;
نبيل حاجى نائف * الحلقة الأولى
نبيل حاجى نائف * الحلقة الأولى

في دماغنا عقلان .. عقل يفكر وعقل يشعر 2019

2008-08-12 04:41:24


أصبح بالإمكان للمرة الأولى في تاريخ البشرية أن نرى رؤية العين ما كان دائماً مصدر غموض شديد، أي كيف تعمل هذه المجموعة المعقدة من الخلايا في الأثناء التي نفكر فيها أو نشعر, أو نتخيل، أو نحلم.

وذلك بفضل التكنولوجيا المتقدمة لتصوير المخ.

هذا الفيض من البيانات العصبية البيولوجية يجعلنا نفهم أكثر بكثير من أى وقت مضى كيف تحركنا مراكز " المخ " الخاصة بالعواطف والانفعالات، فتجعلنا نشعر بالغضب أو بالخوف، أو نحزن ونحبط أو نبكى بالدموع.

وكيف توجه أجزاء المخ الأقدم، والتي تدفعنا إلى أن نقود حرباً، أو نمارس مشاعر الحب.

هناك شواهد متزايدة اليوم على أن المواقف الأخلاقية الأساسية في الحياة تنبع من قدرات الإنسان الانفعالية والعاطفية الأساسية.

وأن فهم التفاعلات بين تراكيب المخ التي تتحكم بانفعالاتنا وعواطفنا يكشف الكثير فيما يتعلق بكيفية تصرفاتنا الانفعالية والعاطفية، وكذلك العقائدية.

لقد نما " المخ " على مدى ملايين السنين من التطور، من الجزء القاعدي إلى المراكز العليا, حيث تطورت مراكزه الأرقى من الأجزاء الأقل تطوراً والأقدم، وأكثر أجزاء المخ بدائية هو جذع الدماغ المحيط بالحبل الشوكى وهذا الجزء مشترك بين كافة أنواع الفقريات، فهذا الجزء " القاعدي " من " المخ " ينظم وظائف الحياة الأساسية, مثل التنفس والتمثيل الغذائي.., كما يتحكم في ردود الفعل والحركات النمطية.

هذا المخ البدائي لا يمكن أن يفكر أو يتعلم, لأنه ليس أكثر من مجموعة أدوات تنظيم مبرمجة تحافظ على استمرارية قيام الجسم بوظائفه كما ينبغي والاستجابة بطريقة تضمن البقاء. كان هذا " المخ " سائدا في عصر الزواحف.

نشأت مراكز المشاعر من جذع الدماغ - أصل المخ الأكثر بدائية - ثم نشأ العقل المفكر أو " القشرة الدماغية الجديدة أي اللحاء" مع تطور هذه المراكز العاطفية بعد ملايين السنين من مسيرة التطور.

هذه القشرة الجديدة عبارة عن انتفاخ بصلي كبير مكون من لفائف نسيجية تشكل الطبقات العليا من " المخ ".

ونشوء العقل المفكر الذي هو ناتج عن عمل اللحاء بشكل أساسي فوق العقل الانفعالي الذي هو ناتج عن عمل الدماغ الحوفي يكشف عن العلاقة بين الفكر والمشاعر والانفعالات، فقد كان العقل الانفعالي موجوداً في "المخ" قبل وجود العقل المنطقي بزمن طويل.

إن أقدم أصل لحياتنا الانفعالية هو حاسة الشم أو " الفص الشمى " أي الخلايا التي تستقبل واردات حاسة الشم وتحللها. فكل مفيداً أو ضار، أو رفيقاً جنسياً، أو مفترسا، أو فريسة، كل كيان من هذه الكيانات له بصمة جزيئية مميزة يمكن أن تنتشر في الهواء.

لذا كان الشم في تلك الأزمنة البدائية هو أهم حاسة حاسمة للبقاء على قيد الحياة.

وقد بدأت المراكز الانفعالية القديمة في التطور من " الفص الشمى " في الدماغ, إلى أن كبر حجمها بالقدر الذي يكفي للتحلق حول مقدمة جذع الدماغ, وكان مركز الشم في المراحل البدائية يتكون من خلايا عصبية على شكل طبقات رقيقة متجمعة, مهمتها أن تحلل الروائح ثم تصنفها, وترسلها إلى مجموعة الخلايا المتصلة بها التي تحدد ما هو صالح للأكل أو ضار،صالح للتعامل معه جنسياً، أو معاد...، ثم ترسل طبقة أخرى من الخلايا رسائل عن النتيجة تبلغ الجسم بما يجب أن يفعله, هل يأكل الشيء أم يتحاشاه، هل يقترب أم يبتعد ويهرب، أو يطارد...

وقد نشأت الطبقات الرئيسية للعقل الانفعالي مع ظهور الثدييات، وهي الطبقات المتحلقة حول جذع المخ، وتشبه عمامة صغيرة بأسفلها تجويف يستقر فيه الجذع، ولأن الجزء من الدماغ يلتف ويحيط بجذع المخ، أطلق عليه أسم " الجهاز الحوفي ".

هذه الأرض الجديدة الخاصة بالأعصاب، أضافت إلى سجل المخ التاريخي عواطف وانفعالات مميزة. فالجهاز الحوفي هو الذي يتحكم فينا حين تسيطر علينا الشهوة أو الغضب أو التراجع خوفا أو الوله والحب..

ويقول د. داماسيو " إن البوابة التي يمر فيها تعلم الإنسان للانفعالات أو نقطة الالتقاء بين التفكير والعاطفة، المتمثلة في الدائرة العصبية ل " الأميجدالا " في مقدم الفص الأمامي للمخ, والتي تمثل المخزن الذي يحتفظ فيه الإنسان بخبراته التي يكتسبها عما يفضله وعما يرفضه خلال حياته ".

لدينا في الحقيقة والواقع عقلان عقل يفكر وعقل يشعر وينفعل.

هاتان الطريقتان المختلفتان للمعرفة, تتفاعلان لبناء حياتنا العقلية.

الأولى طريقة العقل المنطقي السببي وهي طريقة فهم ما ندركه تمام الإدراك والواضح وضوحا كاملا في وعينا, وما يحتاج منا إلى التفكير فيه بعمق وتأمله. وهذا العقل يعمل بطريقة التسلسل وبمعالجة منحى واحد من الأحداث أي يدرس ويعالج سلسلة أفكار واحدة.

الثانية طريقة العقل الحوفي، والعاطفي والانفعالي وهو مندفع وغير منطقي أحيانا. وهو يعمل بالتوازي، أى بمعالجة عدة مدخلات حسية في نفس الوقت, ويركز على واحد ويضع الباقى في الانتظار ريثما ينتهي منه.

وهناك تأثير متبادل بين الانفعال والتفكير.

فقنوات الاتصال بين النتوء اللوزى " الأميجدالا " والتراكيب الحوفية المتصلة به وبين اللحاء " القشرة الجديدة " هي محور كل المعارك واتفاقات التعاون بين العقل والقلب "العاطفة "، بين التفكير والشعور.

هذه الدوائر العصبية تفسر أهمية الانفعال الحاسمة لفاعلية الفكر في اتخاذ قرارات حكيمة، وإتاحة الفرصة للتفكير الواضح.

ويقترب هذا التقسيم الثنائي إلى عاطفي ومنطقي من التمييز الشائع, بين العقل والقلب. فحين يعرف الإنسان بقلبه أن هذا الشيء صحيح " وهذا بمثابة حدس "، فهذا أمر يختلف عن الاقتناع المنطقي السببي.

هذان العقلان - العاطفي والمنطقي - يقومان معاً في تناغم دقيق دائما بتضافر نظاميهما المختلفين بقيادة حياتنا.

ذلك لأن هناك توازنا قائما بين العقل العاطفي والعقل المنطقي.

العاطفة تغذى وتزود عمليات العقل المنطقي بالمعلومات، بينما يعمل العقل المنطقي على تنقية مدخلات العقل العاطفي، وأحيانا يعترض، ومع ذلك يظل كل من العقلين ملكتين مستقلتين، كل منهما يعكس عملية متميزة, لكنهما مترابطتان في دوائر المخ العصبية.

وظيفة الانفعالات والعواطف

إن الوظيفة الأساسية للانفعالات والعواطف هي رفع جاهزية وقدرة الفعل والاستجابة التي تعتبر مناسبة وفعالة في مواجهة ما يتعرض له الكائن الحي، وهي موجودة فقط لدى الحيوانات الراقية, فهناك انفعالات أساسية نشترك بها مع الثدييات الراقية و الرأسيات, وهي انفعال الغضب والخوف والحب.....، وهي انفعالات أساسية قديمة لدينا، وقد نشأت لدينا نتيجة حياتنا الاجتماعية انفعالات وعواطف جديدة وهي خاصة بنا، فهي تكونت نتيجة العلاقات الاجتماعية و الحضارة والثقافة والعقائد...، فقد نشأت وتطورت أنواع كثيرة من الانفعالات والعواطف نتيجة لذلك.

والانفعالات لدينا دوماً تكون مترافقة مع أحاسيس خاصة بها. وهناك انفعالات إخبارية مثل الدهشة والتعجب والترقب والضحك.

وهناك انفعالات مثل الحب والحنان والصداقة، والزهو، الغيرة، الحسد، والكراهية.....، وكل هذه الانفعالات ترافقها أحاسيس معينة خاصة بكل منها.

وأحاسيس الانفعالات لدينا لا تنتج عن واردات أجهزة الحواس فقط، فهي تنتج بعد حدوث تفاعلات وعمليات في الدماغ والذاكرة بشكل خاص، بالإضافة إلى عمل وتأثيرات الغدد الصم, فالغضب لا يحدث لدينا إلا بعد معالجة فكرية، والتي تتأثر بالذاكرة وما تم تعلمه، وهناك تأثير متبادل بين الدماغ والغدد الصم، ويمكن التحكم في إحداث الانفعالات باستعمال تأثيرات كيميائية وفسيولوجية.

أما الضحك والاندهاش وبعض الانفعالات المشابهة فآلية حدوثها تعتمد بشكل أساسي على عمل الدماغ ويكون تأثير مستقبلات الحواس غير أساسي، لذلك هي خاصة بالإنسان وبعض الرأسيات فقط. والأحاسيس الناتجة عن انفعال رعشة الحب تحدث بمشاركة تأثيرات دماغية مع تأثيرات انفعالية مع تأثيرات المستقبلات الحسية.

وهناك الأحاسيس الناتجة عن انفعالات وعواطف النصر أو الفوز والنجاح، أو الهزيمة والفشل، وغيرها وهي تشبه في بعض النواحي انفعال الضحك بأنها تعتمد بشكل أساسي على معالجة ما هو مخزن في الذاكرة.

وهناك الكثير من الانفعالات والعواطف المتطورة الأخرى التي تكونت لدى البشر نتيجة الحضارة والثقافة وهي ليست عامة بين البشر, فهي لا زالت في طور التشكل والتطور والانتشار.

و يبقى الضحك انفعالاً مميزاً وهو ليس آخر الانفعالات التي نشأت لدى الإنسان، وهناك علاقة بين انفعال الضحك والتعجب والمفاجأة والتوقع والتناقض، فالضحك يحدث نتيجة المعالجة الفكرية للحوادث والأفكار والتناقضات...، فالغباء والأخطاء والتناقضات الواضحة أو المستورة قليلاً والمبالغات... هي من عوامل حدوث الضحك، وإن آلية حدوث الضحك تعتمد على:

1- التناقض أو سير الأحداث بطريقة غريبة وغير متوقعة، أو بشكل عكسي.

2- المفاجأة بحدوث غير المتوقع، أو حدوث المدهش، أو ظهور الغباء مع ادعاء الذكاء، أو أدعاء القوة بينما هناك الضعف أو العكس.

3- المبالغة، يا له من غبي جداً- يا له من ذكى جداً يا له من ماكر جداً.......

4- تفريغ المشاعر العدائية، أو الجنسية... والمطلوب إخفاؤها أو كبتها.

كما ذكرنا إن كافة الانفعالات والعواطف لدينا، لها دور و وظيفة فسيولوجية وعصبية ونفسية، فالضحك وظيفته الظاهرة هي الشعور بالغبطة والسعادة، ولكن له دور و وظيفة أعمق من ذلك وهي غير ظاهرة فانفعال الضحك نشأ أخر الانفعالات لدى الرأسيات الراقية فهو موجود بشكل محدود لدى الشمبانزى والأورانج أوتان.

إن الغضب, والحقد، والإحباط, و الكآبة, والرعب، والقلق،..... وكافة الانفعالات المؤلمة والمجهدة للجسم وللجهاز العصبي، وخاصة دارات القلق والتردد والندم والوسوسة والتي تعمل باستمرار تستهلك الطاقات العصبية بكميات كبيرة، بالإضافة إلى أنها تؤدى لجعل الجسم والدماغ يفرز الكثير من المواد الكيميائية العصبية والهورمونات التي تجهد العقل والجسم بدون داع في أغلب الأحيان.......

* كاتب سوري في العلوم الإنسانية.  

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد