اليمن: ثمان طاولات وحكومة واحدة

2015-01-04 09:49:03 الاقتصادي/ نبيل الشرعبي


تواجه حكومة بحاح ثمان قضايا في غاية التعقيد، كلها تصب في زيادة حدة العصف بالاقتصاد اليمني، وهي قضايا تأخذ أبعاداً متعددة، إلا أنها تلتقي في محور واحد وهو محور الاقتصاد الذي ودّع عام 2014، بتآكل كبير على مستوى كافة الأصعدة دون استثناء.

ولكن أخذ البعد الاقتصاد، منحنى أكثر حدة في الاتجاه السلبي، وحسب ما جاء في برنامج حكومة بحاح، هناك 8مشاكل، تواجه هذه الحكومة، وهذه المشاكل في مجملها، تصب في خانة استقرار الوضع الاقتصادي، والذي ودع العام 2014، بتكسر كبير في جميع مجالاته، بدأً من تراجع الاحتياطي النقدي إلى أدنى مستوياته، وتراجع حصة الحكومة من صادرات النفط الخام، وتجاوز عجز الموازنة الحدود الآمنة، واتساع مساحة الفقر، وارتفاع نسبة البطالة، وتراجع بيئة الأعمال، وانخفاض الأداء الاقتصادي عامة، وتتلخص الــ 8 القضايا التي تمثل تحدياً كبيراً أمام حكومة بحاح في الآتي:

أولاً : الانخفاض الكبير في مستوى النشاط الاقتصادي واقتراب الاقتصاد من هوة الركود الاقتصادي، حيث أدى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي عام 2011م بما نسبته (15.1%) وما تلاه من انخفاض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الثلاث سنوات (2012 – 2014) في المتوسط إلى (2.82%) في ظل معدل نمو مرتفع للسكان بلغ (3%) إلى انخفاض قيمة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2014م عن مستواه عام 2010م بما نسبته (9.1%).

ثانياً: تفاقم مشكلة اختلالات المالية العامة، حيث بلغت نسبة العجز النقدي الصافي إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات (2011 – 2014) نحو (5%) و (4.7%) و(8%) و(6%) على التوالي، هذا إلى جانب تفاقم الاختلالات الهيكلية في الموازنة، حيث تراجع حجم النفقات الاستثمارية إلى إجمالي النفقات العامة إلى ما نسبته (8%) و(11%) و(8%) على التوالي للسنوات (2011 – 2013).

 وكان تراجع النفقات الاستثمارية لصالح النفقات الجارية وبالأخص نفقات الأجور والمرتبات والتي استحوذت على ما نسبته في المتوسط خلال الثلاث السنوات الأخيرة (31%) وأوجه الدعم للمشتقات النفطية، والتي استأثرت بما نسبته في المتوسط خلال نفس الفترة (23%)، ويستحوذ الدعم على المشتقات المخصصة لإنتاج الطاقة الكهربائية والذي لا زال قائما ما نسبته (34%) في المتوسط من إجمالي دعم المشتقات النفطية أي ما نسبته (7.8%) من إجمالي النفقات العامة، وهو ما يقارب نسبة الإنفاق الاستثماري.

أيضاً تراجعت النفقات الاستثمارية لصالح مدفوعات فوائد الدين العام الداخلي والتي ارتفعت نسبتها إلى إجمالي النفقات من (10.4%) عام 2011 إلى (16.5%) عام 2013 ويتوقع تجاوزها (21%) عام 2014، وذلك بسبب ارتفاع حجم الدين العام الداخلي من (1,892,000,000,000) تريليون وثمانمائة واثنان وتسعون مليار ريال بما نسبته (111%) من إجمالي الإيرادات الذاتية عام 2011 إلى (2,850,000,000,000) تريلونيين وثمانمائة وخمسون مليار ريال بما نسبته (141%) من إجمالي الإيرادات الذاتية عام 2013م ويتوقع تجاوز النسبة (150%) عام 2014.

ثالثاً: التراجع الكبير والمستمر في إنتاج النفط الخام المحلي وأسعاره في السوق الدولية في ظل عدم قدرة الأنشطة الاقتصادية الموجهة نحو التصدير على تعويض النقص في عائدات الصادرات النفطية وتزايد حجم اعتماد الاقتصاد الوطني على توفير احتياجاته من المشتقات النفطية خاصة والسلع الأساسية عامة.

وهذا يشكل خطورة ليس على عائدات الخزينة العامة من الموارد العامة فحسب، بل وعلى عائدات الاقتصاد الوطني من النقد الأجنبي أيضاً، مما يترتب عليه استنـزاف احتياطيات الجهاز المصرفي، وبالأخص البنك المركزي من العملات الأجنبية والانعكاسات الخطيرة، لذلك على فاتورة الاستيراد الضرورية وعلى أسعار الصرف؛ وبالتالي معدلات التضخم وصولاً إلى انعدام الاستقرار الاقتصادي.

رابعاً: تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية وغياب الإنفاذ الكامل لمبدأ سيادة القانون، وهذا ما ترتب عليه تكبد الاقتصاد القومي عامة وموازنة الدولة خاصة خسائر كبيرة، حيث بلغت خسائر الخزينة العامة نتيجة الاعتداءات المتكررة على خطوط نقل النفط والغاز وشبكات الكهرباء خلال الثلاث سنوات (2012 – 2014م) ما يقارب(1,482,000,000,000) تريليون وأربعمائة واثنان وثمانون مليار ريال بما نسبته (94%) من إجمالي العجز الصافي لهذه السنوات، هذا إلى جانب ما تكبدته الخزينة العامة من خسائر نتيجة عدم القدرة على إنفاذ القوانين المالية بسبب الانفلات الأمني.

خامساً: أتساع نطاق الفقر بمفهومه العام إلى( 54% ) من إجمالي السكان وتفاقم مشكلة البطالة حيث ارتفعت نسبتها بين الشباب للفئة العمرية (15 - 24) سنة إلى (33.7%) من إجمالي السكان.

سادساً: ضعف البنية المؤسسية والتنظيمية للوزارات، الهيئات، المؤسسات، والمصالح في القيام بمهام الإدارة العامة للدولة على الرغم من أهميتها كونها لا زالت تقوم بوظيفة الدولة الضامنة ويعتمد عليها المجتمع في تقديم خدماته وتلبية احتياجاته بشكل كبير، أمام ضعف إشراك القطاع الخاص في إدارة الاقتصاد والمجتمع، ولذلك فإن الأمر يتطلب مراجعة وتطوير الدراسات المعدة لدور الدولة في الجوانب الاقتصادية والإنتاجية مع ضمان عدم الاستغلال والمغالاة في رسوم الخدمات على المواطنين.

سابعاً وثامناً: ضعف الخدمات الأساسية وتدني كفاءتها وعلى رأسها خدمات التعليم، الصحة، الكهرباء، المياه والطرقات، أهمية وحجم مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل والاحتياجات والجهود اللازمة لتنفيذ هذه المخرجات والقرارات على أرض الواقع والصعوبات التي قد تعترض تنفيذ بعضها، وقد نالت هذه المسألة اهتماماً في تشكيل الحكومة وفي سلم أولوياتها بتعيين وزيرِ للدولة يختص بشؤون متابعة تنفيذ مخرجات الحوار كقضية محورية وهامة في أداء الحكومة، وإعطاء المزيد من التركيز على تطبيق السياسات المنفذة لها وعزمها الجاد لتنفيذها.

كيف يمكن التعافي

وفي ظل هكذا وضع تبقى عوامل النجاح وفق خبراء اقتصاد غير واردة، إذا استمر الوضع قائماً ودون تغيير، خاصة وأن هناك معلومات تفيد أن دول الخليج العربي- الداعم الأكبر لليمن للتعافي من انهياره، عزمت على توقيف دعمها بكافة أشكاله، وبالذات بعد سيطرة الحوثيين على البنك المركزي اليمني.

أضف إلى هذا أنه كانت قد غادرت العديد من الشركات النفطية الأجنبية العاملة في استكشاف وإنتاج النفط اليمن خلال العام 2014، بعد إيقاف أعمالها وإخلاء موظفيها ،جراء تردي الأوضاع الأمنية وارتفاع حدة تهديدات تنظيم القاعدة للمنشآت النفطية الأجنبية.

وكان رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي كشف عن مغادرة 34 شركة نفطية البلاد جراء تردي الوضع الأمني، وهو ما يمثل، حد توصيف خبراء اقتصاد، ظاهرة كارثية على الاقتصاد اليمني تعد الأسوأ من نوعها بعد تسريح المئات من الموظفين اليمنيين و ترحيل العمال الأجانب إلى بلدانهم، يأتي ذلك بعد تراجع ملحوظ في إنتاج تلك الشركات من النفط مقارنة بالأعوام السابقة.

وحسب خبراء الاقتصاد فإن مغادرة الشركات المنقبة عن النفط والعاملة في اليمن منذ تسعينيات القرن الماضي ينذر بمزيد من التراجع في إنتاج البلاد من النفط، في الوقت الذي تنخفض فيه أسعار النفط إلى النصف لتصل إلى 61$ للبرميل، الأمر الذي يفاقم من عجز المالية العامة، التي يشكل فيها النفط 70% من موارد الموازنة كما تمثل عائداته 90% من موارد النقد الأجنبي.

وتعيش اليمن تدهوراً كبيراً في الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية مع غياب الإنفاذ الكامل لمبدأ سيادة القانون، حد اعتراف حكومة الكفاءات في برنامج نيل الثقة من البرلمان، الأمر الذي أثر سلباً على الاقتصاد وبيئة الأعمال وأجبر العشرات من الشركات الاستثمارية على مغادرة اليمن، منذ مطلع العام 2011.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد