هموم ناس رصدت...

أسرة تحترق بالغاز....وفلسطيني يفقد ذاكرته ورحلة نجاة مع المرض

2011-11-09 04:01:40 رصدها/ بشرى العامري :


تظل هموم المجتمع اليمني على اختلاف فئاته ومناطق تواجده، متوحدة ومتجسدة في انتشار البطالة والفقر والفساد, فالمواطن بشكل عام يعيش هاجسا يوميا في التفكير بكيفية توفير قوت يومه له ولأفراد أسرته.
وتختلف فيما بعد بعض الهموم والمشاكل بين شخص وآخر، لكنها تلتقي – غالباً – في النواحي الاقتصادية وارتباطها بمستوى حياته وفي هذه الزاوية حرصنا على معرفة أهم تلك الهموم التي وإن بدت تختص بفرد واحد إلا أنها لسان حال شريحة واسعة من المجتمع بحاجة إلى رؤية جادة واضحة لحلها قبل أن تصبح معضلة جذرية, تتهيأ لأن تكون قنبلة موقوتة تتفجر هنا وهناك مخلفة ورائها أثاراً اجتماعية ومشكلات يصعب تجاوزها بسهولة.


(بسبب انطفاء الكهرباء..... أسرة تحترق بالغاز)
من محافظة رداع رجل في الخمسين من عمره كان يعمل في إحدى مزارع الدجاج ليعيل زوجته وابنه الوحيد ناجي.
لم يكن أبو ناجي كما يحب أن يدعى ميسور الحال وإنما كان بسيطا جدا في حياته التي امتلأت بالفقر والبؤس والشقاء خصوصا بعد إصابته في إحدى ساقيه والذي جعلت من كسبه لعيشه وأسرته مسألة غاية في الصعوبة، ولكنه مع كل ذلك استطاع أن يستأجر لهم غرفة شعبية وحماما ومطبخا متواضعين يأويهم.
وبسبب انطفاءات الكهرباء التي تصل إلى أكثر من 22 ساعة في اليوم لم يستطع أبو ناجي شراء ماطور لأسرته للتعويض عن تلك الانطفاءات واستعاض عن ذلك بفانوس غازي قديم لديه، كان يستعين به كلما انقطعت الكهرباء وتوفرت مادة الغاز, أما إذا انقطع الاثنان فإنه يعيش وأسرته في الظلام.
وفي إحدى ليالي سبتمبر الماضي نفد الغاز في ذلك الفانوس فقام أبو ناجي بتعبئة الفانوس بالغاز من إحدى اسطوانات الغاز داخل المنزل الصغير، ولم يكن يعلم هو وزوجته وابنه الموجودون قريبا منه أن الغاز يتسرب أثناء التعبئة ولكنهما أدركا ذلك حينما أشعل الأب أول عود ثقاب ليضيء منزله الصغير، حين فوجيء الجميع باندلاع حريق هائل نتيجة ذلك التسرب.
هرع الجيران لإطفاء الحريق الكبير الذي نشب سريعا في المنزل ذي السقف الخشبي المغطى بألواح ( البلاكاش ) سريعة الاشتعال وتم إنقاذ الأسرة التي علا صوتها طلبا للنجدة بعد أن احترقوا بلهيب تلك النيران.

وكالعادة لم تأتي سيارات الإطفاء الحكومية لإطفاء الحريق إلا بعد أن انتهى المواطنون من إطفائه وإخراج الأسرة وقد احترق جزء كبير من أجسادهم.
نُقلت الأسرة كاملة إلى المستشفى الجمهوري تلقت العلاج الأولي هناك بعد أن مُدت لهم أيادي الخير من جيرانهم الذين هم أيضا يعانون من الفقر والعوز لكن قلوبهم كانت غنية بحب الخير والشفقة ومساعدة الآخرين في أزماتهم.
وبعد عشرين يوما من العلاج كانت أحداث يوم الأحد 18\9 الدامي والذي أصيب فيها المستشفى بالقصف فتم إخلاؤه من المرضى على الفور، وتم إخراج أبو ناجي وزوجته وابنه بالقوة من المستشفى رغم حاجتهم القوية للعلاج.
لم يستقبل مستشفى الثورة حالتهم نتيجة الازدحام الذي حدث في المستشفى كذلك حاولنا في صحيفة أخبار اليوم التواصل مع مستشفى "48" لاستقبال هذه الأسرة وعلاجها مجانا كما يدعي المستشفى تعاطيه مع مثل تلك الحالات الإنسانية لكن إدارته أيضا اصمت أذانها ولم تجب حتى على اتصالاتنا الهاتفية..
واضطر ت الأسرة إلى مغادرة المستشفى والذهاب إلى غرفة أخرى استأجرها لهم جيرانهم الأشد فقرا وعوزا وغنى في المشاعر، لكن أبو ناجي حينها لم يعد يملك أي شيء من أدوات منزله التي احترقت جميعها بما فيها ملابسه وملابس عائلته كلها حتى التي كان يرتديها ولم يعد يملك من حطام الدنيا قشاية واحدة، وساعده هؤلاء البسطاء في ستره وأسرته بما يستطيعون.
أبو ناجي اليوم طريح الفراش هو وأسرته يعانون أشد الآلام دون أي علاج يخفف عنهم آلامهم يتمنون أنهم لو ماتوا في ذلك الحريق ولا يعانون تلك الآلام ما أن تصل إلى جوار منزلهم الجديد أو بالأصح غرفتهم المظلمة الجديدة إلا وتسمع صوت آهاتهم المخنوقة تزلزل القلوب المتحجرة فيما يكون إلى جانبهم شخص من الجيران يشكو قلة الحيلة ولا يستطيع مع كل ذلك إلا دهن أجسادهم المحترقة بالزيت، ويناشد أهل الخير في مد يد المساعدة لتلك الأسرة المنكوبة.

(مصدر رزق لأيتام.... تلتهمه النيران )

(أم توفيق) صاحبة المنزل الذي كان يسكنه (أبو ناجي) لم تكن هي الأخرى أفضل حالا منه، فهي امرأة مسنة أيضا كانت تعمل في مصنع الغزل والنسيج وتجمع بعض المدخرات البسيطة وبها بنت تلك الغرفة ومحتوياتها في حوش منزلها الخلفي وبعد أن توفي زوجها وتقاعدت من المصنع صار هذا المنزل ومنزل صغير آخر أمام منزلها هو مصدر دخلها الوحيد.

تقول أم توفيق (استأجر أبو ناجي منزلي هذا بتسعة آلاف ريال هي كل ما أعيش منه أنا وأطفالي الأيتام، اليوم انتهى هذا المنزل وأبو ناجي لم يدفع لي إيجار شهرين بسبب حالته السيئة كما أنني لا استطيع إعادة بناءه وتأجيره من جديد (
أم توفيق هي أيضا تستجدي من يساعدها في إعادة بناء منزلها هذا ولو بالدين المهم ألا ينقطع مصدر عيشها هي وأبنائها ولو كان شحيحا.

) فقر والدها يحول دون إحساسها بآدميتها )
أصيبت أفنان محمد حمود التويتي ذات الستة أعوام بالحمى الشوكية في سنواتها الأولى وأصبحت غير قادرة على الكلام والسمع ولا تعي شيئا حولها،
وكون ظروف والد أفنان المادية متواضعة جدا، ولأن أسرتها تعيش في إحدى قرى محافظة إب لم يستطع والدها معالجتها والتخفيف على الأقل من حالتها الصحية.
يقول والد أفنان (ابنتي لا تعي شيئا فهي تسير أغلب الأوقات على يديها وقدميها وترتطم بالأشياء وتسقط ثم تعاود السير بذات الطريقة نفسها، نخشى عليها من السقوط من أي منحدر أو أن تدوسها إحدى الحيوانات ولأنها لا تستقر في مكان واحد، إخوتها الآخرين بحالة صحية جيدة وطبيعية)
اخبرنا والدها انه في إحدى الأيام أتى إلى قريتهم طبيبا هو من أحد أبناء القرية، وعندما رأى حالتها أخبرهم بأن علاجها ليس مستحيلا وأنه إذا ما تم نقلها إلى صنعاء يمكن التخفيف من حالتها المرضية وإعادة تأهيلها ولكن الوالد أضاف في حسرة أنه بالكاد يستطيع توفير لقمة العيش لأبنائه الآخرين ولا يستطيع الذهاب إلى صنعاء وتحمل تكاليف السفر والعلاج، بالرغم من رغبته الملحة في علاج ابنته ولكن تظل قلة الحيلة سد منيع بينه وبين رؤية ابنته في حال أفضل من هذه التي هي عليها.

(رضيعتان لقيطتان تبحثان عن حليب)
(ملاك وريم) رضيعتان تم العثور على كل واحدة منهما في مكان مختلف لم يكن قد تجاوز عمريهما يوما واحدا، يبدو أنه تم التخلص منهما خوفا من جلب العار والفضيحة لأمين آثرتا التخلص من ابنتيهما وعار الفضيحة لتواجها مصيرهما المجهول عوضا عن الاحتفاظ بهما وبالعار سويا.
التقطت الفتاتين امرأتان مختلفتان كن هن الصدر الحنون لهن لكن وضعهن المادي لم يكن بالقدر المطلوب لتوفير احتياجاتهن الضرورية، ومع ذلك رفضت كل واحدة منهن إعطاء فتاتها الجديدة لأي كان وآثرن الاحتفاظ بهن قائلات الرزق سيأتيننا حتماً من الله ولن يضيعنا أبدا.

وتقوم فوزية الفلاحي رئيسة جمعية الملكة بلقيس المنشأة حديثا بجمع التبرعات لأجل تلك الفتاتين لشراء حليب أطفال مناسب لهن وجمع بعض الثياب والمتعلقات الأخرى في مساهمة مجتمعية للمرأتين لإعالة تلك الفتاتين لكنها تقول أن حليب الأطفال الرضع أصبح مرتفعا ويكلف من المال الكثير، فقد تجاوز سعر العلبة الواحدة ( 1200 ريال ) وهي لا تمكث لدى الرضيعة الواحدة أكثر من أسبوع، مشيرة إلى أنها بحاجة إلى تغطية نفقات الحليب على الأقل كل شهر والتي تصل إلى (9600ريال)، متمنية أن تجد من يتكفل بمصاريف تلك الفتاتين من أهل الخير ويساعد المرأتين على رعايتهما.

( قضية إنسانية أهملتها الأجهزة الأمنية)

مصطفى محمد مصطفى أبو الزين طالب فلسطيني تخرج من كلية الطيران والدفاع الجوي اليمنية الدفعة 23 جوية قسم الاتصال الجوي هبوط ارضي، كان ينتظر التخرج من الكلية الجوية والعودة إلى فلسطين محملا بالعلوم العسكرية ولكنه عوضا عن ذلك تعرض لمحاولة اغتيال في تقاطع الستين جولة المصباحي قبل تخرجه بأسبوع في مساء يوم الأربعاء الموافق 23\8\2006 ليتحول من شخص ينتظر التخرج إلى شخص مقعد يستعمل الكرسي المتحرك من اجل التنقل.
يقول مصطفى ( كنت انتظر قدوم الرئيس علي عبد الله صالح من اجل التخرج وكنت أجهز ثياب التخرج لكن للأسف الشديد لم ارتديها وهي موجودة حتى اليوم معي موضوعة في نفس الأكياس البلاستيكية التي تكون موضوعة عليها عادة الثياب عند أخذها من عند الخياط (
بدأ الاعتداء على مصطفى بخطفه تلك الليلة من وسط العاصمة صنعاء أمام تقاطع الستين بجولة المصباحي حيث تم ضربه على رأسه مما تسبب في وجود نقطتين دم على الدماغ وفقدانه الذاكرة وبعدها تم رميه في عمارة كانت قيد الإنشاء في حفرة مصعد اسمنت مسلح ترتفع عن الأرض مسافة 7 أمتار مما تسبب في تكسر الفقرة 9 و10 الظهرية وتكسر القفص الصدري وتهتك الرئة اليسرى واستمرت حالة النزيف الداخلي لديه من ساعة 8 ليلا إلى 10 صباحا ومع قدوم العمال إلى العمارة وجدوه في الحفرة وكانت حالته حرجة جدا، وتم نقله إلى المستشفى اليمني الألماني حيث مكث في العناية المركزة مدة 21 يوما ثم تم تسفيره إلى الأردن لمتابعة العلاج على نفقة منظمة التحرير الفلسطنية الصندوق القومي.
 والديّ مصطفى كانا يعيشان خارج اليمن وتم إخبارهما أن ابنهم يعاني من إصابة خطيرة وربما يموت في أي لحظة، فقدما على اثر ذلك الخبر على الفور إلى اليمن من اجل رؤية ابنهم قبل الموت وأخذه إلى الأردن للعلاج.

 لكن السلطات اليمنية حاولت منعه من مغادرة اليمن وإعادته من المطار, مطالبة إياه بالتنازل أولا عن القضية للسماح له بمغادرة أراضيها، فيما غادر والديه اليمن.
لتسمح له بالسفر بعد أسبوع من سفر والديه بعد أن تدخل طلاب فلسطينيين في مختلف الكليات حيث نظموا اعتصاما احتجاجيا أمام مقر وزارة الداخلية اليمنية للسماح له بالسفر فيما سارعت السلطات اليمنية إلى إغلاق ملف القضية دون معرفة الجناة أو إظهار نتيجة التحقيقات حتى.
 مصطفى اليوم يريد من كل منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية تبني قضيته والضغط على جهاز الأمن القومي لكشف من كان يقف خلف محاولة تصفيته وتقديمهم للمحاكمة
مشيراً إلى أنه تقدم بعد الحادث ببلاغ للأمن القومي وطالبهم بالكشف عن الجناة والقبض عليهم ولكنه لم يستلم أي رد من قبل الأمن القومي حتى الآن بالرغم من مرور أكثر من خمس سنوات على الحادث حتى أنه لم يعلم إلى أين وصلت التحقيقات في قضيته.
وقال في حسرة (هل يقبل اليمنيون أن أتعرض لمحاولة تصفية في عقر دارهم دون أن يكون لهم موقفا واضحا إزاء ذلك، أو مد يد العون في كشف من يقف وراء هذا الحادث المسيء لسمعة بلد بحجم اليمن (
)                           فساد القضاء يضيع إرث النساء (
الحاجة نعمة أو ( أم محمد ) كما تحب أن تُدعى امرأة شارفت على الخمسين من عمرها لديها سبعة أولاد أربعة منهم في سن المراهقة توفي زوجها الذي كان يعمل عاملا في أحد مصانع البلك منذ تسعة أعوام ومنذ ذلك الحين وهي تضطر للعمل في أكثر من عمل يناسبها حتى أنها اضطرت للعمل في خدمة المنازل والمكاتب.
تقول الحاجة نعمة أنه كان لدى والدها منزل كبير بمساحة عشر لبن عشاري في منطقة شميلة بصنعاء ويسكن فيه حاليا أخوها الوحيد بعد أن توفي والدهما وقد قام باستثمار دوره الأرضي في فتح محلين وتأجير شقتين للسكن فيما هي تعيش في منازل الإيجار.
تقول الحاجة أم محمد ( حاولت مرارا وتكرارا مع أخي في أن يعطيني نصيبي من ورث والدي لأستطيع إعالة أسرتي بشكل أفضل لكنه رفض ذلك معللا أنه (ما بش مرة تقاسم أخوها في مال أبوه )).
حاول كثيرون مراجعة أخوها ومطالبته بإعطائها شقة لتسكن فيها هي وأولادها أو إعطائها جزءاً يسيراً من نصيبها أو مبلغ شهري على الأقل يعينها في محنتها لكنه رفض كل تلك الحلول مما دفع بالحاجة أم محمد إلى رفع قضية في المحكمة.


اليوم الحاجة أم محمد تقضي سنتها السادسة في أروقة المحاكم دون نتيجة فعلية فلاهي بالتي حصلت على حقها في إرث والدها ولاهي بالتي جنبت نفسها خسائر المحاكم ومصاريفها المرهقة حسب قولها.
وتتهم أم محمد القضاء بالفساد حتى النخاع مشيرة إلى أن قضيتها واضحة وضوح الشمس وأن كل الأدلة والشهود والأوراق تثبت أحقيتها في ورثها لكن أخوها يقوم كل مرة بدفع مبالغ مالية للقاضي ومن معه كرشوة لمماطلتها حتى تمل وتتعب وتكف عن المطالبة بحقها. لكنها أكدت أنها مازالت مصرة على مواصلة الطريق في مطالبتها بما هو حق لها ولأولادها.

(دار للأحداث.. كارثة مجتمعية (
كان وحيدا شريدا في إحدى الجولات ممسكا بخرقة بالية يستجدي بها أصحاب السيارات المارة بعض الريالات القليلة ليسد بها جوعه وهو يمسح لهم زجاج تلك السيارات.
إبراهيم ذي البشرة السمراء التي زادتها أشعة الشمس اسمرارا وأثرت الرياح فيها فملأتها بالتشققات بالكاد تجاوز عقده الأول من عمره الذي لا يذكر فيه سوى الجوع والحرمان والخوف من المستقبل المجهول.
اقتربنا منه وحاولنا معرفة قصته التي قال عنها أنها قد لا تصدق، فكانت فعلا واقعا مريرا يفوق تصور الخيال.
فإبراهيم من أسرة كانت تسكن في محافظة الحديدة، أتت إلى صنعاء لطلب الرزق بعد أن تقطعت بهم السبل هناك وعمل والده في عدة أعمال مابين حراسة لمباني ومنشآت أو أعمال البناء المختلفة. ولكن ما كان يجنيه والده من عمل لم يكن يكفيه هو وإخوته التسعة مع والدتهم لإطعامهم الخبز والماء فقط، مما اضطره وخمسة آخرين من أخوته إلى النزول للشارع والعمل في أعمال مختلفة ابتداءً من بيع المناديل الورقية أو التسول ومسح السيارات وغيرها لتوفير لقمة العيش لبقية الأسرة، ولم يكن عمره حينها قد تجاوز الستة أعوام.
وفي إحدى الأيام اجتمع إبراهيم هو واثنان من رفاقه في الشارع ودخلا إحدى البقالات وبطريقة ما استطاع احد الصبية سرقة مبلغ مالي من صاحب البقالة وحينما انتبه لهم صاحب البقالة هرب الثلاثة إلى الشارع فورا وجرى هو خلفهم ولم يستطع الإمساك بثلاثتهم معا ولكنه استطاع الإمساك بإبراهيم لأنه كان أصغرهم سنا وأبطأهم سرعة.
تم ترحيل إبراهيم إلى دار التوجيه الاجتماعي الكائنة في شارع تعز بصنعاء والتي أسست منذ ما يقارب الستة وثلاثين عاما لإيواء الأحداث وإعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع.

وكان من المتوقع أن يجد إبراهيم الملاذ الأمن واللقمة والحرفة التي تغنيه عن التسول في تلك الدار لكنه عوضا عن ذلك وجد أبواب جهنم قد فتحت على مصراعيها أمامه حسب تعبيره.
يقول إبراهيم عن حياته في الدار ( لم نكن في حال أفضل من الشارع ولاعتبارات عديدة فإن الشارع كان أكثر رحمة بكثير من الدار، ففي الدار لم نجد سوى الضرب الشديد والاهانات حتى أن بعض الأولاد كان يغمى عليه من شدة الضرب أو تتكسر عظامه (
ولم يذكر إبراهيم أنه شعر بالشبع خلال العامين التي قضاها في الدار فالطعام الذي كان يقدم له ولأقرانه بالكاد كان يمنع عنهم الموت جوعا حتى أنهم كانوا قريبي الشبه بأطفال المجاعة في الصومال.
يقول إبراهيم ضاحكا (أتت إلينا في أحد الأيام زائرة من إحدى الجمعيات الخيرية وأهدتنا كرتون موز فأكلناه بقرشه من شدة الجوع الذي كنا نشعر به حينها وحينما صاحت مستنكرة ما قمنا به أخبرناها على استحياء أن قشر الموز مفيد للمعدة (
لم يجد إبراهيم أيضا مع زملائه ما يكفيهم من ماء للشرب وكانوا يحصلون على كميات قليلة أيضا تقيهم الموت عطشا ولكنهم يضلون طوال يومهم يشكون الضمأ
ولم تكتفي الحياة في الدار عند هذا الحد فكان هناك ما هو أمر والعن.
لم تكن الإدارة تقوم بفصل الأحداث عن بعضهم البعض على اعتبار جرائمهم أو أخطائهم كتعبير أدق بل كان يتم خلطهم جميعا القاتل والسارق والشاذ وغيره وكان ذلك مدعاة لانتشار سلوكيات سيئة تعم عددا أكبر منهم، وكان الطفل الذي يبلغ عن إحدى تلك التصرفات يلاقي هو ومن قام بها تعذيبا شديدا أو حجزا في زنزانة مظلمة تفوح منها رائحة نتنة هي في الأصل بيت الدرج وتم إغلاقها بشباك حديدية.
وكان الأحداث يفاجئون في كل يوم باختفاء مابين خمسة إلى ستة من زملائهم دون أن يعلموا كيف اختفوا، شائعات كثيرة تقول بأنه تم بيعهم أو تهريبهم لخارج اليمن وأخرى تقول بأنهم يدفعون مبلغا ماليا هو ما قد يحصلون عليه من أحد الزائرين الذين يتبرعون به لهم فيقومون بإعطائه لحراسة الدار لفتح أبواب      الدار لهم ومساعدتهم في الخروج.
وعن سبب هروب إبراهيم من الدار يقول ( في الفترة الأخيرة زادت الأوضاع سوءا لدرجة كبيرة في الدار وذلك بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وقلة "المتبرعين" للدار وعدم صرف ميزانية الدار كما كنا نسمع من مديرها مرارا وتكرارا والذي كان يصرخ في وجوهنا كلما تضورنا جوعا من أين أديلكم حق أكل تأكلوه، وخصوصا حينما حدثت أزمة الغاز توقفت الدار خلالها نهائياً عن الطبخ وتم الاستعاضة بشراء ست علب زبادي كطعام طوال اليوم لكافة من في الدار من أطفال ومشرفين وإداريين وموظفين وعندما تفاقمت الأوضاع وعاد الغاز أصبحنا نتناول أرزا مسلوقا خاليا من أي مواد إضافية أو أي نوع من البهارات حتى وأصبحت اللحوم بأنواعها والتي كنا نراها نادرا من المحرمات التي يجب ألا تدخل الدار وصار الأطفال يتضورون جوعا ليل نهار لا هم ولا تفكير لهم إلا في الأكل والهرب من الدار لتناول وجبة طعام تشعرهم بآدميتهم ولو كلفهم ذلك حياتهم)
وأضاف إبراهيم بحزن (صدقيني مهما كانت الحياة قاسية في الشارع فإنها ارحم بكثير من تلك الدار فالداخل فيها مفقود والخارج منها مولود (
وعند تحرينا عن الدار علمنا أن مدير الدار وهو ضابط في الأمن السياسي قد قدم استقالته نتيجة الأوضاع المأساوية في الدار وقطع الميزانية عنها وشحة الموارد التي كانت تأتي للدار من المتبرعين وأصحاب الخير.
وعن القضايا العديدة التي تخص الأطفال وصل إلينا أن قاضية في الأحداث قد عانت كثيرا من تلك الإشكاليات ولكنها واجهت حرباً شعواء حتى تم نقلها مؤخرا إلى مدينة عدن، كما حاولت جمعيات خيرية محلية التدخل والأخذ بيد هؤلاء الأطفال والتخفيف من معاناتهم إلا أن الطرد كان حليفهم في كل مرة تتقدم إحداها أو تحاول الكشف عن ما يحدث في الدار من فساد مهول.
( اللجنة الطبية تنافس السرطان في قتل ضحاياه)
نجاة موظفة حكومية في إحدى الوزارات الهامة والحيوية ليس لها ظهر مسنود أو قريب حتى من الدرجة العاشرة ذو منصب مرموق.
كانت نجاة تشكو دوما من الم حاد في أسفل بطنها وتنقلت كثيرا من مستشفى لأخر وكان يقال لها أنها الآم عادية ستذهب مع مرور الوقت واستخدمت بعض المسكنات لها لكن مع مرور الوقت كانت الآلام تزيد وتضغط عليها أكثر.
أرشدتها إحدى زميلاتها في العمل إلى طبيبة نساء ماهرة ومشهود لها بالكفاءة، فذهبت نجاة على الفور إليها وبعد الفحوصات والكشف الدقيق أخبرتها الطبيبة بأن لديها ورما في أسفل الرحم وأنه من الضروري أن تجري عملية لاستئصال الرحم مع الورم قبل استفحال حالتها وأن ذلك هو الحل الوحيد أمامها.
خافت نجاة التي لم تتجاوز سن الثلاثين بعد أن تقدم على هذه العملية دون تفكير أو تأني خصوصا بعد أن نصحتها الممرضة المساعدة للطبيبة بأنها مازالت صغيرة في السن وعزباء لإجراء مثل هذه العملية خصوصا أيضا وان الطبيبة أكدت بان الورم حميدا.
وتلخصت تلك النصيحة بأن تسافر نجاة إلى إحدى الدول العربية لعمل تلك العملية حيث سيتم استئصال الورم فيما يبقى الرحم مكانه وتستطيع بعدها الزواج والحياة بشكل طبيعي.

وكانت نجاة تعتقد بأنها ستحصل على منحة علاجية من عملها خصوصا وأنها تعمل في مكتب الوزير فقدمت على الفور طلبا بتسفيرها للخارج وإجراء العملية الجراحية لها وكانت الدولة الأفضل لها هي جمهورية مصر العربية، ولكنها فوجئت برفض الوزير لمنحها تلك المنحة العلاجية بحجة أنه استلم الوزارة من الوزير السابق وخزينتها وحسابها خال من أي مبالغ مالية وأنه لا يستطيع مساعدتها حتى بمبلغ بسيط وقدم لها مبلغ خمسة آلاف ريال من حسابه الخاص كمساعدة منه في حال سفرها للخارج وبعد أسبوع من ذلك اللقاء علمت أن الوزير قام بصرف مبلغ مائة ألف ريال من حساب الوزارة لإحدى الموظفين الجدد المسنودين بمناسبة زفافه الميمون على إحدى بنات أسرة لها منصبها في الدولة، كما علمت أن هذا الوزير يملك أكثر من شقة في كل من القاهرة والإسكندرية.
حاولت نجاة أن تشق طريق البحث عن فرصة لعلاجها في الخارج بعيدا عن الوزارة وكان من الضروري لسفرها أن تأخذ تقريرا طبيا من اللجنة الطبية الخاصة بمنح المنح العلاجية إلى الخارج وادعت أنها ربة بيت لتستطيع الحصول عليها وبعد المتابعة المستميتة والملاحقة مع اللجنة حيث لم تجد أبدا موظفيها أو أطبائها يحضرون بشكل دائم إلى مكاتبهم وكانوا متنقلين مابين وزارة الصحة وبعض المستشفيات أو العيادات لإجراء أعمالهم ومن النادر ملاقاتهم في مكاتب اللجنة.
التقت نجاة بكثير من مرضى السرطان والحالات الصعبة والحرجة والمترددة على اللجنة والذين أخبروها أنهم مكثوا أشهر طويلة في ملاحقة اللجنة لاستخراج تقرير طبي وأخذ منحة علاجية وكثير وافتهم المنية قبل الحصول عليها وأن منهم من قدم من محافظات أو قرى نائية ودفع أموالا طائلة في الإقامة والمواصلات من الفندق إلى اللجنة.
وحين التقت نجاة أخيرا بأحد موظفي اللجنة تعامل معها بأسلوب بارد وعجيب واستنكر تفاهة حالتها وأخبرها أنه من السهل إجراء عمليتها في اليمن صحيح قد تكون غير دقيقة أو نسبة نجاحها ليست كما الخارج ولكنها تضل ممكنة ومن ثم استهان بها وأخبرها مستهزئا (بطلي دلع ونطنطة لمصر إحنا عندنا كفاءات في كل شيء).
زاد الألم والحزن أكثر في قلب نجاة وانتقل حزنها إلى أسرتها الفقيرة جدا والتي بالكاد تعيش من راتبها وراتب أخوها البسيطين، ولكن أهل الخير من أصحاب الأيادي البيضاء وممن لازالت الرحمة في قلوبهم كانوا متواجدين وحاولوا مساعدتها في جمع مبلغ مالي لتكاليف سفرها وإجراء العملية لها في مصر وبعد التواصل مع المستشفيات هناك وجدوا أن المبلغ الذي تم جمعه بالكاد يغطي قيمة العملية دون تكاليف السفر والإقامة، ليقفل باب أمل جديد في وجه نجاة كاد أن يهون من معاناتها.

وبعد التواصل أكثر مع الطبيب الذي سيجري العملية لها اقترح عليها بعد أن علم بحالتها المادية أن تسافر إلى السعودية عوضا عن مصر لإجراء العملية هناك على حساب فاعل خير فيما هو سيتنازل عن أجره في العملية.
ولاح هنا الأمل مرة أخرى لنجاة فعادت إلى متابعة إجراءات السفر كان المطلوب منها فقط إرسال تقرير طبي دقيق عن حالتها الصحية يوضح فيه ضرورة إجراء عملية استئصال الرحم لها ليتم معالجتها بشكل أفضل في مدينة الرياض، فعادت إلى اللجنة الطبية تطلب منهم التقرير فقط وهي من سيتكفل بتكاليف السفر ولكنهم رفضوا ذلك تماما وأخبرها أن ذلك مخالف للوائح والقوانين وان صرف التقارير هو فقط للمنح العلاجية الصادرة من الدولة.
عادت نجاة إلى الطبيبة التي أخبرتها بحالتها لكنها أيضا رفضت كتابة ذلك التقرير التي علمت نجاة لاحقا بأنه قد يسيء لسمعة الطبيبة ذي التشخيص الخاطئ وأخبرتها أنها مستعدة لكتابة التقرير في حالة أجرت هي العملية لها وأخيرا كتبت لها تقريرا ذكرت فيه أنها تعاني من آلام شديدة أسفل البطن واشتباه وجود إشكاليات في الرحم.
كان ذلك التقرير غير كافيا لمنحها تأشيرة الدخول إلى الرياض والعلاج هناك، لكن المتابع لحالتها هناك أخبرها أن لديها فرصة أخيرة للدخول إلى جدة وليس الرياض بتأشيرة حج ومن ثم دخول إحدى المستشفيات الخاصة التي يتعامل معها الطبيب لإجراء العملية لها.
عادت نجاة من جديد للمعاملة من أجل الحصول على تأشيرة حج لها ولأخوها ولكنها كلما أكملت معاملة كانت تفاجأ بعائق جديد.
حتى اليوم لم تستلم نجاة جوازها الذي يسمح لها بالدخول إلى الحج ومازالت غارقة في طريق المعاملات والإجراءات التي قالت عنها العمر ينتهي وهي لم تصل إلى منتصفها بعد.
فهل ستسافر نجاة إلى جدة ويجرى لها العملية دون أن يستأصل رحمها أم أنه كتب الحياة وهي تعاني آلاما شديدة أو أن تعيش دون رحم لتصبح حياتها بعد ذلك باردة دون طفل يدفئ صراخه حياتها وتضيف ابتسامته اشراقة جديدة كل يوم في صباحاتها؟
)                      النفط تضاعف والراتب ثابت)
قائد على حزام موظف حكومي تبدو عليه الهيبة والوقار، كان مترجلا من إحدى الدارجات النارية حينما استوقفناه وسألناه عن سبب استئجاره لها فيما هناك سيارات الأجرة والمواصلات العامة.
فأخبرنا بحسرة ( أنا مدير عام لإحدى القطاعات الحكومية راتبي لا يتجاوز الخمسين ألف ريال لدي سيارة قديمة نوعا ما استعين بها في التواصل من بيتي إلى عملي والتي بينهما مسافة بعيدة جدا بسبب أني أسكن في منزلي الذي بنيته في إحدى ضواحي صنعاء،ولكن مع ارتفاع سعر البترول الذي وصل إلى 3500 ريال للدبة سعة العشرين لتر وجدت أن التواصل بالسيارة لم يعد مجديا لي فأنا في السابق كنت أملي خزان الوقود بأربعة آلاف ريال ونصف في الأسبوع أما اليوم فأنا بحاجة إلى ما يقارب العشرة آلاف ريال أسبوعيا لأملأ خزان الوقود فقط دون الاحتياجات الأخرى وهذا المبلغ يشكل أكثر من نصف راتبي مما سبب لي أزمة مالية كبيرة حاولت التواصل عبر المواصلات العامة ووجدت أني بحاجة إلى ثلاث مواصلات في الحضور إلى العمل وثلاث أخرى للعودة إلى المنزل بالإضافة إلى وجود مسافة لا بأس بها من آخر فرزة إلى مقر العمل لا يوجد فيها مواصلات فأضطر إلى استئجار دراجة نارية للوصول إلى عملي في وقت مناسب) وبحسبة بسيطة نجد أن قائد يحتاج إلى ما يقارب الخمسمائة ريال على الأقل كمواصلات للعمل فقط أي ما يقارب أحد عشر ألف ريال وهذا مبلغ كبير أيضا ناهيك عن المسافات الطويلة والتعب في التنقل...
أضاف قائد ( ضاعفت الحكومة سعر البترول وتناست أن تضاعف راتب الموظف ليستطيع شراءه وتوفيره للتواصل إلى العمل وعوضاً عن ذلك يتم تهديدنا نهاية كل شهر بأننا قد لا نستلم أي راتب حتى نهاية العام بسبب خلو خزينة الدولة وبسبب عدم وجود أي إيرادات وما إلى ذلك من علل في الوقت الذي تضاعف إيراد المشتقات النفطية إلى ثلاثة أضعاف )
حالة قائد ليست حالة فردية وإنما هي حالة مئات الآلاف من الموظفين وهناك عدد كبير منهم من فقدوا وظائفهم أو وسائل مواصلاتهم أو سياراتهم بسبب أزمة المشتقات النفطية واختفائها أو ارتفاع أسعارها ورغم المناشدات المتكررة للحكومة بعمل حلول سريعة لإنقاذ هذا الوضع إلا انه لا حياة لمن تنادي.


المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد