شبح المجاعة..الملف الأكثر تهديداً لحاضر ومستقبل اليمن (1-2)

2011-10-17 04:59:22 ينقلها/يونس الشجاع

     


ذهب شهر رمضان الكريم ، وتلاه عيد الفطر المبارك, ثم أعقبه العام الدراسي الجديد ومتطلباته المالية الاستثنائية ..وهاهو عيد الأضحى على مشارف الدخول وما تزال الأزمة الاقتصادية الضاربة تعصف بحياة الفقراء ،تطحن ضلوعهم الهشة حتى الثمالة .. التفاصيل تحمل مأساة الواقع الاقتصادي .. تفوق كل التصورات..فاليوم الطبقة الفقيرة التي تشكل ما يزيد عن 70% من المجتمع اليمني تعيش أزمة حقيقية لم يشهد لها مثيل في تاريخ اليمن الحديث..
وفي ظل هذا الوضع المتردي معيشياً تتضاعف المخاطر يوماً بعد آخر من تحول اليمن إلى صومال آخر ؛ليس في تعدد أمراء الحروب وحسب,بل إن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى تفشي المجاعة.. فما يقارب مليون عامل يعملون في القطاعين العام والخاص والعشوائي بدون أي عمل وقد يقول قائل إن مليون عامل رقم مبالغ فيه، لكنها الحقيقية التي لا جدال عليها.
وبحسب خبراء‮ ‬اقتصاديين فإن الأزمة التي تعيشها بلادنا حالياً ساهمت في‮ ‬إنهاك الاقتصاد‮ ‬الضعيف والهش‮ ‬لدرجة أن ثمة شبح مجاعة‮ ‬يخيم على البلاد وأن اليمن قد‮ ‬يواجه كارثة إنسانية ستلقي‮ ‬بتداعياتها على المجتمع وستكون تكلفتها صعبة على المستويات كافة,الأمر الذي‮ ‬سيلقي‮ ‬بظلاله السلبية على حاضر الدولة اليمنية ومستقبلها..
والسؤال المطروح بإلحاح هذه الأيام في المجالس والملتقيات العامة والخاصة، دون أن تتوفر له إجابة،هو: متى ستنجلي هذه الأزمة وتعود الحياة تعزف الدماء في شرايينها من جديد،فمعظم الناس تعطلت أعمالهم وأنشطتهم المعيشية، بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية القائمة التي شلت حركة الحياة بوجه عام، وجعلت الناس يعيشون حالة هي مزيج من الخوف والتوتر والقلق بسبب مراوحة الأوضاع بين التصعيد حيناً والتهدئة حيناً آخر، دون أن يلوح ضوء في نهاية النفق.
سنسلط الضوء في هذه المساحة الأسبوعية من "هموم الناس" على الحالة المعيشية للسواد الأعظم من المواطنين الذين يرزحون تحت الفقر وتأثيرات الأزمة الراهنة على حياتهم المعيشية..
                                                                             
ثمة أولويات غير اعتيادية وطارئة فرضتها تداعيات الأزمة السياسية المتصاعدة في البلاد على الأسرة اليمنية البسيطة ومحدودة الدخل تتجاوز في ضرورتها هموماً أخرى ..


هذا ما بدأ به حديثه الأخ/عبدالرحمن ناجي- والذي يعمل موظفاً في إحدى المصالح الحكومية بصنعاء ويعول أسرة تتألف من أربعة أشخاص..ويضيف: إن الارتفاع الكبير في الأسعار منذ بداية الأزمة شكل عبئاً إضافياً على حياته المعيشية ,فراتبه يذهب أكثر من نصفه لإيجار المنزل،ولا يكفي المتبقي لتأمين الاحتياجات الضرورية له ولأسرته ،مشيراً إلى أن الأمن والاستقرار عاملان رئيسيان من عوامل الأمن الغذائي والاستقرار المعيشي...
 ويردف عبدالرحمن:لا أشعر بالأمان على نفسي وأسرتي وأنا أسكن بالعاصمة صنعاء، بسبب هؤلاء العابثين بحياتنا والمتصارعين على السلطة,كل شيء في المدينة معبأ لحرب محتملة ووشيكة، حتى مزاج الناس أو من تبقى منهم ولم يغادر إلى القرى مشدود ومتوتر إلى أقصى درجاته.. متمنياً من الله أن يخرج اليمن من محنته الراهنة.. 

أنهكت الجميع
تداعيات الأزمة الراهنة باتت تهدد الجميع ,فكثير من أصحاب المعامل التي تعتمد على الكهرباء اضطروا لإغلاقها في ظل انعدام البدائل وارتفاع تكلفتها الاقتصادية، أما أصحاب الأفران والمخابز والبقالات فقد وجدوا أنفسهم أمام واقع أشد صعوبة..
يبدو غالب قائد- صاحب بقالة بجولة الخفجي بأمانة العاصمة-متشائماً بشأن المستقبل الذي ينتظر البلاد بعد أن لاح شبح حرب أهلية في الأفق.. ويقول إن مبيعاته انخفضت إلى أكثر من النصف بعد الأزمة بسبب اقتصار الزبائن على شراء الضروريات نظراً لارتفاع الأسعار،متمنياً أن تزول الأزمة اليوم قبل الغد وتعود الحياة إلى طبيعتها.
ويضيف: "الأسعار مرتفعة جداً والسبب تجار الجملة المضاربين بالأسعار، ونحن نضطر لشراء هذه المواد بسعرها الجديد والمرتفع كما نضطر لرفع سعرها، وعند بيعي لهذه المواد أجد المواطن متشكك من سلامة هذه الأسعار، ونحن مقدرون لحالة الناس المعيشية ولكن من سيقدر حالي أنا، فهناك مواد لا أستطيع توفيرها بسبب عدم وجود سيولة عندي تسبب فيها مواطنون لم يسددوا الديون التي عليهم بسبب أزمتهم المعيشية
يشاطره ذات الهم الأخ/ محمد دبوان-صاحب مطعم بجوار وزارة الأوقاف بأمانة العاصمة-الذي يعتبر مصدر رزقه الوحيد و5 عمال يعملون لديه ..يقول دبوان إن ارتفاع الأسعار أدى إلى إحجام الكثير من الزبائن عن ارتياد مطعمه الذي كان يكتظ بهم قبل هذه الأزمة ..دبوان يبدو متذمراً من طول الأزمة السياسية، مؤكداً أن استمرار هذا الوضع المقلق يزيد الخوف لديه في عجزه عن دفع إيجار المحل وبالتالي قد يجبر على غلقه .


عمال الأجر اليومي
 لا تزال تتسع الفجوة بين الفقراء الذين يشكلون الأغلبية الساحقة وبين الأغنياء والأثرياء القلة.. فالأزمة الاقتصادية التي تعصف بحياة المواطن اليمني تركت تأثيرها واضحاً على فئات عريضة من الفقراء ومحدودي الدخل في بلد يعيش معظم سكانه تحت خط الفقر وتصل معدلات البطالة إلى 45 في المائة من إجمالي قوة العمل في البلاد، بينما لا يتجاوز الحد الأدنى للأجور عشرين ألف شهرياً,عوضاً عن أكثر من (مليون) عامل يمني يعملون في القطاع الخاص وخصوصاً-عمال الأجر اليومي-فقدوا أعمالهم وباتوا يعيشون حياة معيشية في غاية الصعوبة،فمعظم هذه الشريحة العمالية تعتمد اعتماداً كلياً على قطاع الأعمال الغير منظم أو (العشوائي) أي بالأجر اليومي ولذلك فإنها ترزح تحت ضغط الفقر وتكون دائماً معرضة للمخاطر في حال الاضطرابات السياسية أو التقلبات السعرية في الأسواق، فاعتمادها على مصدر رزق غير مستقر يضعها دوماً تحت أعلى درجات المخاطر التي تنعكس على حياتها المعيشية سلباً .
 يقول الأخ/عبدالله عبدالكريم –خريج كلية الهندسة جامعة ذمار ويعمل ضمن قطاع المقاولات الإنشائية- إن عمال الجولات أو الأعمال الإنشائية باتوا اليوم معدمين بعد أن توقفت كل الأعمال باستثناء بعض الأعمال وهي قليلة جداً,كما دفعت هذه الشريحة التي تعيش ظروفاً معيشية قاسية ثمناً باهضاً بسبب سياسات الإفقار التي نفذت خلال السنوات السابقة تحت شماعة برامج الإصلاحات الاقتصادية وهي اليوم تدفع الثمن من لقمة عيشها ولكن المبرر لم يكن إصلاحات بل عقاب جماعي يعانيه اليوم الشعب اليمني.  
ولفت المهندس/ عبدالله إلى أن شريحة العمال الأقل دخلاً كانت من الشرائح السباقة إلى الانضمام للاحتجاجات المناهضة للنظام أملاً في التغيير والذي من أجله استشهد العديد منهم في معركة الخبز والكرامة في ميادين التغيير..

عمال الحراج
الزائر لجولات العمال خلال الأيام الحالية يلاحظ الآثار المباشرة التي لحقت بالعمالة الغير منظمة.. فمحمد وناجي ومنصور التقيناهم في حراج العمال الكائن في جولة تعز وسط العاصمة صنعاء بينما كانوا يترقبون قدوم القدر على ما يبدو.. حاولنا معرفة حركة الطلب على العمال ,فكان الرد كالمتوقع (الشغل مات) هكذا رد محمد الهمداني الذي يعمل منذ ثلاث سنوات في البناء يقول: إنا ها هنا قاعدون" منذ أسابيع (ولا دقة).. ويتحدث محمد عن الهم العام الذي دفع بآلاف العاملين بالأجر اليومي إلى الوقوف في الحراج طيلة النهار حيث يقول: المشكلة الآن أن لقمة العيش أصبحت صعبة ,الكيس البر بـ6 آلاف و500 ريال والأسعار الأخرى ارتفعت والشغل انتهى.
 وحول أيام العمل التي يعمل فيها قال: أعمل خمس أيام إلى أسبوع بالكثير كل شهر فقط غير ذلك مافيش.. يشاطره الهم زميله طه السادر .ويضيف:كنا نشتغل كل أسبوع 4 إلى 5 أيام وفي المواسم نشتغل دائماً ,لكن الآن إحنا عاطلين في الحراج والناس متخوفين من المشاكل ،المقاولين توقفوا بسبب الأوضاع وكل شيء ارتفع إلا أجور العامل لازالت دون تغيير ,متمنياً أن تكون هذه الأزمة آخر الأزمات.
ووفقاً للإحصاءات الحكومية الأخيرة، فإن أكثر من مليون عامل يومي يعتمدون على الإنشاءات والبناء كمصدر للرزق ،حيث يكسب معظمهم ما يعادل نحو 2000-2500 ريال يومياً في حال وجد العمل ،إلا أن هذا القطاع الحيوي بالنسبة للعمالة العشوائية دخل في حالة كساد حادة نتيجة توقيف الأعمال الإنشائية من قبل المستثمرين والمقاولين حتى انتهاء الأزمة السياسية.

مستقبل قاتم
رضوان الرامسي, كان موظفاً في شركة " قطاع خاص" وتم تسريحه من العمل مع جميع زملائه ، ومنذ 6 أشهر وهو بدون عمل .
يتحدث الشاب رضوان الرامسي بمرارة عن الأوضاع المعيشية التي تزداد سوءاً يوماً بعد آخر:"أنا الآن بدون عمل وحاصل على دبلوم محاسبة، أحاول البحث عن عمل منذ مدة طويلة ولكن دون فائدة، وصرت لأجد حتى الأعمال البسيطة.. كنت أريد أن أساعد أسرتي في مصاريف البيت ولكن للأسف أصبحت عالة لا أستطيع توفير مصاريفي الشخصية، ولا أعلم إلى متى سيستمر ذلك..
يختتم الرامسي بالقول: "قريباً سيحل علينا عيد الأضحى المبارك في معمعة هذه الأوضاع غير الاعتيادية على مختلف الصعد ولا نعلم كيف سنلبي احتياجات أسرنا في العيد حيث ينتظرنا الهم الثقيل.. فمتى ستنتهي هذه الأزمة الخانقة التي تعصف بالمواطنين؟.

تداعيات خطيرة
وعن انفراج الضائقة المعيشية التي يعاني منها السواد الأعظم من أبناء الشعب يقول الدكتور/علي غالب عبيد إن تحسن الأوضاع الاقتصادية باليمن مرتبط بانفراج الأزمة السياسية ورغم تفاؤل البعض بعدم تأثيرها على العمالة لكن سرعان ما تعمقت الأزمة اقتصادياً وأدت إلى انكماش الاقتصاد وانكماش حجم العمل وتأثر العاملون وبالتالي أدت إلى تأثر المؤسسات والتي تحافظ على ميزان الربح والخسارة واتجاهها إلى التخلص من العمالة جزئياً وكلياً ,وبالتالي ستؤثر على العمالة الوطنية ما لم يكن هنالك انفراج للأزمة السياسية وأيضاً حلول تعالج المشكلة الاقتصادية ..
وتوقع غالب أن يكون هناك بالفعل تسريح أعداد كبيرة من العمالة المؤقتة بقطاع البنوك ومن أصحاب العقود السنوية نتيجة الأوضاع السياسية باليمن وما تبعها من أحداث،لأنها سوف تؤثر على تدفق الاستثمارات الداخلية والخارجية وبالتالي سيقل الاقتراض، وهو ما يحمل البنوك والشركات عبء عمالة لا حاجة لها و لعدم الثقة في استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية في البلاد
ويرى الدكتور عبيد أن المخرج من هذه الأزمة هو إعادة النظر في منهج الحوار بين الأطراف السياسية للخروج من مسببات هذه المشكلة بدلاً من ترك البلاد تسير نحو الفوضى..

الشعب لا يمكن أن يتحمل
وفي ذات السياق لفتت الدكتورة/نجاة جمعان -نائبة عميد المعهد المالي اليمني والأستاذ المشارك في جامعة صنعاء- إلى أن اليمنيين بدأوا في ظل استمرار الأزمة وتوقف الكثير عن العمل يفكرون في البحث عن مصدر جديد للدخل وتمثل ذلك ببيع مدخراتهم النقدية والعينية والأصول المالية والتي جمعت في مرحلة الوفر.
ونوهت نائبة عميد المعهد المالي اليمني بأن ما هو حاصل من استنفاد للمدخرات من قبل اليمنيين يعد حالة طبيعة في ظل معطيات الوضع الاقتصادي بسبب الاضطرابات القائمة والمستمرة منذ أشهر والتي أصبحت تهدد الآن حياة المواطن اليمني البسيط.
وأوضحت الدكتورة جمعان أن المدخرات لدى اليمنيين بسيطة للغاية ويمكن بالكثير أن تسعف الأسر في تغطية احتياجات ستة أشهر إلى سنة ،وأن الاعتماد على تلك المدخرات بدون دخل ثابت أو دوري سينفذ قريباً وسيصل الجميع الى مرحلة الصفر.
وأشارت الخبيرة المالية اليمنية جمعان بأن عملية بيع المدخرات حالياً تعني استخدام اليمنيين لآخر الأوراق وأن نفاذ تلك المدخرات تعني إفلاس كل أطياف المجتمع .
واختتمت جمعان قائلة:شحة المدخرات ونضوبها يعني عدم استقرار الوضع الاقتصادي وهذا سيؤدي حتماً الى حروب أهلية طاحنة من أجل البقاء.. متمنية من جميع الأطراف السياسية في البلاد إيجاد آلية تضمن الحل للأزمة بأقل تكلفة ، فالشعب لا يمكن أن يتحمل أكثر مما هو عليه الآن.

تشخيص أهل الاختصاص
وفي معرض تشخيصه للأزمة السياسية وانعكاساتها الاقتصادية يقول الدكتور/ حمود عبدالله صالح-أستاذ إدارة الأعمال المشارك في جامعة صنعاء ومدير إدارة التخطيط والتطوير في بنك التضامن الإسلامي الدولي-إن اليمن ظل يعيش عبر تاريخه المعاصر أزمات متلاحقة، عكست نفسها سلباً على الأداء الاقتصادي،غير أن الأزمة السياسية الحالية هي الأكبر تأثيراً وخطورة على الاقتصاد اليمني بتكوينه المتواضع، وللأزمة الراهنة انعكاساتها المباشرة والآنية بالإضافة إلى أخرى مستقبلية.
ويردف أستاذ إدارة الأعمال المشارك في جامعة صنعاء: أما الآنية فهي فيما نراه من توقف صادرات النفط الذي يمثل 70 في المائة من الموازنة العامة للدولة وانخفاض قيمة الريال اليمني أمام الدولار، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار والخدمات الأساسية، كذلك تراجع أنشطة القطاع المصرفي وتوقف الأنشطة الاستثمارية.. ويستطرد: أيضاً منيت القاعدة الإنتاجية بكساد واضح بسبب ارتفاع الأسعار وتراجع الطلب على السلع نتيجة ضعف القدرة الشرائية للمستهلك، يضاف إلى ذلك توجيه الدولة الأموال المرصودة في الموازنة العامة لتمويل مشاريع خدمية وتنموية، للإنفاق على الحشد والتعبئة السياسية ثم توقف المساعدات الخارجية وانخفاض تدفق الاستثمارات، مشيراً إلى أن توجه الحكومة لشراء المشتقات النفطية والغاز سينعكس سلباً على الميزان التجاري والموازنة العامة للدولة.

لا تراهنوا على تجويع الناس
يقول الصحفي نبيل حيدر إن الغفلة دفقت رشوة كبيرة من التتويه والانفعالات والحماسات أدت إلى نسيان الفقراء ومحدودي الدخل ومن تعمل الأوضاع الراهنة على إضافتهم إلى اللائحة السوداء للفقر بسبب توقف الأعمال.
ويضيف حيدر:المعاناة تتسع كل يوم والطبقة المشهورة بالوسطى صارت طبقة بسقف آيل للسقوط ومن المؤكد أن الصمود في مواجهة موجات الأزمة الراهنة ليس ممكناً إلا لدى أحواش المال وهي وإن بلغت المليونية كرقم فلن تكون إلا شرذمة جوار أغلبية كاسحة تعاني وتتجرع البؤس بصمت أو بصوت مبحوح...مردفاً:والغريب أننا في حالة صمت مريب أخلاقياً, فلا الجمعيات الخيرية تحركت وربما أنها تعمل بصمت في إطار ضيق سماكته حزبية محضة, أما رجال الأعمال اليمنيون فهم أشاوس في الكنز.. ثعالب في تقديم المعونة للمحتاجين.. باستثناء محدود لقلة تمد يد العون بصمت.
ويشير نبيل الصحفي بأن الظرف واستمراريته الرعناء المجهولة يستدعي كسر الجليد وتحرك أصحاب الأموال وبالذات (الهبارين والشفاطين) نحو تقديم يد العون لمعوزين مستورهم ينكشف وفقيرهم يزداد فقراً ومريضهم يقرأ الفاتحة على روحه مقدماً,داعياً كل من يستطيع أن يبادر إلى فعل حقيقي عملي لمساعدة البؤساء..
وحذر نبيل من ثورة الجياع التي ستكون الثورة القادمة في وضع كهذا الوضع البليد في إنتاج الحلول وفي التعامل مع شعب تعداده ملايين وحالته يد وراء ويد أمام.. يدان خاليتان إلا من إشارة الحسبنة نحو السماء على تجار الأزمات من مختلف الأنواع السياسية والتجارية والعسكرية,لافتاً إلى ما نقلته تقارير اقتصادية قبل أشهر عن تدهور الحالة المعيشية لعموم الناس..متسائلاً: ذلك قبل أشهر فكيف باليوم؟؟ وكيف الكيف بعد شهرين وثلاثة وأربعة ويعلم الله وحده إلى متى سيستمر هذا العقم الذي نعيشه؟وهل نستطيع الخروج من حالة الغباء العاطفي تجاه أزمة إعصارها صامت؟..
وخاطب الصحفي حيدر قائلاً:أيها المراهنون على الزمن وعلى استفحال الضيق وبلوغ الأنفس الحلقوم.. لا تراهنوا على المرور فوق شفرات تجويع الناس والدفع بأوضاعهم الاجتماعية والمعيشية نحو الكفر بكل شيء وإذا وقع ذلك فذنبهم في رقابكم.. ذنبهم في رقابكم. ذنبهم في رقابكم. أقولها ثلاثاً.. بالأمس واليوم. وهنا وطن يرقبنا وهو يواري عينيه.. فهل نخجل ؟!! هل نخجل من بطون تقارس الجوع ويقرصها جوع صغارها أكثر من جوعها؟..هل نستحي من رمق يبحث عما يسده.. بائس يائس من كل من حوله.؟ أكلة قوته وأكلة لحمه وأكلة أوجاعه؟..

الخلاصة
نتفق جميعاً سواء المناهضين،أو المؤيدين للنظام على أن طول أمد الوضع السياسي المحتقن، وانعكاساته على الاقتصاد اليمني ببنيته الهشة أصلاً ومؤشرات أدائه المتذبذب، فرض واقعاً معيشياً واقتصادياً فوق طاقة الجميع، وأسهم إلى حد كبير في اختطاف مظاهر الابتهاج العام ،واستبدالها بمظاهر مضادة وقاتمة من التصعيد المسلح المحاط بخارطة الخنادق والمتاريس والسواتر الترابية التي أضحت جزءاً من يوميات العاصمة والمدن الرئيسة الأخرى ..وتولد لدى عامة الناس مخاوف من انفجار محتمل لبالونة الاحتراب الأهلي..
 تعقيدات معيشية واقتصادية استثنائية فرضتها تداعيات أزمة سياسية عاصفة هي الأشد من نوعها تشهدها البلاد.. تحتم على الأقلية المتخمة القبول ببعض التنازلات لا لشيء سوى هذه الأكثرية الجائعة التي تستجدي حقها في العيش من الفتات المتساقط عند أرجل أصحاب المائدة الذين يتلذذون وهم ينظرون إليهم بتشف وشماتة من فوق موائدهم العامرة..

تنويه
نلفت عناية قراءنا الكرام إلى أننا سنواصل الحديث الأسبوع القادم عن الهموم المعيشية ..لذا نرحب بمشاركاتكم في هذه المساحة المخصصة لـ"هموم الناس" على فاكس الصحيفة أو سيار "771283300" أو إيميل"Yonis210@hotmail.com".



                             شبح المجاعة (1)
بينما كان فقراء البلد وهم السواد الأعظم يأملون أن يبشرهم الغرب ببعض الأرغفة، إذا به ينثر عليهم على حين غرة مأساة الجوع الفاجعة،وتحذيرات من تزايد حدة هذه المأساة كلما تزايدت حدة الإضطرابات والصراعات السياسية .. حسب تأكيدات جوزيت شبران-المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة.
 الانكفاء على التفجع الحزين اليائس، إزاء هذا الواقع، هو دعوة يتزلف بها العالم الغني إزاء الشعوب الفقيرة، والتي يتلذذ بحبسها في مصيدة الجوع وعزلها عن أية مشاركة تسهم في صنع العالم ,وكذا صرف الانتباه إلى الثروات والطاقات المهدورة في اتجاهات غير إنسانية، سواء في مطحنة التسلح والحروب الهامشية وغير العادلة بين الدول الفقيرة، أو المشاريع التظاهرية للدول الغنية.
وإذا ما تجاوزنا ما يُثار من حديث متواتر حول مخاطر الصراعات السياسية التي يضطرب بها بلدنا، وإذا ما بشر المتفائلون، بقرب انفراج الضائقة المعيشية الخانقة- فإن الحديث عن الجوع والجياع يظل الحديث الأكثر إيلاماً،والأكثر استمراراً وديمومة..   فتباعد المسافة بين قمة الغنى وقاع الفقر جعل السواد الأعظم من أبناء الشعب يتجرعون مرارة الحصول على الخبز، بينما بقي الجزء الآخر متخماً بالمواد الدسمة لصنع الكعكة الحياتية الشهية التي يتلذذ بدسمها ومذاقها هذا الآخر الذي يعمل على تشطير وتمزيق شعار الخبز مع الكرامة وجعل الكل يجأر بالشكوى من أعباء حياة لم تعد تحتمل وشبح مجاعة دفع الفقراء إلى التساقط في وهدة الإحباط واليأس والعزلة.. وصارت قلوبهم تنبض نبضاً موجعاً وهي تسمع قرقرة معدها،ثم تذوب في الصدى..يبتلعها الصمت،بينما وحش المجاعة يزداد شراسة ويكشر عن أنيابه،ليلوك بقسوة مفجعة الملايين من أبناء بلدنا الحبيب الذين تخثرت دماء الحياة في أوصالهم ،وازدادت الهواجس وعمّ الرعب من وحش المجاعة الماثل.. ولا تبقى سوى كلمات قليلة وناخزة حتى العظم، صالحة لوصف التفاوت في حق العيش الكريم للإنسان،وهو يرى قلبه يتشطر وعقله يتفتت..
الحق في العيش الكريم بات مطلباً مشتركاً لجميع اليمنيين مؤيدين ومناهضين بعد أن طفح الكيل ووصل سيل الأزمة الزبى ..ولكن قمة الإفلاس أن يتحول حق الإنسان في العيش الآمن والمستقر من حق مقدس لا يقبل التلاعب إلى أداة للضبط الاجتماعي وأن تصبح لقمة عيش المواطن البسيط ورقة سياسية في زمن تساقط الأوراق السياسية..


نحنُ لسنا فُقَراءْ..
بَلَغَتْ ثَروتُنا مليونَ فَقْرِ
وغدا الفَقْرُ لدى أمثالِنا
وصفاً جديداً للثَّراءْ !
وَحْدَهُ الفقرُ لدينا
كانَ أغنى الأغنياءْ !
بَيتُنا كانَ عراءْ
والشبابيكُ هواءٌ قارسٌ
والسقفُ ماءْ !
***
فشكونا أمرَنا عندَ وليِّ الأمرِ
فاغتمَّ
ونادى الخبراءْ
وجميعَ الوزراءْ
وأُقيمت نَدوةٌ واسعةٌ
نُوقِشَ فيها وَضْعُ (أيرلندا(
وأنفُ (الجيوكندا)
وفَساتينُ (أميلدا)
وقضايا (هونو لولو)
وبطولاتُ جيوش الحُلفاء !
ثُمَّ بَعدَ الأخذِ و الرّدِّ
صباحاً و مساءْ
أصدر الحاكمُ مرسوماً
بإلغاءِ الشتاءْ !

****
بلغ السيل الزبى
ها نحن والموت سواء
فاحذروا يا خلفاء
لا يخاف الميتُ الموتَ
ولا يخشى البلايا
قد زرعتم جمرات اليأس فينا
فاحصدوا نار الفناء
وعلينا.. وعليكم
فإذا ما أصبح العيش قريناً للمنايا
فسيغدو الشعب لغماً
..وستغدون شظايا!

الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة تحذران من مجاعة

حذرت الأمم المتحدة من تدهور الأمن الغذائي في اليمن الناجم عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والنقص الحاد في الوقود وعدم الاستقرار السياسي، والذي قد يتسبب في مجاعة .
وقالت جوزيت شبران-المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة- إن "ارتفاع أسعار المواد الغذائية وعدم الاستقرار السياسي سوف يخلف وراءه الملايين من الجوعى والمستضعفين في اليمن ,فسوء التغذية يلاحق النساء والأطفال وتساهم المساعدات الغذائية التي يقدمها البرنامج في تحسين الوضع الغذائي وتوفير الاستقرار في مثل هذا الوقت الذي تشتد فيه الحاجة."
وكشف تقييم غذائي أجراه برنامج الأغذية العالمي مؤخراً في اليمن أن عدداً متزايداً من الناس أصبح غير قادر على تلبية احتياجاته الغذائية الأساسية, ولجأت العديد من الأسر إلى تقليص عدد الوجبات التي تتناولها أو تحويل مواردها الشحيحة التي كانت تنفقها على الرعاية الصحية إلى شراء الغذاء، مما يعرضها أكثر،وبخاصة الأطفال الصغار، إلى الإصابة بسوء التغذية. وحتى قبل الأزمة، كان أكثر من 50 % من الأطفال اليمنيين يعانون سوء التغذية المزمن، وأكثر من 13 في المائة يعانون سوء التغذية الحاد.
ويقوم برنامج الأغذية العالمي بتوسيع عملياته في اليمن بهدف توفير الغذاء إلى 3.5 مليون شخص من المستضعفين الذين دخلوا في دائرة الجوع في أعقاب الارتفاع الحاد في أسعار المواد الغذائية والنزوح في المناطق الشمالية والجنوبية من البلاد...ويساعد البرنامج أكثر من 70 ألف شخص ممن فروا من منازلهم بسبب القتال الدائر في الجنوب، وما يقدر بنصف مليون شخص من النازحين والمتضررين جراء الحرب في الشمال نتيجة للصراع في صعدة الذي اندلع منذ 7 سنوات.
وقالت لبنى علمان- ممثل برنامج الأغذية العالمي في اليمن: "التحديات التي نواجهها من أجل تلبية الاحتياجات الملحة للفئات الأكثر ضعفاً هي تحديات ضخمة، خاصة في خضم هذا الوضع الأمني المضطرب".
وأضافت علمان: "بالإضافة إلى توفير الغذاء للنازحين داخلياً، يساعد البرنامج أيضاً اللاجئين القادمين من منطقة القرن الأفريقي، والأشخاص الأشد معاناة من انعدام الأمن الغذائي الذين تأثروا سلباً بارتفاع أسعار المواد الغذائية،وكذلك الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات الذين يعانون سوء التغذية.".
وعلى ذات المنوال حذر البنك الدولي من أزمة غذاء تواجه اليمن جراء ارتفاع أسعار الأغذية على المستوى العالمي في الوقت الراهن.
وأرجع البنك في تقرير له سبب تحذيره إلى كون اليمن يعتمد على استيراد ما نسبته 82 % من احتياجاته من الخارج. وأوضح أن اليمن لا يضم احتياطياً كبيراً من القمح والحبوب، مبيناً أن المخزون الموجود على أراضيه لا يكفي لمدة شهر واحد طبقًا لفاتورة الاستيراد ومستوى الاستهلاك للشعب اليمني.

إلى ذلك
 حذرت منظمات الإغاثة الدولية عدة من استمرار الأوضاع في اليمن سوف يؤدي إلي ما لا تحمد عقباه.. ومن بين تلك المنظمات(أوكسفام) التي حذرت في تقريرها من بوادر كارثة إنسانية على وشك الحدوث باليمن,منوهة بوجود أسر في كل أنحاء اليمن تحتاج في شكل ملحّ إلى مساعدات، نظراً إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والنقص في الوقود الذي يدفع بهم إلى الانهيار.
 وأضاف التقرير على لسان كاتبه أشلي كليمنتس, بأن اليمن في أمس الحاجة إلي تقديم يد العون و المساعدات لتجاوز تلك المحنة,منوهاً بأن ثلث الشعب اليمني تقريباً (7.5مليون نسمة) يعانون بشكل واضح من نقص شديد في أبجديات الحياة الإنسانية من غذاء ووقود, بالإضافة إلي ارتفاع أسعار المواد الغذائية والذي يعجل بانهيار اليمن.
ومتخذاً كل الكلمات لإنقاذ المجتمع الدولي لكارثة اليمن فقد شدد أشلي على أن الوقت قد حان لوقف المد الذي يجر اليمن نحو كارثة حقيقية.

وكانت منظمة الإغاثة الدولية قد أجرت استطلاعاً للرأي أكد أن نحو ثلثي الفقراء من الذين شملهم الاستطلاع، تخلوا عن إحدى وجبات الطعام اليومية، وأن الخُمس((19في المائة) سحب أطفاله من المدارس ليدخلوا إلى سوق العمل لمساعدة الأهالي على البقاء.

كما تعتمد عائلات كثيرة على نظام غذائي مكون من الخبز والرز فقط..ودعت المانحين وخصوصاً الدول المنضوية في منتدى أصدقاء اليمن، والذي يشمل دولاً مؤثرة غربية وخليجية، لتنسيق مساعدات مالية فورية لليمنيين.
 وقد حرص أشلي كليمنتس على التأكيد بأن هناك نقصاً كبيراً في تمويل المساعدات الإنسانية، لأن بعض الجهات المانحة ركز تاريخياً على أهداف سياسية وأمنية في اليمن، تاركين الأشد فقراً في العراء.

وأنهى كليمنتس تقريره بنبرة من اليأس حيال تجاهل المجتمع الدولي لمحنة سكان أفقر بلد في العالم، وما زاد الطين بله أن عدداً من الجهات المعنية بتقديم المساعدات قد قررت قطع المد الإنساني بدلاً من العمل على زيادتها لتجنب الكارثة.. و على سبيل المثال، علق البنك الدولي 542 مليون دولار من المساعدات التي تشمل تمويل مساعدات الرعاية الاجتماعية التي تحتاج إليها بشدة بعض الأسر الأشد فقراً، بسبب القلق من الأوضاع الأمنية وعوامل أخرى، لكن بعض مؤسسات الرعاية الاجتماعية تواصل تقديم الدعم للفقراء في اليمن.





المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد