في الخطوط الأمامية لحرب الحديدة..

الهدنة الهشة تشعل نُذّر الحرب القادمة

2019-01-31 07:58:45 أخبار اليوم/ تحقيق


يقول محمد سلمان، من اللواء الثالث بالجيش اليمني: "إذا كان هناك سلام فسوف نحميه. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فنحن مستعدون لأوامر الهجوم".
تندلع الاشتباكات بقوة بين الحين والآخر، إذ يبدو الصمت غريباً في مطاحن البحر الأحمر، وهي صومعة تشبه المعركة على الطرف الشرقي لمدينة الحديدة الاستراتيجية.
هذا المستودع الحيوي لا يزال يخزن بحراً من أكياس القمح في بلد على أعتاب المجاعة.
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، تم طرد المقاتلين من حركة الحوثيين المتمردة من هذا المجمع من قبل الجيش اليمني، الذي يدعمه تحالف عربي بقيادة السعودية.
تقع مواقع الحوثيين الآن على بعد 1.5 كلم (0.9 ميل) فقط، وراء السياج المعدني المحطم المدعوم بإطارات السيارات منتهية الصلاحية.
محاولة استفزاز
"انظر إلى ما يفعله الحوثيون"، يقول جندي مشيراً إلى عمود من الدخان الأسود الكثيف يتصاعد في الأفق، "إنهم يحرقون الإطارات في محاولة لاستفزازنا".
هذا هو المكان الذي تم رسم الخطوط الأمامية في الرمال، عندما تم الاتفاق على وقف مفاجئ لإطلاق النار في محادثات في السويد في منتصف ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
إن الاتفاق جزء مهم من صفقة أوسع بوساطة الأمم المتحدة؛ لتجنب هجوم شامل من الجيش على الحديدة، التي توفر بوابة لمعظم المساعدات التي يحتاجها اليمن بشدة.
أوفدت إذاعة BBC موفدتها إلى الساحل الغربي لليمن وحتى الحديدة، برفقة القوات السعودية والإماراتية التي اعتبرتها الزاوية الحاسمة من حرب اليمن.
وقالت المراسلة: "نقلتنا المروحيات العسكرية والمركبات المدرعة الثقيلة على طول الساحل الغربي متجهين للبحر الأحمر، لرؤية تأثير هذه الهدنة النادرة في الحديدة وإقليمها الأوسع".
وأضافت الإذاعة أن الهدنة “هشة ومحفوفة بالمخاطر”. وأضافت المراسلة: "لقد كان مخزن حبوب مطاحن البحر الأحمر أهم نقطة وصلنا إليها بأمان".
الآن المطاحن متوقفة عاطلة عن العمل، ما يعتبر رمزاً صارخاً ومحزناً للحرب التي لا ترحم والتي تطلق النار في كل جزء من الحياة في أفقر أمة في هذه المنطقة.
تتناثر الحبوب الثمينة عبر أراضيها المعزولة، حيث يتألق الصدأ في الآلات المعدنية، التي تتخللها ثقوب الرصاص.

لا نستطيع استخدامه
وقال رئيس برنامج الأغذية العالمي في اليمن، ستيفن أندرسون، في رسالة بالبريد الإلكتروني: "نأمل أن نتمكن من الوصول إلى مطاحن البحر الأحمر التي قطعها القتال منذ سبتمبر/ أيلول".
ويقال: إن هناك ما يكفي من الغذاء هنا لإطعام ما يقرب من 4 ملايين يمني لمدة شهر، في بلد يعتمد ثلاثة أرباع السكان على المساعدات الإنسانية.
وبعد مغادرتنا، أصابتها قذيفة هاون، يعتقد أن الحوثيين أطلقوها، مما أدى إلى نشوب حريق دمر مخزونات القمح الحيوية في اثنين من صوامعها العشرة.
وتأسف ليز غراندي منسقة الأمم المتحدة المقيمة في اليمن لقصفها، وقالت: “إنها مدمرة بالنسبة لنا، مجرد مدمرة”.
وتحدثت “غراندي” في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية في العاصمة التي يسيطر عليها المتمردون، صنعاء، على بعد 140 كيلومتراً (87 ميلاً) إلى الشرق، “ليس من الواضح أننا نستطيع استبدالها”.
كما يتهم القادة اليمنيون الحوثيين بالتسلل، تحت جنح الظلام، لزرع الألغام الأرضية والأفخاخ المتفجرة في هذه المنطقة.
ويقوم رجال من القوات السودانية التابعة للتحالف العربي الذي تقوده السعودية، حالياً بتمشيط الحقول بعناية باستخدام أجهزة الكشف عن المعادن.

انتهاكات وقف إطلاق النار
تتهم قوات التحالف الحوثيين بمئات الانتهاكات لوقف إطلاق النار.
ويتهم الحوثيون الجيش والتحالف بحشد قواه على الحواف الجنوبية لمدينة الحديدة، وعلى طول الساحل الغربي، في استعداد لهجوم جديد إذا انهار وقف إطلاق النار.
يقول العقيد سعيد سلمان، قائد فرقة العمل التابعة للإمارات: “لم أر أي إضافات لقواتنا”.
مع ذلك، يؤكد العقيد على أن التحالف “مستعد دائمًا” للمعركة، إذا اتخذ القادة السياسيون هذا القرار.
وفي العام الماضي، تعرضت السعودية والإمارات – وهما اللاعبان الرئيسيان في الائتلاف المسلح، من قبل الدول الغربية – لانتقادات لاذعة بسبب الضربات الجوية التي تقول الأمم المتحدة إنها تسببت في أكبر عدد من الضحايا المدنيين.
كما قيل إن الحصار في أوقات متقطعة، الذي قامت به قوات التحالف والسياسات العقابية أدت إلى تفاقم انزلاق اليمن نحو المجاعة.
وتُظهر صور من داخل الحديدة -تم الحصول عليها من أحد سكان المدينة- أن الحوثيين يحصنون مواقعهم بالحاويات المعدنية والحواجز الخرسانية، تحسبًا لأي تقدم للتحالف.
تصر السعودية والإمارات على أن الحوثيين – الذين ينحازون إلى منافسهم الرئيسي إيران – هم المسؤولون عن الكارثة الإنسانية.
يؤكد العقيد سعيد، أن التحالف يدعم جهود الأمم المتحدة للسلام: “الكل يعرف أن الدبلوماسية جزء من الحرب”.

خطوط حمراء
لكنه يحذر من أن أي هجمات للحوثيين على خطوط الإمداد الرئيسية التابعة للإتلاف على طول البحر الأحمر، أو على الطريق البري الذي يربط الجنوب بالحديدة، ستعتبر “خطوطاً حمراء”.
وبموجب شروط الاتفاق الذي تم التوصل إليه في ستوكهولم في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كان من المتوقع أن تنسحب قوات الحوثي من ميناء الحديدة الرئيسي وميناءين آخرين مجاورين، وكذلك مدينة الحديدة لكن لم يحدث ذلك حتى الآن.
وكان انسحاب الحوثيين من هذه المواقع نقطة إطلاق إعادة انتشار متبادل للقوات المتنافسة من هذه المنطقة المرغوبة.
تضاعف الأمم المتحدة الآن جهودها الرامية إلى تنفيذ وصول 75 مراقباً تابعاً للأمم المتحدة، تم تفويضهم بموجب قرار لمجلس الأمن تم إقراره قبل أسبوعين.

أفضل صورة
تشير مجموعة الأزمات الدولية، وهي مؤسسة فكرية مقرها بروكسل تراقب الوضع في الحديدة عن كثب، إلى أنه مهما كانت نقاط ضعفها، فإن مبادرة وقف إطلاق النار لا تزال أفضل صورة للسلام منذ سنوات عديدة.
ولم يحاول أي من الطرفين تحقيق تقدم منذ بدء سريان الهدنة، لكن أياً من الطرفين لا يثق في الآخر.
على الرغم من أن الهدنة غير كافية، فقد كان لها بعض التأثير.
يقول ستيفن أندرسون، من برنامج الأغذية العالمي، إن اتفاق وقف إطلاق النار منح الوكالة وشركائها بعض “مساحة للتنفس” لتوزيع الطعام في مناطق جنوب الحديدة التي كان من المستحيل الوصول إليها أثناء القتال.

لا يوجد وقف إطلاق نار
في مستشفى ميداني يديره الهلال الأحمر الإماراتي في الدريهمي، جنوب الحديدة، يقول أطباء يمنيون إنهم يعالجون عدداً أقل بكثير من المرضى.
يقول إياد محفوظ ناصر، نائب مدير المستشفى: “قبل أن يبلغ عددهم 75 شخصًا فقط، في بعض الأحيان، يصل عدد الجرحى والقتلى الذين يصلون إلى هنا كل يوم إلى 120 شخصًا، لكن الآن هناك حوالي 25 أو 35 قتيلاً وجريحاً في اليوم”.
في ذات الوقت كانت “سيارة إسعاف تصرخ إلى جوارنا”، كانت تحمل “(حياة) البالغة من العمر عشرين عاماً ،التي كانت جالسة في المنزل عندما اخترقت رصاصة قناص رأسها تاركةً جرحاً أحمراً عميقاً، يمكن بسهولة أن تأخذ حياتها”.
وقال والدها “علي”: “كل أولادي كانوا خائفين ويبكون، لقد جاءت الحرب إلى منزلنا”.
يقول ناصر: “القناصون والألغام الأرضية وقذائف الهاون والطلقات النارية” في إشارة إلى أنواع الإصابات التي مازالت موجودة في المشفى معلقاً: “ما فائدة وقف إطلاق النار إذن؟”.
في كل مكان ذهبنا فيه إلى هذا الجانب من الخط الأمامي، سمعنا نفس الكلام باللغة العربية، من الأطباء الغاضبين إلى الجنود المتحدين والأمهات اللواتي يعانين من سوء التغذية، جميعهم يقولون نفس الشيء: “لا يوجد وقف لإطلاق النار”.

حالات صادمة
في مستشفى آخر إلى الجنوب، في بلدة خوخة، على أحمد المهدي، جندي يمني شاب يتلوى من الألم، وجهه مليء بالشظايا، في وقت تمتد لنا نقالة تحمل مراهقاً يئن، وقد انفجرت يده بواسطة لغم أرضي.
يقول الدكتور صالح، من المشفى: “أخشى أن يتوقف وقف إطلاق النار، سيكون أكثر كارثية بعض الناس لن يكونوا قادرين على الوصول إلى المستشفيات”.
في مستشفى في مدينة عدن الجنوبية التي تسيطر عليها الحكومة، تمتلئ أسِرَة في غرفتين بواسطة أطفال فرت عائلاتهم من الحديدة.
“هذا أسوأ سوء تغذية رأيته في سبعة أشهر”، يقول الدكتور رمزي عليوة، وهو يهز رأسه وهو ينظر إلى (عدوه )البالغة من العمر خمسة أشهر.
حالة الطفل الصغير هذه صادمة لدرجة أنه من الصعب إزاحة النظر بعيداً، اسمها يعني “النور”، لكن (عدوة) لا تكاد ترى، وفقدت إحدى عينيها.
يعاني حوالي 1.8 مليون طفل يمني من سوء التغذية الحاد، وهم ما بين الحياة والموت.
يقول الدكتور عليوة: “على السياسيين أن يفهموا آثار الحرب”.
وتابع: “أعتقد أنهم يفعلون” مضيفًا بابتسامة مضجرة: “لكن يجب أن نذكرهم”.

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد