تقرير جديد لمنظمة سام للحقوق تنشره "أخبار اليوم" في حلقات..

محرقة الحدود السعودية.. مقاتلون بلا حقوق..!!

2019-09-02 03:39:25 أخبار اليوم/ متابعات


أصدرت منظمة" سام" للحقوق والحريات تقريرا جديدا بعنوان محرقة الحدود.. مقاتلون بلا حقوق أماطت فيه اللثام عن ما يحدث لليمنيين في الحدود اليمنية السعودية وكيف تقوم المملكة بتجنيد مدنيين يمنيين بينهم أطفال وذلك عبر سماسرة محليين للزج بهم في القتال في حدودها الجنوبية مقابل رواتب شهرية دون ان يكونوا جزءا من القوات اليمنية.
وأكدت المنظمة الحقوقية بأن ما يحدث في الحدود يعد انتهاكاً صريحاً وصارخاً للقوانين المحلية والاتفاقيات الدولية والتي تحظر استغلال المدنيين كمرتزقة يتم استخدامهم للقتال مع دولة ما خارج اطر القوانين العسكرية المحلية.
وتوكد منظمة سام أن ملف المقاتلين اليمنيين الذين يدافعون عن الحد الجنوبي للسعودية بمقابل مادي تحت ضغط الحاجة زاد كثيرا من أوجاع ومآسي الحرب في اليمن.. وطالبت المنظمة بوقف المحرقة للشباب المندفعين تحت ظروف اقتصادية صعبة واستغلال السماسرة للمتاجرة بأرواح اليمنيين مقابل الحصول على المال.
وأكدت منظمة سام في هذا التقرير شعورها بالحزن الشديد والصدمة الهائلة وذلك للقدر الهائل من القسوة واللا إنسانية التي تتم بها عمليات الاستقطاب والتجنيد والزج بالضحايا بمواقع بغرض تعريضهم للموت.
تنشر أخبار اليوم تقرير منظمة" سام" على حلقات وفيما يلي الحلقة الأولى:
مقدمة
منذ منتصف العام 2018، حصلت سام على معلومات تفيد بأن المملكة العربية السعودية تقوم بتجنيد مدنيين يمنيين، بينهم أطفال، عبر سماسرة محليين- بعضهم يعملون في الجيش الوطني- لزجهم في القتال نيابة عنها على حدودها الجنوبية، مقابل رواتب شهرية دون أن يكونوا جزءا من القوات اليمنية، أو السعودية، مستغلة بذلك الحالة الاقتصادية السيئة التي يمر بها معظم أبناء الشعب اليمني جراء الحرب وانقطاع المرتبات والحصار المفروض على البلاد منذ أكثر من أربع سنوات.
هذا التقرير خلاصة بحث وتحقيق حاولنا من خلاله الإجابة عن التساؤلات المتعلقة بوقائع التجنيد وظروف الحرب التي يقادون إليها وبحثت "سام" عبر راصدين محليين وشهادات ضباط سابقين ومجندين تمكنوا من الخروج من المعسكرات. من بين الشهود ضباط كانوا على صلة وثيقة بعملية التجنيد، ومنهم جرحى ومجندون سابقون، ومن بينهم مجندون أدلوا بشهادتهم وعادوا مجددا للجبهات ليلقوا فيها حتفهم. تشعر "سام" بالحزن الشديد والصدمة للقدر الهائل من القسوة واللاإنسانية التي تتم بها عمليات الاستقطاب والتجنيد والزج بالضحايا لمواقع بغرض تعريضهم للموت لا أكثر.
منهجية التقرير
عملت منظمة "سام" خلال ثمانية أشهر (ديسمبر 2018 حتى يوليو 2019)، على التحقق، والبحث، والتوثيق، عبر بحث استقصائي ميداني أجراه طاقم من الباحثين والراصدين الميدانيين التابعين للمنظمة من صحة المعلومات التي حصلت عليها بشأن عمل شبكات استدراج الشباب اليمنيين للقتال في الحدود الجنوبية للملكة العربية السعودية.
أجرى فريق المنظمة ٥٢ مقابلة، عبر وسائل الاتصال الإلكترونية لضحايا والشهود، وحصلنا على. ثمان صور من مناطق مختلفة منها صور جوية لمناطق القتال، وخطوط سير الضحايا وصور لمقابر مخصصة للقتلى الذين يتمكن زملاؤهم من إجلائهم من مواقع القتال، وصور لجرحى وقتلى، وشاهد فريق التقرير ثلاث ساعات تصوير فيديو مع مجندين سابقين وآباء ضحايا قتلوا في الحدود الجنوبية للسعودية، بينهم أب فقد ثلاثة من أولاده، أحدهم جريح، وأب آخر تمكن من إنقاذ ولده الأكبر وأعاده من منفذ الوديعة إلى محافظة تعز، لكنه قتل في ظروف غامضة بعد عودته بأشهر، كما شاهدت "سام" اعترافات أولية لمتهمين بالعمل ضمن شبكات السمسرة بالبشر تضمنت معلومات عن أعضاء قياديين في الشبكات التي يعملون لصالحها وآليات استقطاب ونقل الضحايا.
تواصل باحثون ميدانيون من منظمة "سام"، مع جرحى يتلقون العلاج في المستشفيات السعودية، وأهالي مقاتلين، وناشطين في مجال حقوق الانسان، وأجروا معهم مقابلات، تطرقت إلى كل ما يتعلق بالتجنيد، وأوضاع المقاتلين على الحدود السعودية.
واعتمدنا في تقدير الموقف القانوني على نصوص من الدستور اليمني وقوانين نافذة إضافة لمعاهدات جنيف الأربع وملحقاتها ومواثيق دولية أخرى منها الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم.
خلاصات
خلصت "سام" إلى قناعة بأن ما يحدث في الحدود يعد انتهاك صريح وصارخ للقوانين المحلية والاتفاقيات الدولية، التي تحظر استغلال المدنيين كـ "مرتزقة" حين يتم استخدامهم للقتال مع دولة ما، خارج أطر القوانين العسكرية المحلية الناظمة، بما لا يحفظ لهم حقوقهم المستقبلية كمقاتلين رسميين. ومع أن المملكة السعودية تقوم بترقيمهم كجنود وتمنح بعضهم رتب عسكرية مختلفة، إلا أن الواقع -الذي تحقق منه الاستقصاء الميداني لباحثي "سام"- يؤكد أنهم لم يكونوا سوى جنود وضباط "وهميين"، خصوصا وأنهم لا يملكون أية حقوق دائمة مترتبة عن ذلك، بعد وفاتهم نتيجة المعارك.
خلصت "سام" في هذا التقرير، إلى أن الآلاف من اليمينين الذين اضطروا للذهاب للقتال دفاعا عن الحدود السعودية، تحت ضغط الأوضاع الإنسانية السيئة وقُتلوا أو جُرحوا، عوملوا من قبل المملكة العربية السعودية كما لو أنهم غير موجودين.
تعرّض ما يقارب من 300 مقاتل يمني على الأقل، لبتر أحد أطرافهم، يقبع "250" منهم، حاليا، في سكن للجرحى بمنطقة عسير السعودية، إضافة إلى آخرين في محافظات ومعسكرات أخرى، معظمهم بانتظار إجراء عمليات جراحية لتركيب أطراف صناعية قبل عودتهم إلى اليمن، في حين أن أغلبهم يعيشون أوضاعا نفسية وإنسانية صعبة بسبب توقف رواتبهم منذ سبعة أشهر.
كما أن الآلاف ممن قتلوا، دفنوا في مقابر داخل المملكة دون علم أسرهم، والقليل منهم استطاعت أسرهم الدخول إلى المملكة السعودية لاستلام جثثهم ودفنهم، وآخرون ما زالت أسرهم لا تعلم بمصيرهم، ويخشون أن يكونوا قد قتلوا في مناطق مجهولة..!!
تؤكد "سام" إن ملف المقاتلين اليمنيين، الذين يدافعون عن الحد الجنوبي للمملكة للعربية السعودية، بمقابل مادي تحت ضغط الحاجة، زاد كثيرا من أوجاع ومآسي الحرب الطويلة في اليمن. بيوت وقرى تعيش آلاما متكررة بسبب تعرض أبنائها للقتل أو الإصابة. يجب وقف هذه المحرقة للشباب المندفعين تحت ظروف اقتصادية صعبة، في ظل انقطاع المرتبات وتوقف مشاريع التنمية، والوضع الإنساني السيئ للنازحين والمسرحين من وظائفهم، ودأب السماسرة الحثيث للمتاجرة بأرواح اليمنيين مقابل الحصول على المال.
الوضع القانوني للمقاتلين
بحثت منظمة "سام" فيما إذا كانت هناك أي اتفاقية رسمية موقعة بين الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية يتم باسمها أو عبر آلياتها التنسيق في هذا المجال؛ إلا أنها لم تجد ما يؤكد وجود اتفاقية كهذه.
لا يوجد كيان رسمي يمني ولا سعودي يقاتل هؤلاء المجندون تحت لوائه، غير أن الدور الرسمي يظهر في تسهيل دخول المقاتلين من المنفذ الحدودي بشكل رسمي، وخروجهم منه أحيانا بشكل رسمي، إضافة لتلقي بعضهم العلاج في مستشفيات سعودية على نفقة الحكومة السعودية، ومشاركة الطيران السعودي في العمليات، إضافة لتمويل وإمداد العمليات العسكرية.
يعتمد السعوديون على سماسرة يمنيين لاستقطاب المقاتلين، كما يعتمدون على قيادات يمنية من ضباط سابقين، وينضم المقاتلون إلى كيان غير رسمي اسمه "الحشد الشعبي" وألوية وكتائب أخرى، كلها قوات مقاتلة غير نظامية، لا تتبع وزارة الدفاع اليمنية، أو وزارة الدفاع السعودية، كما أن وزارة الدفاع اليمنية لا سلطة لها على أي فرد يذهب للقتال في الحدود السعودية. وما هو واضح، أن المملكة هي من تتكفل بصرف الرواتب بالعملة السعودية، وتوفر المؤن عبر الأراضي السعودية، كما يقاتلون بأسلحة سعودية، ويستخدمون شبكات اتصال عسكرية سعودية.
على مستوى القانون الدولي هناك شبهة قانونية أن يكون هؤلاء المقاتلون مرتزقة لا سيما ودافعهم للقتال هو الإغراء المالي، عبد المجيد مراري- محامي ومدير قسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا لمنظمة "إفدي" الدولية- يقول لـ"سام": "في نظر القانون الدولي، فإنَّ اليمنيين الذين يتم استئجارهم للقتال لصالح السعودية هم «مرتزقة»، ومن ثم فالسلطات اليمنية ليست مسؤولة عن سلامتهم، ولا عن أي ضرر قد يتعرضون له. وتبقى المملكة هي الوحيدة التي تتحمل مسؤولية إصابتهم أو مقتلهم"
وأكد مراري، أن "المقاتلين الأجانب، غير النظاميين، لا يتمتعون بأية ضمانة قانونية. وكل الأعمال القتالية التي يرتكبونها تعتبر جرائم بمنطوق القانون الدولي، وخصوصا البرتوكول الأول، الملحق باتفاقية جنيف. فالمرتزق هو الشخص الذي يشارك مشاركة فعلية في النزاعات المسلحة مقابل حصوله على المال، وليس له مبادئ يدافع عنها، ولا تحكمه قيم أو قوانين في ميدان الصراعات، كما لا يتمتع حسب القانون بوصف "مقاتل" ولا بوضع "أسير حرب" إذا ما وقع في يد العدو".
ويقول المحامي والناشط الحقوقي اليمني، عمر الحميري: "هناك مسئولية جنائية مباشرة، لكل من القادة والسماسرة والضباط الذين يغرون الشباب والمقاتلين والجنود بالذهاب للقتال دفاعا عن حدود المملكة، ويتركون جبهات القتال في تعز، أو غيرها، بموجب المادتين 56 و57، وما بعدهما من قانون الجرائم والعقوبات العسكرية، ومنها المادة 371 التي تنص على أن (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات أو بالغرامة من استغل حاجة شخص أو عدم خبرته أو طيشه، فقدم له أو حصل منه على مال أو خدمة لا تتناسب بشكل واضح مع المقابل لها)، مما يستوجب التحرك الجاد، لتحريك الدعاوى الجزائية ضدهم".
بينما ترى "سام" أن وضع المقاتلين اليمنيين على الحدود السعودية اليمنية، من منظور القانون الدولي، وضع شائك ومعقد، فبرغم أنهم يقاتلون إلى جانب السعودية بدافع الإغراء المالي بالدرجة الأولى، وهو ما يعني تحقق أحد شروط توصيف المرتزقة عليهم، إلا أنه لا يمكن اعتبار هذا النوع من الأشخاص مرتزقة، وذلك لأنهم ينتمون إلى دولة طرف في النزاع الدائر، وهي اليمن، وهو ما يخرجهم من وصف المرتزقة، حيث يشترط في الشخص المرتزق، سواء وفق تعريفه الوارد في البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف، أو الوارد في الاتفاقية الدولية لمناهضة تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم، أن لا يكون من رعايا طرف في النزاع ولا من المقيمين في إقليم خاضع لسيطرة طرف في النزاع.
قد يمثل ذلك ثغرة في القانون الدولي في الوقت الحالي حيث لم يكن متصورا في السابق وجود وضع كهذا تقوم فيه دولة طرف في نزاع بتجنيد أشخاص ينتمون لطرف آخر في النزاع ليقاتلوا على أرضها وضمن سياق قتالها على أراضي الطرف الذي يحملون جنسيته، وضد مجموعات مسلحة خارجة عن القانون في أراضي هذه الدولة الطرف، حيث لم يكن تجنيد الأشخاص بهذه الكيفية معروفا إلا في شبكات الجاسوسية، بينما انخرط هؤلاء في العمليات القتالية بشكل مباشر.
وبناء على ما سبق، نميل إلى القول إن هؤلاء الضحايا يمكن اعتبارهم مليشيا يمنية تعمل لصالح المملكة العربية السعودية وبتمويل منها، وبالتالي فهي المسؤولة عنهم أو عن أية انتهاكات يرتكبونها كونها تشرف على تدريبهم ورواتبهم وتعيين قياداتهم وتوجيه عملياتهم.
نظرة على الدوافع
يعد الإغراء بالحصول على المال دافعا رئيسا لأغلب الضحايا من اليمنيين الذين يذهبون للقتال في الحدود الجنوبية للسعودية، لكنه ليس الدافع الوحيد، فلدى هؤلاء ثأر عند جماعة الحوثيين التي سبق لها أن هاجمت مدينتهم وقراهم في أرياف محافظة تعز والمحافظات الأخرى، وكثير منهم شارك في قتال الحوثيين ضمن قوات المقاومة أو تشكيلات الجيش الموالي للشرعية، ومنهم من تعرض للاعتقال والتعذيب في سجون الحوثيين، ويروج لهم السماسرة بأن معركة الحدود هي المعركة الفاصلة، نظرا لقرب مناطق المواجهات من الجبال التي بدأت منها مليشيا الحوثي حروبها ضد الجيش اليمني في العام 2004.
يستهدف السماسرة ضحاياهم من الشباب المتضررين من انقطاع المرتبات، أو المغتربين وأبناء المغتربين المطرودين من السعودية بسبب تغيير سياسة العمالة الوافدة، أو من لم يحالفهم الحظ للحصول على أرقام عسكرية في ألوية الجيش في محافظة تعز على وجه الخصوص، إضافة لآخرين يدفعهم الحماس إلى جانب مغريات وهمية يقدمها لهم السماسرة، منها الوعود برواتب عالية أو أرقام رسمية في الجيش الشرعي، ووظائف إدارية بعيدة عن خطوط النار.
تعتقد منظمة "سام" أن طول أمد الحرب خلق أوضاعا إنسانية صعبة، جعلت مهام السماسرة أقل صعوبة وقدرتهم على إيقاع المزيد من الضحايا تزداد بشكل مضطرد مع انعدام فرص العمل التي تكفل لأصحاب المهن ما يغطي احتياجاتهم الأساسية، وتأخير رواتب المجندين في صفوف الجيش الموالي للحكومة المعترف بها دوليا.
يقول أمين عبد الرحمن عبده عساج، من محافظة تعز: "لدي ثلاثة أطفال. بسبب الجوع في اليمن، اضطررت إلى الذهاب للقتال في الوديعة مع مجموعة من الشباب، عن طريق سماسرة من القرية، يتاجروا بأولاد الناس. ثم أرسلت إلى جبهات باقم علب. وأثناء هجومنا على أحد المواقع في تبة الخزان في باقم، تعرضت لانفجار بعبوة ناسفة، وبسببها فقدت قدمي. وحاليا أصبحت طريح الفراش أو قعيد على كرسي متحرك، في سكن الجرحى في خميس مشيط، إلى جانب أكثر من 200 جريح مبتورين. لم يتم تعويضي بأي مبلغ، حتى الرواتب لم تصرف، وهناك وعد أن تصرف في نهاية رمضان". وإلى جانب العلاج وصرف الراتب المتأخر، يتمنى عساج أن تزوره أسرته في السعودية.
وتحدث محمد المجمري، لمنظمة "سام"عن صديقه يوسف عبد الله، صديق الدراسة، الذي يصفه بـ"الشهيد: "كان صديق الشهيد يوسف، يعمل كاتبا ماليا بالشرطة العسكرية بالعاصمة صنعاء. وكان وضعه المعيشي جيدا، كحال الكتاب الماليين في المعسكرات اليمنية، وظل هناك إلى قبل سنه تقريبا. وبعد أن ضاقت عليه الأحوال عاد إلى القرية. ومن ثم توجه إلى الحدود، وهناك لم يمض أكثر من ثلاثة أشهر حتى استشهد، مخلفا وراءه زوجتان وثلاثة أطفال".
خالد عبد الواسع المخلافي، بحسب افادة صديقه المحامي والناشط الحقوقي عمر الحميري لـ "سام": "كان "من أوائل من خرجوا للقتال ضد الحوثيين في مدينته تعز. أصيب مرتان في جبهة الأربعين، وأمتلأ جسده بالشظايا. وعندما توقفت الجبهات في تعز، انطلق مع مجموعة من الشباب إلى جيزان. وبعد شهرين بدأ بالتواصل معي يريد العودة إلى تعز، لكن بعد أن يذهب أولا إلى مكة لأداء العمرة. ومما قاله لي: إن تعز والجوع والضنك والجعجعة التي فيها، أشرف من الجلوس هنا ليوم واحد. بعدها حاولنا التواصل مع زملائه هناك، والقيادة، وقوبلنا بالرفض، وماهي إلا أيام وأتانا خبر استشهاده مع أحد زملائه، وتم إسقاط اسمه من كشوفات اللواء في الحدود، وكان قد تم اسقاطه أيضا من اللواء الذي كان ينتمي إليه في تعز".
توهيب هائل سعيد سيف، 20 عاما، عازب من محافظة تعز، يقول لمنظمة "سام": "دخلنا الحدود من منفذ الوديعة، بعد أن سجلت فيه حشد شعبي، لكي أوفر مصاريف الزواج. قالوا لنا سيتم إرسالنا إلى جبهة علب كشرطة عسكرية، أخذونا إلى الجبهات، وهناك جرحت بقذيفة هاون في كلتا رجلي. كان يريدون بترهما، لكني رفضت، وحاليا لا أستطيع الحركة بهما بسبب وجود أعصاب مقطعة. تم تعويضي مبلغ 500 ريال سعودي، وراتبي ثلاثة آلاف ريال سعودي، ويتم صرفه لي على راتبين كل ثلاثة أشهر، وتخصم 450 ريال سعودي، من كل راتب".
وثائق سفر "اضطرارية" من القنصلية اليمنية
تنظر "سام"، من خلال بعض الإفادات والوثائق التي حصلت عليها، إلى القنصلية اليمنية في جده، باعتبارها مشاركة في عملية التجنيد. وذلك من خلال تسهيلها دخول المقاتلين إلى المملكة العربية السعودية، بمنحهم وثيقة تحمل اسم: "وثيقة سفر اضطرارية". وهي وثيقة تحتوي على البيانات التالية: رقم الوثيقة، الاسم، اللقب، تاريخ ومحل الميلاد، المهنة، تاريخ الإصدار وتاريخ الانتهاء، وأساس صرف التصريح.
وغالبا ما يشار، في هذه الوثيقة، إلى اللواء الذي ينتمي اليه الضحية. كما تتضمن الوثيقة ختم منفذ الوديعة، وتوقيع القنصل العام. وإذ تلفت منظمة "سام" إلى "عدم درايتها بمستوى التنسيق بين الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية، في هذا الجانب؛ إلا أنها لاحظت أن كثيرا من المقاتلين الذي دخلوا الأراضي السعودية، لا يملكون أي وثائق سفر يمنية، ويتنقلون داخل الأراضي السعودية بتلك الوثيقة، المعروفة بوثيقة السفر الاضطرارية".
آلية الاستقبال والإرسال
لاحظت منظمة "سام"، بناء على تطابق إفادات مسجلة، أن منفذ الوديعة، باعتباره المنفذ الوحيد المتاح تحت تصرف المملكة حاليا، يعمل بمثابة "معسكر استقبال"، وفيه ستة ألوية قتالية، كل لواء لديه مكتب تسجيل خاص به، يتم عبره تسجيل المدنيين وفق أي وثيقة إثبات دون اعتبار للسن، سواء كانت بطاقة شخصية، أو جواز سفر، أو حتى رقم جلوس دراسي.
يقابل هذه الستة الألوية، ألوية أخرى موازية لها في الأراضي السعودية وهي لواء الفتح، لواء التحالف، اللواء 63، اللواء 102مشاة، لواء العاصفة، ولواء حرب ١، ينقل المقاتلون إليها بعد أيام فقط من تقييد أسمائهم وبياناتهم في معسكرات الاستقبال على الجانب اليمني من الحدود بمنفذ الوديعة.
لا يعرف على وجه الدقة، أعداد المقاتلين. وحصلت "سام" على معلومات تفيد أن السعوديين هم وحدهم، فقط، من يعرفون إجمالي عدد المجندين على الأرض (الأمر عينه ينطبق أيضا على معرفة الأعداد الحقيقية للقتلى والجرحى من بينهم). لكن بحسب التقديرات التي توصلت إليها "سام" من أكثر من مصدر، يُرجح أن تتراوح أعداد المقاتلين ما بين 30 إلى 35 ألف مقاتل، على وجه التقريب.
مجيب- وهو واحد من الذين قاتلوا في الحدود- يقول لـ "سام": "هناك طريقتان للتسجيل، إما عن طريق معسكرات الاستقبال للمقاتلين القادمين على حسابهم الشخصي، أو عن طريق التجنيد من خلال سماسرة الألوية العسكرية المنتشرة في الحدود، لكن الأفراد قلَّما يتوجهون إلى معسكرات الاستقبال التي تدخل منتسبيها إلى دورات عسكرية طويلة الأمد في مناخ حار لم يعتادوا عليه في المناطق الجبلية المعتدلة التي قدموا منها، وخلال فترة التدريب الطويلة لا يتقاضون مرتبات، الأمر الذي يدفع الضحايا الجدد لتسليم أنفسهم للسماسرة الذين يقدمون لهم عروضا أكثر إغراء.
يسلم (السمسار) لكل فرد، يقوم بتجنيده، مبلغا ماليا عند انطلاقه من محافظة مأرب (شرقي اليمن) إلى الحدود، يتفاوت هذا المبلغ من 150 ريال سعودي (20 ألف ريال يمني)، إلى 500 ريال سعودي (75 ألف ريال يمني)، يعتقد مجيب أن "تفاوت المبالغ يرجع إلى اختلاف مستويات الأمانة عند السماسرة "
يضيف مجيب: "عند وصول المقاتلين، يتم تسليحهم وتوزيعهم لتنفيذ مهام قتالية، والكارثة هنا أنه يوجد من بين هؤلاء من لم يمسك السلاح قط، إلى جانب أن هناك مقاتلين دون سن الـ 18 عام، لكن هناك ضباط سعوديين يجعلون من هم دون الـ 18 يخدمون في النقاط العسكرية، تفاديا لوقوعهم أسرى في يد الحوثي، وتحدث لهم فضيحة امام الرأي العام".
وتأكدت "سام"، وفق عدد من الإفادات، من وجود الكثير من المقاتلين تحت سن الثامنة عشرة، معظمهم من طلاب المدارس. ويقول قريب لأحد المقاتلين، عمره 17 عاما (من مواليد 2002) أن "هناك كثير من المقاتلين ما بين سن 16 و18 عاما، ولا يوجد فحص للسن في منفذ الوديعة، حيث يعتمدون أحيانا على مُعرِفين من الضباط اليمنيّن في تسجيل المقاتلين الصغار"..
ويقول مروان (اسم مستعار لشاب في العشرين، وأحد المقاتلين على الحدود السعودية)، لـ"سام" "التجنيد غير منظم، وغير مرتب، حسب ما هو معمول به في قوانين ولوائح السلك العسكري، التي يفترض العمل بموجبها فالتجنيد والقتال في "البقع" عبارة عن عمل بالأجر الشهري، وكل مجموعة تتبع قيادات خاصة، وكل قائد لديه عدد من المقاتلين المحسوبين عليه في الجبهات، والقائد الفلاني قائد جبهة كذا.. وهكذا.."
سيف مقاتل آخر عمره 22 عاما- يقول لـ"سام": "قيدت اسمي في منفذ الوديعة باللواء التاسع- حشد شعبي- وتلقينا تدريباتنا في (بوابة التحالف)، حتى تجمعنا، ثم أخذونا في باصات إلى داخل الحدود ووزعونا على الجبهات"..
سماسرة الحشد
من الصعب الوصول إلى أسماء الشبكة التي تعمل في حشد المقاتلين اليمنين، للقتال على الحدود الجنوبية للسعودية، والزج بهم في أتون معركة مجهولة العواقب والنتائج. من خلال من التقينا بهم من المجندين والجرحى، تبين أن المملكة العربية السعودية أوكلت مهمة الحشد - بصورة مباشرة- إلى شخصين رئيسين
الأول هو: ياسر مجلي، قائد اللواء الخامس حرس حدود، والذي ينتمي لمحافظة صعدة، وهو شقيق الشيخ عثمان مجلي وزير الدولة في حكومة الرئيس هادي المعترف بها دوليا، ولديه مندوبين مكلفين عنه لاستقبال المجندين في منفذ الوديعة.
الشخصية الرئيسية الثانية، ياسر الحارثي، وهو قيادي سلفي، وأقرب إلى الشخصية السلفية هاني بن بريك (نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، المنادي بانفصال جنوب اليمن عن شماله، والمدعوم من دولة الإمارات).
إضافة إلى شخصيات أخرى، منهم: هشام الجمال، يعمل ضابط ارتباط، ومندوب الجرحى؛ وياسين الباهلي- يعمل باللواء التاسع أركان حرب اللواء الخامس وله صلاحيات كبيرة.
وهناك شبكات فرعية، تتوزع في عدد من المحافظات اليمنية، خاصة في محافظة تعز، التي ينتمي إليها العدد الأكبر من الضحايا. هناك أسماء كثيرة تعمل ضمن شبكة تجنيد ميدانية، على مستوى المدن والقرى والأحياء وألوية الجيش، حصلت "سام" على بعض أسمائهم، واستمعت لاعترافات أولية لبعضهم، وذكرت الإفادات وجود دور لقيادات من كتائب القيادي السلفي عادل عبده فارع "أبو العباس"- بتعز- في تجنيد شباب من مدينة تعز، ومديريات: صبر والمعافر والمسراخ.
يحصل السماسرة على مقابل مالي عن كل ضحية يُرسل إلى الحدود السعودية، تتراوح- لكبارهم- ما بين 1500 إلى 2500 ريال سعودي (تساوي تقريبا: 400 – 660 دولار أمريكي، على التوالي). أما الذين يعملون في المستويات الدنيا (المدن والقرى والأحياء)، فيتراوح المقابل المالي لهم ما بين: 500 إلى 1000 ريال سعودي، عن كل ضحية يتم إرساله عن طريقهم.
يقول "سالم"- وهو مقاتل سابق في الحدود- لمنظمة "سام": "في منفذ الوديعة هناك أكثر من خمسين سمسارا يحشدون الناس ويتقاضون على المقاتل الواحد خمسمائة ريال سعودي أو اكثر. أصبحت العملية بيع وشراء بأرواح الشباب في الوديعة كالمواشي، لأجل مصالحهم الشخصية"
الأطفال وقود المعركة
رغم إدراج الأمين العام للأمم المتحدة، كلا من مليشيا الحوثي والتحالف السعودي الإماراتي، في قائمة العار لمنتهكي حقوق الأطفال في اليمن، إلا أن الأطراف نفسها استمرت في تجنيد الأطفال على الحدود اليمنية السعودية، بأعداد كبيرة جدا، خاصة من قبل جماعة الحوثي، وتحول الحد الجنوبي للمملكة العربية السعودية إلى محرقة تلتهم الكثير من آمال وأحلام الأطفال اليمنيين، بالقتل او بالإصابات الدائمة أو الجزئية. إذ يخوضون معارك بدون خبرة قتالية.
رصدت "سام" حشد الحوثيين لأطفال بين ١٢ الى ١٥ سنة في جبهة الحدود، من محافظات عمران وصعدة وصنعاء وإب، حيث يتلقون تدريبات في معسكر السواد في صنعاء، ومعسكر تدريبي آخر في عمران، ومعسكر ثالث في صعدة.
يعقوب، أحد المقاتلين على الحدود السعودية، يقول لـ "سام" عندما قمنا بشن هجوم على بعض المواقع التي يسيطر عليها الحوثيون، وقع في الأسر عدد كبير من الأطفال، أغلبهم من عمران وصعدة وصنعاء وإب، وعند التحقيق معهم قالوا إن أغلبهم تم تجنيدهم بالقوة وإرسالهم إلى الجبهات، بعد دورات تعبئة فكرية مكثفه، تركز ضد الجيش الشرعي، ووصفهم بأنهم دواعش"، وأضاف " الحوثيون يمنحون الأطفال المقاتلين مفتاحا معدنيا يحتوي على رقم يربط على معاصم أيديهم ويقولون إنه مفتاح الجنة "
وأفردت سام لقضية تجنيد الأطفال فصلا خاصا في تقاريرها السنوية للعاميين 2016 و2017 المنشورين على موقع المنظمة، كما ستفرد له فصلا مستقلا في تقريرها لسنة 2018
قتال ومخاطر لا حصر لها
منطقة الحد الجنوبي للمملكة العربية السعودية، واحدة من أكثر المناطق توترا وخطرا في القتال الدائر اليوم في اليمن. وذلك بالنظر إلى أعداد الضحايا اليمينين الذين سقطوا هناك، بين قتلى وجرحى، بسبب شدة القتال، وكثرة الكمائن، ووعورة التضاريس.
اطلعت "سام" على رسائل من أحد المجندين، موجهة إلى أحد الضباط في مأرب، يشكوا فيها من "المخاوف التي يتعرض لها المقاتلون اليمنيون، قليلو الخبرة، في الحدود". وتضمنت واحدة من الرسائل، التي اطلعت عليها "سام"، شكوى بأحد الضباط "أمر جنوده أن يستولوا على تباب مرتفعة من يد مليشيات الحوثي، بأي ثمن، فسقط الكثير منهم بسبب القنص، أو الكمائن العسكرية، أو الألغام، أو المواجهات المباشرة".
مجاهد- وهو أحد المقاتلين اليمنيين في الحد الجنوبي للمملكة العربية السعودية- يقول لـ "سام": "عملت المملكة السعودية على ترحيل المدنيين السعوديين من مناطق واسعة في الحدود مع اليمن، كما حصل في منطقة "الظهران".. لم يتبق فيها سوى موظفين من جنسيات آسيوية وعربية، وتمكن الحوثيون من السيطرة على بعض هذه المناطق داخل الأراضي السعودية، والمقاتلون اليمنيين مطلوب منهم تحريرها، وهم لا يعرفون شيئا عنها ولذلك يقدمون بتضحيات كبيرة بين قتلى وجرحى ومعاقين، وأغلب الخسائر تحدث لليمنيين بسبب نقص خبرتهم".
سعيد- وهو أحد المقاتلين اليمنيين في الحد الجنوبي للمملكة العربية السعودية- يقول لـ"سام": "يكفي أن تشاهد عدد اليمنيين المدفونين في مقبرة واحدة، لتصعق من هول العدد، فكيف ببقية المقابر؟! أما عدد الجرحى فلا يحصى. الكمائن المنصوبة من قبل الحوثيين والألغام والعبوات الناسفة، بترت أقدام الكثيرين من المجندين اليمنيين الذين يقاتلون في الحدود الجنوبية للسعودية.
ويضيف جندي آخر- موجود حاليا في منطقة الحدود- لمنظمة "سام": "عدد الجرحى كبير جدا؛ بينهم من فقد قدمه بسبب لغم أرضي زرعته المليشيات، وبينهم إصابات بالرصاص الحي، وآخرون بشظايا صواريخ حوثية وكاتيوشا أو مدفع هوزر".
"سليم"- مقاتل ترك القتال بسبب تأخر الراتب، وتسلل للعمل في المملكة- يقول لـ"سام": "في سكن الجرحى، بخميس مشيط، عدد كبير من الجرحى مبتوري الأطراف، أو مصابين بجروح أخرى، يقدر عددهم بـ200 مقاتل، ما زالوا ينتظرون إجراء عمليات جراحية، معظمها تركيب أعضاء بلاستيكية، قبل أن يعودوا إلى مأرب في اليمن".
القتال تحت راية الفوضى
يقاتل هؤلاء الضحايا في الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، ويحصلون على رواتب بشكل غير منتظم، وفي كل مرة يحصلون فيها على الرواتب فإنهم يحصلون أيضا على رتب وهمية، يتم بناء عليها تقدير الرواتب، لمرة واحدة، وفي الكشوفات اللاحقة يمكن أن ترتفع الرتبة أو تنخفض، وحين يطالبون بالحصول على إجازة يتم التعامل معهم في المنفذ السعودي كما لو كانوا متسللين غير شرعيين، تقوم السلطات السعودية بتسجيل بصماتهم بشكل الكتروني، ثم يمنعون من دخول المملكة حتى لو حصلوا على تأشيرة رسمية.
الأخطاء.. والموت المجاني
المعارك التي يخوضها الضحايا اليمنيون دفاعاً عن الحدود السعودية في وجه مليشيا الحوثي تحدث في مناطق جبيلة شديدة التداخل وصعبة التضاريس، وتخوض هذه القوات بعض المعارك بمشاركة غطاء جوي تابع للتحالف، غير أنه في بعض الأحيان يقصف مواقع القوات الموالية للسعودية، ولا يقتصر الأمر على الطيران، بل إن المدفعية وسلاح الدبابات أيضاً ارتكبوا بعض الأخطاء وسقط بسببها ضحايا.
سيف يؤكد في شهادته لـ"سام": حدثت ضربات جوية، أزهقت أرواح كثير من الجنود في المواقع، وسجلت باعتبارها "ضربات خاطئة".
وحصلت "سام" على وثائق رسمية، تثبت وقوع مثل تلك الحوادث. وتؤكد إحدى الوثائق، وهي عبارة عن بلاغ صادر يوم الاثنين، الموافق 16-10-2017م، على أن الطيران السعودي، استهدف مجموعة من المقاتلين اليمنيين الذين يقاتلون مع المملكة العربية السعودية، كانوا متواجدين بأسلحتهم الشخصية في إحدى مزارع القات بمنطقة جناح الصقر. وتنسب الوثيقة إلى شهود عيان، تأكيدهم أن تلك الضربة الجوية السعودية أدت إلى مقتل تسعة مقاتلين، حولتهم جميعا إلى أشلاء. وبحسب الوثيقة، فقد شكلت لجنة لتقصي الحقائق في الحادث.
وفي وثيقة أخرى، تتحدث عن واقعة أخرى، بتاريخ 3-11-2017م، تعرض فيها عدد من المقاتلين في موقع النمر إلى قذيفة دبابة، نجم عنها مقتل ملازم وجرح ثلاثة مساعدين، جميعهم ينتمون إلى معسكر اللواء الخامس حرس حدود.
وذكرت الوثيقة أن مثل هذه الحوادث تكررت، سابقا، في كلا من: التبة السوداء، وموقع الخزان، وموقع الجامع، وموقع الشبكة. وأشارت إلى وجود موجة غضب من قبل أفراد اللواء بسبب هذه الأخطاء.
ومن الأخطاء الأكثر مأساوية، حادثة يسردها "سيف" لـ"سام"، قائلا: "في مارس من عام 2019، وقعت ضربة صاروخيه، في منطقة البقع، سقط ضحيتها أكثر من ثمانين قتيلا، و250 جريح، بينهم أربعين قتيلا- أي النصف- من مديرية واحدة فقط، هي مديرية جبل حبشي بمحافظة تعز".
ويضيف سيف: "ومن بين تلك الضربات، التي تصنف- لاحقا- على أنها (خاطئة)، وفقا لتصنيفهم هم، وهي كثيرة، ضربة حدثت، تقريبا، قبل تسعة أشهر في معسكر الوحدة، الذي كان قائده الشيخ رداد، وقتل فيها ما يقارب 30، وجرح 20، من أفراد وضباط المعسكر. وهناك ضربة أخرى استهدفت اللواء الأول بمحافظة الجوف، ونجم عنها مقتل 20، وإصابة 50 آخرين. ومازالت الضربات الخاطئة مستمرة، ولا ندري متى سوف تتوقف".
قصص وشهادات
"سعيد"، وهو شقيق لأحد المقاتلين، أعرب لـ"سام" عن قلقه بشأن مصير شقيقه، الذي كان يقاتل في محور "نهم"- على مشارف العاصمة صنعاء شرقا- قبل أن يقنعه أحد الضباط بالذهاب إلى محور "اليتمة"- محافظة الجوق (شمال شرق اليمن). ويقول سعيد إن "آخر اتصال كان مع شقيقي، ظهر فيه نادما، وتحدث معي عن وقوعه في ورطة العمر، وأنه يبحث عن مخرج للعودة. والآن يصعب التواصل معه، حيث لا توجد شبكة هاتف في تلك المنطقة".
ماجد، وهو مقاتل سابق، قال لـ"سام": "إنهم يتعاملون معنا وكأننا عاملون معهم بالأجر اليومي. أو لنقل مرتزقة. هذا هو المعنى الحقيقي للعملية".
هادي وهو أحد المقاتلين اليمنيين في الحد الجنوبي للمملكة العربية السعودية، يعرب لـ"سام" عن حسرته، قائلا: "ما يؤسف أكثر، هو أن هناك أفراد سال منهم العرق والدم في الجبهات، ثم يفاجئون بسقوط أسمائهم من كشوفات الرواتب، هكذا بكل بجاحة. ما الذي يمكنهم فعله؟ ببساطة: لا شيء!!".
ويضيف هادي: "حين يتأخر تسليم الرواتب لفترات طويلة، لا أحد يجرؤ على الاحتجاج والمطالبة برواتبه، فقد حدث ذلك من قبل، فتعرض من قاموا بذلك للتهديد بـ "تبصيمهم" وترحيلهم بدون مرتبات. يقولون لنا: "كما جئنا بكم، سنأتي بغيركم"، غالبا ما نسمع مثل هذا التهديد من ضباط سعوديين ويمنيين أيضا".
وتحدث سيف لـ"سام" عن "تأخر الرواتب لفترات تصل إلى سبعة أشهر في محور الجوف/ اليتمة- على الشريط الحدودي، وحتى حين تصلنا أخيرا، تتعرض للخصم من قبل قيادات المحاور".
إهمال الجرحى
لم تتمكن منظمة "سام" من الحصول على إحصائية دقيقة بعدد الجرحى من مصادر رسمية؛ ولكن بحسب تقديرات استقتها من مقاتلين ميدانيين، هناك ما يقارب 10 ألف جريح كعدد تقريبي، منذ بداية الحرب. وتشير معلوماتنا أن كثيرا من جرحى الحرب اليمنيين الذي يقاتلون في الحدود اليمنية السعودية، لا يحظون بالرعاية الضرورية اللازمة. بل أن كثيرا من الجرحى، تم ترحيلهم جبرا إلى سكن تم استحداثه للجرحى بمحافظة مأرب اليمنية، في حين أن بعضهم منحوا تعويضا هزيلا، لم يتجاوز الخمسمائة ريال سعودي، أحيانا. كما وجدت المنظمة أن كثيرا من الجرحي يعيشون وضعا نفسيا سيئا، ويشكون سوء المعاملة، وتأخر صرف الرواتب، وأحيانا توقفها، أو خصم جزء منها من قبل القيادات العسكرية اليمنية.
محمد، وهو أحد المقاتلين اليمنيين في الحد الجنوبي للمملكة العربية السعودية، يقول لـ"سام": "يحصل الجرحى من صفوف الحوثيين على اهتمام بالغ من قبل السعوديين، بغرض استنطاقهم والحصول على معلومات، أو مبادلتهم بأسرى من السعوديين."
ويضيف محمد: "أما الجرحى في صفوف المقاومة (المقاتلين)، فأحيانا يظل الجريح في منطقة المواجهة يوماً كاملاً أو ليلة كاملة، لا يجد من يسعفه، وقد يموت من النزيف. في الوقت الذي لا يتوانون فيه بمواصلة الدفع بالأفراد إلى خطوط النار، أثناء المواجهات، بدون وجود سيارة الإسعاف، أو الخدمات الطبية، بل لا توجد حتى حقيبة إسعافات أولية..!!"
ويؤكد محمد على أنه شاهد بعينيه أحد الجرحى من أفرادهم، تعرض لإصابة بشظية قنبلة "ظل في موقع الاشتباك منذ الساعة الثامنة حتى الحاديه العشرة مساء، وجراحه تنزف، لم يكن هناك فريق إخلاء لنقله المستشفى الميداني ولا عدة إسعافات أولية لإيقاف النزيف ما اضطرنا إلى نقله بمحفة (نقالة)، على أقدامنا. ونظرا لأن الطريق جبلية، استمرينا في ذلك من الساعة الـ12 ليلا حتى السادسة صباحا. بينما نعرف جيدا، لو أن الجريح كان حوثيا قد وقع في الأسر، لأرسلوا فرق الإسعاف لإجراء الإسعافات الأولية، ولتحركت الطواقم الطبية لتسريع نقله إلى المشفى العام بنجران".
ويتحدث يعقوب عن صعوبة التعامل مع الجرحى، نظرا لوعورة التضاريس، من جهة، والإهمال الحاصل من القيادة، من جهة أخرى، مؤكدا لـ"سام": "معظم الجرحى يموتون في الطريق أثناء إسعافهم. حتى لو كان الجرح بسيطا، فقد يلقى الجريح حتفه قبل وصوله نتيجة لانعدام الاهتمام الطبي، خصوصا الإسعافات الأولية"
ولا يقتصر الحال على التعامل مع الجرحى أثناء المعارك، بل غالبا ما يتعدى ذلك، إلى الإهمال، أو التجاهل فيما بعد.
عبد الحميد مهيوب سعيد، عمره 40 عاما من محافظة تعز، متزوج وأب لسبعة أطفال، يحكي لباحثي "سام" مأساته، قائلا: " أنا جندي قديم، وأرسلت إلى جبهة محور علب الحدودية بعد أيام من وصولي معبر الوديعة، كانوا في المعسكر يعاملوننا بصورة طبيعية، إلى حد ما. حتى جرحت نتيجة انقلاب مدرعتنا بسبب أحد الألغام. أصبت بكسرين؛ الأول في فلكة الرجل اليسرى، والآخر في الحوض. ولم أحصل على أي تعويض من قبل السعودية، غير راتبي الذي صرفوه لي بعد شهرين من الإصابة، ثم حولوني إلى سكن الجرحى في مأرب، بعد أن أجريت لي عملية جراحية لمحاولة إعادة الرجل كما كانت، لكنها للأسف كانت فاشلة ولم تعد رجلي كما كانت في السابق، بل ظللت معاقا ولا أستطيع تحريكها، ثم تضاعفت حالتي بسبب الإهمال، حتى أصبت بجلطة في الرئتين مع ارتفاع في ضغط الدم، مما سبب لي احتشاء في عضلة القلب. والآن أنا تحت العلاج لأن عندي القلب وجلطة غير مستقرة، ولا أستطيع العمل. وقد كنت، في السابق، في سكن الجرحى بالسعودية، حيث يوجد جرحى كثيرون يزيدون عن الـ200 جريح، من غير الجرحى الذين في المعسكرات والمستشفيات في بعض المحافظات السعودية".
يضيف عبد الحميد: "يوجد لدي قرار طبي من دكتور القلب بإجراء عملية قسطرة للقلب، لكن مستشفى عسير العام في أبها رفض إجراء هذه العملية. بل إن اللجنة قررت إخراجي من المستشفى، وخيروني بين الترحيل إلى مأرب أو المعسكر، فاخترت المعسكر، لكنهم في اليوم الثاني أرسلوا لي سيارة إسعاف وسيارة شرطة عسكرية، ورحلوني إلى سكن الجرحى في مأرب".
"وحيد"، أيضا متزوج وله أربعة أولاد من محافظة تعز، وكان قد تجند ضمن ما يسمي بـ"الحشد الشعبي" في منفذ الوديعة، ضمن اللواء 102 مشاة، ثم انتقل إلى اللواء الخامس- حرس حدود، بقيادة ياسر مجلي، وحاليا أصبح جريح حرب. يسرد لـ"سام" تفاصيل قصته، قائلا: "جرحت في باقم، بسبب لغم، بترت على إثره رجلي اليمنى، وفقدت عيني اليسرى. وكنت قد بقيت في التبة لمدة ثلاثة أيام دون إسعاف، لعدم توفر طاقم الإسعاف أو أي اسعافات أولية. بعدها أخذني فريق الألغام، وحاليا أخضع للعلاج".
وأضاف: "لم يتم تعويضي بأي مبلغ. بل للأسف، ظللت بدون راتب لمدة سبعه أشهر. والآن أنا في مدينة جدة للحصول على رجل صناعي، كما أن رجلي الأخرى تعبانة، ولا أستطيع المشي إلا بصعوبة. إضافة إلى أني بحاجة إلى عملية تجميل لإزالة التشوهات التي في وجهي. وقبل ثلاثة أشهر فقط، استلمت ثلاثة رواتب، فأرسلتها كاملة إلى أسرتي لسداد الديون، والآن اسرتي تريد مني مصاريف رمضان، ثم سيأتي العيد وسيحتاجون إلى مصاريف أخرى، في حين أن بقية مستحقاتي من الراتب لم تصل حتى الان، ولم أرَ أسرتي، التي لم تستطع زيارتي منذ إصابتي".
حصلت سام على تسجيل صوتي من أحد الجرحى بتاريخ 13 مايو 2019، يزعم فيه، ان الحكومة السعودية، رحلت 200 جريح من داخل المملكة العربية السعودية، إلى محافظة مأرب اليمنية، بحجة أن السعودية قد جهزت لهم مستشفى تخصصي في مأرب.
اتفاقية جنيف لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان، المؤرخة في 12 آب/أغسطس 1949، المادة (15) منها، تنص على أنه "في جميع الأوقات، وعلى الأخص بعد الاشتباك في القتال، يتخذ أطراف النزاع، دون إبطاء، جميع التدابير الممكنة للبحث عن الجرحى والمرضى، وجمعهم، وحمايتهم من السلب وسوء المعاملة، وتأمين الرعاية اللازمة لهم). إضافة إلى اتفاقية جنيف في المواد (3-12-15)، والتي جاءت متضمنة عدة أمور، منها "معالجتهم وحظر الهجوم عليهم، وتحريم الإجهاز عليهم، وعدم تعريضهم للتعذيب أو إخضاعهم للتجارب، وتأمين الرعاية اللازمة لهم، دون تمييز يقوم على الدين أو اللون أو الجنس". والمٌلاحَظ أن القانون لم يُفرق بين الجريح داخل الحرب، أو خارجها. كما أنه لم يُفرِّق بين الجريح العاجز عن القتال، والجريح غير العاجز عن القتال.
وتؤكد منظمة "سام" على ضرورة أن يحصل الجرحى على الرعاية الطبية الكافية، والتعويض العادل، بموجب اتفاقية جنيف.
مصير القتلى.. بعد الوفاة
يذهب الضحايا اليمنيون للقتال في الحدود الجنوبية للملكة العربية السعودية طمعا في الحصول على المال، لكنهم في الواقع لا يحصلون على شيء أكثر من الموت السريع. المحظوظون منهم يتمكن زملاؤهم من انتشال جثامينهم من أرض المعركة، وبالتالي يحصلون على قبور معروفة ويحصل أهالي بعضهم على القليل من المال مقابل مصاريف العزاء، أما أولئك الذين لا يتمكن زملاؤهم من انتشال جثامينهم فبمجرد موتهم يصبحون عدما، تترك جثامينهم لتأكلها الحيوانات الضالة والنسور، أو تذاب بمادة الأسيد، وتسقط أسماؤهم من كشوفات الألوية التي كانوا يتبعونها.
الغالبية من المقاتلين، الذين يقتلون على الحدود لا تعود جثامينهم إلى اليمن، بل يتم دفنهم في السعودية في مقابر معروفة، وبعضهم لا يُعلم مصيرهم، إما لأنهم قتلوا في أماكن يصعب الوصول إليها، وإما بغارات جوية خاطئة، انتهوا على إثرها تماما، أو بقصف صاروخي حوثي، أو عبوات ناسفة، تمزقت أجسادهم على إثرها إلى أشلاء تناثرت في كل مكان، وصعب تجميعها. كما أن كثير من القتلى لا يستطيعون إخراجهم من خطوط النار، فيتركون في الجبال والشعاب للتحلل أو للسباع. ويتحدث البعض عن تذويب جثث القتلى باستخدام مادة الاسيد (حامض الكبريتيك المركز)، من قبل كلا الطرفين (الحوثيون والمليشيا التابعة للسعودية)، لتفادي انبعاث الرائحة الكريهة منها جراء تحللها بشكل طبيعي.
الضحايا اليمنيون الذين يموتون في معارك الحدود الجنوبية للملكة العربية السعودية الذين يتم اخراج جثثهم من منطقة الاشتباك، يدفنون في مدينة نجران السعودية، ويحصل ورثتهم على مبالغ مالية تراوحت بين 3000 إلى 15000 ريال سعودي، يتم تحويلها عن طريق صرافين محليين أما الذين لا يتمكن زملاؤهم من إنقاذ جثامينهم فلا يحصل ورثتهم على شيء غالبا.
حصلت "سام" على صور لبعض المقابر تظهر قبورا جديدة على مساحات هائلة، كلها مخصصة للضحايا اليمنيين الذين يقتلون في معارك الدفاع عن الحدود الجنوبية للسعودية منها مقبرتان في جيزان، إضافة إلى مقبرة في منطقة صبية، ومقبرة في البقع، ومقبرة في الظهران تسمى مقبرة الشهداء اليمنيين على طريق أبها".
مشير محمد مهيوب، 25 عاما، من محافظة تعز، مديرية جبل حبشي، تزوج منذ سنه تقريبا، قبل أن يتمكن أحد السماسرة من إقناعه للذهاب إلى الحدود السعودية للقتال، موهمين إياه بتجنيد رسميا في محافظة مأرب. وعندما ذهب، اكتشف أنه خدع، ليتم أخذه إلى الحدود السعودية اليمنية. وتحت الوضع الاقتصادي والحاجة وافق على الانضمام بأحد الألوية المقاتلة على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، حصل على مولود بينما هو في الجبهة، ومات بعد شهرين ونصف من ولادة طفله، تعيش زوجته حالة صدمة نفسية، ودفن في الحدود، دون أن تستطيع أسرته إلقاء آخر نظره على جثته، ولن تتمكن من زيارة قبره.
قتال حتى الموت أو تسلم مصيرك للمهربين
وصول الضحية إلى المعسكر أو مشاركته في القتالي يعني أنه قد وقع في ورطة صعبة، فالحصول على إجازة أو السماح له بالعودة إلى اليمن يعد أمرا صعب المنال، لا يمكن للضحية العودة إلا إذا كان جريحا، أو شارك في إحداث فوضى بشكل جماعي.
حصلت "سام" على معلومات بشأن إهانات وانتهاكات يتلقاها الضحايا إذا طلبوا الحصول على إجازة، يتم احتجازهم في مخيمات ويعاملون بقسوة، تتعرض خصوصياتهم للانتهاك ولا يسمح لهم بالاتصال بالعالم الخارجي. تعرض أحد هذه السجون للقصف من قبل مليشيا الحوثي، وقتل فيه عدد من السجناء الذين كانوا قد فروا من الجبهات وأرادوا العودة إلى عائلاتهم في اليمن، في حال تمكن الشخص من الفرار فإنه يحتجز في المنافذ الرسمية إذا لم يشتري تصريحا للعبور عبر شبكة سماسرة، ويعاد إلى السجن مرة أخرى.
بعض أهالي المقاتلين، ممن تواصلت معهم "سام"، قالوا إن "اقرباءهم الذين يقاتلون في الحدود، عندما قرروا التخلي عن القتال والعودة النهائية إلى موطنهم، لم يسمح لهم بذلك". أحدهم قال لـ "سام"، إن قريبا له طلب الترحيل مع مجموعه من زملائه، فأوقفوهم لأيام في بوابه الحدود، أو بالقرب منها، إلى أن فاجأهم صاروخ حوثي، وقتل مجموعة منهم، كان قريبه بينهم، مضيفا: "ولا ندري كيف علم بهروبهم الحوثيون، فيما اتصل بي آخر، من اقربائي أيضا، وقال بأنهم على وشك المغادرة قبل أن يتقطع لهم جنود يمنيين، وسلبوهم كل ما يملكون من أموال، واعادوهم إلى الجبهة بالقوة ثم اعادوا لهم الفلوس التي نهبوها منهم". ومع ذلك، فقد تمكن بعض المقاتلين من الفرار والعودة لقاء دفع مبلغ مالي لأحد المهربين لنقلهم بأمان إلى داخل اليمن.
ويقول المجمري لـ"سام" إن "بعض المجندين هناك، صار لهم ثلاث سنوات، لم يسمح لهم بالعودة"، مشيرا إلى شقيقه عبد الاله، الذي وصفه بأنه كان "شابا شجاعا، ومقاتلا شرسا في معارك تعز، حيث تعرض للإصابة ثلاث مرات، بعدها تعرض لإغراءات للقتال في الحدود السعودية، ليظل هناك أربعة اشهر، وكان يقاتل كعادته في تعز، لكنه كان يترك وحيدا، وينجو بالطاف الله، وبعدها دفع ألفين ريال سعودي لمهرب أوصله إلى صنعاء.".
الاعتقال والاستغناء عن الخدمات
بعض الضحايا من اليمنيين المقاتلين للدفاع عن الحدود الجنوبية للسعودية يتعرض للاعتقالات التعسفية، والإخفاء القسري في سجون الاستخبارات السعودية، لفترات طويلة، قد تستمر من سته أشهر إلى أجل غير معلوم، قبل أن يتم ترحيلهم إلى محافظة مأرب اليمنية.
جمال (اسم مستعار) يقول لـ "سام": "الاستخبارات السعودية منتشر بيننا بلباس مدني. ولا يستطيع أي شخص استخدام جواله بحرية خوفا من الاعتقال. وعندما يريدون اعتقال شخص، يحضر إليهم دون أن يشعروه أنه مطلوب، وحين لا يعود الينا، ندرك انه اعتقل". ويضيف: "اعرف شخصا طلبوه بالاسم، ثم ذهب من عندنا إلى مقر القيادة السعودية، ومن هناك أخذوه إلى السجن، ولما سألنا عنه، قالوا أخذوه سجن الاستخبارات، ولا نعرف عنه شيء حتى الان".
يذكر المقاتل زاهر، أن "أحد ضحايا الاعتقال من اليمنيين المقاتلين للدفاع عن الحدود الجنوبية للسعودية قام بدفن أحد قتلى الحوثيين، في أحد الجبهات، ليتم رصده من قبل طائرة بدون طيار، واعتقاله واتهامه بالعمالة للحوثيين"
الجرحي الذين يصبحون غير قادرين على القتال، يتم ترحيلهم بواسطة باصات إلى مأرب، قبل أن يستكملوا علاجهم، ودون أن يعرفوا مصير الأموال التي كانوا يطمعون في الحصول عليها.
وليس لدى "سام" إحصائية دقيقة بأعداد الجرحى الذين تم ترحيلهم بتلك الطريقة.
نماذج تكشف حجم الكارثة
تعز هي أكثر المحافظات اليمنية التي تعرض سكانها للاستدراج عن طريق شبكات السماسرة والتجنيد ثم الموت أو الإصابة في الحدود الجنوبية للملكة العربية السعودية، لا توجد لدينا ولا لدى أي جهة معروفة، إحصائيات دقيقة بأعدادهم الإجمالية، الا أن التقديرات المتوقعة لا تقل عن عشرة آلاف ضحية، وفقا لمطلعين على بعض الأرقام خلال العامين الأخيرين (2017، 2018). ويمكن قياس ذلك من خلال بعض المناطق التي يمكن ان تكشف لنا حجم الكارثة التي يواجهها الضحايا اليمنيون في الحدود السعودية، دفاعا عن أراضيها، والذين، معظمهم، يرون في جماعة الحوثي عدوا أول للشعب اليمني، لاغتصابها السلطة بالقوة، وممارستها انتهاكات واسعة النطاق بحق المدنيين اليمنيين.
مديرية جبل حبشي- إحدى مديريات محافظة تعز، قتل من شبابها، حتى نهاية 2018، فقط، ما يقارب 600 ضحية. بحسب معلومات من أحد ضباط المديرية. وأما الجرحى فهم ضعف هذا الرقم بمرات.
كما اطلعت منظمة "سام" على كشف يتضمن مقتل ٣٦ ضحية من أبناء قرية "دُبع" بمديرية الشمايتين التابعة لمحافظة تعزن وجلهم من الشباب، الذي دفعهم الوضع الإنساني المزري للبحث عن مصدر رزق في ظل انتشار حالة الفقر بين الناس بسبب الحرب. وجميعهم دفنوا داخل المملكة دون أن يستطيع أهاليهم إلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليهم.
توصيات
-يتوجب على كلا من المملكة العربية السعودية، والجمهورية اليمنية، التوقف الفوري عن زج الشباب اليمني في محرقة الحدود، وفي وضع قانوني لا يتسق مع القوانين والمواثيق الدولية.

-تدعو منظمة "سام" إلى تصحيح كافة الأوضاع غير القانونية، وفتح تحقيق جدي وشفاف ضد كل المتسببين بهذه الكارثة، ومحاسبة كافة المتسببين في هذه الانتهاكات، وإحالتهم إلى القضاء، لمحاكمتهم وفقا للقوانين ذات الصلة.
-على الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية العمل فورا على إغلاق هذه المعسكرات، وتمكين من بقي على قيد الحياة من الضحايا من العودة إلى بلاده، وتعويض ذوي القتلى والجرحى بما يتناسب مع حجم الخسائر التي تعرضوا لها.
-على الجمهورية اليمنية ودول التحالف العمل فورا على تسليم مرتبات الموظفين وإيجاد فرص عمل آمنة للمواطنين والتوقف عن السياسات التي تهدف لإطالة أمد الحرب.
-تدعو منظمة "سام" المجتمع الدولي إلى الوقوف ضد جرائم الاتجار بالبشر واعتبار كل ما سبق جرائم قانونية وأخلاقية، تتحملها مسئوليتها كلا من المملكة العربية السعودية، والحكومة اليمنية، كل بقدر مشاركته.
-نوصي فريق التحقيق الأممي بالاهتمام بهذا النوع من الجرائم، كما نحث اللجنة الوطنية للتحقيق في ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان على العمل للوصول الى المعلومات المتعلقة بهذه القضايا واتخاذ الإجراءات القانونية حيالها.
-على النائب العام في الجمهورية اليمنية تكليف المعنيين باستلام ملفات المضبوطين من العاملين ضمن شبكات السمسرة والاتجار بالبشر الذين تمكنت أجهزة الأمن من إلقاء القبض عليهم في محافظة تعز، واتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد