انزعوا التهديدات من جذورها وافتحوا أسواق العمل الخليجية لليمنيين

2010-02-23 06:58:58

لا يمثل استيعاب دول الخليج العربي الكم الهائل من اليد العاملة من الدول العربية التي لم تَحْبُها الطبيعة بما حبت به الخليج من ثروات، وبالتحديد اليمن الذي وضعته ظروفه التاريخية والجغرافية والسياسية في أوضاع استثنائية. . لا يمثل امتيازا يُمنح، بقدر ماهو ضرورة تفرضها المصلحة المشتركة للجميع قبل أن تكون واجبا قوميا تمليه روابط الدين واللغة والجغرافيا.

بل إن المسألة تبدو من البديهية بحيث لا تحتاج إلى مؤتمر كالذي يعقد اليوم تحت عنوان "العمالة اليمنية ومتطلبات سوق العمل الخليجي: الفرص والتحديات" رغم مباركتنا لعقده واعترافنا بأهميته، كما كان من المفروض أن لا تحتاج إلى ما سبقته من دعوات إلى الاخوة الخليجيين إلى استيعاب العمالة اليمنية والتي صدرت عن بعض المختصين من بينهم الدكتور أحمد المصعبي مدير "مركز سبأ للدراسات الاستراتيجية".

وإذا كان أول ما يتبادر إلى الذهن ما ستجنيه اليمن من فوائد في حال منحت دول الخليج العربي الأولوية لليمنيين للعمل بها، فإن ما سيجنيه الخليجيون أنفسهم لا يقل قيمة إن لم يكن أشمل وأعمق وأبقى.

ولو كانت دول الخليج بادرت إلى ذلك منذ سنوات لما وجدنا بعضها اليوم بمواجهة معضلة ديمغرافية باتت تتهدد تركيبة مجتمعاتها وهويتها بسبب الأعداد الهائلة من العمالة الآسيوية التي دخلت على مدار العقود الماضية سوق العمل في الخليج العربي وتغلغلت في مجتمعه واختلطت بأبنائه وأصبحت في كثير من المواضع وبحكم الغلبة العددية تنشر عاداتها وتقاليدها التي كثيرا ما تتضارب مع ثقافة المنطقة وحتى عقيدتها، ما يشرّع للقول إن السياسة التشغيلية الخليجية وضعت المنطقة بمواجهة قنبلة ديمغرافية حقيقية تهدد وحدة المجتمعات الخليجية التي تميزت على مدار التاريخ بالتجانس والتناغم.

وقد ضاعف من هذا الخطر تخصص الكثير من العمال وخصوصا العاملات الآسيويات في ميادين شديدة الحساسية وعلى ارتباط وثيق بتكوين الناشئة وتربيتها مثل خدمة البيوت وحضانة الأطفال ما ضاعف "تأثير العمالة الآسيوية في سلوكيات النشء بحكم العادات الوافدة على تلك الدول".

إلى ذلك يمثل استيعاب اليمنيين بأسواق العمل الخليجية صمام أمان لدول الخليج العربي التي لطالما نظرت إلى اليمن بريبة مخافة أن يكون مصدر تهديد أمني لأراضيها عبر بعض الجماعات المتطرفة والمتمردة والتي تحاول استغلال أوضاعه الاقتصادية والاجتماعية وواقع الفقر والبطالة فيه لتجنيد أعداد من أبنائه في صفوفها.

وهنا تبدو مخاوف الخليجيين في محلها فالترابط الجغرافي واتساع الحدود ووعورتها واستحالة مراقبتها والسيطرة عليها كلّها تجعل أي حريق يشب باليمن مرشحا للانتشار في المنطقة بأسرها، وقد رأينا مرأى العيان كيف أن شرارة التمرّد الحوثي انتقلت في الأشهر الأخيرة إلى داخل الحدود السعودية وأدخلت المملكة في حرب لا ناقة لها فيها ولا جمل.

غير أن ما لا يبدو في محله هو أن تتباطأ دول الخليج بما لها من مقدرات مادية ضخمة، أو تتلكأ في اجتثاث أسباب تلك التهديدات من جذورها، وهي بلا شك جذور اجتماعية قبل أن تكون سياسية أو أمنية كما يعتقد البعض.

فلولا الأعداد الكبيرة من الشباب اليمني العاطل عن العمل، ولولا الشرائح العريضة من الفقراء اليمنيين لما وجد تنظيم مثل "القاعدة في جزيرة العرب" من يصغي لطروحاته ولواجه على الأقل صعوبة في تجنيد أتباع مستعدين للتضحية بأرواحهم في سبيله. ولا شك أن الشاب الذي يمتلك عملا ويحمل أملا في المستقبل لا يمكن أن ينقاد بسهولة إلى من يدعوه إلى الموت مجانا.

ولو بسّطتنا المعادلة لقلنا إن كل شاب لا تستوعبه سوق العمل في اليمن أو الخليج، وكل فقير لا تنتشله أيادي الأثرياء من قومه من براثن الخصاصة، وكل ناشئ لا يجد فرصة للتعلّم والتخلص من الجهل والأمية، هو مشروع مواطن غاضب ناقم، وبالتالي مشروع عنصر في تنظيم متطرف، أو فصيل متمرد يوجه بندقيته إلى صدور مواطنيه في المنطقة ككل.

قد يجادل بعض التقنيين بأن دول الخليج العربي تحتاج لاقتصادها الحديث النشط يدا عاملة مختصة وماهرة ومدربة، لا يتوفر عليها اليمن اليوم بحكم أساليبه التعليمية وضعف برامجه التكوينية، لكن هذا الأمر مردود عليه بأن الأرقام الرسمية الصادرة عن دول الخليج ذاتها تقول إن نسبة المختصين ضمن "جيوش" العمالة الآسيوية الناشطة بالخليج نسبة ضئيلة جدا. ونحن نعرف واقعا أن أعداد الآسويين المشتغلين بالخليج في مهن بسيطة لا تتطلب قدرا كبيرا من التأهيل والتحصيل مثل أعمال البناء وخدمة البيوت أعداد كبيرة، وهي مهن شريفة لا نحقّرها، بل على العكس نعتبرها فرص عمل ثمينة "سُرقت" من ملايين اليمنيين، وكان يمكن أن تدر عوائد مادية على آلاف الأسر في اليمن ما يساعدها على الارتقاء بأوضاعها الاجتماعية ورعاية أبنائها وتعليمهم.

علما أن اليمنيين يمتلكون من المهارات والقدرات ما يتيح هم العمل في كل الميادين بلا استثناء، وذلك بشهادة مستثمر أجنبي يدعى رافيندر سينغ نقلت عنه وكالة "رويترز" قوله الأسبوع الماضي "أنا مندهش من مهارة القوى العاملة في اليمن. . عملت لأكثر من 30 عاما في عدة أماكن لكنني لم أقابل قوى عاملة تتمتع بالتزام اليمنيين"، واصفا إياهم ب"أنهم أذكياء ويمكن تدريبهم بسهولة". .

وسواء اقتنع الخليجيون بكفاءة اليمنيين أم لم يقتنعوا، فالمؤكد أن عوامل أخرى غير المهنية، والكفاءة والمردودية -ويتداخل فيها السياسي بالاجتماعي- هي التي جعلت أسواق الشغل الخليجية توصد في أوجه اليمنيين خلال العقود الماضية، وجعلت الخليجيين يتوجهون إلى اليد العاملة الآسيوية، وهي سياسة تشغيلية ليست خاطئة فحسب، بل شديدة الخطورة على دول الخليج وعلى محيطها العربي ككل، لكن التدارك والتقويم يبقيان متاحين، ولعل المؤتمر الهام التي يعقد اليوم حول "العمالة اليمنية ومتطلبات سوق العمل الخليجي" هو من بوادر الوعي بذلك ويحمل بذور الأمل في تحقيقه. <

العرب أونلاين

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد