كيف يتم تفريخ الفساد في اليمن؟

2014-11-30 13:26:14 الاقتصادي/ عمر عبدالملك


عدّ مراقبون توجه مجلس النواب الأسبوع الماضي، نحو تشكيل مجموعة الرقابة على القروض، بأنها خطوة لن تكون أكثر من الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، أي أنها عملية تخديرية لا أكثر، كون مجلس النواب نفسه هو الذي كان يصادق على القروض المقدمة لليمن، دون قانون يجري الاستناد إليه.

وكان الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، في تقاريره للأعوام السابقة، قد أكد أن عدم وجود قانون لاستيعاب القروض والمنح والمساعدات والمنح الخارجية المقدمة لليمن، يمثل عائق كبير أمام الاستفادة منها، وأن ذلك يفتح الباب أمام العبث بها، كونه لا يوجد طرف رئيس مخول بإدارة الاستيعاب والإنفاق.

وقلل مراقبون من خطوة مجلس النواب وهو الذي كان يمارس المصادقة على القروض، ووصفوا هذه الخطوة بأنها تفريخ لكيانات جديدة من شأنها تبرير الحصول على موازنات إضافية، خاصة وأن هناك لجان مختصة تؤدي نفس الدور، ولكنها لا تقدم شيء.

وأضاف المراقبون في تصاريح خاصة لــ " أخبار اليوم الاقتصادي"، إذا كانت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، لم تقم بإعادة حتى ما يوازي ما تم الإنفاق عليها طيلة ما يقارب عشرة أعوام، فإن الحال لن يختلف مع هذه المجموعة، والتي لا تعد سوى بوابة للحصول على أموال بصفة مشروعة تحت مظلة إصلاح عملية القروض، وهو ما لم يتم البتة.

وكان الأسبوع الماضي دشن نواب ومهتمون، مجموعة برلمانية للرقابة على المساعدات الخارجية، معللين ذلك بأنه ربما أتت فكرة إنشاء المجموعة متأخرة، لكن هذا لا يقلل من أهميتها بل وضرورتها كأداة شعبية في محاربة الفساد المستشري في البلد، كما جاء في تبريرهم لقيام المجموعة.

وهو ما يعارضه مراقبون كلياً، كون هذه المجموعة جاءت في وقت جفت مصادر الحصول على الأموال، في ظل تراجع الهبات والمساعدات والمنح المقدمة من شركات نفطية، لبرلمانيين سهلوا لتلك الشركات عملية الفوز بمناقصات إدارة حقول نفطية، وهي أي تلك الشركات لم تكن مستوفية لشروط الاستثمار في تلك الحقول.

وحسب المراقبون في أحاديثهم لــ "أخبار اليوم الاقتصادي"، هؤلاء الأشخاص الذين عمدوا إلى إنشاء هذه المجموعة، هم أنفسهم الذين كانوا يديرون ويقرون ويبرمون الاتفاقيات الخاصة بالقروض، ولم يقدموا شيء أو يقوموا بإيجاد حل أو معالجات للمشاكل القائمة في هذا الميدان، وهم أنفسهم اليوم الذين ينادون بمعالجة المشاكل في هذا الميدان فما معنى صمتهم طوال الفترة السابقة، ولماذا لم يقدموا شيء؟
وأوضح استطلاع للرّأي حول الفساد في اليمن، أنّ 80% من اليمنيّين لهم تجارب شخصيّة مع الفساد، وهو أمر يظهر بشكل أكثر وضوحاً لدى مقارنة البلاد بغيرها من الدّول في مجال الفساد. وهناك نسبة كبيرة من المستطلعين بلغت 76%، ترى أنّ اليمن أكثر فساداً من بقيّة الدول الأخرى، فيما قالت نسبة ضئيلة منهم بلغت 4%، إنّ الفساد في اليمن أقلّ مقارنةً بغير دول.

وتختلف نظرة النّساء إلى الموضوع عن الرّجال، فالرّجال هم من يقومون بتصريف أعمال الشّأن اليومي، من معاملات في الأجهزة الرّسميّة، ويعيشون في قلب ما يجري بشكل لحظوي، وبحسب الاستطلاع، فإنّ 78% من الذّكور يرون أنّ الفساد في اليمن أكثر منه في باقي الدّول، بينما بلغت هذه النّسبة لدى النّساء 61%.

ويلقي المستطلعون المسؤوليّة على جيل الشّباب لمحاربة الفساد واجتثاثه، لأنهم الأمل الوحيد الّذي سيخلّص اليمن من هذه الآفة المنتشرة والمتزايدة، ثم تقع المسؤوليّة بعد ذلك على مؤسّسات أخرى تلعب دوراً هاماً في القضاء على هذه الظّاهرة، مثل وسائل الإعلام، والمؤسّسات الدينيّة، والمدارس، والمؤسّسات الحزبيّة.

وينظر الكبار في السنّ من المستطلعين إلى الأمر بمنظار مختلف، إذ يعتقدون أنّ القوى السياسيّة هي من يقع عليها عبء محاربة الفساد والقضاء عليه في اليمن، وبشكل عام، يظهر من الاستطلاع أنّ اليمنيّين واثقون من قدراتهم الذاتيّة في الوقوف بوجه الفساد. وفي المقابل، هناك نسبة من المستطلعين ترى أنّه ليس من المجدي محاربة الفساد إلا بشكل جماعي.

وبحسب الاستطلاع، فإنّ اليمنيّين منقسمون في تحديد الجهة الّتي تقع عليها المسؤوليّة، وتولّي زمام الأمور في عمليّة مكافحة الفساد، وهو ما يدلّ على رغبة المواطن في الوصول إلى مرحلة يتمّ فيها القضاء على الفساد.

وفي مؤشّر على أن اليمن بات من الدول الأكثر فساداً في العالم، صنّف تقرير «مؤشر مدركات الفساد» الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية اليمن في المرتبة 167 بين 177 دولة العام الماضي، إذ حصل على 18 درجة فقط من 100.

ونظرت «الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد» خلال الفترة 2007- 2012، في 929 قضية فساد. كما أحالت الهيئة 73 قضية فساد إلى النيابة العامة غالبيتها في قطاعات الكهرباء والنفط والاتصالات تمهيداً لمباشرة الإجراءات والرفع إلى المحكمة.

ووفقاً لخبراء اقتصاد إن مشكلة الفساد في اليمن ترجع بدرجة رئيسية إلى إتباع نظام صالح في الفترات السابقة في إدارته للدولة سياسات إدارية ومالية تساعد على زيادة الانحرافات المنتظمة الممنهجة والمنسجمة مع الأوضاع العامة المؤيدة بالإقصاء السياسي المغيب لدولة النظام والقانون (مكنهم من السلطة والثروة)فاصبح الفساد منتجاً رئيسياً للفقر ومعيقا للتنمية الشاملة والمستدامة ولا نبالغ اذا قلنا إن منظومة الفساد التي زرعها صالح تنذر بكوارث حقيقية تهدد البلد في ضوء الملامح الذي تشهده اليمن حالياً.

وكانت مؤسسة كارينجي للسلام أصدرت دراسة تحت عنوان "اليمن كيف يمكن تجنب الانهيار المطرد؟" والتي اعدها كريتوفريوتشيك حيث حددت هذه الدراسة ثلاثة تحديات رئيسية متشابكة يواجهها اليمن هي: "الصعوبات الاقتصادية، التحديات الديموغرافية، وتحديات الأمن الداخلي".

ولفتت الدراسة تحت بند التحديات الاقتصادية إلى احتمال انخفاض كميات منسوب النفط وأشارت إلى أسباب ذلك من ضعف الصيانة والقدرة المحدودة لقطاع النفط-وعدم التنقيب الجديد عن حقول نفطية، وعدم وجود خطة طويلة الأجل لقطاع الطاقة وعدم تنظيم وتحديث أقسام الإنتاج.

وحسب الدراسة القطاع النفطي من اهم الموارد السيادية للدولة ويضم العديد من الوحدات التالية التي تدار بطريقة غير شفافة واكثر عرضة للفساد وهي: "المؤسسة اليمنية للنفط والغاز، الهيئة العامة لاستكشاف وإنتاج النفط، المؤسسة العامة للمسح الجيولوجي والثروات المعدنية، شركة صافر، الشركة اليمنية لتكرير النفط العام، شركة النفط اليمنية، الشركة اليمنية للغاز، شركة مصافي عدن، ومصافي مأرب".

وأفادت تقارير حكومية يمنية أن الفساد تسبب في تعثر المشاريع، بشكل مفزع إذ وصلت إلى 1079 مشروعا بلغ إجمالي المنصرف عليها حوالي 50 مليار ريال، وهذا ساهم في تدهور كفاءة الإنفاق الاستثماري العام، مسبباً تدنياً سريعاً في البنية التحتية والخدمات الأساسية، فالرشاوى والعمولات فاقمت سوء استخدام الموارد المخصصة، وأدت إلى زيادة كلفة المشاريع، واختيار المشروعات الرديئة وغير المواتية للمواصفات السليمة ’فعلى الرغم من تواضع الاعتمادات المرصودة سنوياً في الموازنة للإنفاق الرأسمالي والاستثماري بالمقارنة بمتطلبات التنمية.

وعلى ذات الصعيد التنفيذ الفعلي أسفر وبشكل مستمر عن صافي وفر، بلغ خلال سنوات الخطة الخمسية الثالثة 2006- 2010م بحوالي (770) مليار ريال بنسبة (31%) من إجمالي الربط المقدر لتلك السنوات والبالغ (2,464.6) مليار ريال وبلغ صافي الوفر المحقق خلال عام 2011حوالي (246.3) مليار ريال بنسبة (59.6%) من الربط المقدر، الأمر الذي ينعكس سلباً على الأثر التنموي للموازنة وعلى قدرتها على دعم السياسات الاقتصادية والدفع بعجلة التنمية الشاملة والمستدامة وتحقيق معدلات النمو المستهدفة .

وطبقا لدراسة حديثة صادرة عن المرصد الاقتصادي والموسومة بعنوان "توجيه الإنفاق على البنية التحتية وآثاره الاقتصادية والاجتماعية" فإن هناك تعثر في تنفيذ العديد من المشاريع التنموية في البنية التحتية الممولة خارجياً لفترات طويلة وعدم البدء في استغلال التمويلات المخصصة لها منذ عامي 2006، 2009نتيجة عدم التخطيط السليم لتلك المشاريع وعدم كفاءة التنسيق بين الجهات المعنية والممولين.

 ومن تلك المشاريع وفقاً للدراسة مشروع كهرباء الريف الممول من منحة هيئة التنمية الدولية، مشروع مرافق الصرف الصحي سيئون تريم الممول من قرض الصندوق العربي وتعثر تنفيذ العديد من المشاريع التنموية والهامة الممولة خارجياً أثناء تنفيذها دون وضع حلول عاجلة لتلك التعثرات مما يعيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد جراء تعثر تلك المشاريع الحيوية.

إضافة إلى مشروع قطاع الكهرباء الممول بقرض هيئة التنمية الدولية رقم (4289) وبمبلغ (50) مليون دولار نتيجة لضعف أداء الاستشاري وتأخره في إنجاز تصاميم ووثائق مناقصات المشروع منذ 2007، حيث لم يستغل من القرض سوى مبلغ (2.6) مليون دولار بما نسبته (5.2%) من إجمالي قيمة القرض.

 وأيضاً مشروع برنامج دعم قطاع المياه الممول بالعديد من المنح (البنك الدولي، الحكومة الهولندية، الحكومة الألمانية، الحكومة اليمنية) نتيجة لعدم كفاءة التنسيق بين الجهات الممولة والجهات المعنية وضعف الإِشراف من قبل وزارة المياه والبيئة.

وأوضحت الدراسة أن هذا التعثر ترتب عليه إضعاف الجدوى من الاقتراض الخارجي نتيجة تأخير جاهزية المشاريع وتأخير إجراءات البدء بتنفيذ مكوناتها وبالتالي تعثرها لسنوات عدة، وإجراءات التعديل والشطب وإعادة هيكل مكونات المشاريع وما يترتب عليه من بطء في استيعاب التمويلات المخصصة لها من القروض وكذا المنح بخلاف ما ورد في وثائق المشاريع ووثائق التمويل وبالتالي تأخير الإنجاز والانحراف عن المستهدف من المشاريع وإلى درجة عدم إنجازها لمعظم أهدافها في المواعيد المخططة لها .

وأشارت الدراسة إلى أن إدراج المشاريع الاستثمارية في الموازنة لا يتم وفقا لأي أولويات اقتصادية أو اجتماعية إنما بحسب نفوذ من يقفون وراءها سواء كان هؤلاء هم المستفيدين منها أو المنفذين لها. ونتيجة لذلك فإن إجراءات المناقصات في الغالب شكلية. فلا يهم أن يكون هناك دراسات جدوى فعلية أو حتى أهمية اقتصادية أو اجتماعية أو حتى مخصصات مالية كافية فإن ما يتبناه المتنفذون يتم تبنيه وبالتالي إدراجه في الموازنة العامة.

وقال الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة إن حجم الفساد المالي في اليمن تجاوز الترليون ريال بمقدار "5 "مليار دولار "، خلال الأعوام الماضية، هذا مبلغ فلكي لبلد يرتع غالب سكانه تحت خط الفقر مطابق لتقارير صادرة عن منظمات دولية متخصصه بمكافحة الفساد.

وكانت منضمة الشفافية الدولية صنفت اليمن من بين أكثر دول العالم فسادا ويقع بالفئة : F أي ضمن قائمة الخطر الشديد بالإضافة إلى 8دول أخرى هي أنغولا والكاميرون والكونغو وأرتيريا ومصر والجزائر، وليبيا وسوريا بالإضافة إلى اليمن.

ودعا البنك الدولي الحكومة اليمنية الجديدة، إلى تبني خطوات فورية، لتثبت جديتها بشأن الشفافية، وتحسين الخدمات للمواطنين، والتصدي للفساد، وهذه الخطوات حال تطبيقها من شأنها أن ترسل إشارة للشعب اليمني بأن أولوياته تتفق مع مطالبه بحكومة أكثر عدلًا ومساءلة، وللمانحين بأن مساندتهم تحقق نتائج، حسب توصيف بيان للبنك الدولي.

وكان الاجتماع الوزاري لأصدقاء اليمن، الذي انعقد، في الـ25 من سبتمبر من عامنا الجاري، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، حث السلطات اليمنية على دعم التقدم في مجال الإصلاحات كي يحصل كل يمني على نصيبه من مستقبل البلاد، إلى جانب إجراءات أخرى لتلبية احتياجات السكان الأشد ضعفاً. في حين ذكّر المانحين بضرورة الوفاء بتعهداتهم لمساندة اليمن في هذا المنعطف الحرج.

وقالت انجر أندرسن، نائبة رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "يجب أن تتخذ الحكومة الجديدة خطوات فورية لتثبت جديتها بشأن الشفافية وتحسين الخدمات للمواطنين والتصدي للفساد، فلا يوجد وقت نفقده في الإصلاحات الاقتصادية، فهي الطريق نحو تحرير الأموال اللازمة لتوجيهها لأشد السكان فقراً وهم في أشد الحاجة إليها، وسيمنح هذا اليمنيين أحد العناصر الحيوية للاستقرار.. الأمل في غد أفضل.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد