الموت جوعاً في اليمن.. فقراء يسمعون عن المساعدات ولا يرونها أو تصل إليهم..

كيف تحولت المساعدات الإنسانية إلى ثقب أسود!؟

2019-05-15 04:37:11 أخبار اليوم/ متابعات


مرعام كامل والأربعيني اليمني/ سميح محمد، يتابع منظمة أدرا (مؤسسة دولية معنية بالشأن الإنساني) بعد أن قيد اسمه في سجلاتها يوم 7 إبريل 2018، من أجل تلقي مساعدات إغاثية، لكنه لم يحصل على شيء رغم الوعود التي تلقاها من القائمين على حملاتها الإغاثية، والتي كان آخرها نهاية نوفمبر 2018 لدى تردده على مقرها في منطقة حدة غربي صنعاء، "وكالعادة أخبروني أنهم سيتصلون بي"، كما قال محمد.
وأضاف: "أعيش في غرفة مع زوجتي وأولادي الثلاثة بمنطقة الحصبة شمالي العاصمة، منذ نزحت من محافظة الحديدة، لم يزرني أي مسؤول من المنظمة للتحقق من عجزي البالغ عن توفير الطعام لأطفالي، الذين تمر عليهم أيام دون الحصول على وجبة واحدة، ما أدى لفقدان طفلي رامي وعمره عام بعد إصابته بسوء التغذية الحاد".
ولا ينكر مرتضى بركات- منسق البرامج في منظمة ادرأ الدولية باليمن- حدوث أخطاء تسببت في حرمان الأسر الفقيرة من المساعدات الغذائية، أو تأخير وصولها إليهم، لكنه يعيد ذلك، "إلى عامل الوقت المستغرق في عملية تسجيل النازحين والفقراء في الهيئة الوطنية لتنسيق الشؤون الإنسانية ومواجهة الكوارث بصنعاء (تتبع للحوثيين) ومن ثم وصول كشوف أسمائهم إلى المنظمة ثم نزول فرقهم للتحقق من المحتاجين"
تلاعب في اختيار المستفيدين


يعد سميح واحدا من 24.4 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة من أجل البقاء بحسب خطة الاستجابة الإنسانية للأمم المتحدة الصادرة فبراير 2019، عشر حالات من أرباب الأسر المحتاجة للمساعدات الغذائية، لكنها حرمت منها بسبب سوء توزيع تلك المساعدات في صنعاء كما يقولون، ومن بينهم زهرة محمد علي التي نزحت مع أطفالها العشرة من مخيم المزرق بمديرية حرض إلى قرية الربوع بني نشر بمديرية كعيدنة محافظة حجة (شمال غربي صنعاء) والتي قالت: "كل المنظمات الدولية توزع المساعدات الغذائية بعيداً عنا، ولم تصل إلى قريتنا نهائيا، فنحن بلا غذاء ولا فرش، والمنظمات تروح إلى قرى مجاورة لنا، فلا منظمات غذائية ولا صحية والمستشفيات كلها بفلوس، نأكل شجرة الحلص (نبات الغلف) التي نحصل عليها من الجبال".
وهو ما يعد جزءا من ظاهرة يراها الدكتور عبدالمنعم معروف، أستاذ الإدارة والاقتصاد في كلية المجتمع بمحافظة شبوة "ترجع إلى الفساد والعشوائية اللذين يشوبان عمليات توزيع المساعدات سواء من قبل الهيئة العليا للإغاثة، أو من قبل بعض مؤسسات الإغاثة المحلية والدولية"
ويكشف تقرير المساعدات الإنسانية في اليمن لعام 2018 الصادر عن المركز الاجتماعي لمناهضة الكسب غير المشروع (منظمة مجتمع يمني) مطلع مارس 2019، عن "ضعف آليات حصر ورصد وتسجيل المستحقين للمساعدات، إذ أن معظم المنظمات تتلقى كشوفات عقال الحارات، أو من وسطاء محليين، وبالتالي تدخل المجاملات والمحسوبيات والتمييز، وتكون النتائج سلبية".
وهو ما يتطابق مع ما كشفه برنامج الغذاء العالمي في 31 ديسمبر الماضي، من "أن مسؤولين محليين يتلاعبون أثناء عملية اختيار المستفيدين ويتم تزوير سجلات التوزيع، فضلاً عن اكتشاف أن بعض المساعدات الغذائية يتم منحها لأشخاص غير مستحقين لها ويتم بيع بعضها في أسواق العاصمة لتحقيق مكاسب بحسب الموقع الرسمي للبرنامج".
وتقول ريم ندا- المتحدثة الإقليمية باسم برنامج الأغذية العالمي لـ"العربي الجديد"-: "هذا هو السبب في أننا سنعمل بشكل وثيق مع المجتمعات المحلية التي تكون على دراية أكبر بمن يحتاج إلى المساعدة لوضع قوائم جديدة للمستفيدين وضمان إعطاء الأولوية للمستضعفين والفئات المهمشة".
سرقة المساعدات
تكشف دراسة استقصائية لبرنامج الغذاء العالمي أن حملات الرصد التي أجراها البرنامج، من خلال القيام بجمع عدد من الصور الفوتوغرافية وغيرها من الأدلة تثبت قيام الشاحنات بنقل المواد الغذائية بشكل غير مشروع من مراكز توزيع الأغذية المخصصة لذلك، بحسب ما جاء على الموقع الرسمي للبرنامج في 31 ديسمبر الماضي الذي أكد وجود هذا التلاعب من قبل منظمة واحدة على الأقل من الشركاء المحليين الذين يكلفهم بمناولة مساعداته الغذائية وتوزيعها.
وتؤكد ندا أن "البرنامج رصد بيع مواد غذائية بكميات كبيرة في الأسواق اليمنية (زيت الطهي في صناديق من 6 عبوات وبقوليات تباع في أكياس تزن 50 كجم، في حين يتم توزيع زيت الطهي عادة في صورة معلبات صغيرة والبقوليات في أكياس بلاستيكية تزن 10 كجم)، وكنا نشك في أن المساعدات الغذائية يتم تحويل مسارها من مراكز التوزيع من قبل إحدى المنظمات الشريكة لنا، وحددنا على الفور المكان الذي يتم نقل الغذاء إليه. ولا نزال نقوم بالرصد ونعمل على تصميم آليات جديدة للرصد تساعدنا في تتبع أي عملية اختلاس".
خريطة الجوع في اليمن
تُوفي 291 طفلاً نتيجة سوء التغذية الحاد والوخيم في 9 محافظات يمنية من إجمالي 21، هي (إب، حجة، المحويت، الحديدة، الجوف، الأمانة، صعدة، ذمار، صنعاء) منذ يناير وحتى أكتوبر من العام 2018، بحسب إحصائية الإدارة العامة للرعاية التكاملية للطفل بوزارة الصحة العامة والسكان الخاضعة لسلطة الحوثيين.
ويعاني أكثر من مليوني طفل يمني من سوء التغذية، فضلا عن وفاة طفل كل 10 دقائق لأسباب يمكن تجنبها، بما في ذلك سوء التغذية وأمراض يقي منها التحصين. ويُعزى نصف وفيات الأطفال تحت سن الخامسة، بشكل مباشر أو غير مباشر، لسوء التغذية الحاد، وفقا لما وثقه برنامج الأغذية العالمي عبر بيان منشور على موقع الأمم المتحدة في 13 فبراير 2019.
وبدأت معاناة اليمنيين مع المجاعة في مديرية التحيتا بمحافظة الحديدة وتحديدا في مناطق "البقعة والبكير والمغرس والسويق والفازة والمدمن والمسابحة والمشاريق ومحوى خليف" في يونيو/ 2016،
وشهدت اليمن مجاعة أثناء فترة حكم الإمام يحيى حميد الدين، مطلع أربعينيات القرن الماضي، وتحديدا في المناطق الوسطى، كمحافظة اب ومنطقة تهامة غرب اليمن، نتيجة شح الأمطار، والظلم السائد آنذاك، إذ أكل الناس حينها أوراق نبتة "الحلص"، بحسب ما قاله الدكتور عبدالودود مقشر، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر في جامعة الحديدة، الذي قال ل "اليمن تعيش الآن وضعا أسوأ من القرن الفائت".
أموال المساعدات


ينتقد الدكتور معروف ضياع جزء من الدعم يذهب كمصروفات إدارية ورواتب للعاملين في المنظمات الدولية بدءا من مكاتبها الرئيسية في أميركا وأوروبا وانتهاء بمكاتبها في اليمن، الأمر الذي فاقم من مشكلة المجاعة في اليمن كما يقول، لكن ريم ندا، ترد بالقول أن "التكاليف التشغيلية للبرنامج هي 6.5 % من التمويل في اليمن وفي أكثر من 80 دولة نعمل بها حول العالم، رغم ارتفاع تكاليف الإنفاق بسبب صعوبة، ووعورة التضاريس الجغرافية للمناطق المستهدفة"، وبحسب منسق برامج منظمة ادرا مرتضى بركات، فإن: "المنظمات تحتاج إلى استئجار سيارات الدفع الرباعي، وتشتري الوقود والمواد الغذائية التي تقوم بتوزيعها للمحتاجين بأسعار مرتفعة، بالإضافة إلى تأسيس مكاتب جديدة في المناطق التي لا وجود لهم فيها".
وتلقى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في صنعاء "اوتشا" 2.06 مليار دولار بنسبة 70% من الموارد المطلوبة حتى نهاية أكتوبر الماضي، والمقدرة بـ 3 مليارات دولار، لدعم ملايين الأشخاص المحتاجين في جميع أنحاء البلاد، بحسب بيان مكتب المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في اليمن الصادر في 25 أكتوبر 2018، إلا أن الستيني أحمد النعامي والذي نزح إلى منطقة ذهبان شمال صنعاء بأسرته المكونة من 5 أشخاص من محافظة تعز غربي اليمن مطلع العام 2016، لم يحصل على أي مساعدات إغاثية من وقتها، رغم تقييد اسمه في كشوفات عاقل الحي الذي انتقل إليه، متسائلا: "أين تذهب أموال المساعدات".
ويؤكد سيف راجح الذي نزح مع أسرته المكونة من ثلاثة أفراد من محافظة حجة منتصف عام 2017، عدم نزول أي لجان لمعاينة مكان سكنه والتحقق من وثائقه.
لكن مرتضى بركات يطمئن المستحقين هذه المرة، بتحسين آلية وتقنية وصول المساعدات للمستحقين وتفادي الأخطاء مستقبلا من خلال وضع آلية للشكاوى وأرقام خاصة معلنة في الأماكن العامة لكي يستطيع الناس التواصل والإبلاغ عن أي شكوى لديهم تتعلق بانحياز توزيع المساعدات لأشخاص غير مستحقين، أو التأخير في توزيعها. وتصدى البرنامج لتلك الممارسات المحتملة لتحويل مسار الأغذية من خلال حملة يقودها المجتمع المحلي للتسجيل البيومتري (البصمة البيولوجية) للمستفيدين في اليمن بحسب ريم ندا، والتي قالت: "بدأت هذه العملية بالفعل في جنوب اليمن ونأمل في أن نبدأ التسجيل في الشمال في الأشهر القادمة. وهذا سيدعم عملياتنا بشكل كبير في ما يتعلق بالشفافية والمساءلة ويساعد على ضمان وصول الغذاء المناسب إلى الأشخاص المناسبين في الوقت المناسب بصفة مستمرة."
وتابعت: "نواصل مراقبة ورصد الأسواق لمعرفة ما إذا كان هناك أي أغذية خاصة ببرنامج الأغذية العالمي معروضة للبيع.
في ديسمبر الماضي ومن خلال إجراء اتصالات بالمستفيدين ورصد عمليات التوزيع، علمنا أن العديد من الأشخاص الذين يعانون من فقر مدقع يبيعون جزءاً من حصتهم التموينية لتلبية الاحتياجات الأخرى (التعليم والأدوية والإيجار)، وبما أننا نحتاج إلى التأكد من أن الغذاء يصل إلى مستحقيه، فإن المجتمعات المحلية تكون على دراية أكبر بمن يحتاج إلى المساعدة، وهذا هو السبب في أننا سنعمل بشكل وثيق معهم لوضع قوائم جديدة للمستفيدين وضمان إعطاء الأولوية للمستضعفين والفئات المهمشة".

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد