الشارع الرمضاني

2007-09-16 07:26:51

ساعة القات :

منذ اللحظات الأولى لدخول فترة العصر، في أول أيام شهر رمضان ،يبدأ دبيب الناس إلى المقوات. أشخاص تحركهم المولعة إلى الأمام ،وآخرون ينوون التخزين ،نظرا للعمل الليلي ،ما المهم بالنسبة اليهم ،الفطور أم القات ؟

كثرة الأكياس البلاستيكية في أيدي المارة من الناس ،تدل على أن الذي يحمله هؤلاء الناس ،ليس خضروات ،أو أية مادة نباتية للطبخ. وإنما قات أخضر ،ولحظات الإقبال على القات لحظات المغنم للمقاوتة ،إذ في الساعة الرابعة عصرا ترى أسعار القات في ارتفاع مهول. !! مابين الإفطار والتخزين كل العقول مشغولة ،وكل الذين يجوبون الشارع في هذه الساعة يتساءلون علنا أو سرا ،يا ترى كم سيكفيني من المال لتخزينة اليوم ؟ خمسمائة ريال ،ألف ريال !!!

وفي لحظة مغادرة الشمس خفية ؛ يتنبه المرء إلى حاجته من الأكل والشرب ،يتذكر السنبوسة والعصائر !! كم يا ترى سأحتاج من المال لوجبة العشاء ؟؟!

رمضان يا صاحب الدراجة ! :

ما الوقت المناسب لصاحب الموتور لبدء العمل ؟! تحرك في ساعات الصباح الأولى وأدار محرك الدراجة ،ما إن سمع الآخرون الصوت، إذ رفع النائمون أصواتهم بالسب والشتم ،لأن الدراجة أيقظتهم من نومهم ،يافعلتاهههه!!

لم يكن يتوقع هذا الرد ،أغلق دراجته وتوجه إلى النوم ،لأن الناس نائمون في هذه اللحظات. وفي كرة أخرى بدأ الرجل في تشغيل الموتور سيكل كانت الساعة الثانية عشر ظهرا ،لكن تفاجأ أيضا بالهجوم الصوتي الصارخ من قبل الجيران الذين لم يفتحوا أعينهم بعد !! ياناس أريد أن أطلب الله على الجهال ،رمضان ما يمزح !! في حالة من الكدر والخوف أطفأ الرجل دراجته إلى أن يحين أذان صلاة العصر. وفي وقت قصير راح يطلب الله رغم أن الوقت غير مناسب ،لأن الشارع مزدحم إلى الاختناق بالناس والعربات.

ولعل الساعتين التين قضاهما هذا السائق في العمل لم تدرا عليه المال الكافي لصرفة الليلة ! ،أوقف دراجته بقليل من الإحباط صائحا : رمضاااااان ياصائم.

شارع رجالي محض :

الشارع ليس كئيبا كما يتصور البعض في رمضان ،بل هي لحظات العمل والنوم عند كل اليمنيين ،تخرج النساء عادة الصباح في رمضان خاصة اللاتي يرتبطن بأعمال رسمية خارج المنزل. أو الدراسة مثلا ،وفي لحظات العودة إلى المنازل تكون النساء في الطريق إلى البيوت ؛ غير مصطحبات لأية أشياء منزلية ،لأن ساعة التسوق تكون في العصر.

ولأن المرأة مرتبطة أكثر بالأعمال المنزلية وتجهيز الطعام ،( الإفطار والعشاء ) لا تستطيع الخروج في الساعة المتأخرة من العصر ،وإذا نظرت الى الشارع فإنك ترى الشارع ذكوريا محضا ،لا أثر لأية امرأة في المدينة ،ربما يسكن هذه المدينة الرجال فقط ،وإلا مامعنى ذلك !! هكذا يتبادر إلى ذهنك لو قمت بزيارة سريعة للشارع في الساعة الخامسة عصرا ،

ولو تأملت شارع جمال ،الشارع النسائي الكامل ،البناتي التصنيف ،لرأيت الرجال أيضا مكتضين إلى الاختناق ،حتى في أماكن وجود النساء. حتى محلات بيع الملابس ،والأحذية والعطور والاكسسوارات !! لا شئ إلا أصحاب المحلات ينتظرون لحظات الإفطار بفارغ الصبر. يهزون رؤوسهم بصمت : الشارع رجالي محض.

مهرجان الجزر :

الأكل الرمضاني يحتاج الأصناف المتعددة التي يقدر المرء الصائم على شرائها دون تكليفه الثمن الباهض ،وتبقي المواد الأساس للطبخ ،الطماطم والبطاطا والبصل، ، ، الخ

ما الذي يجعل باعة الخضروات يركزون بشكل مذهل على الجزر ،لماذا الجزر في شهر رمضان ؟ يبدو أن الأمر غير عاد

، ، ربما مزايدات القنوات الفضائية

وإعلانات السباق الخضرواتي بين المزارعين. وهو ما لم يحدث !! ما الأمر؟ لقد تكدست الشوالات الكبيرة بجانب البوفيهات والبقالات ،وتركزت العلب وقارورات الماء المفرغة من الماء في بوابة البوفيهات بشكل مثير للتساؤل.

الشعب اليمني يحب الازدحام. عادة. إنهم يركضون إلى البوفيهات لشراء عصائر الجزر ،لا يعرفون لماذا يقبل الناس على عصائر الجزر؟. فقط ،هناك زحمة لا بد من المشاركة فيها ،حتى لو سلم عظامك من الكسر.

الكوبيش للحلويات :

ما هذا التدافع المخيف ؟ إنهم مخاصمة بين اثنين ربما ،لا إنهم كثيرون في المشاجرة ،وربما قد جاءت الشرطة لتوقف المشاجرة. هكذا يتهيأ للمارة الذين يدخلون إلى شارع جمال من جهة التحرير ،أناس ينادون بأصواتهم ويخرجون من الزحام يحملون الأكياس البلاستيكية ،ضوضاء وصخب عال ،ما يفعلون ؟ وماذا يريدون ؟ إنها السنبوسة. الأكلة الجهنية ،الأكلة المتفردة في رمضان ،ما ألذها لحظات الإفطار ،لا يمكن أن تخلو منها أية مائدة في رمضان. في محل الكوبيش في شارع جمال. يبدو الأمر مختلفا تماما ،سنبوسة تقود الناس إلى الاختلاف والمشاجرة. كل يريد أن يحصل عليها. قبل أن تنفد !! ماذا يفعل هذا الرجل في سنبوسته ،لماذا لذيذة بها الطعم ؟؟!!

قد تأخذ كمية من السنبوسة في غير رمضان ،لكنك لن تجد هذا المذاق الخاص ،مذاق رمضان ،فعلا تستحق الزحام. ليس إلى درجة الاختناق والهلاك.

ينط كالظبي المذعور :

بعض الشوارع الرئيسة ليست مكتضة إلى درجة الفوضى. تسير الأمور كالعادة. سيارات ومتجولون ،حتى في لحظات الإفطار ،إنها أول يوم من رمضان. في صمت دؤوب يعمل رجل المرور ،إنه يتأمل حركة السير عند منعطف الشارع. يرفع صوته في الغالب ،خوفا من الازدحام المفاجئ ،وعدم قدرته على السيطرة ،لأن لحظات الجوع قد تفشل الإنسان ،في عمله. وإلا لماذا يرفع صوته والشارع مازال فارغا من السيارات !!؟

في هذه الجولة ( التحرير - جمال ) شرطة المرور يتقفزون كالظباء ،بكل حماس وحيوية في تسيير الحركة على أكمل وجه.

لكن قد يكون هذا الصراخ الزائد عن الحاجة مؤذيا ،لأن الآذان في لحظات الجوع لا تقدر على تحمل ما لا يحتمل ،خاصة الصوت !!

الأسود جائعة :

إن الحدائق من أجمل المتنفسات لدى العامة من الناس ،منها الحدائق التي تقع في الشوارع الرئيسة ،وليست ملكا لأحد !! ولعل الحشائش الندية من الأشياء التي تجذب الناظرين ،وفي لحظات العصر يتمنى المرء نوعا من الهدوء والسكينة ،بعيدا عن الضوضاء.

في حديقة التحرير يتجمع الناس بكل مودة ،يستمعون إلى بعض ويضحكون بكل صدق ،ليس هناك تكلف الحياة الرسمية ،البساطة الشعبية المكسب الأخوي الوحيد الذي يوحد هؤلاء الناس الذين يجلسون على شكل حلقات الدرس في المسجد. يتناسون الجوع والعطش ،وكل الأعباء الثقيلة التي تغطي رؤوسهم ،إنهم يستمعون لبعضهم البعض. في لحظات صفاء حلوة وجميلة !!

في أماكن الظل ينام الذين بذلوا مزيدا من الجهد في يومهم ،ولكنه ليس نوم المغلوب على أمره. إنه نوم الأسود العظيمة التي تبحث عن الراحة لبذل المزيد من الجهد والعمل !! نوم المناضل والحياة.

عيون ومصاحف :

عند باعة الكتب ترى الأمر مختلفا ،هل لا يمتلك المسلمون مصاحف في بيوتهم ،لماذا هذا الكم الهائل من المصاحف في هذه الطريق ؟ هل دخل اليمنيون الإسلام في هذه اللحظة ؟ يبدو أن الأمر في رمضان مختلف ،لأن المداومة على قراءة القرآن في كل أيام رمضان من أولى اهتمامات اليمنيين ،وبحثا عن الأجر المضاعف يشتري اليمنيون المصاحف بكل ذعر ورغبة.

مازالت العيون تبحلق في حجم المصاحف المعروضة. وأغلبية المشترين لا يأخذون التفاسير ،ويكتفون بالنص القرآني فقط. رغم أن أغلب القارئين لا يفهمون الكثير من الآيات. والملفت في الأمر أن الكراسي التي نضع المصاحف فوقها ،غالية الثمن. وهناك صنف من الناس يأخذ هذه الكراسي للزينة ،ولا يحبذ قراءة القرآن بهيئة عادية. لا بد من وجود الكراسي التي تقل المصاحف إلى لحظات التدبر أثناء القراءة.

والأجمل في الموقف أن يكون المصحف المشترى لصديق أو حبيب هدية بمناسبة دخول الشهر الكريم. اللهم اجعلنا من الذين يعملون الخير ويتبعون أحسنه !! آمين

حتى المجانين يصومون :

لو تجولت في نهار رمضان للاحظت أن الشارع يكاد يخلو من المجانين ،رغم أن المجنون الحقيقي الذي لا يعي الوقت والمناسبة ،ولا يحس أي تغير تجاه العالم والأشياء ،لأن الداخل من الإحساس لدى المجنون قد فقد إلى غير رجعة ،فهو لا يحس بالجوع والعطش والبرد. أما مجانين اليمن في رمضان يظلون حالة استثنائية،لأن الناس في حالة من النوم ،وكذلك المجانين في نوم طيلة النهار !! وحين تبدأ المدينة الحياة المعتادة ترى المجانين قد نشطوا ،يمشون في الأسواق ،ينتظرون صدقات الناس ،أي كأنهم يشعرون بالتغير ويعون الزمن ،وان نسبة الجنون اليمني تختلف عن الجنون في العالم ،ما السر ؟

لقد خرج أحدهم في الساعة السادسة بحثا عن القات في سوق القات ،وبعدما يئس من ذلك اتجه إلى نهاية الشارع عند عمود الإضاءة ،وفرش كرتونه واستلقى بهدوء !! ناداه أحدهم : رمضان مبارك ،هل صمت اليوم ؟ صرخ المجنون بصوت عال : أنا صااائم في الدنيا والاخرة. !!

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد