متلازمة الوصاية السعودية على اليمن

2019-11-02 03:25:47 أخبار اليوم/ تقرير خاص

 

تختلف جينات الوصاية من قطر عربي إلى آخر، باختلاف كروموسومات الدولة المهيمنة التي تتخذ من الوصاية سرداباً لاستعمارها العسكري والاقتصادي والسياسي الخفي.

متلازمة "الوصاية السعودية" على اليمن ورقة بحثية جديدة، لصحيفة "أخبار اليوم" كامتداد لتقرير "الوصاية.. سرداب الاستعمار الخفي" الذي نشر في العاشر من أكتوبر 2019م، الموافق 1 جماد الأول 1441هـ.

في الورقة السابقة لصحيفة "أخبار اليوم" التي حملت عنون "الوصاية.. سرداب الاستعمار الخفي" حاول التقرير التطرق إلى قانون الوصاية الدولية الذي ابتكرت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية عام 1945، كشكل محدث من أشكال الاستعمار الخفي الذي يمارس تحت مظلة الأمم المتحدة بموجب أحكام ميثاقها الدولي؟

التقرير سلط الضوء على تعريف الوصاية الدولية ومدى تطبيقها الفعلي على الأرض، وهل تمتعت تلك الأقاليم المشمولة بالوصاية من قبل الدولة دائمة العضوية في مجلس الأمن بجميع حقوقها ونالت استقلالها الكامل التي نص عليها ميثاق الأمم؟، أم كان مجرد قانون فرض من قبل الدول المهيمنة لتسوية أوضاعها الاستعمارية؟

وركزت الدراسة على بعض الدول العربية التي كانت تحت بند قانون الوصاية الدولية؟، محاولاً إيضاح الفرق بين تعريف الوصاية والاحتلال الذي يطبق من قبل الدول الاستعمارية من خلال استغلال نظام "الوصاية" الدولي؟

التقرير تناول الشواهد التاريخية للوصاية الدولية على بعض الدول العربية، ومدى نجاعة هذا النظام في محورنا العربي، وبيّن جوانبه الكارثية التي تخلف الصراعات وتوحي في أحيان كثيرة على الدول المشمولة بالوصاية بأنها أحد أمارة تلك الدول المستعمرة.

في هذا التقرير تحاول صحيفة "أخبار اليوم" دراسة "متلازمة الوصاية السعودية على اليمن"، منذ ثورة 26 من سبتمبر، وما عقبها من حقبة سياسية مظلمة، أسفرت عن إعاقة بناء الدولة اليمنية الحديثة، بشكل سليم.

التقرير يناقش- أيضاً- مراحل انسياب موروثات الوصاية السعودية على اليمن، التي هي مرحلة خلال مراحل ابتدأت مع أول محاولة سعودية بإجهاض ثورة 26 من سبتمبر، بدعم النظام الأمامي ضد الحلم الشعبي بإنشاء النظام الجمهوري باليمن، والتي امتد إلى آخر محاولة من قبل صناع القرار السعودي بتشريح الدولة اليمنية، عبر ما يعرف باتفاق الرياض الذي يشرعن محاولة الانقلاب الإماراتية في العاصمة المؤقتة عدن، جنوب اليمن من جهة، والتقارب مع الانقلاب الحوثي المدعوم إيرانياً شمال البلاد.

* دولة سبتمبر

مع اختمار أركان دولة سبتمبر 1962م، حاولت السعودية فرض الوصاية على اليمن التي كانت تعتبرها خصره المملكة واحد أهم أولويات أمنها القومي والخليجي، باختراق الجمهوريون الذين انقسموا ما بين مؤيد للرياض وآخر يرى ضرورة الارتباط بعواصم عربية تقدمية كبغداد ودمشق والقاهرة.

تظاهرت السعودية بدعمها للرئيس القاضي "عبدالرحمن الإرياني" الذي تفاءل في البداية من جدية الرياض في تحقيق هذا الدعم فعلياً وبما يسهم في بسط الأمن ودعم الدولة وبناء المشاريع التأسيسية غير أنه سرعان ما تفاجأ بأن كل ما كانت تتعهد به القيادات السعودية في اللقاءات الرسمية ليس إلا وعوداً كاذبة، فالمملكة مستمرة في دعم المشائخ والقوى المتصارعة، لكنها تضع الشروط والعراقيل حين الحديث عن أي مشاريع تنموية.

شعر القاضي الإرياني أنه لن يتمكن من تحقيق أدنى متطلبات المواطنين فلوّح بتقديم استقالته ثم قدمها بالفعل ثم عاد عنها وسافر إلى الخارج ثم عاد من جديد إلى السلطة حتى استقال نهائياً في 12يونيو 1974م.

* مشروع الحمدي

 

وقتها كان الزعيم إبراهيم الحمدي قد برز بشكل واسع في الوسط النخبوي والشعبي ولفت أنظار الجميع بمن في ذلك السعوديون الذين دعموا حركته البيضاء وقدموا له الدعم، غير أن الحمدي اتخذ خطوات حقيقية نحو بناء الدولة، مستفيداً من هامش الدعم ومحاولاً إحراج الرياض في تحويل أقوالها ووعودها إلى حقائق بالميدان فعمل على فرض مشروع التغيير على الجميع في الداخل والخارج.

سارع الرئيس الحمدي في بناء دولة حقيقية وحارب الفساد وامتلك مشروعاً نهضوياً شاملاً يستند إلى حقائق الجغرافيا والتاريخ رأت فيه السعودية تهديداً حقيقياً لها.

تقول التسريبات أن مشروع الحمدي التنموي اصطدام في البداية بأدوات السعودي، وانتقل إلى طور التصادم بالهيمنة والوصاية السعودية على اليمن، لتقرر الأخيرة التخلص منه بانقلاب دموي بشع في 11من أكتوبر 1977م لا يزال حاضراً في ذاكرة اليمنيين كجريمة ومأساة لا يمكن أن تمحوها الذاكرة.

خططت الرياض وبإشراف ملحقها العسكري في ذلك الوقت "صالح الهديان" الذي كان الحاكم الفعلي لليمن بتلك الفترة، ومولت عملية اغتيال الرئيس الحمدي، عبر شبكة عسكرية وقبلية موالية لها.

صعد نائب القائد العام وقتها "أحمد الغشمي" عقب اغتيال الرئيس الحمدي،إلى المنصب الأول مستفيداً من دوره المحوري في جريمة قتل الحمدي وبدعم التيار العسكري والقبلي الموالي للمملكة.

بعد أشهر فقط من توليه السلطة بما عرف وقتها بحادثة الشنطة القادمة من عدن, اغتيل الغشمي، وسارعت المملكة إلى اختيار البديل المناسب لها بل وعملت على استغلال اغتيال الغشمي في تحويله إلى كبش فداء, بإلصاق جريمة اغتيال الحمدي بكل تفاصيله للغشمي، في محاولة لإخفاء بقية الأدوات الضالعة في اغتيال الحمدي، وحاولت توظيف اغتيال الغشمي في مسارين الأول لإنهاء قضية اغتيال الحمدي والثاني لإشعال فتيل الصراع مع الجنوب

* علي عبدالله صالح

تفاصيل ما حدث بين 24يونيو 1978م و17 يوليو من نفس العام تكشف لنا الإدارة السعودية للمشهد اليمني وكيف تم إيصال الرائد علي عبدالله صالح إلى رئاسة الدولة.

تشير بعض الوثائق التي نشرتها وسائل إعلام يمنية أن المملكة عملت على منذ البداية على تمهيد الأرضية لصعود صالح إلى سدة الحكم عبر رجال القبائل والأحزاب المواليين للمملكة.

وهو ما كشف بعد ذلك عن اللجنة الخاصة السعودية التي تضم قادة عسكريين وسياسيين ومشائخ اليمن، اللذين كانوا مسيطرين على القرار اليمني السياسي والعسكري، طيلة 4 عقود، حيث كانت تدفع لهم مخصصات مالية منتظمة، وبقى عمل اللجنة قائما إلى العام 2014 تاريخ سيطرة جماعة الحوثيين على صنعاء.

عقب هذه المرحلة سعت الرياض إلى إزاحة القاضي "عبدالكريم العرشي" الذي تولى عقب مقتل الغشمي السلطة فعلياً بحكم منصبه كنائب للغشمي ورئيس مجلس الشعب التأسيسي، وبما أن العرشي غير مناسب فقد كان لابد من التخلص منه بإزاحته من المنصب الأول لـ "علي عبدالله صالح" الذي تفيد تقارير ومراسلات الملحق العسكري السعودي "صالح الهديان" أن صالح هو الرجل المناسب لتولي السلطة فهو رجل السعودية وهو الشخص الذي يمكن الاعتماد عليه وقد جاء ذلك بعد أن طلبت القيادة السعودية من أتباعها بصنعاء تزويدها بمعلومات أكثر عن العرشي وهل يمكن أن ينفذ أجندة السعودية وبدون نقاش إلا أن كل المعلومات أكدت عكس ما كانت تطمح إليه السعودية.

تدخل الملحق العسكري السعودي "الهديان" لحسم الموقف وذلك بترشيح علي عبدالله صالح للقيادة السعودية ووصفه بـ "رجلنا" أي رجل المملكة السعودية.

شهدت هذه المرحلة استقرار نسبي في البلاد وتوحد شطري اليمن، الشمال بالجنوب، لكن صالح استغل مرحلة الاستقرار بمحاولة العبث في لعبة التوازنات التي فرضتها السعودية.

عمل صالح خلال فترة حكمة على رفع منسوب المخاطر الأمنية في جغرافيا اليمن شمالا وجنوب، في محاولة لترسيخ حكمة بما يسمح لتوريث نجل "أحمد علي عبدالله صالح" الذي تولى قيادة قوات الحراس الجمهوري.

صالح عمل على استفزاز المملكة عبر دعم المتمردين الحوثيين في الحد الجنوبي للسعودية، وقدم الدعم المالي والمعلومات لتنظيم القاعدة الإرهابي عبر جهاز الأمني القومي الذي كان يقوده أبناء أخيه "عمار وطارق محمد صالح".

عبث صالح بمقدرات النظام الجمهوري أفضت إلى محاولة إقليمية وعربية ودولية هدفت إلى إزاحة السعودية من المشهد اليمني واستبدالها بمحور يكن العداء الظاهر للمملكة، لكن ذلك تأجل فترة معينة نتيجة رياح ثورات الربيع العربي التي عصفت في عدد من الأقطار العربية.

* ثورة 11 فبراير

في 11 فبراير 2011م، انتفض جموع كبيرة من شرائح المجتمع اليمني ضد نظام "علي عبدالله صالح" الذي حاول استنساخ تجربة الدولة المتوكلية الأمامية عبر توريث الحكم لنجله أحمد، وتفشي الفساد في مؤسسات الدولة وصعود تيارات مناهضة لليمن الموحد في جنوب البلاد، وتنامي الجماعات المتطرفة نتيجة الدعم المقدم من صالح، كورقة مقايضة للغرب، وتمرد جماعة الحوثي في شمال البلاد، والتي حاول نظام صالح السابق توظيفها لاستفزاز الرياض.

وصلت ثورة الـ 11 فبراير إلى ذروتها، وحاولت المملكة كبح جموح هذه الثورة في اليمن خوفا من امتدادها إلى المدن السعودية، وأسفرت المحاولات السعودية عن تبني وصاية سعودية وان اختلفت المسميات تفضي إلى تقاسم السلطة غبر ما يعرف بالمبادرة الخليجية التي رعتها الرياض في عهد الملك الراحل "عبدالله بن عبدالعزيز".

* المبادرة الخليجية

قدم عام2011 لليمن أول وأجمل محاولة شعبية خالصة للانتفاض الشعبي السلمي، بوجه الوصاية السعودية وحلفائها بالداخل، لولا الالتفاف عليها بالمبادرة الخليجية، وهو ما اعتبره البعض إعادة القرار اليمني إلى البلاط السعودي، مؤكدين أن اليمن يدار من هذا البلاط.

ودشن بعدها مؤتمر الحوار تحت عين السعودية والدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية، وهنا اشترك المتمردون الحوثيون في مؤتمر الحوار كمكون أساسي، وأصبح الجميع لأول مرة في تاريخ اليمن تحت سقف واحد، خرجوا منه 2014 إلى صراع مسلح جديد، بعد أن فجّر المؤتمر الخلافات، حول حقيقة مستقبل ومشروع الدولة، وذهب اليمنيون إلى حلبة الصراع أو إلى إكمال صراعهم القديم.

سَيْرورَةٍ الحصانة السياسية والقانونية من قبل الرياض التي تبنت المبادرة الخليجية، كانت أول المحفزين للانقلاب جماعة الحوثي المتحالفة مع الرئيس السابق "علي صالح"، على الحكومة الشرعية في العاصمة صنعاء في سبتمبر أيلول 2014.

* الانقلاب الحوثي

استطاعت بعض دول الإقليم من اختراق الوصاية السعودية، نتيجة سوء إدارة الملف اليمني من قبل صناع القرار في الرياض، من خلال إجهاض مؤتمر الحوار، ودعم وتمويل انقلاب عسكري على السلطات الشرعية في 21 أيلول سبتمبر 2014م.

دعمت الرياض وأبوظبي من خلال حليفهم السابق في السلطة علي "عبدالله صالح" الانقلاب على الدولة التي أفرزتها ثورة 11 فبراير لفرض الوصاية من جديد والتي بدأت تتلاشى في غياهب الربيع العربي.

استيلاء الحوثيين بالتعاون مع الرئيس السابق/ علي عبدالله صالح، على السلطة أو انقلاب 21 سبتمبر، من خلال المال السعودي والإماراتي، لكن الرياح أتت بما لا تشتهيه أجندة الرياض وأبوظبي، فقد استطاعت إيران استغلال ذلك التوجه الخاطئ وتوظيفه لصالحها عبر أذراعها في اليمن "الحوثيون".

دراماتيكيا التطورات أفرزت لاعبين جدد في معادلة الوصاية على اليمن من خلال تبنى مبعوثها إلى اليمن "جمال بن عمر" أجندات بعض الدول الاستعمارية التي استغلت القرار رقم 2216، لخدمة مصالحها التوسعية في اليمن.

القرار في ديباجته مثل تمديد للتدخلات الدولية، التي يقول بعض اليمنيين، إنها الباب المفتوح لهبوب رياح التطورات الدراماتيكية المحزنة على البلاد، فلم يقتصر القرار على الوصاية السياسية والعسكرية فقط، بل شمل الوصاية الاقتصادية، على قوات المواطن اليمني.

* عاصفة الحزم

 

تعتبر عملية “عاصفة الحزم ” 2015 أجرأ قرار سعودي عسكري اتخذ بشان اليمن، فلأول مرة تحارب السعودية علنا، في بلد خاضت فيه عشرات الحروب بالوكالة، منذ الحرب بين الملكيين والجمهوريين في الستينات، إلى حرب الجنوب في التسعينات، وحروب صعده الست 2004

خلال سنوات الحرب في اليمن، طفئ على السطح بشكل تدريجي برزخ التباين في المواقف السياسية والعسكرية بين الحكومة الشرعة ومنظومة التحالف العربي التي تقوده السعودية لإعادتها شرعيتها باليمن.

ظهر ذلك جليا من خلال انحراف مسار أهداف التحالف العربي التي تقوده الرياض، نحو تضادها التي أعلن عنها عقب انطلاق عاصفة الحزم والأمل بين الفترة (بين 25 مارس و21 أبريل عام 2015)، والتي كان من ضمنها المحاولة الجدية لتصحيح التوازنات التي اختلت في المنطقة، واستعادها، التي كانت لإيران الأسبقية فيها على الساحة العراقية والسورية واللبنانية، واليمنية عقب الانقلاب على السلطة في سبتمبر أيلول من عام 2014، وإعادة الشرعية فيها وإنهاء الانقلاب الحوثي، وتأمين أمنها القومي من التهديدات الإيرانية، وتأمين الممرات المائية وطرق التجارة العالمية.

ما يتفق على المراقبون أن المعطيات على الأرض من قبل التحالف العربي، تثبت تضاد ما تم الإعلان عنة، مستغلة ومسوغات القانونية للتحالف بإعادة الشرعية وإنهاء الانقلاب.

تحولات مهمة في الحرب اليمنية، ومستقبل الحسم العسكري، الذي وعدة به التحالف العربي بقيادة السعودية، انكشف مع تداخل المشاريع المتصارعة، بين الإمارات والسعودية، والتي أطلت أمد الحرب، وذهبت بكل الأطرف نحو فرض معادلة من شأنها أن تحسين من موقفه وموضعه السياسي والعسكري بالوصاية على اليمن بما يخدم مشروعة بمعزل عن الهدف الأشمل والجوهري والأساسي.

تناقض كشف عن سعي كلا من الرياض وأبوظبي الظفر بنصيب الأسد في الكعكة الوصاية، الأمر الذي انعكس سلبا على ترسيخ الحضور الحكومي في المناطق المحررة، وساهم في حالة استقطاب حادة مجتمعية وقبلية وعسكرية، بين حلفاء التحالف، دون قراءة واقعية للأخطار والتبعات والأحداث المفاجئة التي ترافق الخطة التي ربما لم تعتمد مع بداية انطلاق عمليات التحالف، وهو ما يجعل إيران أكثر استفادة من المتغيرات، بافرض نظام وصاية في مناطق سيطرة المتمردين الحوثيين.

* انقلاب عدن

 

وسط غياب الحسم العسكري من قبل تكتل التحالف العربي لإعادة الشرعية في اليمن، وتزايد مساحة التباين بين السعودية والإمارات في إدارة المعركة، والتغير الكبير الذي طرأ على تركيبة ودوافع الحلفاء في التحالف في فرض الوصاية على اليمن، ومحاولة استنزاف وإضعاف وتفكيك الدولة اليمنية والحكومة الشرعية وتشريحها.

رسمت مجمل التطورات إعادة تشكيل مسارات الحرب في اليمن بشكل كارثي، يتعدى الوصاية السعودية والإماراتية على اليمن إلى الوصاية الغربية والإيرانية على البلاد.

ودخلت الحرب باليمن منعطف خطير أوحى بتفشي حروب أهلية متعددة، والذي جاء عقب الانسحاب الإماراتي من الحرب باليمن والتقارب مع النظام الإيراني، الذي أفضى إلى إعادة صياغة المشهد في الجنوب اليمني، بما يتوافق مع تفاهمات الطرفين.

انعكاسات الاستدارة الإماراتية نحو إيران، وحلفائها أسفرت، عن تبني أبوظبي للانقلاب الثاني في العاصمة المؤقتة عدن، في العاشر من أغسطس، ودفع حليفها في التحالف العربي السعودية، إلى خارج معادلة الحرب بشكل مؤقت، من خلال استثمار تقاربها مع طهران وحلفائها في اليمن، بنقل المعركة من الجغرافيا اليمنية إلى العمق السعودي، والدفع بها نحو تسوية سياسية تنهي الحرب عبر استحضاره السلام، وتسخينه بالنفخ في كيره الصراع العسكري في الضفة الخليجية التي تشهد حالة احتقان سياسي وعسكري غير مسبوقة.

يقول بعض الخبراء في الشأن اليمن إن الوضع المائع الذي صنعته السعودية في حربها على اليمن من خلال التحالف العربي، قوبل باستغلال إماراتي، سعى إلى سحب بساط الوصاية على الرياض في الجنوب اليمني، بالتزامن مع سحب الوصاية في الشمال عبر أذرع الحليف غير الشرعي مع أبوظبي إيران "الحوثيون.

إلى ذلك فأن أدبيات التناغم السياسي والعسكري بين الرياض وأبوظبي، تبلورت في تطبيع سعودي مع الانقلاب الإماراتي في عدن من خلال الدعوة إلى الحوار بين الحكومة الشرعية وأذرع الإمارات "الانتقالي الجنوبي" في مدينة جدة السعودية في بداية سبتمبر/ أيلول الماضي.

*طعنة جديدة

تتداول وسائل إعلام أنباءً يمنية وعربية "مسودة اتفاق" ناتج عن مفاوضات في السعودية بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيًا الذي يطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله.

المسودة تركز على إدماج قوات المجلس ضمن قوات الجيش والأمن، ومنحه حقيبتين وزاريتين، وعودة الحكومة ومجلس النواب إلى عدن (العاصمة المؤقتة)، على أن تشرف قوات سعودية على تنفيذ الاتفاق.

في موازاة ذلك ترى مصادر سياسية يمنية أن هناك انطباعا سائدا عن حقيقة تناغم المواقف بين الرياض وأبو ظبي فيما يتعلق بتقليم أظافر الحكومة اليمنية والوضع في الجنوب مع فارق بسيط، هو أن الإمارات تجاهر بموقفها دون مواربة، بينما تظل الأخيرة تحافظ على شعرة معاوية الواصلة مع الشرعية على النحو الذي يعزز التكهنات عن ما يمكن وصفه بتبادل أدوار في فرض الوصاية على اليمن.

وبحسب المصادر فإن أكثر ما يثير من مخاوف سياسية ستنجم من اتفاق الرياض في ظل التماهي السعودي مع الإستراتيجية الإماراتية التي تخدم في الخفاء الأهداف الإيرانية، أنها تصب في خانة تفكيك الدولة اليمنية، وإفناء الحكومة الشرعية التي باسمها يتصرف التحالف كما يحلو له في الجغرافيا اليمنية.

وتقول إن المخاوف حقيقية تتركز في نسف المرجعيات الأساسية من قبل السعودية التي تتماهى مع المشروع الإيراني وخاصة، بتشاطر كعكة الوصاية على اليمن بين ثلاثة أطراف محورية، الرياض وطهران وأبوظبي، ما يترتب على ذلك دخول لاعبين جدد في معادلة الحرب باليمن يتربصون باللحظة المناسبة التي تسمح لهم بالدخول على خط الأزمة اليمنية، كبريطانيا وروسيا والاتحاد الأوروبي.

من جانبه يقول الكاتب والمحلل السياسي "ياسين التميمي" بأن اتفاق جدة المرتقب هو واحد من التدابير السعودية الإماراتية التي تكشف عن نواياهما الجيوسياسية في اليمن، وتؤشر إلى ابتعادهما هذه المسافة الكبيرة عن الأهداف الكلاسيكية لمعركة عُرفت طيلة السنوات الماضية بأنها حرب لدحر الانقلاب واستعادة الدولة.

ويشير: بعد أربع سنوات وسبعة أشهر من الحرب، تجد الحكومة نفسها مقيدة الحركة في المناطق المحررة، وأصبحت عاصمتها المؤقتة عدن أبعد عليها من عين الشمس، إذ لا يمكن الوصول إليها إلا بموجب اتفاق ليس هناك ما يستوجبه، إذا ما عرفنا أن التحالف السعودي الإماراتي هو من يتحكم بالمدينة وهو من استزرع الأدوات السياسية والعسكرية المناهضة للحكومة في عدن والمحافظات المجاورة، ويستطيع أن ينهي مهمتها السيئة في أية لحظة شاء.

تفيد تقارير إعلامية سابقة أن المؤكد أن اتفاق الرياض، بداية مرحلة جديدة بالنسبة للجنوب اليمني والتحالف السعودي الإماراتي، في تلك المحافظات، مع الأخذ بالاعتبار الترقب للصيغة النهائية، التي حملت العديد من التعديلات، إلى جانب أن التنفيذ كما هو حال أي اتفاق أو وثيقة سياسية، يشكّل الامتحان الأهم، خصوصاً أن تجربة اليمنيين في هذا الجانب، لا تحمل الكثير من المبشرات، كما حصل منذ "وثيقة العهد والاتفاق" التي وُقّعت في العام 1993 قبل عام من الحرب الأهلية، أو كما هو الحال في أحدث وثيقة معتبرة وهي وثيقة "المبادرة الخليجية" التي منحت الحصانة لمهندس الانقلاب الحوثي "علي عبدالله صالح" على السلطات الشرعية ومهد الطريق لإيران باليمن، و"مؤتمر الحوار الوطني"، 2014، إذ سارت الأحداث لاحقاً على عكس الآمال التي رُسمت خلال التوقيع عليها.

في الأخير يعتبر كثير من خبراء السياسية في اليمن أن اتفاق الرياض ما هو إلا فصل جديد من فصول الوصاية والذي يجر اليمن نحو حرب أطول وأعنف من سابقاتها.

وأن متلازمة الوصاية السعودية على اليمن هي الكروموسومات التي إعاقات جسد الدولة اليمنية وقدراتها على النمو بمظاهر وجيهة مميزة، منذ نشأتها في عام 1962م، حتى يومنا الحالي.

* الخلاصة

المشروع السعودي في اليمن يتمثل في استمرار الفوضى وإدارتها حتى لا تخرج عن مسارها المرسوم لها، فتنعكس سلباً على الوضع السعودي لأن:

*الوصاية السعودية على اليمن فرضت قبولاً شعبياً بسلطات المتمردين الحوثيين في صنعاء.

*الوصاية على اليمن سمحت بفرض جمارك وصاية أميركية جديدة على دول النفط الخليجي وخاصة السعودية.

*الوصاية السعودية أفضت إلى دخول لاعبين دوليين جدد في معادلة الوصاية على اليمن.

*فزاعات الوصاية السعودية على اليمن تكمن في حصاد المراهنة على الاحتراب المذهبي والتخويف من إيران.

*الوصاية فرضت معادلة حرب جديدة ممثلة في الرفض الشعبي والمظاهرات التي تشدها المحافظات اليمنية المحررة.

  

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد