اتفاق السويد.. تأخير إعلان الفشل..!

2019-01-21 07:10:28 أخبار اليوم/ تقرير


اهتمام المجتمع الدولي منصب على الحديدة أكثر من الاهتمام بحل شامل للقضية اليمنية
تمديد مجلس الأمن مهمة البعثة المراقبة في الحديدة وزيادة عددها يهدف لتلافي إعلان فشل الاتفاق
يحاول مارتن غريفيث انتزاع نجاح شخصي مهما كلف الأمر ولو كان على حساب الوضع الإنساني
أخبار اليوم/ تقرير
مر ما يقارب 40 يومًا منذ إعلان المبعوث الأممي مارتن جريفثت، توصل أطراف الصراع في اليمن لاتفاق حول ثلاث قضايا من القضايا الست، التي كانت على أجندة المشاورات من تاريخ 6- 13 ديسمبر/ كانون الأول 2019م، والقضايا التي خرج بها الاتفاق هي: الأسرى، وقضية الحديدة، وخفض التصعيد في تعز. وبالنظر للواقع يمكننا القول أن الاتفاق ولد مرتبكًاً منذ لحظاته الأولى، ورغم مرور المدة المحددة كاملة إلا أن بنود الاتفاق ما زالت تترنح مكانها ولم يتبق سوى إعلان فشلها، وهو ما لم يحدث حتى اللحظة.

تكتيك مجلس الأمن إزاء الاتفاق

مباشرة وفور إعلان الاتفاق الذي توصل له الأطراف دون توقيع، حمل مبعوث الأمم مسوّدة الاتفاق واتجه إلى مجلس الأمن، وفي الأثناء كان مشروع القرار البريطاني في مجلس الأمن جاهزاً بنسخته المعدلة، لدعم اتفاق السويد وطلب البناء عليه. وبالفعل نجحت بريطانيا في تمرير القرار الذي يدعو لاعتماد الاتفاق، وتعيين بعثة المراقبين وحمايتها والتصديق على رئيس البعثة المكلف بالتنسيق والإشراف على تنفيذ اتفاق الحديدة.

وافق أعضاء مجلس الأمن الدائمين بالإجماع، وكانت المهلة التي منحها المجلس للبعثة الأممية 30 يومًا كمرحلة أولى، انتهت المهلة ولم تحسم الإجراءات الرئيسية لتنفيذ اتفاق السويد، ومع انقضاء المهلة الأولية في 14 يناير/ كانون الثاني، سارع المبعوث الأممي لتقديم طلب لمجلس الأمن يوصي بتمديد مهمة البعثة أكثر وتوسيع عددها، وبالفعل جرت المصادقة على الطلب، الأمر الذي أثار شكوكًاً حول مستقبل الاتفاق بالنظر للعراقيل التي واجهها، وما إذ كان تمديد مهمة البعثة وتوسيع عددها سيجدي في تلافي انهيار الاتفاق أم لا!!.

الفخ الأول: ضبابية الاتفاق

منذ اللحظات الأولى لخروج الاتفاق للعلن، ثار جدل كبير حول تفاصيل الاتفاق، وبدأ أننا أمام مسودة اتفاق مصاغة بلغة عمومية وتفتقد للتفصيل الواضح في قضايا حساسة، الأمر الذي فتح باب التأويلات للجميع بما فيهم طرفي الاتفاق؛ حيث سعى كل طرف لتفسير الاتفاق بالشكل الذي يسوق صورة جيدة وينتزع نجاحًا أمام جمهوره. حدث ذلك فور انتهاء الاتفاق، وكان الجدل الأول بخصوص القوات الأمنية المكلفة بحفظ الأمن في محافظة الحديدة بعد انسحاب الطرفين.

ففي حين خرج علينا رئيس فريق المليشيا في المفاوضات/ محمد عبدالسلام، بالقول إن القوات المكلفة بحفظ الأمن هي القوات الحالية، جاء تصريح وزير خارجية الحكومة ورئيس وفدها قائلًا بأن المقصود بقوات الأمن، هي القوات التي كانت تحفظ الأمن في المدينة إلى ما قبل اجتياح المليشيا لها، وفي كلا الحالتين، الأمر باعث للجدل، فلا الحكومة ستقبل ببقاء قوات الأمن الحالية حسب تأويل الحوثي، ولا رؤية الحكومة ممكنة بالنظر لذوبان قوات الأمن التي كانت موجودة في 2014 مع عناصر الحوثي.

هذا مثال فقط، للاضطراب الذي خلقته الصياغة العمومية للاتفاق وعدم وجود محددات وتعريفات واضحة للتفاصيل التي يترتب عليها نجاحه، وهو خلل كان بمثابة فخ أول في طريق نجاح الاتفاق، تبعته عراقيل أخرى وجميعها نتاج لغة الاتفاق الملتبسة، إلى جانب كونها مؤشرًا بأن الاتفاق برمته على المحك.

تصميم المبعوث الأممي على إنجاح الاتفاق

بالرغم من العراقيل التي افتعلتها المليشيا منذ اللحظات الأولى لسريان الاتفاق حتى اللحظة، عن طريق اعتمادها التأويلات الخاصة بها وإعلان تنفيذها من جانب أحادي، ثم فشل رئيس البعثة في إقناع مندوبيها بعدم قبول البعثة لإجراءاتهم، إلا أن المندوب الأممي لليمن ما زال مصممًا على الدفع بالاتفاق للأمام، ومحاولته الحثيثة لعمل زيارات خاطفة لصنعاء والرياض، واللقاء بمسؤولي الحكومة ومسؤولي المليشيا بهدف تسوية العراقيل أمام الاتفاق، وفي ذات السياق يأتي تقديمه طلباً لمجلس الأمن بتمديد مهمة البعثة وتوسيع عدد المراقبين؛ بهدف تلافي إعلان فشل الاتفاق ومحاولة احتواء الأمر ما أمكن، وتفسير ذلك يعود لرغبة المبعوث الأممي انتزاع نجاح شخصي مهما كلف الأمر، وحتى لو كان على حساب نوعية الاتفاق ومدى قدرته على الصمود.


الأجواء الدولية التي رافقت الاتفاق

يمكن القول أن اتفاق السويد لم يكن نابعًا من قناعة ذاتية لدى أطراف الأزمة اليمنية، بقدر ما كان انعكاسًا لظروف دولية دفعت بهم لإنجاز الاتفاق، بصرف النظر عن دوافع كل طرف في الذهاب.
ففي حين جاء الوفد الحكومي مدفوعًا برغبة من التحالف العربي؛ لإنجاز اتفاق يخفف عنهم تداعيات السخط الغربي إزاء سياساتهم وتحديدا أزمة قضية خاشقجي والحرب على اليمن، التي هيجت الرأي العام الغربي تجاه دول التحالف وأثارت كل الملفات المتعلقة بهم في أروقة المؤسسات الغربية، ما دفعهم لامتصاص الضغط الغربي عبر الدفع باتجاه تسوية القضية اليمنية باعتبارها الحلقة الأضعف التي يمكن التضحية بها بسهولة.

بالمقابل حاول الحوثي استغلال تداعيات المشهد الإقليمي والدولي، والذهاب للسويد، لأكثر من هدف، منها رغبة في تسويق نفسه كجماعة ترغب بالسلام وتتجاوب مع أي دعوات في هذا الاتجاه، إلى جانب استثمارها لرغبة التحالف بالتهدئة، ومحاولتها انتزاع نجاحات من هذه الرغبة، منها تجنب خسارتهم للحديدة جراء العملية العسكرية التي كانت قائمة هناك، مع احتفاظهم بالتواجد في المدينة وتحصيل موارد مينائها لبنك المدينة الذي ما زال تحت سيطرتهم.

دوافع الأطراف ومستقبل الاتفاق

بالنظر لدوافع كل طرف يمكننا القول، أن الطرفين لم يذهبا للسويد بسبب توصلهم لقناعة بضرورة وضع حد للمأساة اليمنية، كما أن ذهابهم لم يكن نتاج نضج لظروف سلام واقعية دفعتهم لانتهاج خط سياسي يحلحل الأزمة، بقدر ما كان لأسباب تتعلق بتقاطع ظروف دولية مهدت لذهابهم ودفعتهم له.

ولعل اقتصار نتائج المشاورات على ملف الأسرى، وهو ملف أنساني -ما زال عالقـا حتى اللحظة- وملف الحديدة باعتبارها مدينة تشرف على ممرات مائية دولية، وقضيتها محسومة بالنسبة للمجتمع الدولي، ما يؤكد رضوخ الطرفين لرغبات دولية، أكثر من وجود قناعة ذاتية لتسوية كل ملفات الصراع والذهاب نحو تسوية شاملة، وهو ما يضع علامات استفهام على مستقبل الاتفاق ذاته، وحتى مع افتراض نجاحه العسير، فسوف يظل مجرد اتفاق جزئي خضعت له الأطراف لكونه لأسباب دولية، مع بقاء شكوك كبيرة حول إمكانية التوصل لاتفاق شامل في الجولة المقبلة، التي كان متوقعاً الذهاب نحوها في هذا الشهر، وعلى ما يبدو أنها ستتأخر.

الخلاصة:

هناك مزاج دولي يدفع بقوة لتثبيت اتفاق السويد والاسهام في نجاحه مهما كان الأمر، وهذا ما يفسر إلحاح المبعوث الأممي لتوسيع تدابيره الرامية لإنجاح الاتفاق، ومع كونها تدابير شكلية لا يمكنها ضمان تجسيد إجراءات الاتفاق، إلا أن المجتمع الدولي يسعى لتعزيز تكتيكاته ليحقق الهدف، بصرف النظر ما إذا كان نجاحه سيمهد للجولة القادمة من المفاوضات أم لا.
ولهذا السبب يتحاشى المبعوث الأممي إعلان فشل الاتفاق قدر الامكان، إضافة لهذا يمكن للمراقب ملاحظة اهتمام المجتمع الدولي بالحديدة أكثر من اهتمامه بحل شامل للقضية اليمنية، وهو ما يمكن التقاطه من تصريح المبعوث الأممي حول أن الاتفاق مخصوص بالحديدة ولا علاقة له بباقي الجبهات، وذلك تعليقًاً على قصف المليشيا لقاعدة العند الدولية. ولتلك الأسباب مجتمعة ستدفع الأمم المتحدة بكل ثقلها لإنجاح الاتفاق، ولا علاقة للأمر بحرصها على السلام، بقدر ما هو سعياً لتحديد الحديدة، ثم بعدها لا بأس في أي مجرى سارت بقية الأمور.
*اليمني الجديد.

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد