تعز.. عودة الانفلات الأمني إلى الواجهة يثير مخاوف المدنيين

2018-01-14 20:46:16 تقرير خاص/ محمد المياس

يتفاقم الوضع الأمني في مدينة تعز، وسط اليمن، يوما بعد يوم، إلى درجة الانفلات والتسيب. ومع مطلع العام الجديد عادت مجدداً عمليات الاغتيالات والقتل ومسلسل الفوضى الأمنية إلى الواجهة في المدينة، وبشكل مريب.
ورافق تعيين محافظاً جديداً لتعز تطورات جديدة في مسلسل الانفلات الأمني بالمدينة، لاسيما الاغتيالات وأعمال القتل والترهيب، وكان أبرزها محاولة اغتيال وكيلي المحافظة المخلافي والأكحلي بعبوة ناسفه زرعت في سيارة الأول وأدت إلى إصابة اثنين من مرافقيه وتسعة مدنيين آخرين.

وتطورت وسائل القتل والاغتيالات من استخدام البندقية والمسدسات الكاتمة للصوت إلى استخدام العبوات الناسفة، مما أدى ذلك إلى انتشار الخوف والهلع في قلوب المواطنين والقلق لدى القيادات العسكرية والحكومية في المدينة.
وتستمر معاناة المدينة مع استمرار تدهور الوضع الأمني فيها، مع أن تعز كانت على أمل كبير بالقيادة الجديدة للمحافظة، إلا أنها على مايبدو بداية مخيفة. 
الكاتب الصحفي طارق البناء يكتب في صفحته على الفيس بوك: "في غضون أقل من 10 دقائق محاولتين اغتيال لفردين تابعين لأبو العباس في وادي القاضي ومحاولة اغتيال لفرد تابع للواء الصعاليك وإصابته بطلقات نارية في عقبة شارع جمال. مالذي يحاك لتعز ولماذا اشتدت وطأت الاغتيالات الآن؟".
ويرى البناء أن مايحدث من انفلات أمني وصراع داخلي بين أفراد الجيش الوطني والمقاومة الشعبية يتسبب في شق الصف الوطني في المحافظة، فيما تتحمل دول التحالف والحكومة الشرعية المسؤولية في الدرجة الأولى عن الحالة الأمنية في المدينة، حد قوله.
حصاد الدم
وظهر الاثنين الثامن من يناير الجاري نجا الوكيل الأول لمحافظة تعز عبد القوي المخلافي والوكيل/ رشاد الأكحلي من محاولة اغتيال بسيارة مفخخة في موكبه بمدينة تعز، كما أن اثنين من مرافقيه أصيبوا جراء الانفجار.
وذكرت مصادر محلية أن عبوة ناسفة انفجرت بإحدى الدوريات العسكرية المرافقة للمسؤول في شارع جمال وسط مدينة تعز.
وجاء استهداف المخلافي بعد يومين من صدور قرار رئاسي بتعيينه في منصب الوكيل الأول لمحافظة تعز، بعد تأدية المحافظ الجديد للمحافظة اليمين الدستورية أمام الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
وقال الدكتور/ عبدالقوي المخلافي- في تصريح خاص لـ"أخبار اليوم"-: إن عبوة ناسفة انفجرت في الطقم المرافق له عقب نزوله برفقة الوكيل الأكحلي إلى إحدى المطاعم وسط المدينة لتناول وجبة الغداء".
وأفاد في تصريح لـ"أخبار اليوم" بأن تسعة مدنيين أصيبوا في الانفجار بإصابات خطيرة وعدد من مرافقيه بإصابات طفيفة إضافة إلى أضرار مادية كبيرة بالطقم المستهدف والسيارات المجاورة".
وقال الدكتور المخلافي- في حديثه للصحيفة- "بأن الحادث يهدف لخلط الأوراق في تعز وإعاقة البرنامج والمشروع الذي اتفق عليه من قبل الأحزاب السياسية والسلطة المحلية والبرنامج الذي أعلنه محافظ المحافظة وتوجه السلطة الشرعية نحو التحرير وتفعيل مؤسسات الدولة"، ولم يستبعد أن تكون هذه رسالة له من بعض الأطراف رداً على تعيينه وكيلاً أول للمحافظة.
وأفاد إن الوضع الأمني المنفلت لا يمكن أن يستمر في تعز، مشيراً إلى أن هناك خطة أمنية حقيقية تجري حاليا خاصة بعد عودة مدير الأمن ولقائه وزير الداخلية وقيادات التحالف العربي بعدن وعودة قادة الألوية إلى المدينة لتفعيل الحملة الأمنية والأجهزة الأمنية بالمحافظة".
وفي جريمة جديدة تضاف إلى جرائم الاغتيالات في تعز اغتال مسلحون على متن دراجة نارية في الثامن من يناير مواطن قرب إدارة الأحوال المدنية بحي الشماسي.
وقبل محاولة اغتيال وكيلي المحافظة بيومين قتل سائق دراجة نارية وأصيب آخر وذلك يوم السبت السادس من يناير الجاري، في اشتباكات بين أفراد ينتمون إلى فصائل مسلحة في سوق ديلوكس بمدينة تعز.
اجتماع الأمنية
إلى ذلك عقدت اللجنة الأمنية بمحافظة تعز يوم الثلاثاء التاسع من يناير الجاري اجتماعا برئاسة قائد المحور اللواء الركن/ خالد فاضل لمناقشة آخر التطورات الميدانية على الصعيدي العسكري والأمني بالمحافظة.
وأكدت اللجنة الأمنية وقوفها مع المحافظ صفاً واحداً لاستكمال عملية تحرير المحافظة وتفعيل مؤسسات الدولة.
وشددت اللجنة على سرعة استكمال التحقيق في حادثة انفجار عبوة ناسفة التي استهدفت وكيلا المحافظة الدكتور عبدالقوي المخلافي ورشاد الأكحلي، وسرعة الكشف عن مرتكبيها وضبطهم.
وأقر الاجتماع رفع النقاط العشوائية ووضع نقاط أمنية يتم الاتفاق عليها في إطار اللجنة الأمنية.
وفي السياق أغلقت السلطات الأمنية التابعة للحكومة اليمنية، في محافظة تعز، وسط البلاد، اليوم الثلاثاء، مكتب قناة الجزيرة القطرية، في المحافظة".
وقال بيان صادر عن اللجنة الأمنية في المحافظة، إنها وقفت في اجتماعها الدوري أمام السلبيات التي تمارسها بعض القنوات الإعلامية، ومنها قناة الجزيرة التي ظهر في تغطيتها مؤخرا محاولات لشق الصف الداخلي للشرعية والتحالف العربي الداعم للشرعية.
احتجاجات ومطالب
ويرجع مراقبون الاختلالات الأمنية إلى ضعف الأداء الأمني في المحافظة الذي بدوره أعاد عمليات الاغتيالات في تعز.
ومع تردي الأوضاع الأمنية في تعز، تتعالى حدة مطالب أبناء المدينة المتكررة للسلطة المحلية وللأجهزة الأمنية بالتحرك، لوضع حد لهذا الانفلات، في حين تتزايد المخاوف من إمكانية أن تنزلق المحافظة إلى مربع الصراع والاقتتال الداخلي.
ويتساءل الكثيرون من أبناء المدينة عمن يقف خلف هذه الأعمال ومن هو الطرف الآخر المستفيد بعد المليشيات الحوثية من إشعال الفوضى داخل المدينة؟. 
ويرى مواطنون أن المتضرر الأكبر من حالات الانفلات الأمني والفوضى التي تشهدها المدينة هو المواطن.
الناشط الإعلامي ياسر مارش الحميري يكتب في صفحته بالفيس بوك: "الصمت على كل ما يحدث من انفلات امني في تعز من اغتيالات لأبطال الجيش والمقاومة والاشتباكات التي يذهب ضحيتها الأبرياء والنهب واقتحام المؤسسات والبلطجة وكل ماحدث ويحدث في تعز هي ماجعلت من تعز مرتع خصب للمجرمين لممارسة هوايتهم الإجرامية وكل أبناء تعز دون استثناء أصبحوا مستهدفين من بائع الموز حتى اكبر مسؤول في تعز".
وخرج العشرات من أبناء مدينة تعز الاثنين الماضي، في تظاهرة حاشدة، للمطالبة بفرض الأمن في المدينة كما اتهمت التظاهرة قيادات عسكرية في الشرعية بالتستر على الجناة والعصابات الإجرامية، وإشعال الفوضى في المدينة. ورفع المتظاهرون لافتات تطالب بفرض الأمن في المدينة والعمل على تسليم الجناة والمتسببين بالفوضى والأعمال الإجرامية في المدينة إلى العدالة.
وقال الناشط الشبابي، منيف سيف، وأحد منظمي التظاهرة، لموقع (العربي ): "خرجنا في هذه التظاهرة للمطالبة بإنهاء الفوضى والانفلات الأمني في مدينة تعز، مع المطالبة بالقصاص من قتلة القيادي خليل مدهش الشرعبي، الذين يتستر عليهم قائد القوات الخاصة، جميل عقلان، ويرفض تسليمهم، ضاربا بكل التوجيهات والأوامر عرض الحائط.
أزمة المحافظ الجديد
ويعتبر الملف الأمني من أهم الملفات التي يجب أن تحسم في المحافظة قبل الانتقال إلى الملفات الأخرى، كتفعيل نشاط الحكومة وغيره هناك. كما أعد من أبرز الملفات التي تقف عقبة أمام المحافظ الجديد.
ومن وجهة نظر مراقبين، فإن أزمة محافظة تعز الراهنة باتت أكثر تعقيداً وتداخلاً، وبحاجة إلى ما هو أكبر من مجرد الاستعانة بشخصية لها تاريخ أكاديمي ناجح لإدارتها، حيث إن الأزمة الأمنية والعسكرية في المحافظة باتت مرتبطة، إلى حد كبير، بصراع نفوذ سياسي وعسكري أوسع.
وكان محافظ تعز الجديد أمين أحمد محمود، أعلن عن برنامج العمل في المرحلة القادمة والذي تضمن إعادة بناء الوحدات العسكرية على أسس وطنية سليمة" حسب ما جاء في الرسالة التي وجهها المحافظ للقيادة السياسية وكذلك إعادة بناء المؤسسة الأمنية وتفعيل دور الشرطة في حفظ النظام والقانون، وسرعة استكمال صرف رواتب المحافظة لجميع القطاعات المدنية والعسكرية.
وتضمن البرنامج الإسراع بتحرير ما تبقى من المحافظة ورفع الحصار عن عاصمتها، وإعادة بناء الوحدات العسكرية على أسس وطنية سليمة، وإعادة بناء المؤسسة الأمنية وتفعيل دور الشرطة في حفظ النظام والقانون، وإعادة مؤسسات الدولة المدنية للعمل وتفعيل دور النيابة العامة والسلطة القضائية وتفعيل دور الأجهزة الرقابية والمحاسبية للقيام بواجباتها بما يكفل ممارسة مهامها في نطاق اختصاصها، والاهتمام بالخدمات الأساسية العاجلة والطارئة في إنقاذ المحافظة من الأوبئة والكوارث البيئية والاهتمام بالمستشفيات العامة وانتشال السكان من براثن الحصار المدمر.
تحديات ماثلة
ويعد الملف الأمني من أبرز التحديات التي تقف في وجه السلطات المحلية والأمنية بالمحافظة، وتعاني المؤسسة الأمنية من عدد من التحديات التي تعيق عملها، وفي مقدمتها تزايد جرائم الاغتيال التي تستهدف قياداتها وأفرادها من قبل جماعات مسلحة استغلت حالة الفوضى والانتشار العشوائي للسلاح، الذي بات في متناول جميع الفصائل والأفراد.
يضاف إلى ذلك حالة النقص الكبير في الكادر البشري خاصة بعد اختفاء معظم الكوادر السابقة، الذين انضم بعضهم للانقلابيين، بينما التزم البعض الآخر منازلهم، منذ بداية الحرب، التي تشهدها المحافظة منذ أكثر من عامين.
ويرى المواطنون أنهم المتضرر الأكبر من حالة الانفلات الأمني والفوضى التي تشهدها تعز وأن الحكومة الشرعية والتحالف العربي يتحملان المسؤولية بالدرجة الأولى عن الحالة الأمنية في المحافظة، نتيجة عدم امتلاكهما لرؤية أو خطة عمل لإعادة المؤسسات الحكومية لممارسة عملها وفي مقدمتها المؤسسة الأمنية، وهذا الفشل يظهر جليا في فشلهما، أي الحكومة الشرعية والتحالف، في تقديم نموذج إيجابي لإدارة الدولة في المناطق والمحافظات المحررة.
وبحسب مراقبين، فإن حالة الفوضى في المناطق المحررة تزيد من حالة الانقسام لدى القوى المؤيدة للشرعية والتي تزيد من فقدان ثقتها بحكومة هادي والتحالف العربي، وبدأ هذا الانقسام والتصدع بالظهور جليا من خلال المسيرات الرافضة لتجاهل الشرعية لحالة الفوضى في مناطق سيطرتها، وخاصة في تعز التي تعاني من انفلات أمني غير مسبوق، بالإضافة إلى عدم صرف رواتب موظفيها للشهر التاسع على التوالي ومن غياب مؤسسات الدولة وانعدام الخدمات العامة.
أسباب وعوامل
وتشهد مدينة تعز حالة من الفوضى الأمنية، وسط تقاعس القوات العسكرية والأمنية عن ضبط الاختلالات الأمنية، وفق اتهامات ناشطين.
ويدعو مراقبون إلى سرعة تفعيل دور الأجهزة الأمنية في المديريات المحررة والعمل على التنسيق بين كل الأجهزة الأمنية والعسكرية لضبط الأمن ومنع مثل هذه الجرائم التي باتت تتصاعد في مشهد يومي يسعى من خلاله الانقلابيون إلى تشويه صورة المقاومة والسلطة الشرعية.
ويرى البعض في ضرب شبح الاغتيالات لمدينة تعز بأنه يعود في جزء منه إلى ما تعيشه المحافظة من انفلات أمني غير مسبوق.
في حين يخيم الصمت على الجهات المختصة، وفقاً لاتهامات ناشطين ينتقدون عدم قيام هذه الجهات بتفعيل دورها وإيجاد حل للتدهور الأمني وشبح الاغتيالات الذي يضرب المدينة.
ويشير متابعون إلى أن أبرز أسباب ارتفاع وتيرة الاغتيالات، والانفلات الأمني في تعز، الذي يعد مظهرا من مظاهر الحرب، هو غياب الأمن وعدم قيام المجلس المحلي بمهامه وكذا الجيش الوطني وقادة المقاومة، في حفظ الأمن كما ينبغي.
كما أعدوا تأخر الحسم العسكري في تعز، بأنه أحد أبرز أسباب الانفلات الأمني الحاصل، فلذلك تبعات كثيرة، بدأت تظهر وبقوة مع مرور أكثر من عامين على بدء الحرب في المحافظة. فضلاً عن وجود صراعات خفية ومناكفات ومكايدات بين بعض فصائل المقاومة الشعبية، وهو ما أدى إلى زيادة الاغتيالات في صفوف أفراد المقاومة.
محصلة نهائية
ويرجع مراقبون الاغتيالات التي طالت قيادات وأفراد في الجيش الوطني والمقاومة الشعبية وكذا مدنيين، إلى أنه يعود إلى انتشار السلاح بينهم بشكل كبير، ورغم ذلك لا يستبعدون وقوف جهات وراء استمرار الفوضى في تعز- والتي يمكن السيطرة عليها-، وذلك من أجل إظهار تعز بصورة غير حسنة أمام التحالف العربي، والمجتمع الدولي، فضلا عن تشويه صورة المقاومة، وهو ما سيعيق تحريرها.
وأمام استمرار مسلسل الانفلات الأمني في تعز، فإن مخاوف المدنيين تتصاعد بشكل دائم، وبات عديد من المواطنين يشعرون بالقلق على حياتهم وأبنائهم وممتلكاتهم في ظل ما يجري.
ويعتقد مراقبون أن هذه الجرائم بما تمثله من وضع مأساوي في تعز هي في الأساس محصلة ليست نهائية، وطبيعية لتعدد الوحدات الأمنية والعسكرية وتباين ولاءاتها لغير الدولة وتعدد القيادات العسكرية وتصارع اتجاهاتها السياسية بين شرعية وانقلابية، الأمر الذي غيب القانون وهدم أركان الدولة واستهتر بالنظام وجاء بالعبث والأهواء الشخصية لتتحكم بمصير المحافظة وحياة الناس فيها.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد