العام الدراسي الجديد..إجهاز لما تبقى من التعليم أم عهد جديد من البناء والتنمية؟؟ (1-2)

2011-09-12 02:59:44 ينقلها/ يونس الشجاع

 
المقدمة
ها هو العام الدراسي الجديد يطل في ظل استفحال الأزمة السياسية منذ اندلاع الاحتجاجات المناهضة للنظام منتصف فبراير المنصرم والتي انعكست على ارتفاع الأسعار وخاصة أسعار تلك المواد المرتبطة بغذاء الناس اليومي كالدقيق والحليب وغيره والتي طالت أيضاً المستلزمات المدرسية وضاعفت هموم الآباء خاصة أولئك الذين لديهم أكثر من طفل في المستويات الدراسية المختلفة.
لائحة طويلة و«دسمة» تندرج فيها هذه الهموم التي تبدأ مع بداية التسجيل ولا تنتهي بشراء المستلزمات الدراسية التي تزيد تكلفتها سنة بعد أخرى، مروراً بالأزمة السياسية التي لا يمكن تجاهلها والتي هي جديد هذا العام ..والتي أنهكت كاهل المواطن اليمني ، باستثناء طبعاً أولئك الذين ينعمون بأوضاع مادية «فائضة» تجعلهم بعيدين عن هذه الأجواء الاقتصادية «الخانقة»، ولا يجدون أي مشكلة من دفع أقساط المدارس الخاصة ولو بآلاف الدولارات.
وهكذا يجد اليمنيون أنفسهم في بداية الموسم الدراسي الجديد أمام هموم مادية واجتماعية تثقل كواهلهم ولا يدرون ماذا يخبئ لهم القدر في ظل عدم وجود بوادر انفراج للأزمة بين الفرقاء..الأمر الذي جعلنا نخصص مساحة هموم الناس لهذا العدد لتسليط الضوء تجاه العام الدراسي الجديد.


يبدو أن العام الدراسي الجديد سيشكل تحدياً كبيراً في ظل استفحال المشاكل السياسية وتصاعد المد الثوري الذي يؤرق السلطات ويمكن من خلاله كشف مدى قدرتها على ضبط الأوضاع في بلد أنهكته الأزمات ..حسب المراقبين للوضع في البلد ًولا يقتصر ذلك التحدي على الحكومة فحسب, بل أيضاً على ميزانية الأسرة اليمنية, التي بدأت "تنحصر بفعل تتالي الأزمات وتدني الخدمات الأساسية, وارتفاع الأسعار.
يقول الأستاذ/نجيب القباطي- أستاذ مادة العلوم بمدرسة النبأ بأمانة العاصمة: العام الدراسي الجديد "هم" آخر يثقل كاهل الأسرة اليمنية المنهكة أصلا ويشعر بمواصلة انحدار العملية التعليمية في البلد, خاصة بعد أن كشف العام الماضي حضوراً باهتاً للعملية التعليمية, وتصاعد خلافات بين موالين للرئيس صالح والحزب الحاكم"المؤتمر الشعبي العام", وتربويين مؤيدين للثورة, في المرافق التعليمة، فضلاً عن ضعف مستوى التحصيل الدراسي للمناهج المقررة.

إقفال المدارس كارثة اجتماعية
وعن الإضراب عن التعليم ترى الدكتورة/ سعاد سالم السبع –أستاذ المناهج وطرائق التدريس بكلية التربية جامعة صنعاء- أن إقفال المدارس والجامعات ينذر بكارثة اجتماعية وأخلاقية كبيرة ستعاني منها كل الأسر اليمنية، حتى الذين يرون أن التعليم سوف يعود بعد الأزمة لن يسلموا من هذه الكارثة مهما ظنوا أن أولادهم منشغلون بالاعتصامات، فإنهم بلا شك سيفاجأون بنتائج الابتعاد عن التعليم في سلوكهم مستقبلاً ، حيث بدأ الطلاب والطالبات يستمتعون بعدم وجود مسئوليات دراسية ، واتجهوا لقضاء أوقاتهم مع شلل الأصدقاء، ومع وسائل الترفيه التي تضر أكثر مما تنفع كالقنوات الفضائية ومواقع الإنترنت، وغيرها..حتى أنك عندما تسأل أحدهم عن الدراسة يقول مستمتعاً( الحياة بدون دراسة أمتع) لا يعلمون أن مستقبلهم سيكون تعيساً بدون تعليم، ولا يفقهون أن الحياة تنتظر منهم جلداً وصبراً وقدرة على تحمل المسئوليات، وأن تحمل مسئولية التعليم والذهاب للمدرسة والانتظام في مسئوليات الدراسة هو جزء من تربيتهم على تحمل أعباء المستقبل.. والحديث للدكتورة/ السبع مضيفة: التعليم والتنمية مفهومان متلازمان؛ لا وجود لأحدهما منفصلاً عن الآخر، فلا تنمية بدون تعليم ولا تعليم بلا تنمية، أينما حل التعليم وتطور تكون التنمية ، وحينما يغيب التعليم أو يتوقف تقف التنمية وتتعثر، وتقف عجلة التغيير الإيجابي، وتتدهور أحوال الناس وأخلاقهم، ولأن التعليم واقف، فسيظل عقل الإنسان راكداً، أو سيتجه الإنسان إلى حشو عقله بالخرافات والأفكار الهدامة والمنحرفة حتى يشبع حاجته للتعليم.
وتتابع الدكتورة حديثها: من المحزن حقاً في بلادنا أن أولى الخدمات التي توقفت بسبب الأزمة الراهنة العام المنصرم هي خدمة التعليم، فقد حرم جميع الطلاب من الدراسة تقريباً فصلاً دراسياً كاملاً، و الله وحده يعلم، وبعده وزارة التربية والتعليم , مستغربة كيف تمت الاختبارات النهائية هذا العام بدون تعليم وبخاصة الشهادات العامة؟.
وتضيف الدكتورة السبع قائلة: والذي يثير الحنق والحزن والاستغراب هو أن تغلق مؤسسات التعليم باسم الشعب، كما هو مكتوب على بعضها، وأن يرفع الشباب هتافات تسيء إلى ثورتهم بالدرجة الأولى كذلك الشعار الذي يتم ترديده في بعض المظاهرات "لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس" ..متسائلة :هل هذا كلام يصدر عن عقلاء؟!! إنها مهزلة أن ندعوا إلى التوقف عن التعليم، مع أننا ننشد التغيير وقيام الدولة المدنية الحديثة ..كيف لهذه الدولة أن تكون حديثة والمنادون بها قد سدوا منافذ التعليم عن أبناء الوطن؟!!.
واختتمت حديثها برسالتين؛ الأولى إلى كل من يتصل بالعملية التعليمية حيث خاطبتهم : أرجوكم كفى تجهيلاً لأبنائنا، وكفاكم تشجيعاً للأبناء على الاستمتاع بالفراغ التعليمي، وكفاكم جناية على ثورة الشباب الصادقين، نحن مع الشباب في الصمود من أجل التغيير، لكننا نريد التغيير الإيجابي الذي يدافع عن التعليم، ولا يمنعه، أما التغيير إلى الأسوأ فهذا ما لن يقبله الشعب قاطبة لأنه يضر كل أجيال المستقبل ، وفي مقدمتهم شباب التغيير.
ورسالتي الثانية إلى كل شباب التغيير، إذا كنتم تريدون النجاح لثورتكم فحافظوا على استمرارية خدمتين أساسيتين هما التعليم والصحة، وتأكدوا أن نجاحكم في حماية هاتين الخدمتين وعدم المساس بهما سيمثل رافداً شعبياً لثورتكم وستحققون أهداف التغيير الإيجابي، وابتعدوا عن الشعارات التي تدعو إلى إيقاف مظاهر الحياة من أجل التغيير لأن هذه الشعارات هي التي عرقلت مسيرتكم، واجعلوا الأخلاق معياراً لكل شعار تطلقونه، هكذا يريدكم الشعب ، حتى يلتف حولكم، ويقف مع مطالبكم.


وهكذا نحن لن نستطيع أن نحدث التغيير ولا بناء الدولة المدنية ولا بناء القدرات المطلوبة للتنمية ما لم ندافع عن استمرارية التعليم تحت أي ظرف، وما لم نحافظ على بقاء مؤسسات التعليم عاملة حتى وإن طالت الأزمة ، فالتعليم لا ينبغي أن يكون ضحية صراعاتنا، التعليم هو النافذة الوحيدة لرؤية الحقيقة وتدريب العقول على التمييز بين الحق والباطل..

تدهور ملحوظ
يبدي الكثير من أولياء الأمور انزعاجهم على ما جرى في المدارس العام المنصرم من ضياع الحصص الدراسية، وأحياناً ضياع اليوم الدراسي بكامله، وصولاً إلى تعطيل المدارس، الأمر الذي أدى إلى مشاكل بين المواطنين والمدرسين الذين يعمدون إلى الإضراب أو تضييع ساعات الحصص، كما أن وصول الحزبية والتعصبات إلى المدارس إشكالية تحول دون تطوير العملية التعليمية وتشكل خطراً على أجيالنا..هذا ما تحدث به الأخ /فؤاد عبدالكريم الحاج – ولي أمر ، مشيراً إلى أن بعض المدارس شهدت إشكالات ومشادات كلامية تطورت في بعض الحالات إلى العراك بين المواطنين وأعضاء هيئات التدريس بسبب عودة أبنائهم دون تعليم.

سلوكيات غير مسؤولة
كلنا يدرك أن النهج الديمقراطي في بلادنا فتح الحبل على الغارب، أمام مجتمع لم ينضج بعد تجاه هذا التيار الحياتي الراقي، فوجدنا مدارسنا تضج بتناقضات الرؤى، تخلص إلى عراك الأيدي بين طالبين لم يبلغا السن القانوني من أجل هذا الطرف أو ذاك , ليصبح الطلاب ضحايا سياسة تصر على تلويث أذهان لا زالت صافية تنتظر من يخط فيها علماً يرقى بها للوصول إلى مرتبة يكون فيها الطالب خادماً وبناءً لمسارات الحياة الاجتماعية والفكرية والعلمية ولما يسهم في مصلحة الأمة..هذا ما استطعت أن أفهمه من حديث الأخ/ محمد عبد الملك- موجه تربوي.
فمنذ بداية الاعتصامات والمظاهرات اتجه البعض ممن تجرهم التعصبات والانتماءات الحزبية الضيقة إلى محاولة استغلال الطلاب والدفع بهم إلى مجاميع المظاهرات والاعتصامات، سواء من الحزب الحاكم أو أحزاب المعارضة..الأمر الذي استنكره الأستاذ /محمد ..مضيفاً: الأهم من هذا الخلل بين أبناء المهنة الواحدة والأكثر أهمية على صعيد بناء الأجيال هي التصرفات غير المسؤولة من قبل بعض أعضاء هيئة التدريس، أو أولياء الأمور الذين يجب عليهم أن يجعلوا الطلاب بمعزل عمَّا يجري من أحداث سياسية وحزبية واحتدام لا يفضي إلا إلى فراغ تربوي وتعليمي لدى النشء والشباب الطلاب.


ودعا أعضاء هيئة التدريس وكذا أولياء الأمور إلى الحفاظ على علاقة أبنائهم بالتعليم، وأن لا يسمحوا للتعصب الحزبي والجدل السياسي بأن يتسرب إلى عقول الصغار النظيفة، لتظل صافية تصوغ في صفحتها نور العلم ورسائل القيم النبيلة وتعاليم ديننا الحنيف القائم على الوسطية والاعتدال وحب السلم والتسامح ولغة الحوار وثقافته، لا روح الجدل والفرقة.

ضرورة تحييد المؤسسة التعليمية
يرى مراقبون أن حركة الاحتجاجات التي تشهدها البلاد تكاد أن تكون الدرس الأهم حتى الآن الذي استطاع أن يهدم الجدار القائم ما بين الطالب والمعلم ويجمعهما على معرفة ملموسة وساطعة سطوع الشمس؛ هي معرفة ربما حررتهما من ثنائية التلقين المتجهم والتلقي الخنوع الذي لطالما وسمت علاقة الطلاب بأساتذتهم في بلد تشكل مؤسستا التعليم والجيش أبرز عائقين أمام الديمقراطية.
ولئن أدى استمرار الاحتجاجات – حسب المراقبين للشأن التربوي- إلى تعطل الدراسة في بعض الجامعات والمدارس أو تعليقها إلى أجل غير مسمى وتقطعها في مناطق أخرى، إلا أن التحدي الراهن والمستقبلي يكمن في مدى قدرة الفاعلين وصناع القرار، بل المجتمع كله، على تحييد المؤسسة التعليمية وجعلها بمنأى عن الصراعات السياسية وهيمنة الأحزاب, وعلى رغم صعوبة تحقيق هذا الهدف على المدى القريب إلا أنه يشكل أساس أي تحديث يرتجى في العملية التعليمية.

مخرجات رديئة
   هذا ما اختزلته ذاكرتي من كلام الأستاذ / عبد السلام الكميم- رئيس مجلس الآباء بمدرسة حمراء علب بأمانة العاصمة- الذي يعلق على الأداء التعليمي بأنه متدهور جداً ,فالطالب يتخرج دون أن تصل إليه المعلومة الكافية التي تؤهله لأن يلتحق بالجامعة -حد قوله .. مضيفاً: فالعملية التعليمية منظومة متكاملة تشمل المعلم والإدارة المدرسية والطالب وولي الأمر وكذا مستوى الإنفاق وإذا نظرنا لهذه المنظومة فإنها تتعرض للانهيار بصورةٍ مذهلة من خلال المستوى المتدني لحصيلة الطالب في كل المستويات,مرجعاً ذلك إلى سوء اختيار معظم مدراء المدارس الذين لا تتوفر فيهم المعايير التربوية والتعليمية ولا الكفاءة الإدارية وهكذا يظهر أن بعض المدراء يحملون الشهادة الثانوية والبعض يعين مديراً بمقياس المحسوبية والحزبية .
 وأشار الكميم إلى أن الحل لهذه المعوقات هو أن يكون هناك منظومة دقيقة تخضع لمعايير ورؤى وأهداف تنطلق من المنظور الوطني والواجب الديني الذي يحتم علينا تصحيح العملية التعليمية برمتها ،منوهاً بأن هذا يحتاج إلى شجاعة سياسية تنطلق من مبدأ الحرص على تحقيق المصلحة الوطنية.
وطالب من الجهات المختصة بإخلاء المدارس من المدراء الذين لا تتوفر فيهم المعايير اللازمة وفصل الموظفين المحسوبين على العملية التعليمية الذين هم إما مغتربين أو مرافقين مع مسئولين أو يمارسون مهناً أخرى.
واقترح رئيس مجلس الآباء بمدرسة حمراء علب الأستاذ /عبد السلام الكميم الدعوة إلى عقد مؤتمر علمي واسع يحضره جميع المختصين والمعنيين بالشأن التعليمي لمناقشة جميع المشاكل التي تواجه العملية التعليمية في بلادنا والخروج بالحلول اللازمة التي من شأنها معالجتها.

جهود مهملة
منذ خمسة أعوام والشاب المميز والتربوي القدير منير السلطان يقطع كل صباح مسافات طويلة متسلقاً الجبال الوعرة صعوداً ونزولاً متنقلاً بين مدرسة وأخرى بعزل الريين والأبارة وحميع مدارس مديرية مزهر بمحافظة ريمة،كموجه للأنشطة المدرسية ,في غدوه يتحمل قارس البرد في الشتاء، أما في رواحه فيتحمل حرارة الشمس صعوداً وتسلقاً ليعود - غرباً - إلى قريته «المحروم» في خطى يملأها الوقار والاحترام لواجبه التربوي تجاه أبنائه وإخوانه أبناء القرى المجاورة التي يكنّ أهلها لهذا التربوي الناجح جل اهتمامهم وتقديرهم، ويرجون أن يحظى باهتمام وتكريم تربوي يرقى بجهوده وشعوره بالمسؤولية تجاه عمله ورسالته المهنية السامية.
وهكذا قليلون ونادرون هم من يحظون بهذا الاهتمام والمسؤولية في ظل هذه الظروف الوطنية الحرجة، هذا ما أكده زميله الموجه التربوي بمديرية السلفية الأستاذ /الشبلي صالح ، مشيراً إلى أن مدارس السلفية لم تشهد أي إشكال يتخلل اليوم الدراسي العام المنصرم أو غياب بفضل وعي أولياء الأمور والتزام المدرسين بالدوام.

إدارات غير مؤهلة
أما الأخ/عبدالسلام الصبري فيرجئ عدم تطور العملية التعليمية من خلال دراسته في مدرسة النور بمحافظة تعز إلى فشل الإدارات القائمة على المدارس وضرب بالمدرسة التي يعمل بها مثلاً ,حيث لا يوجد أي جدية لديها في تعاملها سواء مع المعلم أو الطالب ,بالإضافة إلى قلة الخبرة التي يفتقدها المدير ولذلك سميت بمدرسة النجاح- حسب قوله.
ويضيف أن الظروف الحالية والعصيبة جعلت الأسر وأولياء الأمور يعيشون حالة قلق مستمر على أبنائهم في المدارس، في الشارع، في الطريق، ولهذا يلجأون إلى حجزهم في البيت، سواءً في المدينة أو القرية، خوفاً من الزج بهم في الاعتصامات وتعرضهم للخطر.
ويواصل الشجاع حديثه: العملية التعليمية بتراجع ثابت للوراء لا يوجد تقدم ملحوظ ويجب أن يتدارك الأمر وتمنى عودة تعليم ما قبل خمسة عشر عاماً ومن المفارقة أن يتحدث الجميع اليوم عن أزمة التعليم ويتباكى على ما حل به لكنه ما إن تطأ قدم أحدهم إدارة المدرسة حتى يحولها ثكنة حزبية.

أمية مستفحلة
في اليمن كما في الوطن العربي، قليلة هي الأبحاث التي تعالج أو تتصدى بموضوعية علمية لحال الأمة والبلاد، وتشخص بدقة علل وأسباب تخلف أوطاننا العربية الغارقة في الجهل والتخلف والفساد..هذا ما يؤكده الأستاذ/ عبد الباري طاهر- نقيب الصحفيين الأسبق..مردفاً:وهناك علاقة متينة بين الجهل والأمية، بمعنييها الأبجدي والمعرفي، وبين تسيد الفساد والاستبداد.
ويضيف:ومعروف أنه إذا كان التعليم في البلدان العربية متخلفاً وتقليدياً فإن اليمن تقع في آخر سلم هذه البلدان التي تصل الأمية فيها إلى الثلثين بالنسبة للأمية الأبجدية، أما بالنسبة للأمية المعرفية فإنها تغطي بجلبابها الأسود ودخانها الكثيف نسباً أعلى بكثير من الثلثين.


التعليم تأليم
من المؤلم جداً أن تسمع في الشارع طالباً في المرحلة (الأساسية أو الثانوية، يخوض في موجة الجدل السياسي وبحدة تثبت وجود صوته ضمن أصوات الكبار إما مؤيد أو معارض والأكثر ألماً هو أن تدرك أن هذا الطالب هو من الطلبة المميزين والحاضرين في صدارة الأذكياء وغادر هذه الصدارة، بل غادر المدرسة جرياً وراء طموح إثبات ذاته في المجتمع الذي أثقلته السياسة، وأعمت صوابه الرؤى الإستباقية نحو نتائج ما يجري وما سيجري على الساحة اليمنية في هذه الفترات العصيبة.
الطالب وائل سعيد الشجاع – طالب بثانوية الكويت بأمانة العاصمة ومن الطلاب الذين لم يفارقوا الأوائل منذ الصف الأول حسب تأكيدات زملائه الذين التقيناهم برفقته أثناء إجراء هذا التحقيق - قال إنه لم يعد يروقه منظر المدرسة أو المعلم , لأن العام الماضي مر ولم يستفد من الدراسة شيئاً منذ اندلاع الاحتجاجات المناهضة للنظام منتصف فبراير المنصرم ..ويستدرجني رضوان عبد الكريم -صديق له آخر- بقوله لي :خلي الحكومة توظف الخريجين ما تنفع الدراسة وأنت جالس بدون وظيفة..حينها أدركت مدى تأثير ثقافة التحبيط التي ملأت جوانح قلوبهم ..

أرقام وحقائق
كما أجد نفسي مرغماً أن أنقل للقارئ مشاعر الطالب عمر الرامسي الذي التقيته وسألته عن استعداده للعام الدراسي الجديد وكيف صار به الحال فكان مستنفراً برده علي: ايش من تعليم كله دلهفة.. وواصل حديثه: كنا ندخل إلى الفصل العام الماضي وحدنا حتى آخر دقيقة والمعلم مضرب بالساحة وفي نهاية الدوام الفالح من يدرس حصتين ثلاث وبالأخير قالوا امتحان وما احناش عارفين ايش يخبئ لنا القدر هذا العام الله يستر .
زميله أحمد الحنق الذي كان بجواره يوافقه الرأي ويضيف :والله إنه الحزبية لعبت بنا خلاص و حلت علينا الطامة الكبرى.

انقسامات واتهامات متبادلة
الانقسام في مؤسسات التعليم والجيش الذي ظهر أخيراً على خلفية الاحتجاجات الأخيرة، أدى إلى تبادل الحكم والمعارضة اتهامات بالزج بالتلاميذ في معمعة الصراع وهو ليس في الحقيقة إلا أحد ملامح أزمة التعليم الموغلة في السياسة, فالسياسيون على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ما زالوا غارقين في نوع من التجاذب الفئوي العصبوي والمحلي تحديداً, فكل جماعة تحكم سيطرتها على مجال معين لا تلبث إلا أن تفصّله على مقاس أهوائها وتملأه بأعضائها وأنصارها حتى وإن كانوا غير أكفاء.

عواقب النزاعات المسلحة
قابل آمال المؤسسات التعليميّة بتسليح الخريجين بالمهارات اللازمة لمواجهة التحديات التي بات يفرضها القرن الحادي والعشرون - قابلها اشتداد وتيرة النزاعات المسلحّة والحروب التي تُعتبر من أكبر المعوقات أمام تطوير التعليمية وهو ما شاهدناه جلياً العام قبل الماضي في صعدة والعام الماضي في أبين حيث جلس "250" طالباً وطالبة في المرحلة الأساسية وأكثر من "400" طالب وطالبة في المرحلة الثانوية من نازحي أبين - جلسوا جميعاً في قاعات الامتحانات التي تبدلت مع تبدل عيشتهم بعد أن تركوا منازلهم ومناطقهم مجبرين لتصير مدارس ومساجد عدن هي محل إقامتهم ومنها ينطلقون لتأدية امتحاناتهم النهائية، لتلقي معاناة النزوح مع هم الامتحان في ظرف مادي ونفسي يصعب احتماله ويفقد فيه الطالب تركيزه فتتبخر معلوماتهم في جو المعاناة وأفق الحرمان والنزوح..

حقائق وأرقام
تظهر الأرقام أن نسبة إنفاق بعض البلدان العربيّة التي تشهد مثل هذه الحروب والنزاعات والتوترات الأمنية والعسكرية تفوق نسبة إنفاقها على التعليم.
فبحسب تقارير اليونسكو2011 فإن النسبة المئوية للإنفاق العام في مجال التربية والتعليم من مجموع الناتج المحلي الإجمالي بلغت اليمن 5.2%، فيما ارتفعت النسبة المئوية للإنفاق العام في مجال الدفاع من الناتج المحلي الإجمالي في اليمن إلى2.7% أي بنسبة 16% ,هذا في الوقت الذي تراجعت فيه نسبة الإنفاق على التعليم في اليمن من 9.6% العام 2008 إلى5.2% العام 2011 أي بنسبة 46 . %

استطلاع للرأي العام
 استطلاع للرأي العام أظهر تزايد حجم الأعباء المعيشية على الأسر اليمنية مع تصاعد الإنفاق، حيث أوضح الاستطلاع الذي نفذه مركز الدراسات والإعلام الدراسي وشمل أربعمائة أسرة أن 50% من الأسر تغطي نفقاتها على التعليم من الاقتراض في حين تضطر 15% من هذه الأسر إلى بيع ممتلكات شخصية، وبينت نتائج الاستطلاع أن 23% من هذه الأسر تعتمد على إكرامية رمضان إن تم صرفها والأجور الإضافية لتغطية زيادة النفقات فيما تعتمد 22% من هذه الأسر على مبالغ مدخرة لديها.
وبحسب الاستطلاع فإن الفقر من أسباب ازدياد غير الملتحقين بالمدرسة والمتسربين، كما تؤدي الأجور المنخفضة للمعلمين والمعلمات العاملين في سلك التعليم الى البحث عن أعمال إضافية مثل سائق باص أو تاكسي أو بائع في محل ملابس بهدف تحسين معيشتهم ما يؤثر في أدائهم التعليمي ويتمنى بعض أولياء الأمور أن يعمل هؤلاء في مجال الدروس الخصوصية فهذا خير لهم وللبلد، فمن شأنه على الأقل أن يحول دون تدهور مهاراتهم المهنية.

تقارير ودراسات
وتتواتر التقارير والدراسات التي تكشف عطب العملية التعليمية بدءاً من تعيين مدراء مدارس معظمهم بالكاد حاصل على الثانوية مروراً بضعف كفاءة المعلم وقلة اهتمامه بالتنمية المهنية, إضافة إلى ترفيع تلامذة الصفوف الأساسية من دون إتقان المهارات الأولية وقصور برامج إعداد المعلّمين في كُليات التربية وترفيع عدد من الراسبين في مختلف المستويات لزيادة نسبة النجاح، إضافة إلى قبول المعلمين الجدد وفقاً لأسس غير تربوية.
ويزاد إلى تلك المشكلات البنوية أخرى سلوكية من نوع انتشار ظواهر الغش وبيع الشهادات وضعف الإنفاق على التعليم وارتفاع عدد الطلاب في القاعة الواحدة وعدم صلاحية كثير من المباني المدرسية وتسرب الفكر المتطرف الى لجان صوغ المناهج وغياب الوسائل التعليمية والمختبرات المصاحبة.
ووفقاً لتقرير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة لمستوى التعليم في اليمن «فإن معدلات الالتحاق بالتعليم في كافة مراحله لا تتجاوز 61.4% في التعليم الأساسي (43.9% للإناث) و37.8% في التعليم الثانوي ويُعد العامل الرئيسي وراء تدني تلك المعدلات انتشار الفقر والبطالة في المجتمع.
فيما أوضح التقرير العالمي السنوي لرصد التعليم للجميع (اليونسكو2011) "أن اثنين وأربعين في المائة من مجموع الأطفال لم يلتحقوا بالمدارس متأثرين بالنزاعات وأن الحروب والنزاعات المسلحة والتي لا تؤثر فقط على مستوى التعليم للأطفال وغيرهم-حسب التقرير- بل تؤثر أيضاً على مستقبل النظم التربوية برمتها".


قراءة وتحليل
إن قراءة واقع التعليم ينبغي أن تجد سبيلها في تفكيك هذا الواقع، وقراءة كل مفصل بوعي كامل بمدلولات المفاهيم المستعملة في أطر النظام التعليمي وعملياته.. هذا ما قاله الدكتور/ عبد الله الذيفاني- أحد أعضاء هيئة التدريس بجامعة تعز- متابعاً: إن التربية مفهوم أوسع، ينهض بأعبائها كل المجتمع بكامل مؤسساته، والتعليم جهد يقوم به فرد أو جماعة أو مؤسسة وفقاً للفلسفة والمنهج المتبع في شؤون التعليم،مشيراً إلى أن الخلط القائم بين التربية وبين التعليم، هو خلط يؤثر ـ وبلا شك ـ سلباً على التربية والتعليم على حد سواء، فلا مؤسسات التربية تقوم بمسئولياتها، باعتبار أن ذلك من مهام مؤسسات التعليم، ولا مؤسسات التعليم أنجزت مهامها التعليمية في تخريج كوادر مؤهلة على نحو أمثل بحجة أنها تضطلع بمهام تربوية.
واستطرد الدكتور/ الذيفاني: فالناظر في حال المؤسسات التربوية عامة يرى أنها لا تؤدي واجباتها التربوية على نحو أفضل، بل يرى ماهو أخطر من ذلك وهو التناقض الصارخ بين برامج هذه المؤسسات، حيث لا يوجد استقامة في القاعدة والهدف بينها جميعاً، فمؤسسات الإعلام تعمل في ضوء رؤية خاصة بها، والمسجد يعمل بعيداً عن العمل المؤسسي، ويقيم عمله في ضوء اجتهاد شخص القائم عليه في كثير من الأحيان، مما أبعد المسجد كثيراً عن مهمته التربوية، وبذات القدر من الاجتهاد نجد المدرسة تعمل تحت تأثير المنهج الخفي الذي تقوده قناعات المعلم، ويتعزز بغياب الرؤية الواضحة والتشريع التربوي الصارم، الذي بدونه لا يمكن الحديث عن تعليم أو تدريب أو مخرجات تخدم التنمية.. مختتماً: وهكذا وجدنا العملية التربوية ـ التعليمية تقع تحت طائلة الخلط، فتنتج جيلاً غير قادر على التمييز بين المسئولية التربوية والتعليمية ، وما يتصل بها من واجبات إلا من رحم ربي.
تنويه:
 كانت الفكرة أن أتناول حاصل التعليم في اليمن بشكلٍ عام في حلقة واحدة من هموم الناس، لكن الهشاشة التي أصابت العملية التعليمية أرغمتني على تقسيم حلقة "هموم الناس " لحلقتين كي أركز على التعليم الأساسي والثانوي بعض الشيء لأشرع في الحلقة القادمة بالحديث عن التعليم الجامعي بشكل عام فكونوا معنا.

الانقسام في مؤسسات التعليم الذي ظهر أخيراً على خلفية الاحتجاجات الأخيرة، أدى إلى تبادل الحكم والمعارضة اتهامات بالزج بالتلاميذ في معمعة الصراع وهو ليس في الحقيقة إلا أحد ملامح أزمة التعليم الموغلة في السياسة
مدارسنا تضج بتناقضات الرؤى التي تخلص إلى عراك الأيدي بين طالبين لم يبلغا السن القانوني من أجل هذا الطرف أو ذاك
، والذي يستدعي استنهاض الجهود لبثّ الاستقرار الأمني وتنمية بذور الرفاه الاقتصادي والاجتماعي في كامل ربوع الوطن..

التعليم ..إلى أين؟؟
كم يبدو لي المشهد لطيف جداً حينما تلاحظ التعليم في عين الطفولة لتعصف بك الذكريات لأيام الصبا والبراءة وتتيح لك حيزاً في الذهن للرجوع بعمرك قليلاً إلى ما قبل بضعة عشر عاماً لترى الفرق التعليمي بين ذلك الوقت ووقت أنت تعيشه وتنظر إليه حالياً .
إذاً هي مدرسة في قلب اليمن العاصمة صنعاء تزورها مرةً واحدة تكون كافية لأخذ نموذج من إحدى مدارس اليمن التي تراها ذا مبنى شاهق يغرك ظاهرها ويصيبك ما يجري داخلها من أمر التعلم, فرغم أن الجهات الحكومية دائماً ما تتحدث عن تطور العملية التعليمية إلا أن مشهداً واحداً فقط من إحدى مدارس الجمهورية يجعلك في حيرة من تلك الإدعاءات التي تترنح على شاشات التلفزة.
فمشهد واحد لأطفال المدارس يوحي بمستقبل البلد، فعندما كنت حدثاً كانوا يخاطبوننا بجيل المستقبل وعندما غارت الكلمة في ثنايا وجداني وجدتني أحمل عزيمة تطاول الجبال المحيطة ببيئتي وتعانق سماء منطقتي.. حكاية حلم لم يفتأ على فراق مخيلتي حتى الآن رغم منغصات العيش ومكدرات الراهن.
تساؤلات حرة
كيف سيكون واقع العملية التعليمة في ظل هذه الإحتقانات التي عززتها عوامل شتى محلية وإقليمية..؟ وكيف سيسير جدول اليوم الدراسي؟ وكيف ستنهض مكاتب التربية بالواقع المر للعملية التعليمية في مختلف مؤسسات التربية والتعليم؟ وما دور المجتمع في الحرص على عدم الزج بطلاب المدارس في معترك التناقضات السياسية.. هذه التساؤلات كثيراً ما تتكرر في الشارع ,في المقهى وحتى في القرى، تسمعها وأنت في المجلس أو على ظهر سيارة شاص حملت فوق طاقتها وشقت بحمولتها تعاريج الجبال صعوداً نحو القمم ولا تجد حواسك أمام برهة تأمل ونظر إلى وجه الطبيعة من جراء الأصوات المحتدمة التي يشكل معظمها الصغار من طلاب المدارس خصوصاً مع الإجازات..
حاولت جاهداً في حيز هذه المساحة من هموم الناس تشخيص الداء بواسطة عدد من المعنيين,إلا أن ما نقلته يظل غيضاً من فيض اختلالات البنية التعليميّة في بلادنا.


ينقلها/ يونس الشجاع
Yonis210@hotmail.com

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد