بعد اربع سنوات من عاصفة الحزم.. اليمن بين التقسيم أم الفوضى:

الحرب في اليمن لا أفق لها ونهايتها صعبة مع تغير أولويات دول التحالف.

2019-03-28 08:50:56 أخبار اليوم/ متابعات


أكدت دراسة حديثة حول الحرب في اليمن بعد أربع سنوات من عاصفة الحزم أنه لا أفق لهذه الحرب وأن نهايتها أصبحت صعبة، خاصة مع تغير أولويات التحالف العربي الداعم للشرعية من استعادة السلطة وإنهاء الانقلاب الحوثي إلى تنافس حول مصالح استراتيجية كبيرة..
وخلصت الدراسة- التي قام بها مركز أبعاد للدراسات والبحوث إلى أن سيناريوهات الحرب في اليمن مفتوحة ومعقدة لا يمكن التنبؤ بها.
وتوقعت الدراسة ثلاثة سيناريوهات للحرب في اليمن، تمثل في: الأول سيناريو التقسيم.. والثاني سيناريو الفوضى.. و الثالث سيناريو الحسم العسكري
و فيما يلي تنشر صحيفة "أخبار اليوم" الحلقة الثالثة والأخيرة من هذه الدراسة:
ثالثا: ملف السلام ودور الأمم المتحدة
1- تحركات الأمم المتحدة:
في مطلع عام 2018 حلّ مارتن غريفيث بديلاً عن إسماعيل ولد الشيخ أحمد مبعوثاً أممياً في البلاد. يعتمد غريفيث- وهو بريطاني الجنسية- في جهوده، على ارتباطه بالأطراف اليمنية منذ عام 2017م عندما كان يقود جهوداً خلفية لصالح الاتحاد الأوروبي بصفته رئيساً لمعهد السلام التابع للاتحاد، وشكّل مجموعات عمل من كل الأطراف من باحثين وسياسيين وشخصيات اجتماعية لتكوين رؤية لما هو قادم عليه، واستند على ذلك في تحركاته، لكنه اصطدم في سبتمبر/أيلول2018 بأول عقبه في طريقه برفض الحوثيين الحضور إلى جنيف؛ وبعد تنفيذ طلبات الحوثيين التي تمثلت بنقل مصابين للجماعة -كما ذكرنا- والحصول على ضمانات بإمكانية العودة، تمكن من التمهيد لمحادثات ستوكهولم بعد عامين من انقطاع الطرفين عن المشاورات.
حصل "غريفيث" على دعم المجتمع الدولي: بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية وروسيا ودول أخرى من أجل بدء المشاورات، واستغل غريفيث، الضغط الدولي بشأن مقتل الصحافي خاشقجي في الضغط على المملكة العربية السعودية من أجل تحقيق تقدم في الرؤية التي يقترحها من أجل السلام.
وكالعادة برزت معضلة دائمة أمام المتحدة في البحث عن اتفاق سلام دائم، تتمثل في أيهما أولاً: الأمني أم السياسي، حيث ترى الحكومة الشرعية الالتزام بالمرجعيات الثلاث "المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني، وقرارات مجلس الأمن أهمها القرار 2216". وكان الحوثيون وافقوا- تحت ضغط أممي- في مشاورات جنيف1 (2015) على الاعتراف بالقرار الأممي 2216، والذي يطلب من الحوثيين الانسحاب من المدن وتسليم السلاح الذي تم نهبه من مخازن الجيش اليمني للحكومة اليمنية. لكنهم رفضوا لاحقاً مطالبين بأن يكون حسب الوضع على الأرض.
2- اتفاق ستوكهولم:
يوم 13 ديسمبر/كانون الأول2018م، تم الإعلان عن اتفاق "ستوكهولم" بعد مشاورات بين الحكومة الشرعية والحوثيين. وتوافق الطرفان على اتفاق الحديدة الذي كان خارج التوافق بين الطرفين حتى اللحظات الأخيرة من المشاورات ضمن اتفاقات أخرى:

الأول: اتفاق الأسرى والمعتقلين برعاية الصليب الأحمر، الذي تضمن الإفراج عن كل الأسرى والمعتقلين من الطرفين وتم تسليم وتسلم قائمة للطرفين بـ16 ألف اسم للإفراج عنهم أو معرفة مصيرهم.
الثاني: تفاهمات حول تعز، وهي تفاهمات تتعلق بفتح المعابر للإغاثة والمسافرين، حيث تخضع المدينة التي يعيش فيها 600 ألف يمني لحصار حوثي منذ 2015.
كانت الأمم المتحدة قد وضعت اتفاقاً على مشاورات في يناير/كانون الثاني 2019، لكن عدم تحقيق تقدم في الاتفاقات السابقة أدى في النهاية إلى تأجيل حدوث مشاورات إلى أجل غير مسمى.. لكن ظهرت مخاطر تتعلق بالاتفاق حول توقيف الأعمال القتالية في الحديدة:
أ‌- الثغرات: بعض فقرات الاتفاق فيها الكثير من الثغرات، فلم تكن واضحة بما فيه الكفاية لإلزام أي من الطرفين وتفتح المجال أمام تأويلات الحكومة والحوثيين، وتحتاج الأمم المتحدة إلى تفسير ذلك بشكل واضح حتى لا تُعلق الآمال على بناء هش فوق اتفاق غير مفهوم.
ب‌- تثبيت وقف إطلاق النار: يعتبر ذلك مهدداً آخر للاتفاق فدون تثبيت وقف إطلاق النار وبدء فريق مراقبة من يخرق الهدنة قد تعود الحرب في الحديدة.
ج‌- إعادة الانتشار: على الرغم من أن مكان انتشار القوات سيمثل جدلاً متصاعداً من الطرفين إلا أن إعادة الانتشار بما يسمح بعودة الاشتباكات سريعاً قُرب مدينة الحديدة سيجعل من الاتفاق سببا في حرب جديدة ربما أكثر عنفا من ذي قبل؛ كما أن من يتسلم إدارة موانئ الحديدة عقبة أكبر بكثير فلا يبدو أن الحوثيين سيتخلون عن المدينة الحيوية.
د‌- اللجنة الاقتصادية: حسب الاتفاق فإن الإيرادات من الموانئ ستذهب إلى البنك المركزي في الحديدة ولذلك يحتاج الاتفاق إلى آلية سريعة لإدارة الاقتصاد ودفع مرتبات الموظفين.
3- المفاوضات مع إيران:
تحتضن بروكسل منذ فبراير/شباط2018 اجتماعات بين أربع دول من الاتحاد الأوروبي وإيران، وفي شهر مارس/أذار2019 عقد الوفد الإيراني الذي يقوده نائب وزير الخارجية الإيراني/ حسين جابري انصاري الاجتماع الخامس مع ممثلين من (بريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا وفرنسا) بخصوص اليمن. وعلى الرغم من تجاهل الحوثيين لهذه اللقاءات وعدم التعليق حولها إلا أن جابري أنصاري قال إن تلك الاجتماعات تتم بطلب من جماعة الحوثي المسلحة.
تقول إيران ودول الاتحاد الأوروبي إن لطهران دوراً في الضغط على الحوثيين من أجل الموافقة، حتى يستمر الاتفاق النووي مع أوروبا، قالت المسؤولة في الاتحاد الأوربي فريديكا موغريني: هذه فوائد استمرار الاتفاق النووي الإيراني: نتيجة الحوار الذي وضعناه مع إيران حول القضايا الإقليمية، استخدمت إيران نفوذها على الحوثيين لبدء المناقشات في السويد، تحت رعاية الأمم المتحدة - وهو أمر أصررنا عليه وأيدناه بشدة.
خلاصة
ما سبق يبدو أن الحرب في اليمن لا أفق لها وأن نهاياتها صعبة، خاصة مع تغير أولويات التحالف العربي الداعم للشرعية من استعادة السلطة وإنهاء الانقلاب في اليمن إلى تنافس حول مصالح استراتيجية كبيرة تختلف باختلاف الفاعلين الدوليين والإقليميين وهم:
1- إيران: تسعى إيران إلى وجود سلطة لحلفائها في شمال البلاد، بالقرب من الحدود مع السعودية، سواء على شكل حكم ذاتي أو سيطرة عسكرية مع مشاركة سياسية أو سلطة كاملة في الشمال لضمان نقل المعركة إلى جنوب وشرق السعودية مستقبلاً، كما تسعى إلى إحداث اختراق للجنوب اليمني والتواجد بالقرب من باب المندب من خلال حلفائها السابقين وجماعات جنوبية تم تدريبهم في لبنان بعد 2011م ويعملون الآن تحت إشراف أبوظبي من أجل إكمال تهديدها الدائم بإغلاق المضائق المائية (مضيق هرمز والوصول إلى مضيق باب المندب).
2- السعودية: بعد أربع سنوات من الحرب تسعى المملكة إلى التحاور مع الحوثيين بعد إضعافهم أو وضمان إخضاعهم لها وابتعادهم عن إيران لتأمين حدودها الجنوبية. وتسعى للحصول على منفذ بحري على البحار المفتوحة، بعيدا عن تهديدات إيران بإغلاق مضيق هرمز، لتتمكن من تصدير صادراتها النفطية بكل أريحية، وبذلك فهي تحتاج لبناء ميناء نفطي على البحر العربي وهو ما جعلها تكثف من تواجدها العسكري في المهرة وحضرموت خاصة بعد تحويل محافظة خراخير في جنوب المملكة إلى مخزن للنفط، كما تسعى السعودية إلى أن تكون أكثر هيمنة على أي سلطة قادمة في اليمن ومنع أي نفوذ إيراني في خاصرتها.
3- الإمارات: تسعى الإمارات للسيطرة على الموانئ اليمنية، بالذات ميناء عدن لضمان عدم تأثر ميناء جبل علي أو من أجل الحصول على بدائل متاحة في حال حصول تطورات بسبب خطة الصين بإعادة تفعيل خط الحرير وتنشيط موانئ تؤثر على موانئ الإمارات، كما أن التواجد في الضفة الغربية للبحر الحمر مهم للإمارات التي تحاول أن تبني قواعد عسكرية لها في الضفة الشرقية للبحر الأحمر.
من خلال الحرب باليمن تسعى أبوظبي- أيضاً- إلى التواجد في دولة شهدت ثورة شعبية ضمن ثورات الربيع العربي، التي سارعت أبو ظبي لوأدها بحجة أنها ثورات قادها تيار الإسلام السياسي، وتريد الإمارات أن تكون القوة العسكرية الأولى إقليميا لتقديم نفسها أمام المجتمع الدولي كشريك حقيقي في مكافحة الإرهاب في المنطقة.
4- بريطانيا: تحركت بريطانيا- بكل ثقلها- في الملف اليمني وأبدت اهتماما غير مسبوق، ورغم أن سياستها المعلنة مع بقاء اليمن موحداً ودعمها للسعودية، إلا أنها تتحرك في الجنوب بشكل مثير للشك، حيث أن معلومات خاصة تتحدث عن توجه بريطاني لتوحيد فصائل الجنوب ما يفهم بأن هناك سياسة بريطانية لدعم انفصال الجنوب. وكما أن بريطانيا رعت حواراً بين السعوديين والحوثيين، رعت- أيضاً- حواراً بين الحوثيين والمجلس الانتقالي الجنوبي في العاصمة العمانية مسقط.
تهتم بريطانيا- أيضاً- بحليفتها عمان ومؤخراً أجرت مناورات عسكرية معها في ظل حالة قلق عماني من التواجد السعودي الإماراتي على حدودها، وتحاول التوازن بين طمأنة حليفتها عمان وعدم إثارة مخاوف حليفتها الأكبر السعودية.
5- الولايات المتحدة الأميركية: يبدو أن واشنطن تدرك مدى أهمية دعم حليفتها الرياض خاصة في ظل حاجة الرئيس/ دونالد ترامب، إلى السعودية لسد فجوات اقتصادية وشراء صفقات السلاح وتحقيق السلام مع "الاحتلال الإسرائيلي" والضغط على إيران، وهذا ما يجعل الحرب في اليمن ذات أهمية خاصة لدى الأميركيين. وبالنسبة لترامب قد يرى أن اليمن المكان المناسب لتأديب إيران، لكن ذلك قد يدفع بدول كبرى للتدخل مثل روسيا والصين ما سيعقد المشهد اليمني أكثر ويجعله متشابهاً مع المشهد السوري.
ومن خلال قراءة توجهات الفاعلين الإقليميين والدوليين فإن سيناريوهات الحرب في اليمن مفتوحة ومعقدة لا يمكن التنبؤ بها إلا من بعض الإشارات:
السيناريو الأول: سيناريو التقسيم
هذا السيناريو احتمالية حصوله كبيرة، خاصة مع تصادم أهداف الفاعلين إقليميا ودوليا ببعضهم البعض وتناقض أهداف عاصفة الحزم مع المصالح الاستراتيجية التي تريدان الرياض وأبو ظبي تحقيقها في اليمن، وقد يكون تقسيم اليمن كما كان إلى دولتين يحكم المجلس الانتقالي الجنوب والحوثيين الشمال أو إلى أكثر من ثلاث دول بحيث تضمن الجماعات التي تبحث عن الانفصال والتقسيم تحقيق مصالح الإقليم والخارج، وهذا السيناريو تسعى له جماعات مناطقية ومذهبية مثل الانفصاليين في الجنوب والحوثيين في الشمال لضمان استمرار السيطرة.
السيناريو الثاني: سيناريو الفوضى:
هذا السيناريو احتمالية حصوله متوسطة فتحققه مبني على فشل السيناريو الأول والثالث، وهذا السيناريو تسعى الجماعات الإرهابية لتحقيقه لأن الفوضى تعطيها فرصة التمدد والسيطرة. وقد يؤدي تعامل التحالف العربي مع الحرب في اليمن بخفة إلى انهيار منظومة الشرعية وداعميها ميدانيا ما ينذر بكارثة الفوضى، والدخول في مرحلة أكثر فوضوية تؤثر على الأمن القومي لليمن والخليج.
السيناريو الثالث: الحسم العسكري:
هذا السيناريو أصبح احتمالية تحققه ضئيلة إن لم تكن منعدمة بالأساس، حيث أن السعودية والإمارات غير راغبتين بتحقيقه في ظل القيادة الحالية للشرعية، ويبحثان بشكل هادئ إلى انتقال السلطات إلى حلفاء موثوقين من خارج منظومة التحالف بين هادي والأحزاب السياسية على رأسها حزب التجمع اليمني للإصلاح. وبالنسبة للسعودية فإن تفكيك المنظومة القديمة للحكم في اليمن يعني القدرة على التحكم باليمن في المستقبل، ورغم ذلك فإن هذا الخيار يظل متاحا في حالة واحدة وهو التحرك عسكريا على الأرض للحسم بقرار وطني داخلي وإعفاء أي طرف في التحالف العربي لا يقبل بالمعركة الأخيرة من مهمة المشاركة فيها وإنهاء مهماته في اليمن.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد