الحروب الانتقائية تحرف بوصلة التحالف

2019-05-21 11:38:15 أخبار اليوم/ تقرير خاص

 

الحوثيون يستفيدون من تحويل الصراع المحلي إلى صراع إقليمي
خمسة أعوام عجاف ترسّخ من سيطرة الحوثيين
الحروب الانتقائية والاستعلائية حرفت بوصلة التحالف عن أهدافه
خارطة تحالفات جديدة تعمل على إقصاء الحكومة الشرعية والقيادة في التحالف من المشهد
التراخي الأممي تجاه المتمردين سمح بتهديد العمق السعودي

من الخطأ أن تكون الإنسانية تحت رحمة السياسة، التي لا تعترف بتصحيح الأخطاء وتعمل على الاستبدال بغيرها وتعمل على تعميمها.
هنا يبرز دور المتحايلين الذين يعملون على اقتناص هذه الأخطاء لتحويل مسار المعركة في اليمن من معركة محلية بين الحكومة الشرعية وسلطات الأمر الواقع، التي انقلبت عليها في أيلول سبتمبر 2014، إلى معركة دولية تقحم أقطاب إقليمية فيها.
دور استفادت- من خلاله- جماعة الحوثي الانقلابية لاقتناص الفرص وتغيير المعادلة العسكرية والسياسية في اليمن التي تخوض صراعاً مع الحكومة الشرعية التي انقلبت عليها.
الاستفادة الحوثية جاءت من خلال تحويل الصراع المحلي القائم إلى صراع إقليمي بين دولتين متجاورتين ممثلة في الجماعة المتمردة والسلطات السعودية.
عاصفة الحزم
في 25 مارس أطلقت المملكة العربية السعودية، بمشاركة تسع دول عربية، عملية عسكرية لدعم إعادة الشرعية في اليمن تسعى لإنهاء سيطرة جماعة الحوثيين الانقلابية وتحييد قدراتهم على المدن اليمنية، وإنهاء الانقلاب الذي قادته الجماعة.
في 21 أبريل 2015 أعلنت قيادة العملية عن توقف عملية عاصفة الحزم وبدء عملية إعادة الأمل؛ وذلك بعد أن أعلنت وزارة الدفاع السعودية إزالة جميع التهديدات التي تشكّل تهديدًا لأمن السعودية والدول المجاورة، وبعد أن تم تدمير الأسلحة الثقيلة والصواريخ الباليستية والقوة الجوية التي كانت بحوزة ميليشيا الحوثيين الموالية لإيران والقوات الموالية لصالح.
حروب انتقائية
خمسة أعوام عجاف على الحرب في اليمن، رسخت من سيطرة جماعة الحوثي الانقلابية، ودمرت أغلب مناحي الحياة في اليمن، نتيجة عوامل كثيرة من أبرزها، نمط الحروب الانتقائية والاستعلائية التي يمارسها التحالف العربي في اليمن، وسوء الأهداف النوعية والأخطاء العسكرية التي يرتكبها، وعوامل أخرى جعلت من التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، مرتهناً لنمط مستهجن من الحروب لا يفرق بين ما يعتبر أهدافاً مدنية، وماهو عسكري.
عوامل كثيرة من ضمنها وأهمها، تقويض للدور الحكومي في المناطق المحررة ومحاولة الانقلاب عليها وإنشاء كيانات موازية للدولة، بالإضافة إلى تنامي المطامع التي زادت من حدة الصراع في أروقة التحالف العربي في المناطق الشرقية لليمن.
كل تلك العوامل ساعدت الجماعة الحوثية الانقلابية في اليمن على قلب الطاولة على التحالف العربي والحكومة الشرعية في الرياض، بتبنيها إستراتيجية سياسية وعسكرية جديدة، من خلال التحالفات المشبوهة التي تسعى إلى إنهاء أي دور حكومي في اليمن، مستفيدة من الانحياز الأممي الذي يعمل على الإبقاء على دولتهم راسخة في الجزء الشمالي والتغاضي عن عملياتهم العسكرية في بعض المدن الجنوبية والوسطى والجنوبية، والصمت عن الاستفزازات التي تقوم بها الجماعة تجاه المملكة العربية السعودية وهذا هو الجزء الأهم في المعادلة الحوثية لتغيير مسار المعاركة.
حرب رد الفعل


دشنت جماعة الحوثي منذ العام الثاني للحرب مرحلة استفزازية في وجه المملكة عبر تفعيل الترسانة الصاروخية التي كانت في جعبة الجيش الوطني قبل السطو عليه، من حين إلى آخر وقصف المدن السعودية والمنشآت النفطية.
استفزاز حوثي للقيادة في التحالف أسفر عن تحديد سعودي لبعض الأهداف الانتقائية في صنعاء وفي غير صنعاء، مبنياً على مخاوف أمنية؛ لتنامي القدرات الصاروخية للحوثيين، وتنامي مخاطر الطيران المسير الذي بات يوازي الصواريخ في القدرة على الوصول إلى العمقين السعودي، لا قائما على الهدف الأشمل والجوهري والأساسي لتدخل التحالف العربي وقيادته في اليمن الذي يسعى إلى إنهاء سلطات الأمر الوقع في صنعاء.
هذا النمط من الحروب الانتقائية والاستعلائية، في إطار حرب "رد الفعل"، حرف بوصلة التحالف عن أهدافه، وصارت المواقع المدنية والأحياء المأهولة بالسكان أهدافاً لغاراته الجوية.
ويتفق اليمنيون -سواء من مؤيدي حكومة هادي أو من أنصار الحوثي- على إدانة الضربات الجوية للتحالف العربي التي تشمل المدنيين، سواء في صنعاء أو في غيرها من المحافظات اليمينة.
علامات استفهام كبيرة تثار حول حقيقة نوايا وأجندات بعض أطراف دول التحالف العربي، تستفيد منها جماعة الحوثي الانقلابية وحلفائها في حزب الله وإيران لتأجيج الرأي العام المحلي والدولي، الخاسر الأكبر فيها الحكومة الشرعية التي تعطي الغطاء الكامل لهذه الأعمال، والتي كان آخرها استهداف أحد المنازل في أحد الأحياء المزدحمة سكانياً بتقاطع شارعي الرباط والرقاص، مساء الخميس الماضي.
القصف قضى على حياة أسرة مكونة من ستة أفراد، كما أدى إلى أضرار طاولت عشرات المنازل المجاورة، بالإضافة إلى الرعب الذي خلفه في أوساط السكان.
وفي الوقت الذي لا تظهر مختلف الروايات أي شبهة هدف عسكري، حتى مساء الخميس على الأقل، وعلى النقيض من ذلك، انتشل الأطفال والنساء من الجرحى.
ويرى خبراء في الشأن اليمني أن القصف السعودي جاء في إطار حرب "رد الفعل" على الهجوم لطائرات مسيرة تابعة للجماعة المتمردة على محطتي ضخ أنابيب نفطية قرب العاصمة السعودية الرياض.
وبحسب بيان قيادة التحالف، على وكالة الأنباء السعودية، فإن جميع الطلعات الجوية التي تمت اليوم "حققت أهدافها ولله الحمد! بكل دقة".
وأفاد بأنه نفذ "عمليات جوية على عدد من الأهداف العسكرية المشروعة التي أكدت المعلومات العسكرية والاستخبارية بأنها تشتمل على قواعد ومنشآت عسكرية ومخازن أسلحة وذخيرة للمليشيات الحوثية
وربط بيان قيادة التحالف، الضربات في صنعاء بهجمات الحوثيين في السعودية، حيث ذكر أن ما قامت به "المليشيات الحوثية، من اعتداءات على منشآت حيوية بالمملكة تعد من الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني وقواعده العرفية التي ترقى إلى جرائم حرب".
وقال "لن تتهاون قوات التحالف في متابعة كل العناصر الإرهابية في جميع أنحاء اليمن"، على الرغم من أن هجوم الحوثيين لم يخلف أي ضحايا من المدنيين في الجانب السعودي، كما هو الحال بضربات رد الفعل السعودي في صنعاء.
بيان إدانة للتحالف العربي أقرب منها للتبرير، حيث ربط الهجوم الحوثي على المنشآت الحيوية بالمملكة والقصف الذي طال واحداً من أكثر الأحياء كثافة سكانية بعملية في قيادة التحالف العربي لإعادة الشرعية يقول مراقبون.
في المقابل يرى مواطنون، أن أسوأ صور الخيانة التي تقترفها الحكومة الشرعية في حق شعبها هو السماح للتحالف العربي بارتكاب أخطاء كان من الممكن تجنبها.
إقصاء الشرعية
في ظل تصادم أهداف الفاعلين إقليميًّا ودوليًّا، سمحت تعقيدات المشهد السياسي والعسكري في اليمن بإنشاء تحالفات مشبوهة لم تكن في حسابات المتصارعين في اليمن وخاصة تلك الفترة التي عقبت مقتل “علي عبدالله صالح” في 4 من ديسمبر 2017.
وأفرزت المرحلة خارطة تحالفات جديدة تعمل جميعها إلى إقصاء الحكومة الشرعية من المشهد، لضمان استمرار السيطرة، الأمر الذي مكن الجماعة المتمردة من توحيد جبهتها الداخلية في الشمال، مستغلة الخلافات والصراع القائم بين الحكومة اليمنية وحكومة أبوظبي في جنوب اليمن.
وفي السياق انعكس التحالف بين الجماعة المسلحة والمليشيات المتمردة، التي لا تعترف بالدولة أو الحكومة الشرعية ممثلة بالمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا وجماعة الحوثي المدعومة من إيران، على الأهداف التي قام من أجلها التحالف العربي بقيادة السعودية، مع وجود حالة من التناغم و التخادم بين المتمردين الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات الشريك الثاني في تحالف إعادة الشرعية، بتسهيلات حصل عليها الحوثيون في الشمال من قبل وكلاء أبوظبي في اليمن عبر السماح بتدفق السلاح من إيران عبر المناطق الخاضعة للمجلس الانتقالي الجنوبي، وعبر مليشياته «قوات الحزام الأمني» في عدن، والنخبتين الحضرمية والشبوانية.
علاقة أثارت موجة غضب سعودية ضد الحليف الثاني في التحالف الذي يغض الطرف عن انتهاكات وكلائه في الجنوب بتسهيل عمليات تهريب السلاح الإيراني للمتمردين الحوثيين في الشمال اليمن.
سياسيون سعوديون اتهموا المجلس الانتقالي بالتورط في تسهيل عمليات تهريب الأسلحة للحوثيين عبر مناطق خاضعة لمليشياته، في محاولة من الانتقالي الموالي للإمارات لاستمرار تهديد الأراضي السعودية من اليمن واستنزافها خدمة لإيران حسب تعبيرهم.
واتهموا الإمارات بدفع الجنوبيين نحو إفشال قيادة التحالف العربي في تحقيق أهدافهم باليمن، بالانفصال عن الشمال، وعبر تسهيل عملية تدفق السلاح وتمكين الانقلابيين في الشمال عسكرياً الذي سيكون له تداعياته السلبية على المملكة.
تحويل البوصلة
سمح التراخي الأممي تجاه المتمردين الحوثيين والدعم العسكري بالخبراء والصواريخ الباليستية من قبل حكومة طهران، سمح بتعاظم القوة العسكرية للحوثيين وتحويل بوصلتهم نحو العمق السعودي عبر الصواريخ المطورة والطائرات المسيرة والتي كان آخرها الضربة المؤلمة التي وجهتها الجماعة إلى خط ضخ النفط السعودي، المعروف باسم "شرق وغرب"، في إحدى مضخاته الرئيسية في غرب الرياض.
تكتيك الطيران المسيّر المنتج في إيران، والذي قطع مسافة تزيد عن 600 ميل ليصل إلى أهدافه، دون أن يتعرض للرصد والتعامل بما يليق، مع الإمكانيات الدفاعية الهائلة للرياض، خفف مظلة أهداف التحالف بقياد المملكة، التي تسعى إلى إلحاق الأذى الجوهري بقدرات الحوثيين، وبمشروعهم السياسي وإعادة الشرعية.
وأصبح الهدف الحالي للتحالف هو تأمين الحدود الجنوبية للسعودية وتحييد القدرات الصاروخية وتنامي مخاطر الطيران المسير الذي بات يوازي الصواريخ في القدرة على الوصول إلى العمقين السعودي والإماراتي.
صراع الحلفاء


وفي السياق تستفيد الجماعة المتمردة من حالة الصدام الغير مباشر بين السعودية وحلفاء الإمارات التي تدفع بهم في الشطر الجنوب شرقي من اليمن (المهرة و حضرموت)، للقضاء على الطموحات التوسعية للرياض الساعية للسيطرة على موانئ المهرة والشريط الحدودي لمد أنابيب النفط من صحراء الربع الخالي لتصدير النفط الخليجي إلى البحر العربي والمحيط الهندي، والتخلص من تهديدات طهران.
ويعتبر محللون أن الخلافات السعودية الإماراتية سبب اختلاف الأجندات بينهما في اليمن، فالإمارات لم تدخل حرب اليمن رفضًا للنفوذ الإيراني أو إعادة الشرعية، بل دخلت للسيطرة على الموانئ اليمنية في بحر العرب والبحر الأحمر، وهذا يعني أنها مستعدة لتسليم اليمن أو شطره الشمالي على الأقل للحوثيين، ما دامت تسيطر على الساحل اليمني في الجنوب.
وتبدو الإمارات والسعودية مصممتان على المضي باستراتيجيتهما الواضحة في السيطرة على جنوب اليمن، باعتباره منصة القفز الرئيسة إلى النفوذ البحري في الشرق الأوسط والمحيط الهندي.
نقاط تراها الجماعة المتمردة تهدد بقاء التحالف العربي لإعادة الشرعية ويضيق دائرة الأعداء وتوسع قطر الحلفاء معها عبر التقارب البريطاني معها، والتي تضم تحت تاجها دولة الإمارات، الملزمة بتنفيذ اشتراطات استقلالها، التي تجبرها بالعمل وتسخير كل إمكاناتها لما قد يتطلبه منها في خدمة لندن.
حسابات تشطيرية


تدخل بريطانيا على خط الأزمة بحسابات توسعية ورؤية تشطيرية جديدة، من خلال مواطنها " مارتن غريفيث"، المبعوث الأممي الذي يمرر أجندتها في أروقة مجلس الأمن الدولي الذي يتهم هو الآخر بالانحياز للمتمردين الحوثيين.
حسابات تسعى إلى إلغاء أو تجاوز قرار الأمم المتحدة ٢٢١٦، تماهيا مع السياسة الحوثية الانقلابية، ويدرج الإمارات ضمن هذا الحلف باستحقاقات أممية تهدف إلى رفع العقوبات الدولية على نجل الرئيس السابق "أحمد علي عبد الله صالح" وإزالة أسمة من القائمة السوداء.
وفي حال تم ذلك فإن الحكومة الشرعية ستكون خارج الحسابات السياسية والعسكرية باليمن وستمكن الانقلابيين الحوثيين من ترسيخ نفوذهم في الشمال اليمني وسيمنحهم حق الرد على الحرب التي تقودها السعودية، وينهي مشروع التحالف الهداف لإعادة الشرعية، ولن يلزمهم بالمبادرة الخليجية ونتائج الحوار الوطني الذين كانوا طرفا فيها.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد