;
منتصر حمادة
منتصر حمادة

"تأليه" المادة وتهميش الروح.. مأزق العولمة الأكبر 1672

2008-08-13 05:10:55


بين أيدينا كتاب "العولمة والعلمانية من منظور علم الاجتماع" لصاحبه الباحث المصرى حسين عبد الحميد أحمد رشوان، والذى يُعَرِّف نفسه فى غلاف الكتاب بأنه "كبير مدرسى علم الاجتماع بدرجة مدير عام، أستاذ جامعة الإسكندرية، سابقا". ونعتقد أن الكتاب يصلح للتدريس فى المناهج التدريسية التى تشتغل على عقد مقارنات بين القراءات/النماذج التفسيرية المُرَكَّبة والاختزالية للظواهر الاجتماعية، ومنها ظاهرة العولمة ومعها العلمانية كما نقرأ فى عنوان المبحث.

ثمة مأزق كبير يكمن فى العمل، حيث سيادة نزعة معرفية مشرقية، وتتضح جليا فى ثنايا خطاب ومراجع الكتاب، وحتى فى المقدمة ونقتبس منها فيها بالحرف، أن الكتاب يُعدُّ "إسهاما جوهريا فى فهم العلاقات الاجتماعية العالمية، حيث تطرق إلى مصطلحات العلمانية، والعولمة أو الكونية، أو الكوكبة، وما يتصل بها من إشارات متكررة إلى المتغيرات الدولية، أو العالم المتغير، وركز على هذه المصطلحات التى شاع استخدامها". . "وتبدو أهمية هذا الكتاب فى أنه يلقى الضوء على قضايا العلمانية والعولمة، من منظور علم الاجتماع والنظريات الاجتماعية والثقافية".

تستهدف هذه الدراسة "إدراك مفاهيم هذه المصطلحات التى تختلف فى تعريفها باختلاف المفكرين والحكماء. كما تستهدف الكشف عن العولمة من جميع جوانبها الاقتصادية والسياسية والثقافية والاجتماعية، وما يبغيه المؤيدون لها من تبعية الدول النامية للدول المتقدمة".

لجأ الكاتب إلى سبعة بعد المائة مرجع، ومنها أربع عشرة مجلة عربية، وأربع عشرة جريدة عربية، وثمانية مراجع عربية مترجمة، وستة مراجع أجنبية، إضافة إلى ستين مرجعا عربيا، بيت القصيد، ومعلوم أن الإنتاج العربى "المفهومى والنقدى فى التعاطى مع الظاهرة" لا يمكن أن يخرج عن طبيعة الإنتاج المعرفى العربى إجمالا، ويندرج أغلبه ضمن خانة القراءات والنماذج التفسيرية الاختزالية، فى حين تقل القراءات التفسيرية المُرَكِّبة "ونذكر منها على سبيل المثال فيما يتعلق بقراءة ظاهرة العولمة، ما يصدر عن الباحث المصرى جلال أمين أو الباحث المغربى يحيى اليحياوي"، لولا أن الكاتب يعتبر فى ذات المقدمة بأن ذروة وأهم ما حررته الأقلام العربية فى الموضوع، نجده فى كتاب "العولمة والطريق الثالث" للسيد يسن وكتاب إبراهيم نافع "انفجار سبتمبر بين العولمة والأمركة" "وهو كتاب، برأى المؤلف دائما، "تناول أحداثا ووقائع حديثة، وحلل أوضاع ما بعد 11 سبتمبر تحليلا رائعا""، وابراهيم نافع للتذكير، هو رئيس التحرير السابق ليومية "الأهرام"، ونقيب سابق للصحافيين العرب.

يعج الكتاب أيضا بشهادات وقراءات الغير، ويكاد يصبح تجميعا لهذه القراءات وأحيانا قراءات فى قراءات، فمثلا، نطلع على قراءات لنعوم تشومسكى الأمريكى وعبد الوهاب المسيرى المصرى حول هذه النقطة أو تلك، دون أن نجد لهما أثرا فى مراجع الكتاب، لولا أن الأمر يتعلق بقراءات نقدية لتشومسكى والمسيرى جاءت فى معرض استشهادات لباحثين استشهد بهما الكاتب، وهكذا دواليك، وفى أحيان كثيرة، ننتقل من رؤية هذا الباحث لوجهة نظر ذلك الكاتب، مع اكتفاء المؤلف بتمرير تعليق أو وجهة نظر عابرة.

فمثلا، يستشهد الكاتب بما حرره الباحث محمد البهى عن العلمانية، من كونها "اعتقاد بأن الدين والشؤون الإكليريكية اللاهوتية والكنيسة، والرهبنة لا ينبغى أن تدخل فى أعمال الدولة، وبالأخص فى التعليم العام. ومن ثم يكون الهدف من التحول إلى العلمانية هو التخلص من الرهبنة والعهد الرهبني"، ليستشهد مباشرة بالذى حرره المسيرى من أن الرهبنة هى فصل للدين عن الدولة هو تعريف قاصر وساذج، لأنه يحصر العولمة فى إطار ما يسمى بالحياة العامة، وفى المجالات السياسية والاقتصادية فحسب، وكأن حياة الناس خاصة وأحلامه وأسلوب حياته تظل بمعزل عن عمليات العلمنة. لكن المعروف أن مؤسسات الدولة وصناعة الترفيه واللذة فى المجتمعات الحديثة قد تغلغلت فى حياة الإنسان الخاصة دون أن ندرى ما إن كان الأمر يتعلق باستشهاد من إحدى أعمال هذا الأخير، ونحن لا نطلع على أثر لأى عمل لمؤلف "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة" فى مراجع الكتاب، أو أن شهادة المسيرى اللاحقة جاءت ضمن شهادة محمد البهى السابقة!

من الأمثلة التى تزكى الحديث عن قراءات تفسيرية متواضعة، حديث الكاتب عن العَلمانية التى تُنسّبُ إلى العالم، "وهى تعنى الدنيوية واللادينية، والعلمانى عند الغربيين المسيحيين: من يعنى بشؤون الدنيا، نسبة إلى العلم بمعنى العالم، وهو على خلاف الكهنوتي، أى استبعاد الدين والكهنوتية فى توجيه شؤون الحياة الدنيا فى السياسة والاقتصاد والعلم والأخلاق والتربية، ورفض كل صورة من صور الإيمان أو العبادة الدينية، واعتبارها من الأمور التى لا ينبغى أن تدخل فى أعمال الدولة". وكان من الأولى، ما دام الكتاب يعج بقراءات حول العولمة والعلمانية، أن يستسهد بالذى حررته العديد من الأقلام العربية فى هذه الجزئية بالذات، ولسنا فى حاجة إلى التوقف عند إبداعات العديد من هذه الأسماء الوازنة فى هذا المقام.

نختتم هذه الملاحظات بالذى حرره المؤلف عن مصطلح العولمة، واصفا إياه بأنه "جديد فى طرحه، انتشر فى أوائل التسعينات فى القرن العشرين فى كتابات سياسية واقتصادية". . والعولمة "ظاهرة ما زالت غير واضحة المعالم، لا من حيث تحديد المفهوم، ولا من حيث اختبارها على أرض الواقع". . "وعيب على العولمة أنها توجه اهتمامها للجوانب المادية، وذلك على حساب الإشباعات الروحية. وقد أخل ذلك بالتوازن الإنساني، وعطل قوى الإنسان الخيرة، وساعد على شراسة قواه الشريرة، وليس بمستغرب ارتفاع نسبة الجريمة والعنف والاغتصاب الجنسى فى ظل إباحية جنسية، وزيادة معدلات الاكتئاب وزيادة الأمراض النفسية، والرفض الاجتماعى للمجتمع، والذى تمثل فى جماعات الهيبز والبتلز وعبدة الشيطان وغيرها كعلامة رفض للمجتمع وأوضاعه الراهنة".

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد