النسوية .. قراءة في الخلفية المعرفية لخطاب المرأة في الغرب .. الحلقة (5)

2007-12-13 10:19:27

تفرض القراءات السياسية الفكرية وجودها على واقع الوعي البشري وفي الخطاب الغربي المعاصر بفعل حوار الحضارات وتعدد الثقافات تهيمن الرؤى الثقافية ذات المرجعيات الفكرية والنسوية احدى هذه المنطلقات التي تعتمد المرجعية الثقافية وبشكل أو بآخر هي توجه سياسي نشأ في الغرب ويطرح نفسه في مشروع معاصر في الثقافة العربية وانطلاقا من قراءة الأبعاد المعرفية( الابستمولوجية) للنسوية يقدم الأستاذ الدكتور/ رياض عبد الحبيب القرشي كتابه المعنون ب( النسوية_قراءة في الخلفية المعرفية لخطاب المرأة في الغرب) للقارئ اليمني والصادر عن دار حضرموت للنشر اذ يعد هذا الكتاب من اهم الكتب الفكرية في الساحة العربية فقد اعتمد المفكر رياض القرشي في بحثه هذا على الأطر الثقافية التي تهيمن على الخطاب الأنثوي مناقشا فكرة ( الخلود) وفكرة العصمة في قصة الخلق وكذلك الخلفية المعرفية والمواقف من المرأة في التوراة وكذلك النظرة الدينية المسيحية للمرأة موضحا معنى "النسوية" في المصطلح والمفهوم وأيضا التأثيرات التراثية في الفكر الغربي وفي قضية المرأة

وإيمانا منا بجهد المفكر والباحث الأستاذ رياض القرشي في بحثه الجديد والمعايير لكل خطاب التنظير في الفكر العربي نقوم بنشر هذا الكتاب بشكل يومي -على سلسلة حلقات- لما له من اهمية عظمى تفسر معنى النسوية والنقد النسوي في الفكر الديني والمجتمعي العام حيث سيلي هذا الكتاب كتاب اخر يبرز مفهوم النسوية في النص القرآني :

«والمعرفة تنتج القوة» أو «المعرفة هي القوة» هذه الأمثولة التي ظلت تشكل رؤية في الغرب نحو التجاوز والتطور والابداع، وهي نفسها التي ستخرجنا من كوننا متلقين فقط إلى دائرة التفاعل الإبداعي.

لقد استخدم هذا الشعار الفكر الغربي، واستخدمته مؤسسات «الاستشراق» منذ وقت مبكر، وهم يترجمون تراث الشرق ويدرسونه ويبحثون فيه عن جوانب القوة، واستخدمه «ميشيل فوكو» في نظريته المعاصرة، وهكذا.

ان فكرة المعرفة في انتاجها للقوة في إطار الفكر النقدي، والفكر النقدي النسوي «أثراً وتأثيرا- يتبدى في «اللغة التي يصاغ بها الفكر وتتحدد بها العلاقات، وتتبلور فيها المواقف من هذا «الكائن/الآخر» ومكانته، حتى وان تم تجاوز «الاعتقاد» بالكتاب المقدس- في الغرب- وحلت «مركزية الإنسان» محل «مركزية الله» في الكون، فإنه قد خط في الفكر الفلسفي سطوراً ظلت جذورها ممتدة إلى «النص المقدس» في التوراة «بل في العهدين: القديم والجديد» وبخاصة وان من «ألف ورتب نصوصه على مدار التاريخ «شخصيات/رجال» كان عليهم عبء تأليفه وتفسيره بعد ذلك، فالأناجيل ايحاء من الله لآباء الكنيسة الأربعة، لكنها ليست وحياً مباشراً من الله.

ولأن النقد الأدبي جزء من الفكر فقد حمل الفكر الفلسفي هذه الرؤية من النص المقدس منذ أرسطو حتى القرن العشرين مروراً بمفكري «الثورة الفرنسية» وانسحب كل ذلك على الابداع شعراً ورواية ونقداً ادبياً، حتى بدأت «الثورة النسوية تأخذ مكانها في دحض هذا الموقف الذي جعل المرأة في موضع «الدونية» والرجل في موضع «التعالي».

ولكي تكتسب «المرأة» «قوة» في الدفاع ثم في تغيير النظرة في اثبات الذات، كان عليها ان تكتسب «المعرفة» وهو ما فعلته «المرأة الغربية» بل اننا نجد لدى المرأة في الغرب قراءات جيدة للكتاب المقدس، وتفسيراً متميزاً لمكانة المرأة مغايراً تماماً لما «فرض» من تفسيرات على مر القرون، ولا يعني هذا ان أي قراءة جديدة للكتاب المقدس- القرآن مثلاً بالنسبة للخطاب النسوي العربي الإسلامي- تعني تحولاً في الموقف من المرأة، ولكنها بدايات لتصحيح الرؤية إذا قامت على منهج يتسم بالعلمية في التناول والإجراءات، مع ضرورة فهم فكرة «التحيز» الثقافي الذي يجعل من كل مصطلح نتاجاً لبيئة ثقافية معينة، بمعنى:

ارتباط الثقافة ومنتجاتها بالخصائص المميزة لتلك الثقافة، وبالظروف الزمانية والمكانية التي حكمت «تشكل» تلك الثقافة ومنتجاتها في مرحلة معينة.

ويكون نقل الثقافة ومنتجاتها من حيزها الثقافي إلى حيز ثقافي آخر سبباً في خلق «عوائق» كثيرة تقف أمام فهم تلك الثقافة والوعي بها.

وهكذا:

تكون الثقافة في حالة تحيزها متأصلة في جذورها بحيث ينبغي ارجاعها إلى تلك الجذور وصولاً إلى فهم وتعامل افضل مع الثقافة.

وهذا يعني ان دراسة «خطاب النسوية» وفلسفتها التي تقف وراءها تقتضي ان نعود إلى «الخلفية المعرفية» التي شكلت هذا الخطاب في الغرب- يمكن للباحث بعد ذلك ان يعود إلى ما يوازيه في الثقافة العربية/الإسلامية بوصفه خطاباً شاع في الكتابات المتأخرة بأنه امتداد للموقف نفسه من المرأة في الغرب، واستجلاء صواب هذا الرابط أو خلوه من موطئ الصواب أو غير ذلك.

ولعل ذلك كله يذكرنا بالتأصيل الذي ساقه د. طه عبدالرحمن في كتابه «روح الحداثة» حين جعل هذا «المنهج» في تتبع دلالة أي مفهوم من المفاهيم ضرورة لابد منها، فكل مفهوم له «مجاله التداولي» وحين ينقل إلى «مجال تداولي» آخر، نجده يحمل خصوصية المجال التداولي الذي انتجه، فاذا تم قبوله كما هو حدث «محو خصوصية المفاهيم المأصولة».

واذا اسقطت عليه مفاهيم المجال التداولي الجديد، ولم يتم الاعتداد بخصوصية مجاله التداولي الخاص به، حدث:

«محو خصوصية المفاهيم المنقولة»:

وبالتالي فهذا «المحو» يؤدي إلى ارتباك شديد فيما نواجهه من مصطلحات منقولة ولا خروج من هذا «التيه الفكري»-كما يقول-:

«ما لم يهتد- المجتمع المسلم- إلى ابداع مفاهيمه أو إعادة ابداع مفاهيم غيره».

ويضرب لذلك مثلاً بالعلاقة مع مفهوم «الحداثة» وان المجال التداولي لإنتاجها في الغرب جعلها:

«حداثة ذات توجه مادي لا مجال فيها للقيم الأخلاقية».

وهو يرى ان على المجتمع المسلم ان يقبل الحداثة ولكن بالتصور الذي ينتجه «المجال التداولي » الإسلامي، فهي:-

«حداثة ذات توجه معنوي تعتد بالقيم الأخلاقية».

مع إدراكه لتعدد الحداثات واقعياً، وتعددها في المجالات:- «سياسية/ثقافية/اقتصادية/اجتماعية».

ولذلك نجد الأمم الحية حين تتعامل مع «الوافد» تخضعه لاحتياجاتها التي تمليها عليها «ثقافتها وتطلعاتها» وهذا ما فعلته «أميركا» في تعاملها مع «الحداثة» الاوروبية ثم «ما بعد الحداثة» حيث استخدم الاميركيون الحداثة وما بعد الحداثة في ما يتوافق مع اهدافهم ولم يتبعوا التصنيفات الاوروبية نفسها، بل جعلوا الأساليب العملية متلائمة مع احتياجات النقد الاميركي والنقاد الأميركيين.

وبالرغم من التشابه والتلاؤم بين المجال التداولي الغربي وشقه الأميركي، مقارنة بغيرهما من حضارات العالم- العربي والإسلامي مثلاً- فإن المؤلف يؤكد ان النقاد الاميركيين فعلوا ذلك عملياً في اصرارهم على ان يقوموا بعمل «مغاير تماما» عما فعله الفرنسيون في حداثتهم وما بعد حداثتهم، وان النقاد الاميركيين بذلك قادوا اتجاهات جديدة مختلفة.

ومن هذه المنطلقات السابقة تسعى هذه القراءة إلى البحث حول «الخلفية الفكرية» للخطاب النسوي الغربي، «المجال التداولي/ للذات الغربية» وبيان محدداته، وفكرة «المجال التداولي» تتقابل مع فكرة «التحيز» وينتج من استخدام أي منهما فكرة «الآخر» The Other التي كان لها دورها في الثقافة الغربية من جانبين:-

> الآخر /المرأة في المجتمع الابوي.

> الآخر/ «غير المنتمي إلى الثقافة الغربية».

«وهو ما شاع في الخطاب الإستعماري، وما بعد الاستعماري وفي النقد النسوي، والنقد الثقافي، والإستشراق» حيث أصبحت دلالة مصطلح «الآخر»:

كل ما هو نقيض الذات أو الأنا.

وهو يقتضي:

«إقصاء كل ما لا ينتمي إلى نظام فرد أو جماعة أو مؤسسة».

بوصف «الآخر»:

«يهدد صفاءها ونقاءها».

فصاغت «اللغة في منتجات الثقافة ذلك «التحيز» وكشفت «دونية» الآخر:-

بل ان اللغة نفسها تخلق هذا الآخر الذي يشوه دائماً طهارتها، وطهارة الذات ونقاءها كما يقول «ديريدا» ومن خلال هذا الموقف من «الآخر» نشأت فكرة «الهوية» من فكرة «الاختلاف» بين الأنا والآخر فبحث الآخر/ الأنثى عن «هوية» في ثقافة تقصيه، بل أدى ذلك «الاختلاف» في تلك الرؤية إلى:

التقليل من قيمة الآخر، وإعلاء قيمة الذات أو الهوية.

وتعد «سيمون دي يوفوار» من أبرز من نشر القضايا الأساسية في النقد النسوي المعاصر في كتابها «الجنس الآخر» سنة 1949م حيث أشارت إلى أن:

تعريف المرأة وهويتها تنبع دائماً من ارتباط المرأة بالرجل، فتصبح المرأة «آخر»/«موضوعاً ومادة» يتسم بالسلبية، بينما يكون الرجل «ذاتاً» سمتها الهيمنة والرفعة والأهمية، وصادرت الشخصيات النسوية تقدم في الفن والأدب بصورة «الآخر Other.

وعندما فسرت اسباب هذا الانحياز الذكوري ضد المرأة فقد اعادته إلى تأثيرات «العهد القديم» الكتاب المقدس:-

حيث وسمت المرأة بالعلاقة المنكفئة مع الرجل، فهو الواحد وهي «الآخر» «. . . » لقد قاتل المشرعون والرهبان والفلاسفة والكتاب والعلماء لكي يوضحوا: ان الموقع الثاني للمرأة، اختارته السماء، وباركته الأرض.

وهو الأمر الذي رسخ:

ان النساء ناقصات بالطبيعة.

ووصفت «فرجينيا وولف» المجتمع الأوروبي أنه «مجتمع أبوي» أي أنه ذو ثقافة «تتمركز على المذكر الذي يحكمها، ولذلك فهي تنتظم بطريقة تهيئ هيمنة الرجل ودونية المرأة في كافة مناحي الحياة ومفاهيمها».

ولذلك كله ذهبت الدراسات المعاصرة إلى أن تغيير هذا الموقف يقتضي المعرفة الدقيقة للمشكلة وخلفيها، فهي «مشكلة» معرفية وسياسية معاً وكل منهما مهمة، ولا يمكن فصلها عن الأخرى.

وأنه لابد من تغيير البنية الحقيقية للمعرفة، مع البحث عن الرسائل القامعة للنساء في التاريخ وفي علم الإنسان Anthropogy وفي علم النفس، وفي أنفسنا.

> الخلفية المعرفية للموقف من المرأة في التوراة وأسفار العهد القديم

الخلفية المعرفية للموقف من المرأة «في التوراة والعهد القديم»

تشير الدراسات المتخصصة في مجال «النسوية والفكر النسوي» إلى التأثير المباشر للنصوص المقدسة في العهد القديم والعهد الجديد «متضمنا التوراة والإنجيل» التي انسحب تأثيرها في نسيج الثقافة الغربية منذ التراث اليوناني حتى القرن العشرين.

وهذا يحدونا إلى التوقف المباشر عند النصوص المقدسة تلك لندرك جوهر «الموقف السلبي» للرجل ضد المرأة التي انتفضت منذ القرن التاسع عشر حتى أسست جانباً كبيراً من مكانتها امام الرجل في النصف الثاني من القرن العشرين، ولازالت تبحث عن حقوقها حتى اليوم.

وندرك جميعاً أن النصوص المقدسة ذات تأثير في سلوك الناس وعاداتهم في كثير من المواقف الحياتية، وبخاصة وقد تأسس فهم مكانة المرأة في الوجدان الثقافي حتى وإن اتسم بالعلمانية، إذ نجد أن أهم منظري الثورة الفرنسية كانوا يحملون الرؤى نفسها التي تجعل «المرأة دون الرجل»، بل تحقر من دورها ومكانتها في الحياة، ولعل هذا كله يجعلنا نقف عند هذه النصوص نستجلي منها هذا النسيج الذي أثر في الفكر الغربي وثقافته وسلوكه ومواقفه.

> النصوص المقدسة في العهد القديم:

ندرك أولاً أن قولنا: «التوراة» لا يعني «العهد القديم» فالعهد القديم يتضمن:

«التوراة+ مجموعة أسفار ألفت على مراحل مختلفة».

أما التوراة فهي: «خمسة أسفار» يأتي في مقدمتها «سفر التكوين» وهذا السفر هو الذي يتحدث عن نوعية العلاقة بين الرجل والمرأة، بوصف ذلك التحديد للعلاقة والنوعية هو ما يريده «الإله» فاصطبغت الحياة بما فيها ومن فيها بنتائج هذه الإرادة، فكان لزاماً ان يتحمل البشر وبخاصة «الرجال» هذه المسؤولية لضمان سير الحياة سيراً طبيعياً بدون اختلال.

- نجد في التوراة روايتين حول «نشأة العالم والبشرية» ويلفت النظر ان العنوان لقصة الخلق يبدو منطلقاً من «الخطيئة» فكان العنوان:

«خلق العالم وزلة الإنسان»

الرواية الأولى:

كانت موجزة جداً في مسألة تفاصيل الخلقة وبخاصة في ما يتعلق بآدم وحواء، ولكنها تدرجت في بيان خلق الله للكون في ستة أيام.

وانتهى الله في اليوم السابع من كل عمله الذي عمله، وبارك الله اليوم السابع وقدسه: لأنه فيه استراح من كل عمله الذي عمله خالقاً.

وكان الأسلوب الصياغي الذي اعتمد في تحديد «الخلق» في كل يوم من الأيام الستة بألفاظ تشير إلى نوعية المخلوقات:

بدت في الأيام الخمسة الأولى:

ليكن نور «. . . »

ليكن جلد «. . . »

لتتجمع المياه «. . . »

لتكن نيران «. . . »

لتعج الحياة عجا من ذوات أنفس حية «. . . »

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد