نصف عقد من المنفى..

شرعية الظل.. رئيس ورقي في تخالف مختل

2019-07-06 08:00:40 أخبار اليوم/تقرير خاص



مرّةً أخرى أثبت الرئيس هادي أنه رئيس ورقي يُؤثر السلامة على أن يكون عند مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه، كما يقول اليمنيون المؤمنون بشرعيته التي أصبحت في مهب الريح، كان هو -شخصيًا- سببًا في جعلها كذلك.
خيبةٌ كبيرة، رافقت نبأ عودة الرئيس هادي الثلاثاء الماضي إلى مقر إقامته في الرياض قادمًا من الولايات المتحدة الأميركية التي غادر إليها منتصف يونيو الماضي في رحلة علاجية استمرت أسبوعين، كما تم الإعلان حينها، في الوقت الذي كانت فيه توقعات وآمال اليمنيين معقودة بعودته إلى الوطن لا إلى المنفى القابع فيه منذ قرابة خمس سنوات متوالية.
تخاذل مخجل
يبدو أن الرئيس هادي- الذي يتولى أعلى منصب سيادي في البلاد- أصبح لا يجد غضاضة في أن يُصَعِّر وجهه عن اليمن ويستعذب الإقامة في الرياض، ضاربًا عرض الحائط بكل الدعوات والمظاهرات التي يموج بها اليمن تطالبه بالعودة إلى البلاد التي يمثلها أمام العالم.
خصوصًا في هذه المرحلة الحساسة من تاريخ اليمن، التي تمور مورًا بالأحداث الساخنة تستدعي وجود سلطة -ولو من ناحية شكلية- للوقوف على المستجدات ومتابعة سير الأحداث عن قرب، غير أن الرئيس هادي -كما يبدو- آثر رغبة القيادة السعودية، التي ترى ضرورة أن يبقى الرئيس هادي تحت سمعها وبصرها في الرياض، بالصورة التي تضمن معها استمرار امتثاله لرغبة القيادة في المملكة، وعزله عن احتمال أي ثأثير قد يغير أحد متغيرات المعادلة في سير الخطة التي يريد ثنائي التحالف (الأمارات والسعودية) تطبيقها في اليمن.
الهروب إلى الظل
ولعل المتابع للسيرة السياسية للرجل يجد ميله إلى أن يقبع في الظل كمتغيرٍ تابع، (وهو السبب ذاته الذي شجع الرئيس السابق/ علي صالح على اختياره نائبًا له خلال فترة حكمه) مبددًا صلاحيات وفرص كان بمقدورها احتواء كثير من الكوارث، تمامًا كما حدث إبّان التوسع الحوثي الذي انتهى بسقوط العاصمة صنعاء في أيديهم، دون أن يحرك ساكنًا، بينما كان له من السلطة والقوة ما يكفي لكبح تمردهم في مهده، وتجنيب البلاد ويلات الكارثة التي فجّرت الوضع وأدخلته في جحيم الحرب التي تعد أحد أعراض ذلك الإخفاق الإداري، غير المسؤول.
المشهد الملتهب في اليمن لم يكن ليحرك لدى الرجل الإحساس بالمسؤولية تجاه الشعب الذي يحكمه، وكأن ما يجري لا يعنيه في شيء طالما حظي بإيماءة الرضى من سادة الرياض وأبوظبي، اللتان لا تعني لهما شرعيته سوى غلاف قانوني تشهره أمام العالم لتبرير تدخلها في اليمن الذي يتجه نحو الهاوية.
بالتالي كانت عودة هادي من زيارته لأميركا إلى الرياض إشهاراً لعجزه عن التخلي عن تبعيته الواهنة كموظف لدى الديوان الملكي في العربية السعودية، على نحوٍ يثبت أن الرجل لم يقتنع بعد أنه يمثل دولة لها كينونتها وشخصيتها المستقلة.
لا مبررات سوى العجز
ما يدفعنا لهذا الاستنتاج، هو أنه لا يوجد مبرر مستساغ يرفع عنه حرج بقائه في الرياض كل هذه المدة، حتى في حال افترضنا خشيته من الاضطرابات الأمنية في العاصمة المؤقتة التي يهيمن عليها وكلاء ابوظبي، المعارضون لعودته بإيعاز من أولياء نعمتهم في أبوظبي، التي تتوعد بتفجير الوضع في حال قرر هادي العودة إلى العاصمة المؤقتة عدن.
بيد أن تلك العنتريات التي يتنطع بها عملاء الإمارات الشطريين، ليست سوى زوبعة في فنجان، ولا يمكن أن نعتبرها مبررات من الأساس، لسبب بسيط هو أن شرعية التدخل العسكري في اليمن الذي تقوده السعودية (في صورته الظاهرية) مرتبط -في أدبيات القانون الدولي- بشرعية الرئيس هادي ارتباطًا لا ينفصم، وعلى هذا فإن أي مساس مباشر بهذه الشرعية معناه سقوط شرعية التحالف السعودي-الإماراتي وانهيار كل حججه، ما يجعل أي طرف كان يفكر ألف مرة قبل ارتكاب أي حماقة تجاه رئيس السلطة الشرعية أو حكومته المعترف بها دوليًا.
هادي لا يريد العودة
لكن المشكلة الجوهرية تمكن في هادي نفسه، الذي ترك الهامش مفتوحًا على الرحاب للتطحلب الكيانات المأزومة في عدن وفي غيرها لتنموا ويشتد عودها، مستغلة غياب الرئيس وسلطة الدولة لتفرض نفسها كمعادل مكافئ لسد ذلك الفراغ بعد أن وجدت فرصةً سخية لحقيق طموحاتها الشطرية معززة وجودها بدعم من الإمارات.

هذا الواقع ما كان ليحدث لولا تخاذل الرئيس هادي منذ البداية، واصفراره على الانزواء في الرياض، تاركًا فراغًا سياسيًا مخجلًا خلف ظهره. في الوقت الذي كان بإمكانه الحيلولة دون ذلك، وقطع خيوط التآمر الممول من التحالف الذي لا يفتأ يزعم بأنه حارب لاستعادتها، بينما الشواهد تدينه بتقويضها والكيد لها سرًا وعلانية.
الأمر الآخر هو أن السعودية والإمارات تعرفان جيدًا طريقة تفكير الرجل الهشة، وتعاطيه مع الأحداث، والطريقة المناسبة للتأثير على مواقفه. على الطريقة نفسها التي اتبعتها في عدن، عشية مجاهرة الإمارات برغبتها في إقصائه من المشهد في الجنوب.
فالرئيس هادي -كما هو دأبه دائمًا- يفتقر إلى اللياقة السياسية واستشراف العواقب بما يمكنه من الموازنة بين الخيارات في إطار صلاحياته الواسعة والمرنة، حيث أن الرجل ما يزال ينظر إلى الأحداث من خرم الإبرة، دون اخذ العبرة من سجل إخفاقاته الطويل في إدارة الأحداث التي جعلت البلاد بين شقي رحى، والتي كان من المفترض أن تصقل بصيرته السياسية وحسن التأمل في العواقب.
لكن المؤسف أن شيئًا من ذلك لم يحدث، فقصارى ما يهمه في الوقت الحالي هو البقاء في كنف العباءة السعودية يتلقى الفرمانات المعلبة من أمراء القصر في المملكة، الذين قلصوا سلطته إلى الحد الذي اقتصرت فيه على تعين مسؤول أو عزل آخر حسب ما تقتضيه مصلحة الحلف الخليجي لا ما تقتضيه مصلحة البلاد.
لهذا كان من الطبيعي ألّا يتمعر الرجل من اختزاله على هذا النحو الشائن، طالما لديه القابلية الخصبة ليكون رئيسًا شكليًا بلا هدف ولا قضية، غاية طموحه الهروب إلى الخلف، ولاقتناع بالحلول اللزجة واللحظية، وإن كانت عواقبها تفضي بالبلاد إلى أدنى دركات الحضيض.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد