الانقسام البنيوي في المؤتمر الشعبي.. القمار السياسي وتجاذبات الشخصنة والملشنة.

كيف قلب الحوثيون ظهر المجن على المؤتمريين الذين مكنوه من عنق الجمهورية بأثر انتقامي..

2019-07-13 10:08:38 أخبار اليوم/ تقرير خاص


لا يبدو أن الحزب الذي حكم اليمن ثلاثة وثلاثين عامًا قد استوعب شيئًا من دروسه الخوالي، حتى بعد أن تفسخ وذاق علقم "حماقاته الصبيانية" _كما يسميها اليمنيون_ على يد حلفائه الحوثيين الذين قلبوا له ظهر المِجَنّ بعد أن مكَّنهم من عنق الجمهورية بأثرٍ من غريزة انتقامية جرَّت البلاد كلها إلى المستنقع الآسن.
الأحداث الأخيرة في محافظة مأرب التي كان يراد جرّها إلى الفوضى أسوة بغيرها من المحافظات التي تسمى مجازًا بـ"المحافظات المحررة" التي رافقها تصادمات مسلحة بين قوات الأمن ومتمردين خارجين عن القانون قيل على صلة بالانقلابيين الحوثيين سقط خلالها عدد من القتلى والجرحى بينهم نائب مدير أمن مأرب، على خلفية الاعتداء على نقطة أمنية للشرطة في مأرب، قبل أن تتمكن السلطات الأمنية من إخماد الفوضى والقبض على معظم الضالعين في إثارتها.
في غمرة ما حدث، ظهر إلى العلن ما كان يعتمل تحت سطح من التناقضات في الموقف اللجوج للحزب المتخبط في حلقات متداخلة من التبعية المسكونة بالحنين إلى عادته الأثيرة في اجتراح التضاد المائع والمنسلخ من قيم الوطنية التشاركية النابذة لحق الآخر المختلف، والجانحة _على نحوٍ مرضي_ إلى مداهنة الدكتاتوريات سيئة السمعة والرضوخ لسوط سلطتها القمعية.
الصيد في الماء العكر
لم تلبث "قناة اليوم" بنسختها الممولة إماراتيًا الناطقة بلسان حزب المؤتمر الشعبي العام في القاهرة، وبعض قياداته الموالين للدرهم الإماراتي، أن استغلت الحدث العرَضي الذي وقع في مأرب للتحريض المخل ضد السلطات في مأرب، وَكَيْل الاتهامات لها بـ"الأخونة" والقمع والفرز على أساس الانتماء السياسي، بصورة بدت فيها القناة وسدنتها من الإعلاميين، منحازين إلى جانب الحوثيين في السعي إلى خلخلة الوضع القائم في مدينة مأرب.
مع التأكيد أن "مؤتمر مأرب" الموالي للشرعية، سارع إلى إدانة الأعمال التخريبية في المحافظة خلال بيان أكد فيه على أن محاولات زعزعة الاستقرار والفوضى في مأرب، إنما يخدم من وصفه بـ"الانقلاب الكهنوتي" ويطيل من أمد الحرب ويخلق بؤرًا للصراع داخل المناطق "المحررة"، مبينًا موقفه المؤيد للسطات في المحافظة في ردع العناصر التخريبية والتعاطي الحازم معها، ومشددًا على ضرورة الالتفاف حول القيادة الشرعية ممثلة في الرئيس هادي وحكومته المعترف بها دوليًا، وإيمانه بالخيارات الديمقراطية والدولة الاتحادية، التي اعتبرها البيان الخيار الوحيد لتجاوز المحنة.
التبعية على حساب الوطنية
على النقيض من هذا، كان الشق الموالي للإمارات من "مؤتمر القاهرة" يتلمّس الحجج لشيطنة السلطات في مأرب وتسيس ما حصل لتمرير اللمز والقدح وليّ أعناق الحقائق بدوافع مبيته لا علاقة لها بالحادثة بقدر ما لها صلة بالتشهير بالشرعية بأسلوب فجّ كشف عن عوارها وتبعيتها.
اللافت، أنه في الفترة الأخيرة بات هناك إيقاع متناغم بين نبرة قيادات المؤتمر في القاهرة والخطاب شبه الرسمي للمسؤولين الإماراتيين في التحريض على مأرب ووصمها بـ"الثكنة الإخوانية" حسب ما يروج له بعض المسؤولين ووسائل الإعلام الرسمية الإماراتية ويردده بيادقُهم المطيعة من قيادات المؤتمر في القاهرة المحكومة بإيماءة الممول، في محاولة اختزال محافظة مأرب على فصيل واحد، وهو حزب الإصلاح المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، التي هي تعد في أبجدية السياسية الإماراتية رديفًا موضوعيًا لما تنعته بـ(الإرهاب) بدافع الخصومة التاريخية.
انقسام بنيوي


الجدير بالذكر أن البقية الباقية من حزب المؤتمر الشعبي العام، تشظى إلى أربعة لاعبين، في أعقاب مقتل الرئيس السابق على صالح على يد حلفائه الحوثيين في مطلع ديسمبر من العام قبل الماضي.
الانقسام الذي حدث أثبت أن الحزب- الذي حكم اليمن أكثر من ثلث قرن- أنه مختزل في شخصية صالح، وبمجرد طي صفحته انقسم الحزب على ذاته، وتجزّأ إلى فصيل مرتبط عضويًا بأبوظبي كمقاول سياسي يأتمر بمزاجها دون تقليبٍ في العواقب، إنما وفق متراجحة المدير والأجير، وفصيل ثانٍ آثر البقاء ضمن رعايا سلطة الانقلاب الحوثي في صنعاء، حولته _رغبةً ورهبة_ إلى ما يمكن أن نصطلح عليه "مؤتمر متحوث"، وفصيل ثالث فضّل الاعتراف بسلطة الحكومة الشرعية وفتْح صفحة جديدة معها، قابله ترحاب من القيادة الشرعية والقوى الوطنية في مأرب، بينما انحاز الفصيل الرابع إلى القيادي البارز في الحزب ورئيس الوزراء السابق في حكومة الشرعية بن دغر في الجنوب.
هذا التشرذم الذي فتت حزب "المؤتمر الشعبي العام"، أنتج هشاشة في بنية الحزب الداخلية التي تفتقر إلى القيادة المرنة القادرة على التعاطي مع تقلبات المشهد السياسي، في إطار تقديم المصلحة الوطنية الجامعة على حساب المصلحة الشخصية، تجنبه التخبط دون هدف سوى الدوران في الهامش الفارغ، الذي تركه رحيل صالح شاغرًا بعد رحيله، منهيًا حقبة من التحالف الحميم مع الحوثيين الذين صنعهم على عينه.
متلازمة الكيد للإصلاح
المثير للغرابة والشفقة في نفس الآن، هو أن نسبة غير قليلة من قيادات المؤتمر لم تقتنع بعد أن خصمها الذي يهدد مستقبلها الوجودي على المدى القصير والبعيد، هم الحوثيون وليس الإصلاح، إلا أن هذه الحقيقة على ما يبدو غير قابلة للهضم بالنسبة لقيادات المؤتمر القابعة تحت إبط أبوظبي.
المشكلة الأكبر من ذلك، أن هؤلاء يُزيحون جانبًا ما نالهم من الأذى على يد الحوثيين، الذي نكّلوا بهم وكانوا سببا في تشريدهم من البلاد، وفوق كل ذلك تجاسروا على تصفية زعيمهم (المفدى بالروح والدم) جهارًا نهارًا، ثم احتجاز جثمان الرجل حتى الآن إمعانًا في إذلال حزبه وجعلهم عبرةً لمن يخشى.
في حين أن القوى الوطنية وفي مقدمتها الإصلاح في مأرب وغيرها _رغم ما نالهم من الأذى_ استقبلت من استجار بها ممن فر من الانتقام الحوثي، كما رحبت تلك القوى باستيعابهم تحت المظلة الوطنية الجامعة، على اعتبار أن تلك العصبة التي آزرت الانقلاب الحوثي ومهدت له كل صعبٍ وذلول لإسقاط الجمهورية قد فهمت أخيرًا الدرس كما ينبغي، وقد كان درسًا قاسيًا ومذلًا فيه ما يكفي من العبرة لتعديل مسار أمة كاملة وليس حزبًا هلك عنه سلطانه ذات حماقةٍ دفع ثمنها غاليًا.
الجعجعة بـ"أخونة المؤسسات"
بيد أن تلك الحفاوة والغفران، لم تكن _بالنسبة لقطاع غير قليل من مكونات المؤتمر_ أكثر من فرصة للمساومة مرة أخرى بالمصالح الوطنية لصالح زبونٍ جديد، وبالمسميات ذاتها والمبررات ذاتها التي استخدمها في أعقاب اجتياح الحوثيين للبلاد محافظة تلو أخرى وصولًا إلى عاصمة البلاد، التي سقطت بين ليل وضحى قبل 6 سنوات، تحت لافتة عريضة مؤداها محاربة "أخونة الدولة"، وهي الجعجعة ذاتها التي يجري تسويقها الآن تجاه مأرب التي كانت وما زالت طوق النجاة ساعة عسرتهم.
كلّ ذلك تُرِكَ جانبًا، وانصب اهتمام نخب الحزب المأزومة في استدعاء الضغائن القديمة وكأن نكبتهم كان سببها الإصلاح وليس الحوثي.
إعادة التحالف مع الحوثي
الموقف المختل الذي ظهرت به قيادات المؤتمر في القاهرة وإعلامها المتخبط في وحل الشائعات، كان أوضح الشواهد لاستكناه الفواصل المشتركة مع الطرف الإماراتي المنزعج من الاستقرار الأمني والإداري الذي تنعم به محافظة مأرب بخلاف غيرها من المحافظات (المحررة) التي تحولت بفعل الإمارات إلى بؤر خلاقة للفوضى على غرار مثيلاتها من تلك التي ما تزال تحت قبضة الانقلابيين الحوثيين.
كما أن هذه الزوبعات التي تثيرها الإمارات وأدواتها بشأن محافظة مأرب، تحمل كثير من ملامح التنسيق مع الانقلابيين الحوثيين، بالتزامن مع ما قيل إنه ترتيبات إماراتية للانسحاب التدريجي من اليمن وفقًا لما صرح به مسؤول إماراتي تحفظ على ذكر هويته لوكالة الأنباء الفرنسية الأسبوع الفائت، حيث أكد أن الإمارات تريد أن تنهي وجودها العسكري في اليمن بشكل تدريجي لتفسح المجال لما أسماه الجانب السياسي لحل الأزمة.
"الجانب السياسي" الذي تريه الإمارات يضعنا هذا أمام فرضية محتملة جدًا، وهي أن تعيد تحالفها مع الحوثيين كسلطة أمر واقع في الشمال، لأن الإمارات _بطبيعة الحال_ لم تتدخل في اليمن من أجل القضاء الحوثيين، كما ثبت من مواقفها خلال السنوات الخمسة الماضية من الحرب التي كان إطالة أمدها متعمدًا من قبل التحالف وعلى رأسه الإمارات.
عالمًا أن الإمارات كانت أحد الأقطاب الإقليمية التي ساندت ودعمت الحوثيين بادئ الأمر بهدف الإطاحة بحكومة الوفاق التي تمخضت عنها ثورة فبراير، وليس بالغريب على الإمارات أن تعيد ربط العلاقة معه مجددًا عن طريق نفس الأدوات التي سهلت ومهدت للحوثيين اجتياح صنعاء. إلى أين يتجه "المؤتمر"؟
في النهاية يبقى المستقبل السياسي للمؤتمر الشعبي العام مرهونًا بالتفافة حول قيادة موحدة، قادرة على التعاطي الإيجابي مع القوى الوطنية الأخرى على أسس الشراكة الوطنية البعيدة عن الانتهازية الفجّة التي تحكم سلوك بعض أطيافه اليوم، التي تعمل على عرقلة أي إجماع داخل المؤتمر على الرئيس هادي كرئيسٍ للحزب بحسب ما تنص عليه اللوائح التي وضعها الحزب لنفسه بعد تأسيسه، والتي تنص على انه يحق لرئيس الجمهورية أن يكون رئيسًا للحزب الذي ينتمي إليه.
وهذا مالم تتوافق عليه قيادات المؤتمر _إلى الآن على الأقل_ مع أنه الضامن الأول أن لم يكن الوحيد لاحتواء ما يمكن احتوائه من شتات الحزب الذي فرقته الأهواء الشخصية لبعض قياداته من لدن الرئيس السابق صالح وانتهاءً بالصوفي ومن لف لفه في فض أي بادرة للإجماع على اختيار قيادة تتوحد عندها الأهداف والرؤى، وذلك ما يبدو أنه لن يتحقق قريبًا في ظل متولية الانقسام الداخلي في الحزب، وفي ظل تجاوب بعض قياداته مع الإملاءات الإماراتية التي لن تؤدي إلا إلى مزيدٍ من بعثرة الأوراق.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد