية العاملة في المحافظة، بالوقوف خلف الصرافين في المضاربة الربحية، التي يقومون بها للدولارات المطبوعة قديماً، وشرائها وصرفها بأسعار مخالفة للسعر الرسمي، وبفوارق كبيرة نوعاً ما، عن الدولارات المطبوعة حديثا خصوصاً ما بعد تاريخ 2009م.
ولأهمية المضاربة والتمييز في صرف الدولار حسب تاريخ طباعته، وما قد يحدثه ذلك في حال استمرت من مشاكل اقتصادية وعراقيل للتنمية وصعوبات أمام المسافرين للحج والعمرة والدراسة والعلاج، نفذ فريق أخبار اليوم تقريراً استقصائياً ميدانياً شمل بنوك المحافظة، وخرجنا بنتائج مخيبة.
اعتراف بالجريمة
أكدت البنوك التجارية والإسلامية والحكومية في محافظة مأرب، تورطها في عملية التلاعب بسعر صرف الدولار، من خلال رفضها التعامل بفئة 100 دولار الصادر في عام 2006 وما سبقه من أعوام، جاء ذلك خلال زيارات وتحقيقات ميدانية نفذها فريق «أخبار اليوم» للبنوك التجارية والإسلامية والحكومية العاملة في مأرب.
وأكد موظفون في بنوك (سبأ الإسلامي، واليمن الدولي، والتضامن الإسلامي) رفضهم التعامل بعملة الدولار فئة 100 الصادرة قبل تاريخ 2007، زاعمين تارة بأن ذلك تنفيذاً لتوجيهات عليا صادرة من البنك المركزي في عدن والبنك المركزي في مأرب، بعدم التعامل مع عملة الدولار الصادرة قبل عام 2007م، بشكل نهائي.
وتارة أخرى، بأن المواطنين وعملاء البنوك يرفضون التعامل بالعملة القديمة من الدولار، وذلك لما تشهده البلاد من حرب وفوضى، وتضارب في أسعار الصرف.
تشجيع للصرافين
واقترح موظفو البنوك الثلاثة (إسلامية وتجارية) على فريق «أخبار اليوم» أن يقوموا بصرف العملات المالية فئة 100 دولار الصادرة قبل تاريخ 2007 – إن كانت بحوزتهم عملات صادره في ذلك التاريخ – صرفها عند محلات الصرافة، وقبول السعر الذي يقترحه علينا الصرافون وإن كان بفارق صرف كبير عن سعر صرف الدولار الحالي.
وأشار الموظفون إلى رفضهم قبول صرف الدولار الصادر عام 2006م، عرضها عليهم الكثير من عملائهم، مستثنين في ذلك أصحاب الحسابات الذين يريدون السحب من حساباتهم (بالدولار) وصرفها لدى البنك، إذا كان تاريخ صدورها ما قبل التاريخ السابق.
وفي البنوك الحكومية والمختلطة، نفى مدير بنك التسليف الزراعي التعاوني، تعامل البنك في عمليات البيع والشراء للعملات الاجنبية (خصوصاً) الدولار، زاعماً أن البنك لا يتعامل في بيع وشراء الدولار منذ تاريخ 2011م.
وأشار مدير بنك التسليف إلى عدم وجود أي توجيه من البنك المركزي فيما يخص منع تداول عملات الدولار الصادرة ما قبل عام 2006م، لكنه استدرك قائلاً: لا يوجد في مأرب عملات من هذا التاريخ، والتعامل في البنوك ومحلات الصرافة مع الدولار من عام 2009 الأكثر.
وفي بنك الإنشاء والتعمير، اقترح أحد الموظفين (كان موظفان فقط متواجدان)، أن نصرف العملة التي تاريخها قديم، في محلات الصرافة، والقبول بالسعر الذي يعرضونه، وعند سماع المبلغ الافتراضي (20ألف دولار) الذي يريد محرر الصحيفة صرفة، بدأ الموظف بالتفاوض على سعر الصرف الذي سنبيع به، وعند إصرارنا على السعر الرسمي، قال: إن شراء عملة الدولار المطبوعة قبل 2006غير مقبولة، مشيراً إلى أن ذلك بناءً على توجيهات صادرة من البنك المركزي في صنعاء، فالبنك وجميع البنوك في مأرب -حسب كلامه- تتعامل بشكل رسمي مع فرع صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين.
البنك المركزي غائب عن المضاربة
وحمل فريق «أخبار اليوم» روايات ومزاعم الموظفين في البنوك التجارية والإسلامية والمختلطة، إلى إدارة البنك المركزي فرع مأرب، كونه الجهة المخولة بمراقبة عمل البنوك في المحافظة، وضبط أي تلاعب قد يحصل بهدف الإضرار بسعر العملة الوطنية.
كان مدير البنك المركزي بمأرب، غير موجود (لم يحضر للعمل) رغم أن زيارة محرر التقرير في الساعة الحادية عشر أي في ساعتي الدوام الأخيرتين.
وبعد إلحاح على التحدث مع أحد المختصين والمدراء في البنك، أكد العاملون عدم وجود نائب لمدير البنك، أو من يقوم بعمله في غيابه، مقترحين علينا التحدث مع مدير الحسابات، وطرحنا مزاعم البنوك والاتهامات الموجهة للمركزي بمأرب، قبل أن يقاطعنا مدير الحسابات بالتأكيد أن صلاحياته لا تخوله بالحديث في هذا الشأن، وأن مدير البنك سيأتي للدوام بعد نصف ساعة.
وتكفل مدير الحسابات بإبلاغ الصحيفة بوصول مدير البنك؛ لكنه كما يبدوا لم يحضر للدوام نهائياً.
وحرصاً من «أخبار اليوم»، فإن فريق الصحيفة سيحاول مجدداً التواصل مع مدير البنك المركزي وطرح المزاعم والتساؤلات في الشارع الاقتصادي وسوق الصرافة على المدير، عل وعسى، أن يكون لديه اجابات شافية تزيل الضبابية التي انعكست على العمل المصرفي في المحافظة.
علامات استفهام
من خلال نقاشنا وتقصينا للحقيقة ودور البنوك في عملية المضاربة بسعر صرف الدولار بصورة غير تقليدية وبسعر مقيد بتاريخ طباعة العملة (قديمة أو جديدة)، أكد عدد من موظفي البنوك في مأرب، أن هذا التلاعب موجود فقط في محافظة مأرب، وأن بإمكاننا محاولة صرفها بالسعر الرسمي في المحلات المعتمدة لدى مركزي عدن وصنعاء في المحافظات الأخرى، بنفس سعر السوق ودون أي تمييز.
ومثل رفض البنوك وشركات الصرافة قبول عملة الدولار الصادرة عام 2006، وما قبله من سنوات، تدميراً لثروات ومدخرات المواطنين، الذين أصبحت مدخراتهم من تلك الطبعة، في أسواق الصيرفة، عملة درجة ثانية من الدولار الأمريكي، منقوص سعرها على الطبعات الجديدة، خصوصاً المطبوعة في عام 2009م.
ويضاف إلى الخسائر التي يتكبدها المواطنين، جراء تعامل البنوك التجارية والإسلامية ومحلات الصرافة بشكل مزاجي وابتخاس الناس مدخراتهم، ساهم هذا التمييز والمضاربة في رفع أسعار صرف الدولار، وانهيار العملة الوطنية بشكل تدريجي، قد يكون بفارق كبير عن الفارق الموجود بين السعر الرسمي المعلن من البنك المركزي في عدن، والمتداول في محلات الصرافة بمأرب.
متى تنتهي الفوضى
يرى الكثير من تجار مأرب والعابرون منها في طريقهم إلى خارج اليمن، أن سوق الصرف والمنظومة المصرفية بكاملها، في حالة فوضى مزاجية، ويكتنفها الكثير من الغموض، ممَّا يستدعي تدخلاً أكثر فاعلية من البنك المركزي فرع مأرب، للإشراف والمتابعة الميدانية، لسوق الصرف، وتقييد محلات وشركات الصرافة بالضوابط القانونية والرسمية في آلية عملها، والأسعار المعتمدة من البنك المركزي الرئيسي.
وناشد تجار المحافظة، إدارة البنك المركزي بمأرب، وسلطاتها المحلية والأمنية ممثلة بمحافظ المحافظة اللواء سلطان بن علي العرادة، ومدير أمن المحافظة العميد/عبدالملك المداني، بالتدخل لمعالجة الاختلال القائم في سوق الصرافة، وإلزام الشركات والصرافين، بقبول الالتزام بالقوانين والتوجيهات الصادرة من البنك المركزي، والتقيد بالسعر الرسمي للصرف المعلن من المركز الرئيسي في العاصمة المؤقتة عدن.
خلاصة
تبقى مسؤولية معالجة الوضع وتقييمه، منوطة بالبنك المركزي في مأرب، والمطالب اليوم بالتدخل العاجل، لوضع حدٍ لمضاربة الصرافين وتعامل البنوك غير المنطقي وغير المبرر، خصوصاً والوضع بات يمثل مشكلة عويصة تهدد استقرار سوق الصرف في المحافظة، إضافة إلى تأثيراته الكبيرة والتي يتحملها المواطنون وتجار المحافظة، والعابرون منها بغرض الحج والعمرة والسفر للعلاج والدراسة في الخارج.
كما أن السلطة المحلية في المحافظة ممثلة بمحافظها وإدارة الأمن، مطالبه هي الأخرى بالاطلاع بمسؤولياتها تجاه، مضاربة الصرافين وتعامل البنوك التجارية وتمييزهم للصرف حسب تواريخ طباعة العملات، بصورة غير منطقية.
ونحن من هنا، ندعو الجهات المعنية في المحافظة والبنك المركزي والشرطة، للقيام بدورهم تجاه هذه القضية، كونها تمثل عائقاً حقيقياً وكبيرًا في مسيرة التنمية والاستثمارات العملاقة التي بدأت تدخل إلى مأرب تدريجيا نهاية العام الماضي، وقد تساهم في حال عدم حلها، في نفور الاستثمارات وأصحاب رؤوس الأموال، الذين يدخرونها غالباً بالعملات الصعبة، خصوصاً الدولار.

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد