دعوة صريحة للحرب

2009-06-25 05:14:09

بقلم :نواف الزرو

خطاب لا يبشر بجديد، وكما كان متوقعا، فهو خطاب استهلاك وتضليل ولاءات كبيرة تجاه كل الملفات والحقوق الفلسطينية. . !

وإن كان نتانياهو استخدم مصطلح دولة فلسطينية منزوعة السلاح، فقد جردها من مقوماتها كدولة سيادية، فهي دولة دون أي سيطرة على البوابات الفلسطينية البرية والبحرية والجوية، ومن دون القدس، ومن دون اللاجئين، ويمكن القول أيضاً هنا: إن الجبل تمخض فلم ينجب سوى نتانياهو الذي خرج لنا كما كان، بل وأشد وضوحا صهيونيا استعماريا، اذ تمسك نتانياهو بثوابته الايديولوجية الاستعمارية التي لا تتقن سوى لغة الحراب والحروب والاستعمار الاستيطاني وإلغاء الآخر العربي. . !

عكيفا الدار المعلق البارز في صحيفة هآرتس يقول ان الخطاب أعاد الشرق الأوسط إلى أيام «محور الشر»، وتابع: لقد ألقى نتانياهو خطابا أبويا استعماريا وفقا لأفضل تقليد للمحافظين الجدد: ان العرب هم الأشرار، أو في أحسن الأحوال إرهابيون ناكرون للجميل، وان اليهود، بالطبع، هم الأخيار، وهم أناس عقلانيون بحاجة إلى تربية ورعاية أطفالهم. ما يعني بديهيا اننا سنكون أمام صراع مفتوح وحروب مفتوحة ما بين الخير والشر حسب نتانياهو. . !.

المحلل الإسرائيلي جدعون ليفي كتب في هآرتس معلقا حول خطاب نتانياهو في قلعة المستوطنين جامعة بار ايلان وقبل ان يلقي نتانياهو خطابه، قائلا «ان نتانياهو سيحدد مصيرنا في هذه الأمسية: هل نتوجه نحو (60) عاما أخرى من إراقة الدماء والقتل والعزلة الدولية والعيش على أسنة الحراب، ونهب العقارات وإبقاء أبناء الشعب المجاور تحت احتلال وحشي لا رحمة فيه.

أم اننا نسير نحو بداية جديدة واستنهاض للمشروع الصهيوني كله، مضيفا: ليس رئيس الوزراء وحده، بل المجتمع كله سيرد في هذا المساء مختارا؛ السلام او الحرب، هذه فرصة نتانياهو التي لا تتكرر لمعانقة التاريخ، ليس كمؤرخ مثل والده وإنما كصانع للتاريخ، بضع كلمات وستفتح بوابة ضخمة أمام إسرائيل، فلتفتح لنا هذه البوابة يا نتانياهو في لحظة إغلاق البوابة».

وجاء الجواب من نتانياهو واضحا سافرا، فقد اختار ستين عاما أخرى من الحروب والمجازر، وكما هو متوقع لم يفتح البوابة ولم يعانق التاريخ، ولم يصنع شيئا حقيقيا من هذا التاريخ الذي كان روجه له رئيس «إسرائيل» شمعون بيريز حين بشر الرئيس اوباما قائلا: ان حكومة نتانياهو ملتزمة بالسلام، ونتانياهو يرغب في ان يصنع التاريخ، وفي إسرائيل يصنعون التاريخ بالسلام وليس بالحروب.

ورغم ان نتانياهو لم يقدم شيئا حقيقيا في خطابه يؤشر لاحتمالية منطقية للتسوية مع الفلسطينيين، الا انه حظي بترحيب واسع إسرائيلي وأميركي وأوروبي، وكان واضحا ان هذا الترحيب منافق ومصطنع. . !

إسرائيليا لخص الجنرال احتياط موشي يعلون المضمون والابعاد الحقيقية لخطاب نتانياهو قائلا: ان خطاب نتانياهو هو بلورة للإجماع الوطني الإسرائيلي مقابل الرفض الفلسطيني، مضيفا انه يعبر عن رأي الأغلبية الصهيونية، مردفا ان النقاش حول حل الدولتين مبتذل، والمحلل الاستراتيجي ايتان هابر يضيف في يديعوت 15/6/2009 في بحر من الكلمات قيلت كل الكلمات التي سربت إلى وسائل الإعلام على مدى الأسبوع: تجريد، القدس لنا إلى الأبد، الاعتراف بدولة يهودية، لن نبني مستوطنات جديدة، شيء ما عن «النمو الطبيعي» وهكذا دواليك، كان هذا خطابا برنامجيا، سياسيا امنيا لو أنه القي دون جلبة اوباما لحظي باهتمام اقل.

أما درور ايدار فكتب في «إسرائيل اليوم» 16/6/2009: «أهمية خطبة بار ايلان أنها رسمت الاتجاه الذي يستطيع أكثر الجمهور اليهودي في إسرائيل التوحد حوله، وسيتبين أن الأقوال التي قالها نتانياهو قد توحد صفوف الشعب إزاء التحديات الشديدة التي تواجه إسرائيل، وكانت الخطبة صوغا لكلام سابق قاله بنيامين نتانياهو يتعلق بالشروط السياسية والأمنية في كل تسوية سلمية، اذا أصرت الجماعة الدولية على أن تسمي ذلك دولة فإن نتانياهو قد أعطاها مطلوبها.

بل ان دان مريدور وزير الشؤون الاستخبارية في الحكومة الإسرائيلية كان الأوضح حينما استبعد في سياق مقابلة إذاعية الثلاثاء 16 / 6 / 2009 التوصل إلى أي اتفاق إذا ما استمر الجانب الفلسطيني في الإصرار على تطبيق حق العودة وتقسيم القدس وإقامة جيش فلسطيني، مؤكدا أن إسرائيل قد وصلت إلى أقصى حد من التنازلات التي يمكن لها أن تقدمها.

الليكود يا جماعة وقف وراء الخطاب بما اشتمل عليه من لاءات وخطوط سياسية، والعمل كذلك الأمر، ولم يتأخر كديما عنه، إلى جانب كافة الأحزاب الدينية واليمينية المتشددة التي ذهبت في تطرفها ابعد من خطاب نتانياهو. . !. . لقد جاء الخطاب إذن، مدججا بالايديولوجيا والاستراتيجيا والامن والاقتصاد والنوايا الشريرة، رابطا كل ذلك على نحو خفي بهواجس «أرض إسرائيل الكاملة» و«الدولة اليهودية النقية» التي لن تقوم لها قائمة إلا بالتخلص من وجهة نظرهم من الخطر الديموغرافي العربي، عبر سياسات التطهير العرقي التي لم تتخل عنها الدولة الصهيونية منذ اختراعها عام 1948. . !

وأصبحنا كذلك أمام إجماع سياسي إسرائيلي وراء هذا الخطاب، وبهذا الإجماع تغدو إسرائيل على حقيقتها بلا قناع، والحكومة تصبح عمليا ببرنامج ايديولوجي متطرف، وأجندة حربية صارخة، ولذلك لن نرى في ظل هذه الحكومة عمليا سوى لغة القوة والغطرسة والاخضاع والتهديد والوعيد. . !

إلى ذلك فقد خفض نتانياهو ليس فقط من سقف الأوهام والتوقعات الفلسطينية العربية، وانما حطمها وشظاها بلا رحمة وحطم آمال التسوية معها، وحطم معها رهانات دول الاعتدال العربي التي تبنت السلام كخيار استراتيجي، وحمل المنطقة كلها ليضعها مجددا أمام التهديدات والمخططات والمشاريع والأطماع الصهيونية على حقيقتها. . !

فحينما تجمع الخريطة السياسية الإسرائيلية على اللاءات الكبيرة والتنكر لكل الحقوق العربية الفلسطينية ولكافة المواثيق والقرارات الاممية، وحينما تجمع على اختطاف الوطن العربي الفلسطيني بكامله والى الأبد، فإن في ذلك لو كنا في زمن عربي عروبي حقيقي دعوة صريحة للحرب. . !

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد