الحوثيون يكثفون من عمليات التجنيد ويمثلون الجهة الأبرز في تجنيد الأطفال..

صغار في جبهات القتال

2018-02-12 21:00:39 أخبار اليوم/ تقرير

"اختفى ولدي منذ أكثر من شهرَين ولا أعلم حتى اليوم أين هو. ثمّة أخبار تتحدّث عن أنّه يُقاتل على جبهة المخا في الحديدة، وثمّة أخرى عن أنّه مصاب في أحد مستشفيات عدن. كذلك سمعنا أنّه قُتل في الحرب".
ما سبق ذكره عبد الرحمن، يتنهّد وهو يشكو ممّا أصاب عائلته، لا سيّما وأنّ ابنه لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره.
ويشير إلى أنّ ابنه اختفى في نهاية ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عندما أرسله إلى سوق مدينة المحويت ليشتري بعض الحاجيات.

يتواصل تجنيد الأطفال في اليمن، في ظلّ دخول الحرب عامها الثالث. إلا أن المنظمات الدولية لم تول هذا الأمر الاهتمام اللازم أو تعمل على مكافحته.
وبحسب تقارير لا ترحّب أطراف الصراع بأي نشاط أو محاولة تهدف إلى مكافحة تجنيد الأطفال في معظم المناطق اليمنية، إذ إنّها قد تحرمها من مورد بشري هام للغاية. لذلك، لا تنفّذ العديد من المنظمات أي أنشطة تتعلق بحماية الأطفال، كونها ستواجه بالقمع والاعتقالات.
وتعد جماعة الحوثيين الجهة الأبرز لناحية تجنيد الأطفال، وقد وثّق تجنيدها 1529 طفلاً. ويقدّر عدد المجنّدين لديهم بأكثر من 12 ألف طفل مجند، خصوصاً في الفترة الأخيرة، بعد مقتل عدد كبير من مقاتليهم.
يقول عبد الرحمن: "بعدما بحثت عنه في كل مكان وفشلت في إيجاده، توجهت إلى إدارة الأمن التي تخضع لسيطرة الحوثيين، فأخبروني أنّهم اصطحبوا ولدي لتلقي دورة ثقافية".
تعبئة حربية
وتُعَدّ الدورات الثقافية من أبرز أشكال التعبئة الحربية التي يجب أن يتلقاها المقاتلون الحوثيون قبل التوجه إلى جبهات القتال المختلفة في اليمن.
ويؤكد عبد الرحمن أنّه حاول مراراً استعادة ابنه، لكنّ الحوثيين ظلّوا يطمئنونه بأنّه بخير وبأنّه لن يصيبه أيّ ضرر.
ويتابع: "قبل شهر تقريباً، انتشر خبر مقتل ابني في محافظة الحديدة بعدما اصطحبه الحوثيون للقتال معهم هناك. لكنّ أحداً لم يؤكد لي الأمر في حين يصرّ الحوثيون على أنّه بخير".
ويلفت عبد الرحمن إلى أنّه تلقى اتصالاً من مجهول قبل أسابيع، قال له إنّ ابنه جريح في أحد مستشفيات العاصمة السياسية المؤقتة عدن.
اختفاء الأطفال
وتكثر حالات اختفاء الأطفال هذه الأيام وإرسالهم إلى الجبهات للقتال، بحسب ما يفيد مواطنون كثر.
وهذا ما دفع أمين عبد الجبار إلى منع اثنَين من أبنائه من الذهاب إلى المدرسة بعد اختطاف ابن صديق له بداية الشهر الماضي.
يقول عبد الجبار إنّ "ابن صديقي لم يعد من المدرسة ولا أحد يعرف أين هو حتى اليوم. لكنّ ثمّة أخباراً متداولة حول إرساله إلى جبهة المخا للقتال مع الحوثيين".
ويشير إلى أنّ "الحوثيين يستغلون المدارس لتقديم دروس وتعبئة عقدية ودورات طائفية تدفع الأطفال إلى جبهات الحرب من دون وعي أو إدراك، هم يخدّرون الأطفال ويعبئونهم، فيتوجهون إلى الجبهة حتى لو حاول أهله منعهم".
ويناشد، عبد الجبار "سلطات الأمر الواقع، الكفّ عن تجنيد الأطفال والحرص على إبقائهم في مدارسهم. فالأطفال يجب أن يكونوا في المدارس وليس على الجبهات".
تكثيف التجنيد
يقول رئيس مؤسسة وثاق للتوجه المدني في اليمن، نجيب السعدي، إنّ "الحوثيين كثّفوا عمليات تجنيد الأطفال في الآونة الأخيرة"، مشيراً إلى أنّهم باتوا يخطفون الأطفال من عائلاتهم لإرسالهم إلى الجبهات.
ويوضح السعدي ، أنّه "حتى ولو ذهب الطفل مع المليشيات المسلحة بمحض إرادته، فهو في حكم المختطف، إذا كانت عائلته غير راضية عن ذلك أو لا تعلم إلى أين ذهب".
ويشير السعدي إلى أنّ "الحوثيين ينجحون في خداع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 13 و17 عاماً. والأطفال في هذه الفئة العمرية يمكن التأثير فيهم واقتيادهم إلى الهلاك بكل سهولة".
ويتابع أنّ "الحوثيين كانوا في السابق يستغلون الأطفال الفقراء تحديداً، عبر ترغيبهم بمنافع مختلفة مثل التوظيف والمال والسلاح الذي يمكن بيعه والاستفادة من ثمنه. لكنّهم اليوم يعمدون إلى تجنيد الأطفال بالإكراه".
ويتحدّث لـ"العربي الجديد"، عن "قتل والد أحد الأطفال في محافظة حجة (غرب) قبل أيام، لأنّه رفض إرساله إلى الجبهة".
تداعيات وعوامل
وتركّز بعض الأطراف المتحاربة في البلاد على تجنيد اليافعين والأطفال بشكل خاص، كونهم أكثر اندفاعاً وحماسة في الحرب، على عكس الأشخاص الأكبر سناً، الذين يريدون الحصول على رواتب.
وتحصل عمليات التجنيد من خلال تقديم وعود بصرف رواتب شهرية للذين يلتحقون في صفوف القتال، في وقت يعاني موظفو الحكومة في ظل عدم حصولهم على رواتبهم.
ويقول أمين الوصابي، الذي يعمل مقاولاً في محافظة ذمار (وسط)، إنّ التداعيات الاقتصادية للحرب، منها انقطاع الرواتب الحكومية، وارتفاع الأسعار، جعلته يستجيب لأحد عناصر جماعة الحوثيين، الذي كان يدعو الناس للالتحاق بجبهات الحرب في مقابل الحصول على رواتب منتظمة.
يضيف الوصابي: "عرض عليّ الرجل تجنيد ابني (15 عاماً). وبسبب الضغوط الناتجة عن الوضع المعيشي، وانعدام الخيارات، وافقت على العرض، شرط ألا يكون في الخطوط الأمامية".
ويتابع: "أنّ ابنه وُضع في المكان المتفق عليه لمدة أسبوع فقط، وقد تدرّب على استخدام السلاح، ثم ما لبث أن نقل إلى مقدمة الصفوف لمدة شهرين، قبل أن يعود مصاباً بجروح متوسّطة وراتب شهر فقط. بعدها، قرّر عدم إرساله إلى الجبهة مجدداً، حفاظاً على حياته".
لافتاً إلى أنهم يمنعون على أي مجنّد أخذ هاتفه الجوال معه خلال فترة وجوده على الجبهة.
إحصاءات
وعند سؤاله عن عدد الأطفال المجنّدين، يشير السعدي إلى عدم توفّر إحصاءات دقيقة. ويقول: "نحن في مؤسسة وثاق استطعنا توثيق 2561 حالة لأطفال جرى تجنيدهم خلال العام الماضي فقط".
ويستدرك: "لكنّنا نتوقّع أن يكون العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير، لأنّه يُصار إلى تجنيد الأطفال بصورة يومية".
يضيف أنّ "ثمّة بيانات تفيد بأنّ نحو 13 ألف طفل دون الخامسة عشرة جرى تجنيدهم منذ بداية الحرب في البلاد".
بالنسبة إلى السعدي، فإنّ هؤلاء الأطفال يمارسون أعمالا عسكرية مباشرة من دون إخضاعهم إلى أيّ تدريب عسكري.
"وأكثر من ذلك هم يتعرّضون لانتهاكات أخرى مثل التحرّش الجنسي والاغتصاب من قبل بعض المقاتلين الكبار"، يضيف السعدي.
من الواقع
وكانت القوات الحكومية أسرت الطفل الذي يفضل أن يُعرّف على نفسه بـ “م. ع.”، ويقول إنّه أسر في منطقة نِهم شمال مدينة صنعاء، واستدعي والده أيضاً لحضور جلسات توعوية.
مضيفاً أنه يشعر بالندم لالتحاقه بالحرب، خصوصاً بعدما شاهد فيديوهات عن أطفال مصابين وقد حرموا من عيش حياتهم كما يجب. "كانوا يكذبون علينا".
ويتابع: "ما رأيته على أرض الميدان من حوادث قتل فيها زملائي، ووعود تنصل منها المسؤولون، مثل منح رواتب كافية، ودفع الأطفال والفقراء إلى الجبهات الأمامية بالقوة، جعلني أدرك أنني مجرد طفل من حقي أن أعيش كغيري، ولا أتحمل مسؤوليات أخطاء ارتكبها آخرون".
مشروع توعوي
وقرّرت منظمة “وثاق” للتوجه المدني، وهي منظمة محلية، البدء في مشروع توعوي في عدد من المناطق اليمنية، حول مخاطر تجنيد الأطفال، وتأثير ذلك على مستقبلهم الأكاديمي، وصحتهم النفسية والجسدية.
وينفذ هذا المشروع في محافظات ما زالت المعارك فيها مشتعلة وأخرى هادئة، وتستهدف أولياء أمور أطفال كانوا يشاركون في الحرب، بينهم أطفال أسروا، وقد بدأ العمل على تأهيلهم للالتحاق في المدارس.
ويؤكّد رئيس المنظمة، نجيب السعدي، أن تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة في اليمن، زاد بشكل كبير خلال السنوات العشر الأخيرة على يد الجماعات المسلحة، لاسيما جماعة الحوثيين وتنظيم القاعدة، بسبب سهولة السيطرة الفكرية عليهم من دون أي حساب للمستقبل، وقد ساعدهم في ذلك الوضع الاقتصادي المتردي في اليمن.
ويضيف يضيف: "ساهمت مؤسسة وثاق في إطلاق عدد من الأطفال الأسرى لدى القوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، بعد قتالهم في صفوف الحوثيين، ورأينا أنه يجب إعادة تأهيلهم نفسياً. من هنا، نشأت فكرة المبادرة التي تحولت إلى مشروع إعادة تأهيل الأطفال المجندين والمتأثرين بالحرب، والممولة من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية".
ويعدّ هذا المشروع الأوّل على مستوى اليمن، وسيساهم في تأهيل عشرات الأطفال المجندين والمتأثرين بالحرب في أربع محافظات، هي مأرب والجوف وتعز وعمران.
ويشير إلى أنّه "بعد تأهيلهم نفسياً، سيدمجون في المجتمع ويلتحقون في المدارس. وسيستمر التأهيل لمدة شهر كامل، على أن يُقيَّم الأطفال بشكل دائم في مراكز التدريب".
تشريعات غائبة
تجدر الإشارة إلى أنّ البرلمان اليمني كان قد صادق في عام 2004 على البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة.
في حين يحظّر القانون اليمني رقم 67 لسنة 1991 بشأن الخدمة في القوات المسلحة واﻷمن تجنيدَ الأطفال دون الثامنة عشرة.
وأعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، تسريح أكثر من 5 آلاف طفل، في 2017، من المجنّدين في صفوف المجموعات المسلحة بمناطق النزاع.
وقالت المنظمة، في تقرير صدر عن الممثلة الخاصة للأمين العام للأطفال والصراعات المسلحة، فيرجينيا غامبا، إنّ "الالتزام الدولي بإنهاء تجنيد الأطفال واستخدامهم في الصراعات المسلحة، قاد نحو تسريح وإعادة إدماج أكثر من 5 آلاف طفل في 2017. لا يزال هناك عشرات الآلاف من هؤلاء الأطفال في صفوف المجموعات المسلحة".
وأوضحت غامبا أنه "رغم التقدّم المحرز، إلا أن تجنيد الفتيان والفتيات أو اختطافهم أو إجبارهم على القتال أو العمل لصالح الجماعات المسلحة أو القوات المسلحة، مستمرّ في 20 منطقة شهدت صراعًا مسلحًا بالعالم، بينها سورية والعراق واليمن والصومال ودولة جنوب السودان".
وحدد التقرير 6 انتهاكات خطيرة تلحق الضرر بالأطفال في الصراعات المسلحة، وهي تجنيد الأطفال، وقتلهم، واستخدام العنف الجنسي ضدهم، واختطافهم، والاعتداء على المستشفيات والمدارس، وحرمانهم من المساعدة الإنسانية.
ولفت التقرير إلى أهمّية "اعتماد عملية شاملة لإعادة هؤلاء الأطفال إلى مجتمعاتهم، بما في ذلك الدعم الطبي والنفسي والاجتماعي، فضلًا عن البرامج التعليمية والتدريبية، باعتبارها خطوة حاسمة لرفاههم وفي إنهاء دورات العنف".
وحذّر من أن "هؤلاء الأطفال يعانون من مستويات مروعة من العنف، والتي من المرجح أن يكون لها عواقب بدنية ونفسية كبيرة بالنسبة للبالغين".

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد