;
المؤلف/ علي محمد الصلابي
المؤلف/ علي محمد الصلابي

صلاح الدين الأيوبي.. وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس ..الحلقة العشرون 2497

2008-09-15 03:30:23




8- مدح الشعراء لعماد الدين عند فتح الرها:

إن كثيراً من الباحثين والكتاب لم يهتموا بالأدب في الحروب الصليبية، بل إن الكثير منهم أطلقوا عليه أدب الانحطا، آخذين بأقوال وآراء المستشرقين الذي رغبوا في أن نبتعد عن دراسة تاريخ وأدب الحروب لأسباب كثيرة منها: رغبتهم في عدم اطلاعنا على وحشية الصليبيين وقسوتهم، ثم حتى لا نشعر بالعزة والفخر ونحن نقرأ عن تاريخ الأبطال المسلمين - عرباً وأكراداً وأتراكاً - يقودون الجيوش وهم يحملون راية الإسلام، مقاتلين ومجاهدين ومنتصرين يترفعون عن القوميات والوطنيات الجاهلية وتجمعهم حب الله ورسوله والجهاد في سبيل الله وابتغاء مرضاته، إن أدب هذه الفترة ما زال بحاجة إلى دراسات مستفيضة، ثم إلى إعادة تقييم وحينئذ سنجد أن آراءنا قد تغيرت تغيراً إيجابياً لأننا سنجد فيه الكثير مما يستحق الدراسة، وسنجد الكثير من الأشعار اللطيفة الرقيقة في الحماسة ووصف المعارك ومديح الأبطال وسنجد الشعر الحزين الباكي في رثائهم.

وهذه باقة طيبة من الأشعار متعلقة بفتح الرها ومدح عماد الدين زنكي، فقد وصف ابن الأثير جيش عماد الدين في خروجه لفتح الرها فقال:

بجيش جاش بالفرسان حتى

طننت البرَّ بحراً من سلاح

وألسنة من العذبات حُمّر

تخاطبنا بأفواه الرَّياح

وأروع جيشه ليلّ بهيم

وغُرَّته عمود للصباح

صفوح عند قدرته ولكن

قليل الصفح ما بين الصفاح

فكان ثباته للقلب قلباً

وهيبته جناحاً للجناح

أ - القيسراني يمدح عماد الدين في فتح الرها: قال الشاعر:

هو السيف لا يغنيك إلا جلاده

وهل طوّق الأملاك إلا نجاده

لقد كان لهذا الفتح رنة فرح في نفوس الناس، وبفتح الرها تغيرت نظرة الفرنج إلى قوة المسلمين، وأعادها عماد الدين زنكي إلى ديار الإسلام بعد أن حكمها الفرنج نصف قرن، ومما جاء في القصيدة:

وعن ثغر هذا النصر فلتأخذ الظبيُّ

سناها وإن فات العيون اتقاده

سمت قبة الإسلام فخراً بطوله

ولم يك يسمو الدين لولا عماده

وذاد قسيمُ الدَّولة ابنُ قسيمها

عن الله ما لا يُستطاعُ ذياده

ليَِهنِ بي الإيمان أمن ترفعت

رواسيه عزَّا وأطمأنَّ مهاده

وفتح حديث في السماع حديثه

سهيَّ إلى يوم المَعَادِ مُعَاده

أراح قلوباً طِزن من وكناتها

عليها فوافى كل صدر فؤادُه

فأوسعها حرَّ القِراع مُؤَّيدّ

بصيرّ بتمرين الألدَّ لِدَادة

كأنَّ سنا لمعِ الأسنةِ حوله

شرارُ ولكن في يديه زناده

فأضرمها نارين: حرياّ وخدعة

فما راع إلا سورُها وانهدادُه

فصدَّت صُدُودَ البكر عند افتضاضها

وهيمها كان السيف حتماً سفاده

فيما ظَفَراّ عمَا البلاد صلاحه

بمن كان قد عمَّ البلاد فساده

فلا مُطُلَقَّ إلا وشدّ وثاقه

ولا مُوثَقّ إلا وحلَّ صِفاده

ولا مِنبرّ إلا ترنحَّ عُوده

ولا مصحف إلا أنار مداده

فإن يشكل الإبرنز فها حياته

وإلا فقل للنجم كيف سَهادُه

وباتت سرايا القمص تقمص دونها

كما يتترى عن حريق جراده

إلى أين يا أسرى الضَّلالة بعدها

لقد ذَلَّ غاويكم وعزَّ رشاده

رُوَيدكُمُ لا مانع من مظفَّر

يعانِدُ أسباب القضاء عِنادُه

مُصيبُ سهام الرأي لو أن عَزَمةُ

رمى سدَّ ذي القرنين أصمى سَدادُه

وقل لملوك الكُفر سُلُم بعدها

ممالكها إن البلاد بلاده

كذا عن طريق الصُّبح أيتها الدَّجى

فيا ظالماً غال الظلام امتدادُه

ومن كان أملاك السَّمواتِ جنده

فأية أرض لم ترضها جياده

ولله عزم ماءُ سيحان ورده

وروضة قسطنطينية مستراده

وله قصيدة هنَّأ بها القاضي كمال الدين بن الشهرُزُوري أَوّلُها: "هي جنة المأوى فهل من خاطب" يقول فيها:

إن الصفائح يوم صافحت الرَّها

عطفت عليها كل أشوس ناكب

فتح الفتوح مبشّرّاً بتمامه

كالفجر في صدر النَّهار الآيب

لله أية وقفة بدرية

نُصرت صحابتها بأيمن صاحب

ظفرّ كمال الدين كنت لقاحَه

كم ناهض بالحرب غير محارب

وأمدكم جيش الملائك نصرّ

بكتائب محفوفة بكتائب

جنبوا الدبور وقد تم ريح الصبا

جندُ النبوة هل لها من غالب

أترى الرَّها الورهاء يوم تمنعت

ظنت وجوب السوِر سورة لاعب

لا أين يا أسرى المهالك بعدها

إن الدَّرُوبّ على الطريق اللاَّحب

أفغَرّكم والثَأرُ رهنُ دمائكم

ما كان من إطراق لحظ الطَّالب

وإذا رأيت الليث يجمع نفسه

دون الفريسة فهو عينُ الواثب

ب - ابن منير يمدح عماد الدين في فتح الرها:

صفات مجِدكَ لفظ جلَّ معناه

فلا استردَّ الذي أعطاكه الله

يا صارماً بيمين قائمُةّ

وفي أعالي الله حداه

اصبحت دون ملوك الأرض منفرداً

بلا شبيهِ إذ الأملاك أشباه

فداك من حاولت مسعاك هِمتُهُ

جهلاً وقصَّرَ عن مسعاك مسعاه

قل للأعادي ألا موتوا به عمداً

فالله خيبكم والله أعطاه

ملك تنام عن الفحشاء همتهُ

تقى وتسهر للمعروف عيناه

مازال يسمك والأيام تخدمه

فيما ابتلاه وتدني ما توخاه

حتى تعالت عن الشعري مشاعره

قدراً وجاوزتالجوزاء نعلاه

وقد روى الناس عن فتح أتيح له

مظل أفف الدنيا جناحاه

علىالمنابر من أنبائه أرج

مقطوبة بفتيق المسك رباه

فتح أعاد على الإسلام بَهجَتهُ

فافترَّ مبسمُه واهتزّ عِطفَاه

يُهُدَى بمتعصم بالله فتكته

حديثها نسَخ الماضي وأنساه

إن الرَّها غير عمَّوريةِ وكذا

من رامها ليس مَغزِا، كمغزاه

أخذت الكواكب عزا ما بغى أحد

من الملوك لها وقما فواتاه

حتى دلفت لها بالعزم يشحذه

رأي ببيت فويق النجم مسراه

مشمراً وبنو الإسلام في شغل

عن بدء عرس لهم أثمار عقباه

يا محيي العدل إذ قامت نوادبه

وعامر الجود لما مح معناه

يا نعمة الله ييستضفي المزيد بها

للشاكرين ويستقني صفاياه

أبقاك للدين والدنيا تحوطهما

من لم يتوجك هذا التاج إلا هو

ولابن منير أيضاً من قصيدة أخرى يقول فيها:

أيا ملكاً ألقى على الشرك كلكلاً

أناخ على أماته كلكل الثكل

جمعت إلى فتح الرها سد بابه

بجمعك بين النهب والأسر والقتل

هو الفتح أنس كل فتح حديثه

وتوج مسطور الرواية والنقل

فضضت به نقش الخواتم بعده

جزيت جزاء الصدق عن خاتم الرسل

تجردت للإسلام دون ملوكه

تبتك أسباب المذلة والخذل

أخو الحرب غدته القراع مفطماً

يشوب بإقدام الفتى حنكة الكهل

وقال أيضاً:

بعماد الدين أضحت عروة الدين

معصوباً بها الفتح المبين

واستزادت بقسيم الدولة

القسم في أدحاض كيد المارقين

ملك أسهر عيناً لم يزل

همها تشديد هم الراقدين

لا خلت من كحل النصر فقد

فقأت غيظاً عيون الحاسدين

كل يوم مر من أيامه

فهو عيد عائد للمسلمين

لو جرى الإنصاف في أوصافه

كل أولاها أمير المؤمنين

ما روى الراوون بل ما سطروا

مثل ما خطت له أيدي السنين

إذ أناخ الشرك في أكنافه

بمئي ألفٍ تلاها بمئين

وقعت طاحت بكلب الروم من

قطعه التين إلى قطع الروتين

إن حمت مصر فقد قام لها

واضح البرهان أن الصين صين

والرها لو لم تكن إلا الرها

لكفت حسماً لشك الممترين

درج الدهر عليها معصراً

لم تدنس بمرام اللا مسين

هم قسطنطين أن يفرعها

ومضى لم يحو منها قسط طين

ولكم من ملك حاولها

فتحلى الحين وسماً في الجبين

هي أخت النجم إلا أنها

منه كالنجم لرأي المبصرين

منيت منه بليث قائد

بعران الذل أساد العرين

زارها يزار في أسد وغى

تبدل الأسد في الزأر الأنين

صولجوا البيض بضرب نثر

الهام في ساحاتها نثر الكرين

يا لها همة ثغر أضحكت

من بني القلف ثغور الشامتين

برنست رأس برنس ذلة

بعدما جاست حوايا جوسلين

وسروج مذ وعت أسراجه

فرقت جماعها عنها عضين

تلك أقفال رماها الله من

عزمه الماضي بخير الفاتحين

شام منه الشام برقاً ودقه

مؤمن الخوف مخيف الآمنين

كم كنيس كنست آرامها

منه بعد الروح في ظل السفين

إلى أن قال:

همة تمسي وتضحي عزمة

ليس حصن إن نحته بحصين

قل لقوم غرهم إمهاله

ستذوقون شذاه بعد حين

إنه الموت الذي يدرك من

فر منه فشجاً للغافلين

وهو يحيى ممسكي عروته

إنها حبل لمن تاب متين

من يطع ينج ومن يعص يكن

من غداة عبرة للآخرين

أقسم الجد بأن تبقى لكي

تملك الأرض يميناً لا يمين

وتفيض العدل في أقطارها

منسياً مؤلم عسف الجائرين

لا تزل دارك كيف انتقلت

كعبة محفوفة بالطائفين

كل يوم يتحلى جيدها

من نظيم المدح بالدر الثمين

كلما أخلص فيها دعوة

لك قالت ألسن الخلف أمين

صلاح الدين الأيوبي مؤلَّف جديد يضيء شمعة أخرى في الموسوعة التاريخية التي نسعى لإخراجها، وهو امتداد لما سبقه من كتب درست الحروب الصليبية، ويتناول الدكتور/ علي محمد الصلابي في هذا الكتاب صراع المشاريع: المشروع الصليبي، والمشروع الإسلامي، ولخص الحملات الصليبية التي سبقت قيام الدولة الأيوبية، والرصيد الخلقي لصلاح الدين وصفاته، وتوسعه في إنشاء المدارس، ومكانة العلماء والفقهاء عنده ، ثم أفرد المؤلف فصلاً كاملاً لمعركة حطين وفتح بيت المقدس، وأسباب الانتصار في تلك المعركة الفاصلة والحاسمة، ثم الحملة الصليبية الثالثة وردة فعل الغرب الأوروبي من تحرير بيت المقدس والتعبئة الشاملة التي حدثت، وأخيراً وفاة صلاح الدين وتأثر الناس بوفاته حتى المؤرخون الأوروبيون أشادوا بعدله وبقوته وتسامحه واعتبروه أعظم شخصية شهدها عصر الحروب الصليبية قاطبة، وستظل سيرته تمد أبناء المسلمين بالعزائم الصلاحية التي تعيد إلى الحياة روعة الأيام الجميلة الماضية وبهاءها.

ونظراً لأهمية هذا الكتاب وما يحتويه من معلومات تهم القارىء الكريم ونزولاً عند رغبته تعمل أخبار اليوم عن نشره كاملاً في حلقات.

 

 

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد