تمر اليمن
هذه الأيام بمرحلة لاشك بأنها غير طبيعية، لما يسودها من حالة انفلات عام أمنياً
وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، ذلك أن المتابع لهذه الأوضاع ولما يشهده
الوطن من جملة أحداث متلاحقة لا يجد في الواقع الفعلي حكومة قادرة على وقف ما نراه
من تداعيات سلبية وتوترات غير معهودة طالما تشهدها البلاد من وقت إلى آخر إلى درجة
صارت معها كل مجموعة أو جماعة وغيرها
من أصحاب المشاريع الصغيرة يعبثون باليمن وبمقدراتها بصفة دائمة ومستمرة، كما
يفعلون ما يريدون وفي أي زمان ومكان وفي أي محافظة يختارونها، وقت ما شاءوا وكيفما
شاءوا ، فالانفلات سمة المرحلة الراهنة، ولا يتورع أولئك الذين لهم مصلحة في
الانفلات عن إضفاء مشروعية على انفلاتهم ذلك، وكأنه قدر اليمن لا فكاك عنه.
برغم
أن كل هذا الذي يدور ويجري في اليمن لا علاقة له بحرية الوطن ولا بحرية المواطنين
ولا علاقة له أيضاً لا بالتعددية السياسية أو الديمقراطية ، بل هو كما قلنا
الانفلات بعينه والذي لا يوجد في أي دولة من دول العالم سوى في اليمن يتم هذا
الانفلات الغريب في شؤونها الداخلية، ويهدد أمنها واستقرارها دون مراعاة لما تضمنه
الدستور من نصوص تحث على ردع الخارجين عن النظام والقانون، وهو ما يؤكد بأن في
اليمن قوى متنفذة وفاسدة لها مصالح ضيقة في تدني وتدهور أوضاع الشعب وتحول تلك
الحالة من التدني من سيء إلى أسوأ.
كما أن لتلك القوى مصالح متشابكة تعمل على
انتهاك القانون وتجاوزه وتقف وراء اختلاق المشاكل والنفخ فيها لكي تظل البلاد في
حالة من الانفلات والفوضى، وتتحرك تلك الفوضى وتتشعب من محافظة إلى أخرى.
حتى أن
تلك التداعيات محكومة بمحركين يظلون في مواقعهم يراقبون ويتابعون وهدفهم بذلك
الاستفادة من حالة الانفلات لتحقيق مشروعهم السياسي ضد مصلحة الوطن.
ولعل سكوت
الحكومة عن تلك التداعيات السلبية يجعلها أحد الفاعلين السلبيين لأنها عجزت عن
القيام بمهامها، وتحمل مسؤولياتها تجاه الكثير من الأحداث المؤسفة والمشاكل
والقضايا التي تقع هنا وهناك.
وأصبح من السذاجة بمكان أن نتعامل مع الكثير من
القضايا والمشاكل ببرود تام باعتبارها حوادث وسلوكيات فردية أو استثنائية لا رابط
أو صلة بين بعضها البعض.
إن قيام بعض الجماعات سواءًَ كانت هذه الجماعات تستمد
قوتها من القبيلة أو من الطابور الخامس في بعض مؤسسات الدولة قيامها بارتكاب
مخالفات بل وممارسات ترقى إلى مستوى الجريمة أحياناً، يجب ألا يتم غض الطرف عنها،
لأنها تقوض ما تبقى من مشروعية الدولة وهيبتها، كما أن من واجب الدولة أن تحمي
المواطنين وتصون كرامتهم، دون استهتار بأرواحهم تحت أي مبرر كان، مالم يصدر بذلك
حكم قضائي ضد هذا الطرف أو ذاك، وذلك حتى لا نتحول إلى مجتمع يصارع نفسه، وتضرب على
إثر تلك الممارسات كل القيم والأخلاق التي تؤكد على يمنيتنا وانتمائنا لهذا
الوطن.