سبعة أسئلة عن هبوط أسعار النفط مؤخراً

2015-01-04 09:47:04 رباح أرزقي* وأوليفييه بلانشار


شهدت أسعار النفط هبوطاً كبيراً في الآونة الأخيرة، مما أثر على الجميع، سواء في ذلك البلدان المنتجة أو البلدان المصدرة أو الحكومات أو المستهلكين، وعلى وجه العموم، نرى أن هذا التطور بث في الاقتصاد العالمي جرعة من النشاط.

ومع مراعاة أن نماذج المحاكاة التي أنشأناها لا تمثل تنبؤاً بحالة الاقتصاد العالمي، نجد أن إجمالي الناتج المحلي العالمي يحقق زيادة تتراوح بين 0.3 و 0.7% في عام 2015، مقارنة بسيناريو آخر لا يتضمن انخفاضا في أسعار النفط، غير أن هذه القصة المعقدة التي لا تزال تتبلور تنطوي على أكثر من ذلك بكثير.

وفي هذا الحقل ننظر في آليات سوق النفط الآن وفي المستقبل، وانعكاساتها على مجموعات البلدان المختلفة وعلى الاستقرار المالي، وكيف ينبغي لصناع السياسات أن يعالجوا تأثيرها على اقتصادات بلدانهم، ونخلص إلى الاستنتاجات التالية:

نجد أن كلاً من عوامل العرض وعوامل الطلب ساهمت بدور في الهبوط الحاد الذي طرأ على الأسعار منذ شهر يونيو الماضي. وتشير أسواق العقود الآجلة إلى أن أسعار النفط ستعود إلى التعافي ولكنها ستظل أدنى من مستوى السنوات الأخيرة. غير أن هناك عدم يقين كبير بشأن تطور عوامل العرض والطلب بينما تتبلور ملامح هذه القصة.

لن يتعرض أي بلدين لهبوط الأسعار بنفس الطريقة، لكن هناك خصائص مشتركة تجمع بين البِلدان. فالمجموعة المستوردة للنفط ضمن الاقتصادات المتقدمة، وحتى الأسواق الصاعدة بدرجة أكبر، ستستفيد من ارتفاع الدخل في قطاع الأُسر، وانخفاض تكاليف المدخلات، وتحسن أوضاعها الخارجية. وستحقق البلدان المصدرة للنفط عائداً أقل، كما أن موازناتها العامة وأرصدتها الخارجية ستتعرض لضغوط.

زادت المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي، لكنها لا تزال محدودة. فالضغوط على العملة لا تزال مقصورة على عددٍ قليل من البلدان المصدرة للنفط مثل روسيا ونيجيريا وفنزويلا. ونظراً للروابط المالية العالمية، فإن هذه التطورات تتطلب زيادة اليقظة حول العالم.

سيكون على البلدان المصدرة للنفط تمهيد مسيرة التصحيح دون كبح الإنفاق من المالية العامة بشكل مفاجئ. غير أن ضغوط الموازنة وسعر الصرف قد تكون كبيرة بالنسبة للبلدان التي لا تمتلك صناديق للوفورات ولا قواعد مالية قوية. وبدون السياسات النقدية السليمة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع التضخم ومزيد من الانخفاض في سعر الصرف.

يتيح هبوط أسعار النفط فرصة لكثير من البلدان كي تخفض دعم الطاقة وتستخدم الوفورات الناتجة عن ذلك في زيادة التحويلات الموجهة وإجراء بعض الزيادة في ضرائب الطاقة وتخفيض الضرائب الأخرى.

في منطقة اليورو واليابان، حيث الطلب ضعيف والسياسة النقدية التقليدية تم استخدامها إلى أقصى الحدود، تمثل الإرشادات الاستشرافية التي تقدمها البنوك المركزية عاملا حيويا لتثبيت توقعات التضخم على المدى المتوسط في مواجهة تراجع أسعار النفط.

مرة أخرى نقول إن نماذج المحاكاة التي أعددناها بشأن تأثير هبوط أسعار النفط لا تمثل تنبؤا بحالة الاقتصاد العالمي في عام 2015 وما بعده. فسوف نقدم هذه التنبؤات في عدد يناير من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، حيث ننظر أيضا في كثير من التيارات المتقاطعة الأخرى التي تدفع النمو والتضخم والاختلالات العالمية والاستقرار المالي.

وفيما يلي محاولة للإجابة عن سبعة أسئلة أساسية حول انخفاض أسعار النفط:

ما هو دور كل من عوامل الطلب وعوامل العرض؟

إلى أي مدى يرجح أن يستمر التحول الذي طرأ على العرض؟

ما هي الآثار التي يرجح أن يُحْدِثها ذلك على الاقتصاد العالمي؟

ما هي الآثار التي يرجح أن يُحِدِثها ذلك على البلدان المستوردة للنفط؟

ما هي الآثار التي يرجح أن يُحْدِثها ذلك على البلدان المصدرة للنفط، وما هي الانعكاسات المالية؟

ما هي استجابة السياسات التي ينبغي أن تصدرها البلدان المستوردة والمصدرة للنفط؟

ما هو دور كل من عوامل العرض والطلب؟

هبطت أسعار النفط بنسبة 50% تقريبا منذ يونيو الماضي، وبنسبة 40% منذ سبتمبر (انظر الرسم البياني 1).2 كذلك تراجعت أسعار المعادن، التي عادة ما تتأثر بالنشاط الاقتصادي العالمي أكثر من أسعار النفط، لكن تراجعها كان أقل بكثير من تأثر النفط (انظر الرسم البياني 2). وهذه الملاحظة العابرة تشير إلى هناك عوامل تختص بها سوق النفط، ولا سيما عوامل العرض، كان يمكن أن تساهم بدور كبير في تفسير هبوط أسعار النفط.

ويتأكد هذا الاستنتاج إذا ما ألقينا نظرة أقرب. فالتعديلات التي أجرتها الوكالة الدولية للطاقة بين شهري يونيو وديسمبر على تنبؤاتها للطلب (انظر الرسم البياني 3)، إلى جانب تقديرات مرونة عرض النفط على المدى القصير، توضح أن انخفاض الطلب غير المتوقع بين ذلك الحين والوقت الراهن يمكن أن يفسر 20 إلى 35% فقط من انخفاض الأسعار.

وعلى جانب العرض، تشير الأدلة إلى عددٍ من العوامل، بما فيها الزيادات المفاجئة في إنتاج النفط والتي يرجع بعضها إلى تعافي إنتاج النفط الليبي بأسرع مما كان متوقعاً في سبتمبر وعدم تأثر إنتاج النفط العراقي رغم القلاقل التي تمر بها البلاد.3 غير أن هناك عاملا رئيسيا أكيدا هو ما أعلنته المملكة العربية السعودية – أكبر منتجي النفط في منظمة أوبك – من عزمها عدم اتخاذ إجراءات مقابلة للزيادة المطردة في عرض النفط من البلدان المنتجة داخل منظمة أوبك وخارجها، وقرار أوبك في نوفمبر المترتب على ذلك بالحفاظ على الحد الأقصى المجمع للإنتاج عند مستوى 30 مليون برميل يومياً رغم ما يتصور من حدوث تخمة في السوق.

ويمكن رؤية الزيادة المطردة في إنتاج النفط العالمي باعتبارها “الكلب الذي لم ينبح”. وبعبارة أخرى، كان استمرار أسعار النفط المرتفعة نسبيا رغم المسار الصاعد في إنتاج النفط العالمي يرجع إلى التصور السائد وقت تأثير أوبك على الحد الأدنى للأسعار. غير أن ما نتج عن ذلك من تحول في موقف المنتج المرجِّح ساعد على إحداث تغير جوهري في التوقعات المتعلقة بالمسار المستقبلي لعرض النفط العالمي، مما يفسر بدوره كلا من توقيت هبوط أسعار النفط وحجم هذا الهبوط، ليصل بالحجم إلى مستوى أقرب إلى توازن السوق التنافسي. وكان عام 1986 قد شهد هبوطا حادا مماثلا حين توقفت المملكة العربية السعودية طواعية عن القيام بدور “المنتج المرجِّح” (swing producer) في السوق، مما تسبب في هبوط أسعار النفط من 27 دولارا إلى 14 دولار للبرميل، ولم تتعاف إلا في عام 2000، بعد مرور خمس عشرة سنة.

وبخلاف عوامل العرض والطلب التقليدية، أشار البعض إلى أن “الأّمْوَلة” (“financialization”) – أي أن يعتبر المستثمرون الماليون النفط والسلع الأولية الأخرى فئة منفصلة من الأصول – و”المضاربة” باعتبارهما عاملين مساهمين في انخفاض الأسعار. 4 ولا نرى أدلة تُذكَر على أن الحال كذلك. وطبقاً لآخر تقرير أصدرته الوكالة الدولية للطاقة، بلغت مخزونات النفط أعلى مستوياتها في فترة عامين، مما يشير إلى توقعات بزيادة الأسعار وليس انخفاضها.

إلى أي مدى يرجح أن يكون هذا التحول في العرض مستمراً؟

يعتمد هذا على عاملين أساسيين:

الأول هو مدى استعداد منظمة أوبك، والمملكة العربية السعودية بالتحديد، لتخفيض الإنتاج في المستقبل. ويعتمد هذا بدوره اعتمادا جزئيا على الدوافع وراء تغير استراتيجيتها، والأهمية النسبية للعوامل الجغرافية-السياسية والاقتصادية في ذلك القرار. وإحدى الفرضيات في هذا الصدد هي أن المملكة العربية السعودية وجدت أنه من المكلف للغاية أن تقوم بدور “المنتج المرجِّح” الذي يحافظ على ارتفاع سعر النفط في مواجهة الزيادات المطردة في عرض البلدان غير الأعضاء في منظمة أوبك. وعلى ذلك، وما لم تؤد المتاعب المترتبة على انخفاض الإيرادات إلى موافقة المنتجين الآخرين في المنظمة وروسيا على اقتسام أعباء التخفيضات على نطاق أوسع في المستقبل، فمن غير المرجح حدوث تغير قريب في هذا التحول الذي طرأ على الاستراتيجية. وهناك فرضية أخرى، وهي أن ذلك قد يكون محاولة من أوبك لتخفيض الأرباح والاستثمارات ومن ثم العرض من جانب الموردين غير الأعضاء في المنظمة، وبعضهم يواجه تكاليف أعلى بكثير في عملية الاستخراج مقارنة بأكبر منتجي أوبك (انظر الرسم البياني 4، الذي يعرض منحنى التكلفة الحدية العالمية، موضحاً تكلفة إنتاج كل برميل إضافي حسب الطريقة المستخدمة في استخراج النفط).

أما العامل الثاني فهو كيفية استجابة الاستثمار، ومن ثم الإنتاج النفطي، لانخفاض أسعار النفط. وهناك بعض الأدلة على أن النفقات الرأسمالية لإنتاج النفط بدأت في الانخفاض. وطبقا لشركة ريستاد إنرجي لاستشارات النفط والغاز، يُلاحَظ أن النفقات الرأسمالية الكلية لشركات النفط الكبرى أقل بنسبة 7% في الربع الثالث من عام 2014 مقارنة بنفس الفترة من عام 2013.

وتشير التوقعات المتاحة من نفس المصدر إلى أن النفقات الرأسمالية ستهبط بصورة ملحوظة حتى نهاية عام 2017. وبالنسبة للنفط غير التقليدي، مثل النفط الصخري (الذي يمثل 4 مليون برميل يوميا من العرض العالمي البالغ 93 مليون برميل يومياً)، فإن الأسعار التعادلية – أي سعر النفط الذي يصبح عنده استخراج النفط مدرا للربح – لأكبر الحقول الصخرية الأمريكية (باكن وإيغل فورد وبرميان) تبلغ في العادة أقل من 60 دولارا للبرميل (انظر الرسم البياني 5 الذي يوضح الأسعار التعادلية لحقول النفط الصخري الأمريكية).

وبالأسعار الحالية (حوالي 55 دولارا للبرميل)، تشير توقعات شركة ريستاد إنرجي إلى أن مستوى إنتاج النفط يمكن أن يسجل انخفاضا ولكنه معتدل بنسبة أقل من 4% تقريبا في عام 2015. غير أن معدلات العائد ستكون أقل بكثير، وهناك شركات مثقلة بأعباء الرفع المالي لم تتخذ تدابير تحوطية تحسبا لانخفاض الأسعار فأصبحت بالفعل في مرحلة العسر المالي وبدأت تخفض نفقاتها الرأسمالية وتسرح أعداداً كبيرة من العمالة.

وعلى ذلك، ومع تساوي العوامل الأخرى، ينبغي أن تؤدي الآثار الديناميكية لانخفاض الأسعار على العرض إلى تخفيض العرض بالنسبة إلى التحول الأوَّلي ومن ثم إلى تعافي الأسعار بشكل جزئي.. وهذا ما تشير إليه أسواق العقود المستقبلية التي توضح في اللوحة اليمنى من الرسم البياني 6 حدوث تعافٍ غير متوقع في الأسعار لتصل إلى 73 دولارا للبرميل بحلول عام 2019.

ولا يأتي عدم اليقين المقترن بهذه التنبؤات من عوامل العرض فقط، بل يكمن في عوامل الطلب أيضا.

فعلى جانب العرض، على سبيل المثال، ينبغي عدم الاستهانة بالتغيرات التي يمكن أن تطرأ على استراتيجية الأوبك والتوترات الجغرافية-السياسية في ليبيا والعراق وأوكرانيا وروسيا. وعلى جانب الطلب، لا يزال عدم اليقين كبيراً بشأن النشاط الاقتصادي العالمي، ومن ثم الطلب المشتق على النفط. ويتضح ذلك بقوة من خلال حجم التوزيع الضمني لأسعار العقود المستقبلية (على أساس أسعار عقود الخيار) في اللوحة اليسرى من الرسم البياني 6، حيث يتراوح نطاق الثقة البالغ 68% لأسعار عام 2019 بين 48 دولارا و 85 دولارا، بينما يتراوح نطاق الثقة البالغ 95% بين 38 دولارا و115 دولارا، وهو نطاق شديد الاتساع بالفعل.

ما هي الآثار المرجحة على الاقتصاد العالمي؟

بشكل عام، يعتبر انخفاض أسعار النفط بسبب تحولات العرض تطورا إيجابيا بالنسبة للاقتصاد العالمي، ولا شك أنه يقترن بآثار توزيعية كبيرة بين البلدان المستوردة للنفط والبلدان المصدرة له. وتتمثل الافتراضات الأساسية التي يستند إليها قياس كم الآثار المترتبة على تحولات العرض المذكورة في الحجم الذي نتوقعه لهذه التحولات ومدى استمراريتها. ولا تحدد هذه الافتراضات مسار التصحيح فحسب، بل تحدد أيضا الاستجابة المبدئية من جانب المستهلكين والشركات.

ونظرا لعدم اليقين بشأن الأهمية النسبية لتحولات العرض، سواء الحالية أو المتوقعة في المستقبل، نعرض نتائج اثنين من نماذج المحاكاة (وهي تفترض بطبيعتها ثبات العوامل الأخرى – وليست توقعات بشأن الاقتصاد العالمي، ومن ثم تُغْفِل كل الصدمات الأخرى المرجح أن تؤثر على الاقتصاد الرسم البياني ٧- إجمالي الناتج المحلي العالمي العالمي)، نرى أنهما يمثلان نطاقا معقولا للافتراضات. ويفترض النموذج الأول أن تحول العرض يفسر 60% من انخفاض الأسعار الذي تعبر عنه أسواق العقود الآجلة. ويفترض النموذج الثاني أن تحول العرض يفسر 60% من انخفاض الأسعار في البداية ولكن هذا التحول يتلاشى جزئيا مع الوقت للأسباب التي أوضحناها أعلاه، مع تراجع مساهمته في انخفاض الأسعار بشكل تدريجي حتى يصل إلى الصفر في عام 2019. 5

ولا ترصد نتائج المحاكاة الموضحة أدناه إلا آثار مكون العرض في انخفاض أسعار النفط (المكون المدفوع بالطلب في انخفاض أسعار النفط يمثل عَرَضا من أعراض تباطؤ النشاط الاقتصادي العالمي وليس سببا له). ويرتكز سعر العرض المتوقع في نموذجي المحاكاة على تنبؤات الصندوق بشأن الأسعار التي ترتكز بدورها على العقود المستقبلية.

ويوضح الرسم البياني 7 نتائج إجمالي الناتج المحلي العالمي. وتنطوي المحاكاة الأولى على زيادة في الناتج العالمي بمقدار 0.7% في عام 2015 و 0.8% في عام 2016 بالنسبة إلى السيناريو الأساسي (الوضع في ظل هبوط أسعار النفط). وليس من المستغرب أن يكون الأثر على الناتج أقل في السيناريو الثاني، بواقع 0.3% في عام 2015 و 0.4% في 2016. ويتضمن نطاق هذه الآثار التنبؤات التي يمكن التوصل إليها باستخدام التقديرات التجريبية القائمة للاقتصادات المتقدمة. فالتقديرات الواردة في دراسة Blanchard and Gali (2009) على سبيل المثال تشير إلى أن أثر انخفاض سعر النفط انخفاضا دائما بمقدار 10% (مدفوعا بعوامل العرض) يؤدي إلى زيادة الناتج الأمريكي بما يقارب 0.2%.6 وفي حالة مساهمة مكون العرض في انخفاض الأسعار بنحو 25% (60% من مجموع الانخفاض البالغ 40%)، تعني هذه التقديرات زيادة الناتج بنحو 0.5%.

وتخفي هذه النتائج العالمية آثارا غير متماثلة يُحْدِثها انخفاض الأسعار عبر البلدان المختلفة، حيث البلدان المستوردة (الصافية) للنفط هي الأطراف الفائزة، والبلدان المصدرة (الصافية) للنفط هي الأطراف الخاسرة. ولكن هناك فروقا مهمة، حتى داخل كل مجموعة.

ما هي الآثار المرجحة على البلدان المستوردة للنفط؟

هناك ثلاث قنوات رئيسية يؤثر من خلالها انخفاض سعر النفط على البلدان المستوردة له. والقناة الأولى هي أثر زيادة الدخل الحقيقي على الاستهلاك، والثانية هي انخفاض تكلفة إنتاج السلع تامة الصنع، وما يُحْدثه ذلك من أثر على الربح والاستثمار. أما الأثر الثالث فهو الذي يقع على معدل التضخم، سواء الكلي أو الأساسي.

وتتباين قوة هذه الآثار عبر البلدان:

فعلى سبيل المثال، نجد أن أثر الدخل الحقيقي أقل في الولايات المتحدة، التي تنتج الآن أكثر من نصف النفط الذي تستهلكه، منه في منطقة اليورو أو اليابان. كذلك تعتمد آثار الدخل الحقيقي والأرباح على كثافة استخدام الطاقة في البلد المعني. فكثافة استخدام الطاقة في الصين والهند لا تزال أكبر بكثير مقارنة بالاقتصادات المتقدمة، مما يحقق لهذين البلدين استفادة أكبر من انخفاض أسعار الطاقة. ويبلغ متوسط نسبة استهلاك النفط من إجمالي الناتج المحلي 3.8% في الولايات المتحدة، مقارنة بنسبة 5.4% في حالة الصين و 7.5% في حالتي الهند وإندونيسيا.7

والتأثير على التضخم الأساسي يعتمد على كل من الأثر المباشر لانخفاض أسعار النفط على التضخم الكلي، وانتقال أسعار النفط إلى الأجور والأسعار الأخرى. ويعتمد مدى قوة انتقال الأسعار على أوجه الجمود في الأجور الحقيقية – أي كيفية استجابة الأجور الاسمية للتضخم كما يقيسه مؤشر أسعار المستهلكين – وثبات التوقعات التضخمية.

وفي الظروف العادية، تستجيب السياسة النقدية لانخفاض التضخم الأساسي من خلال انخفاض سعر الفائدة الاسمي بأكثر من 1:1، ومن ثم ينخفض سعر الفائدة الحقيقي. غير أن الظروف غير عادية، والاقتصادات المتقدمة الكبرى تخضع لقيود أسعار الفائدة الصفرية، مع تنحية التيسير الكمي جانبا. وبينما يمكن أن تستجيب الولايات المتحدة، التي توشك على الخروج من هذا النطاق الأدنى الصفري، لانخفاض التضخم من خلال تأخير توقيت الخروج من هذا النطاق، فإن منطقة اليورو واليابان، المتوقع لهما البقاء عند هذا النطاق لمدة طويلة، لا يمكن أن تُحْدِثا تغييرا جوهريا في سياستهما النقدية التقليدية.

وتُظهر نماذج المحاكاة التي أعددناها، بأقصى درجة ممكنة، هذه الفروق في كثافة استخدام الطاقة ونسبة النفط المنتج محليا وقيود السياسة النقدية. ونفترض أن توقعات التضخم ثابتة في كل من الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان، مما يؤدي إلى انتقال حوالي 0.2، ومن ثم انخفاض التضخم الأساسي بمقدار 0.2 نقطة مئوية عندما ينخفض التضخم الكلي بمقدار نقطة مئوية واحدة.

وتظهر الانعكاسات على إجمالي الناتج المحلي في الرسم البياني 8 بالنسبة لنموذج المحاكاة الأول من بين النموذجين الموضحين آنفا.

ويُلاحَظ أن الأثر على الصين في السيناريوهين أكبر من الأثر على اليابان والولايات المتحدة وبلدان منطقة اليورو. وبالنسبة للصين، يزداد إجمالي الناتج المحلي إلى مستوى أعلى من السيناريو الأساسي بمقدار يتراوح بين 0.4 و 0.7% في عام 2015، وبين 0.5 و 0.9% في عام 2016. أما في الولايات المتحدة، فيزداد إجمالي الناتج المحلي إلى مستوى أعلى من السيناريو الأســاسي بمقدار يتراوح بين 0.2 و 0.5% في عام 2015، و بين 0.3 و 0.6% في عام 2016. (ولا تأخذ افتراضات المحاكاة في الاعتبار أي آثار تعويضية يمكن أن تترتب على بعض السياسات التي تتخذها الحكومات عقب هبوط أسعار النفط. فقد تقرر الصين، على سبيل المثال، تشديد السياسة النقدية وسياسة المالية العامة لمواجهة انخفاض أسعار النفط).

وهناك آثار أخرى ذات صلة لم ندخلها في نماذج المحاكاة، ومنها:

انخفاض سعر صرف الين واليورو منذ يونيو الماضي (بحوالي 14% و 8% على الترتيب، لأسباب معظمها لا يرتبط بانخفاض سعر النفط) يعني أن انخفاض سعر النفط بالين واليورو أقل منه بالدولار، أي 36% و 40% على الترتيب. ويؤدي هذا الانخفاض في سعر الصرف إلى تحييد بعض الأثر الناجم عن هبوط سعر النفط في حالة اليابان ومنطقة اليورو مقارنة بما ورد في المحاكاة.

وفي البلدان التي تطبق على الطاقة ضرائب نوعية كبيرة – على عكس الضرائب التناسبية – (أي أنها تُحصل قيمة ثابتة بالدولار أو اليورو عن كل غالون أو لتر) تؤدي نفس نسبة الانخفاض في سعر النفط العالمي إلى نسبة انخفاض أقل في السعر الذي يدفعه المستهلكون والشركات. وقد تغتنم البلدان أيضا فرصة تراجع سعر النفط لتخفيض دعم الطاقة – وهو تحرك يوصي به صندوق النقد الدولي بشكل عام – مما يؤدي أيضا إلى انخفاض أقل في السعر الذي يدفعه المستهلكون والشركات.

ويعتمد بعض البلدان المستوردة للنفط بدرجة كبيرة على ما يحدث للبلدان المصدرة للنفط، ومن ثم فقد تكون استفادتها أقل من انخفاض أسعاره. فعلى سبيل المثال، نجد أن البلدان المستوردة منخفضة الدخل في منطقة الكاريبي والتي تستفيد من التحويلات التي تحصل عليها بمقتضى تحالف “بتروكاريبي” النفطي الذي ترأسه فنزويلا يمكن أن تواجه انخفاضا ملحوظا في التحويلات حين تتعرض فنزويلا نفسها للضغوط. ومن المرجح أن تتعرض البلدان المستوردة للنفط في القوقاز وآسيا الوسطى لتداعيات مناوئة من تباطؤ النمو لدى البلدان المجاورة المصدرة للنفط، وخاصة روسيا، مما سيخفض الصادرات غير النفطية وتحويلات العاملين في الخارج. وقد تتأثر سلبا أيضا بلدان المشرق العربي وباكستان عن طريق انخفاض الصادرات غير النفطية، والتحويلات الرسمية، وتحويلات العاملين من البلدان الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، وخاصة على المدى المتوسط.

ما هي الآثار المرجحة على البلدان المصدرة للنفط؟

كما يوضح الرسم البياني 8، يكون الأثر سلبيا على البلدان المصدرة للنفط، وهو أمر لا غرابة فيه. غير أن هناك فروقا كبيرة بين البلدان في هذه الحالة أيضا.

ففي كل البلدان، ينخفض الدخل الحقيقي، وكذلك الأرباح في إنتاج النفط، وهو ما يحدث بالضبط في حالة البلدان المستوردة للنفط. ولكن درجة الانخفاض، وأثر تراجع سعر النفط على إجمالي الناتج المحلي يتوقف إلى حد كبير على درجة اعتماد هذه البلدان على الصادرات النفطية، وعلى نسبة الإيرادات التي تحصل عليها الدولة.

وهناك تركز كبير في الصادرات النفطية عبر البلدان مقارنة بالواردات النفطية. وبعبارة أخرى، تعتمد البلدان المصدرة للنفط على النفط أكثر بكثير مما تعتمد عليه البلدان المستوردة.

وبالنظر إلى بعض الأمثلة، نجد أن الطاقة تمثل 25% من إجمالي الناتج المحلي في روسيا، و 70% من صادراتها، و 50% من إيراداتها الفيدرالية. وفي الشرق الأوسط، تبلغ نسبة النفط في إيرادات الحكومة الاتحادية 22.5% من إجمالي الناتج المحلي و 63.6% من الصادرات في دول مجلس التعاون الخليجي. وفي إفريقيا، الرسم البياني ٩- أسعار النفط المحققة لتعادل المالية العامة تمثل الصادرات النفطية 40-50% من إجمالي الناتج المحلي في غابون وأنغولا وجمهورية الكونغو و 80% من إجمالي الناتج المحلي في غينيا الاستوائية. كذلك يمثل النفط 75% من إيرادات الحكومة في أنغولا وجمهورية الكونغو وغينيا الاستوائية. وفي أمريكا اللاتينية، يساهم النفط بحوالي 30% و 46.6% على التوالي في إيرادات القطاع العام وحوالي 55% و 94% من الصادرات في إكوادور وفنزويلا. 8 ويوضح هذا مدى التحدي الذي واجه هذه البلدان.

وفي معظم البلدان، يرجح أن يكون عجز المالية العامة هو الأثر التلقائي لانخفاض سعر النفط. ومن الطرق الممكنة لتوضيح جوانب الضعف في البلدان المصدرة للنفط احتساب ما يطلق عليه اسم الأسعار المحققة لتعادل المالية العامة –أي أسعار النفط التي تتوازن عندها ميزانيات الحكومات في البلدان المصدرة للنفط. وتتفاوت الأسعار التعادلية تفاوتا كبيرا بين البلدان، ولكنها غالبا ما تكون شديدة الارتفاع.9 وبالنسبة لبلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، تتراوح الأسعار التعادلية بين 54 دولار للبرميل في حالة الكويت و 184 دولارا في حالة ليبيا، بينما يبلغ سعرا ملحوظا قدره 106 دولارات في المملكة العربية السعودية (انظر الرسم البياني 9). وبالنسبة للبلدان التي لا تتوافر لدينا بيانات عن أسعارها التعادلية، تعتبر أسعار النفط المقدرة في الموازنة (أي أسعار النفط التي تفترضها البلدان عند إعداد الموازنة العامة) وسيلة أخرى لقياس مدى تعرض البلدان لهبوط أسعار النفط.

وبالنسبة لإفريقيا، تم تخفيض تقديرات الميزانية لأسعار النفط في عام 2015 في ضوء تراجع الأسعار (انظر الرسم البياني 10). وفي أمريكا اللاتينية، تبلغ أسعار النفط في الميزانية 79.7 دولارا في إكوادور و 60 دولارا في فنزويلا، وبعض البلدان أفضل استعدادا لإدارة عملية التصحيح مقارنة بما كانت عليه في الحالات السابقة. وقد استعد قليل منها بتكوين احتياطيات وقائية من خلال السياسات، مثل القواعد المالية وصناديق الادخار، ووضع إطار نقدي أكثر مصداقية، مما ساعد على الفصل بين الأرصدة الداخلية والخارجية، كما في حالة النرويج.

ولكن التصحيح في كثير من البلدان سينطوي على تشديد سياسة المالية العامة وتخفيض الناتج وتخفيض سعر الصرف (وهو إجراء أصعب في ظل أنظمة سعر الصرف الثابت المطبقة في كثير من البلدان المصدرة للنفط). وقد يؤدي تخفيض سعر الصرف إلى ارتفاع التضخم إذا لم تكن التوقعات التضخمية مثبتة بالقدر الكافي.

ما هي الانعكاسات المالية؟

تنطوي انخفاضات أسعار النفط على انعكاسات مالية، تحدث بشكل مباشر عن طريق آثار أسعار النفط ذاتها، وبشكل غير مباشر عن طريق ما يحدثه من تصحيح في أسعار الصرف، ويتسبب انخفاض أسعار النفط في إضعاف المركز المالي للشركات في قطاع الطاقة، وخاصة الشركات المقترضة بالدولار، وبالتالي مركز البنوك والمؤسسات الأخرى ذات المطالبات الكبيرة على قطاع الطاقة. وتبلغ نسبة شركات الطاقة التي تمتلك نسبة تغطية للفوائد تقل عن 2 (أي نسبة التدفقات النقدية إلى مدفوعات الفوائد) 31% في البلدان الصاعدة، مما يشير إلى أن بعض هذه الشركات قد يكون معرضا للخطر بالفعل.

وقد زادت فروق العائد على مؤشر سندات الشركات في الأسواق الصاعدة، والتي تعكس فروق الفائدة على سندات شركات الأسواق الصاعدة عالية المخاطر، بواقع 100 نقطة أساس عما كانت عليه في يونيو الماضي.

وقد أجرينا اختبارات لقياس تحمل الضغوط في سياق تقييماتنا للاستقرار المالي في عدد من البلدان المصدرة للنفط على مدار السنوات القليلة الماضية، وانتهت الاختبارات إلى عدد قليل من البلدان المصدرة للنفط التي لم تتمكن بعض بنوكها من اجتياز الاختبار، مما يشير إلى أن احتياجات إعادة الرسملة لا تتجاوز بضع نقاط من إجمالي الناتج المحلي على أكثر تقدير. غير أن نتائج هذه الاختبارات قد لا تقدم معلومات كافية نظرا لاحتمال تغير الاحتياطيات الرأسمالية وقت الاختبار، وكذلك مستوى ربحية البنوك. وتعتبر روسيا مثالا جيدا على سرعة تطور الأوضاع في هذين المجالين نظرا لتأثير العقوبات على قطاعها المالي. وسيعتمد تأثير انخفاض أسعار النفط على البنوك في البلدان المصدرة للنفط بوجه عام على مدى استمرارية انخفاض السعر وتأثيره على النشاط الاقتصادي ومن ثم على الهوامش الوقائية المتاحة.

كذلك يؤدي انخفاض أسعار النفط في العادة إلى ارتفاع أسعار العملات في البلدان المستوردة للنفط، ولا سيما الدولار، وانخفاض أسعار العملات في البلدان المصدرة للنفط. وقد ساهم هبوط سعر النفط في حدوث انخفاض مفاجئ في أسعار عملات عدد من البلدان المصدرة للنفط، ومنها روسيا ونيجيريا. وبينما يمثل انخفاض سعر النفط سببا واحدا فحسب من أسباب انخفاض سعر الروبل، إلا أن العملة الروسية انخفضت بمقدار 40% حتى الآن في العام الحالي، و 56% منذ سبتمبر الماضي. ورغم أن تخفيض سعر الصرف وفق منهج موجه إداريا يمكن أن يساعد البلدان المصدرة للنفط على إجراء التصحيح المطلوب، فإنه يتسبب أيضا في تفاقم المشكلات المالية للشركات والحكومات ذات الديون المقومة بالدولار الأمريكي. وفي البلدان التي تفتقر إلى تثبيت التوقعات بالقدر الكافي، يمكن أن تؤدي تخفيضات أسعار الصرف غير المحكومة إلى سرعة وصول التضخم إلى مستويات بالغة الارتفاع.

وإذا استمر هبوط سعر النفط، فسيكون له تأثير مُرَكَّز وجوهري على حملة السندات والبنوك المعرضين لمخاطر قطاع الطاقة من خلال استثماراتهم الدولارية. غير أن تعرض النظام المصرفي العالمي لا يرجح أن يكون كبيرا بما يؤدي إلى أكثر من زيادة معتدلة في متطلبات رصد مخصصات الخسائر ويمكن تعويض جانب منها بتحسين جودة الائتمان في البلدان والقطاعات المستوردة للنفط. ومع ذلك، فقد تكون بعض البلدان المستوردة للنفط مرتبطة بالقطاعات المالية في البلدان المصدرة للنفط، وقد تتعرض لمخاطر التطورات الاقتصادية والمالية فيها. فعلى سبيل المثال، هناك تعرض كبير في البنوك النمساوية لمخاطر القطاع المالي الروسي، وقد شهد بعضها هبوطا بالغ الحدة في أسعار حصص ملكيتها مؤخرا.

غير أن هذا التقييم المتفائل نسبيا يجب أن يقترن بتحذير واضح. فمن دروس الأزمة المالية الكبرى أن التغيرات الكبيرة في أسعار السلع وأسعار الصرف، وما تحمله من زيادة في عدم اليقين بشأن مركز بعض الشركات وبعض البلدان، يمكن أن تؤدي إلى زيادة تجنب المخاطر على مستوى العالم، مما يستتبع انعكاسات كبيرة على إعادة تسعير المخاطر وعلى التحولات في تدفقات رأس المال. ويصدق ذلك على وجه الخصوص إذا صاحبته تطورات أخرى كالتي تشهدها روسيا حاليا. ولا يمكن للمرء أن يستبعد هذه المخاطر المتطرفة بالكامل.

ما هي استجابة السياسات التي ينبغي أن تصدرها البلدان المستوردة والمصدرة للنفط؟

لا شك أن استجابة السياسات الملائمة إزاء تراجع أسعار النفط ستتوقف على ما إذا كان البلد المعني مستوردا للنفط أم مصدرا له. والاستثناء الوحيد في هذا الخصوص هو الفرصة المشتركة، التي يتيحها انخفاض هذه الأسعار لإصلاح دعم الطاقة وضرائب الطاقة. وطالما أهاب الصندوق بالحكومات أن تستخدم الوفورات التي تحققها من إلغاء دعم الطاقة لتحويل مساعدات موجهة للمستحقين. 10 وتتيح الأسعار المنخفضة فرصة كبيرة لإلغاء الدعم بتكلفة سياسية أقل. فقد تمكنت الهند، على سبيل المثال، من تخفيض دعم الديزل مؤخرا، ولم تشهد أي احتجاجات لأن السعر لم يرتفع. وفي عدد من البلدان المتقدمة، قد تكون هذه فرصة لزيادة ضرائب الطاقة، مع استخدام الوفورات المحققة لتخفيض ضرائب أخرى، مثل ضرائب العمل.

وننتقل الآن إلى البلدان المستوردة للنفط. ففي الظروف العادية، حيث يتمتع البلد بصحة اقتصادية كلية جيدة – كأن يكون خاليا من فجوات الناتج ويكون التضخم فيه عند المستوى المستهدف والحساب الجاري متوازنا – يمكن تقديم مشورة واضحة من التجارب السابقة مع تحركات أسعار النفط، وهي أن تكفل السياسة النقدية استمرار ثبات التوقعات التضخمية رغم انخفاض التضخم الكلي، وأن تسعى للحفاظ على استقرار التضخم الأساسي. وليس من الواضح ما إذا كان ذلك ينطوي على رفع سعر الفائدة أو تخفيضه. فمن ناحية، يتطلب ارتفاع الطلب زيادة أسعار الفائدة؛ ومن ناحية أخرى، قد يتطلب الأمر تخفيض أسعار الفائدة لمنع التضخم الأساسي من الهبوط. وعلى وجه العموم، فمن المرجح أن يؤدي تحسن رصيد الحساب الجاري إلى ارتفاع في سعر الصرف، أيا ما كان تحرك سعر الفائدة. وهذا الارتفاع في سعر الصرف أمر طبيعي ومرغوب.

غير أن الظروف ليست عادية. ومعظم الاقتصادات المتقدمة الكبرى تعاني من فجوة كبيرة في الناتج، ومن معدل تضخم دون المستوى المستهدف، وسياسة نقدية تقليدية مقيدة بأسعار فائدة تكاد تصل إلى الصفر. ويعني هذا أن أي زيادة في الطلب جديرة بالترحيب في المرحلة الراهنة، وأن انخفاض التضخم، الذي لا يمكن تعويضه بتخفيض أسعار الفائدة، يمثل خطرا أكبر. وعلى هذه الخلفية، من الضروري الاستعانة بالإرشادات الاستشرافية لتثبيت توقعات التضخم على المدى المتوسط وتجنب الانكماش المستمر.  

وقد يظن المرء أن استجابة السياسات الملائمة في البلدان المصدرة للنفط هي نفس الاستجابة المطلوبة من البلدان المستوردة للنفط، ولكن بإشارة معكوسة. غير أن البلدان المستوردة تختلف عن المصدرة من زاويتين مهمتين: أولا، حجم الصدمة التي تواجه البلدان المصدرة للنفط كنسبة من اقتصادها أكبر بكثير من حجم الصدمة التي تواجه البلدان المستوردة. ثانيا، عادة ما تكون مساهمة عوائد النفط في إيرادات المالية العامة أكبر بكثير. وبالنسبة لكل البلدان، نجد أن انخفاض إيرادات المالية العامة ومخاطر استمرار الأسعار المنخفضة لبعض الوقت يعني الحاجة إلى بعض التخفيض في الإنفاق الحكومي.

وفي البلدان التي راكمت أرصدة كبيرة من ارتفاعات الأسعار السابقة، من الملائم السماح بعجوزات أكبر في المالية العامة والسحب من هذه الأرصدة لبعض الوقت. ويصدق هذا بوجه خاص على البلدان المصدرة للنفط التي تعتمد أسعار صرف ثابتة وقد يستغرق تخفيض سعر الصرف الحقيقي المطلوب بعض الوقت حتى يتحقق. 

وسيكون التصحيح أصعب بالنسبة للبلدان التي لا تمتلك هذا الحيز المالي، وحيث المساحة محدودة لزيادة عجز المالية العامة. فعلى هذه البلدان أن تجري تخفيضا أكبر في سعر الصرف الحقيقي، كما ينبغي أن تضع إطارا نقديا قويا حتى لا يتسبب تخفيض سعر الصرف في ارتفاع التضخم على نحو مزمن وزيادة انخفاض سعر الصرف. ولا شك أن ذلك سيمثل تحديا لعدد قليل من البلدان المصدرة للنفط.  

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد