الاقتصاد اليمني يودع 2014 بجردة حساب بائسة

2015-01-04 09:59:10 الاقتصادي/ نبيل الشرعبي

لأول مرة منذ عام 1990، ودّع الاقتصاد اليمني العام 2014، بجردة حساب بائسة وصفت بالأقسى، إذ عاش عام من الانهيار الواسع، عزز منه تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية وغياب الإنفاذ الكامل لمبدأ سيادة القانون من ضعف أنشطة القطاعات الإنتاجية كافة، الأمر الذي جعل المشهد الاقتصادي قاتماً ويتصف بالسلبية.

وقدر الجهاز المركزي للإحصاء معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي للعام 2014 بنسبة 2.82% وهو ما عده خبراء الاقتصاد بأنه لا يلبي الطموح المستهدف في النمو الاقتصادي، خصوصاً وأن الآمال كانت معقودة لتحقيق 6% على الأقل مما يعزز فكرة الإخفاق في النمو لاقتصاد بلد بحجم 25 مليون إنسان.

وعلل جهاز الإحصاء الانخفاضات في النمو الاقتصادي المتوقع في العام 2014، بأنها ناجمة عن التأثيرات المباشرة لتبعات الهزات الاقتصادية السلبية، التي حدثت للاقتصاد الوطني منذ العام 2011، في حين تراجع الناتج الإجمالي بما نسبته (15.1%) وما تلاه من انخفاض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي خلال الثلاث سنوات اللاحقة (2012 – 2014) في ظل معدل نمو مرتفع للسكان بلغ (3%) مما دفع قيمة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2014 للانخفاض عن مستواه في عام 2010م بما نسبته (9.1%).

وفي مجال الإيرادات قال الجهاز في أحدث تقرير له، كان التراجع في الإيرادات ناجم عن التراجع الكبير والمستمر في إنتاج النفط الخام المحلي وأسعاره في السوق الدولية في ظل عدم قدرة الأنشطة الاقتصادية الموجهة نحو التصدير على تعويض النقص في عائدات الصادرات النفطية وتزايد حجم اعتماد الاقتصاد الوطني على توفير احتياجاته من المشتقات النفطية خاصة والسلع الأساسية عامة بمزيد من الضغوطات على الاقتصاد اليمني.

 ووفقاً لأحدث بيانات يقدر خسارة اليمن جراء هبوط أسعار النفط من 115 دولاراً للبرميل إلى 60 دولارا حوالي 5 مليارات دولار أي حولي 50% مما يمكن أن يتحقق في الظروف العادية، مما يشكل خطورة ليس على عائدات الخزينة العامة من الموارد العامة فحسب، بل وعلى عائدات الاقتصاد الوطني من النقد الأجنبي أيضاً.

وهذا يترتب عليه استنـزاف احتياطيات الجهاز المصرفي وبالأخص البنك المركزي من العملات الأجنبية والانعكاسات الخطيرة، لذلك على فاتورة الاستيراد الضرورية وعلى أسعار الصرف، وبالتالي معدلات التضخم وصولاً إلى انعدام الاستقرار الاقتصادي.

وبينت أحدث أرقام البنك المركزي أن حجم إيرادات حصة الحكومة من النفط بلغت خلال الفترة يناير وحتى أكتوبر 2014 ملياراً و454 مليون دولار فقط مقارنة بمليارين و472 مليون دولار خلال الفترة المقابلة من العام 2013، وتوضح البيانات أن هناك تناقصاً في الكميات المصدرة في العام 2014، فلم تصدر سوى 13 مليوناً و820 ألف برميل مقارنة بـ24 مليوناً و340 ألف برميل في 2013.

وكشفت الأرقام الدولية عن تدهور آخر رافق بيئة الأعمال في اليمن والخاص بالأنشطة الاقتصادية، التي تهيئ للقطاع الخاص النمو حين تراجعت من المرتبة 129 في عام 2013م إلى المرتبة 133 في عام 2014م، وعلى إثر ذلك شهد الاستثمار الأجنبي تراجعاً بصورة ملحوظة، فالبيئة الاستثمارية في اليمن مازالت تعاني من العديد من المعوقات الإدارية والتنظيمية وفي الفترة الأخيرة، ومن هشاشة وعدم استقرار الوضع الأمني بسبب ضعف تطبيق القانون في أجزاء كبيرة من البلاد.

وتؤكد مذكرة التفاهم بين القطاع الخاص والحكومة أن مجتمع الأعمال اليمني في الخارج يمتلك مشاريع قيمتها بمئات المليارات من الدولارات، لكنه لم يعد يرغب بالاستثمار في بلاده, لافتة إلى أن مجتمع الأعمال اليمني في البلاد يفكر في الاستثمار في الخارج بسبب انعدام بيئة القيام بالمشاريع المُمكنة في اليمن.

وحيال المالية فقد شهدت المالية العامة للدولة العديد من الاختلالات الهيكلية إذ تفاقمت مشكلة العجز النقدي الصافي، وبلغت نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال العام 2014 نحو 6% ، ومن جهة أخرى تفاقمت الاختلالات الهيكلية في الموازنة، من خلال تراجع حجم النفقات الاستثمارية إلى إجمالي النفقات العامة بنسبة 8%.

مطرقة "القاعدة" وسندان النزاعات الداخلية

وعلى صعيد الأمن تحصد آلة الموت في اليمن أرواح عشرات الأبرياء يومياً، الأمر الذي أثار مخاوف إقليمية ودولية من تدهور الأوضاع أكثر فأكثر وخروجها عن السيطرة، خاصة مع توسع نفوذ تنظيم "القاعدة" ومساندة عدد من قبائل الجنوب والشمال للجماعات المسلحة في ظل ضعف السلطة المركزية في صنعاء.

فقد استطاع التنظيم بسط سيطرته على عددٍ من مناطق البلاد وتوسيع أنشطته الإرهابية من خلال استهدافه للمقار الرسمية وتصفيته لمسؤولي الأمن واختطافه للرعايا الأجانب، بالرغم من الحملة العسكرية الواسعة التي قادها الجيش اليمني ضد هذا التنظيم.

واتخذت الأزمة اليمنية منحنىً جديداً عقب سيطرة جماعة "الحوثي" على العاصمة صنعاء وعلى معظم المحافظات والمدن في شمال وغرب البلاد وقيادتها لحركة احتجاجية واسعة عقب الإعلان عن رفع الدعم عن أسعار الوقود في أغسطس الماضي.

وطالبت الجماعة بتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال تطبيق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني وما حملته من مشاريع وأفكار تشرك المكون الحوثي في أجهزة الدولة والحياة السياسية عموماً في اليمن، وبالمقابل عاد "الحراك الجنوبي" للواجهة حيث صعد من تحركاته من أجل استقلال الشمال عن الجنوب ودعا أنصاره إلى العصيان المدني بحجة أن صنعاء تغتنم ثروات اليمن الجنوبي السابق (اندمج شمال اليمن مع جنوبه عام 1990) لصالح مسؤولي الشمال.

ولحلحلة الأمور تعهد الرئيس عبدربه منصور هادي بتصحيح الأخطاء التي ارتكبت مع الجنوبيين وتعويض آلاف الموظفين من ضباط وجنود الجيش السابقين، الذين تم تسريحهم بعد الحرب التي قادها الجنوبيون ضد الحكومة عام 1994 أو إعادة كثيرين إلى مناصبهم، وتم التوقيع على "وثيقة حل القضية الجنوبية" التي تقدم بها المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر برعاية عددٍ من القوى السياسية والتي تقسم البلاد إلى ستة أقاليم أربعة في الشمال واثنان في الجنوب.

وعلى الطرف الآخر بلغ الوضع الاقتصادي في اليمن "مرحلة حرجة" خلال عام 2014 بسبب العجز الكبير، الذي تعاني منه الموازنة العامة للبلاد وارتفاع قيمة الدين العام في ظل انخفاض الإيرادات العامة جراء العمليات التخريبية التي تطال أنابيب نقل النفط.

وقد تكبد الاقتصاد اليمني خسائر بقيمة 7 ملايين دولار جراء التفجير المتكرر لخطوط نقل النفط والغاز وشبكات الكهرباء على يد مسلحين قبليين منذ الانتفاضة الشعبية في 2011، وأدت الأزمة الاقتصادية إلى اتجاه الحكومة نحو مرحلة تقشف تعتمد على تقليص الإنفاق وتنفيذ مراجعة كاملة لمستوى وطرق تحصيل الأوعية الضريبية ومعالجة التراكمات.

ويحتاج اليمن إلى 11.9 مليار دولار لمعالجة مشاكله الاقتصادية، في الوقت الذي تتعثر به كافة المشاريع الإنسانية بسبب بطء تمويل خطة الاستجابة الإنسانية لهذا العام، إذ يعد بتعداد سكانه البالغ 25 مليون نسمة - وفقاً للبنك الدولي - من الدول الأشد فقراً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث يعيش حوالي 44 بالمائة من السكان تحت حاجز الفقر وتتجاوز نسبة البطالة بينهم 35 بالمائة.

تراجع دخل الأسرة 40 بالمائة

وفي مجال القدرة الشرائية أدى تراجع معدلات الدخل في اليمن إلى تراجع حجم القدرة الشرائية للمستهلكين في اليمن لمستويات متدنية خلال العام الجاري 2014، حيث وصلت نسبة تراجع القدرة الشرائية للمستهلكين إلى 40% مقارنة بالأعوام السابقة وسط تأثير كبير على النشاط الاقتصادي الذي يديره القطاع الخاص في البلاد.

وتعد القدرة الشرائية المتدنية للأسر اليمنية من أهم الأسباب التي تقود للركود في السوق اليمنية حسب ما يؤكد الخبير الاقتصادي نبيل الطيري، إذ أن مستوى دخل الأسر تراجع خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة بنسبة 30-40% ليس لأن رواتبهم أو مستحقاتهم قلّت بل نتيجة للتغيرات، التي حدثت في هيكل الأسعار على السلع من جهة وعلى تكاليف النقل من جهة أخرى.

 وهذا أدى لتراجع المستوى الاقتصادي للفئات متوسطة الدخل بشكل يدعو للدهشة فقد بينت حسابات الإنفاق والاستهلاك أن الأسر في هذه الفئة باتت في مستوى أقل، وهي الآن في مستوى الأسر الفقيرة، حسب معايير الدخل، مما يكشف أن الأسر المتوسطة لم تعد موجودة بالمعنى الاقتصادي.

ويصف الدكتور اسماعيل الجيلاني الخبير المصرفي وضع نفقات الدولة بأنها مزرية، فهي لم تعد تهتم بالإنفاق الاستثماري، الذي يعول عليه تنشيط البلاد اقتصاديا بالمعنى الاقتصادي، إذ اقتصرت نفقاتها على رواتب الموظفين وكفى، وكأنها لا يعنيها بقية قطاعات الاقتصاد، وخصوصاً مستوى التشغيل الذي يعود بالنفع على القطاع العمالي غير الموظف مع الدولة.

ويجزم أن الحكومة هي السبب في حصول الركود للنشاط الاقتصادي، فمن خلال تصرفاتها غير المهتمة بالنشاط الاقتصادي في البلاد، وإلا كيف تسمح لنفسها بوقف مستحقات قطاع كبير كقطاع المقاولات مثلا، والذي يشغل المئات من الآلاف من العمال، ومهن عديدة تعتمد على حركته، فهناك عدم مبالاة وسوء إدارة اقتصادية بالدرجة الأولى.

ولفت إلى أن الخبرة الإدارية في إدارة نفقات الدولة مفقودة فهناك خلال في صرفيات المشروعات فعند صرف تكلفة مشروع 100 مليون ريال، يتضح فيما بعد أنه يحتاج ل120 مليون ريال، وهكذا يتوقف من أجل الحصول على 20 مليون لعدة سنوات ثم يعاد العمل به وتكون التكلفة قد وصلت إلى 50 مليون ريال.. وهكذا فوضى غير متوقفة، ساعد على انتشارها عدم وجود الرقابة الشعبية التي يفترض بها السؤال عن نفقات الحكومة وأين تذهب ولمن تذهب؟!

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد