;

نقد العقل العربي:تگوين العقل العربي .. الحلقة «18» 1842

2010-08-09 05:46:14

صفحة من
كتاب


وهنا لا بد من التساؤل: ألا يكون
عمل ابن المقفع مظهراً من مظاهر استراتيجية عامة كانت تهدف إلى تأسيس الثقافة في
المجتمع الجديد ، مجتمع الدولة العباسية، الفارسية العربية ، على موروث ثقافي غير
الموروث العربي الإسلامي؟ ثم ألا تكون عملية "تدوين العلم وتبويبه" التي حدثنا عنها
الذهبي في النص الذي انطلقنا منه آنفاً، نوع خاص من رد الفعل ضد الخطر الذي كان
يشكله ابن
المقفع وأمثاله من المؤلفين "العلمانيين"؟انه مهما كان الجواب عن هذا
السؤال الذي سنعود إليه في فصل لاحق فإن المرء لا يسعه إلا أن يفترض خلفية من
الصراع الاجتماعي السياسي الإيديولوجي وراء عمليات ا لتدوين بمختلف
صورها.

ذلك لأن ما اتصفت به تلك العملية من سرعة وشمول وما انطوت عليه من
تنافس ظاهر على الماضي، وبالتالي على الحاضر والمستقبل، لا يمكن أن يكون عملاً
تلقائياً، غير أن ما يهمنا هنا ليس هذا الصراع ذاته، بل أن ما يهمنا أساساً هو ما
تبقى منه بعد أن أدى وظيفته التاريخية المباشرة: أن ما تبقى منه هو تلك العناصر
الخفية حقاً، التي طبعت الثقافة العربية الإسلامية، وبالتالي العقل العربي، بطابعها
والتي ظلت إلى اليوم تمارس تأثيرها داخل هذه الثقافة، العناصر التي تشكل "شروط
الصحة" التي اعتمدها كل فريق من الفرقاء المتصارعين والتي كانت توجه عملهم وتؤسس
رؤاهم واستشرافاتهم. وإذن فما يجب أن نوجه إليه اهتمامنا بصورة أكثر تركيزاً ليس
الصراع السياسي الإيديولوجي الذي أطر من "الخارج" عمليات التدوين، بل الصراع
الايبيستيمولوجي، صراع " شروط الصحة" وبعبارة أخرى صراع النظم المعرفية في الثقافة
العربية في علاقتها بمكونات العقل العربي المعرفية والإيديولوجية. 4 لنجمل في
خاتمة هذا الفصل خلاصات الفصول الثلاثة الماضية. إن "العقل العربي" الذي سنقوم
بتحليله، تحليلاً نقدياً ، ليس مقولة فارغة ولا مفهوماً ميتافيزيقياً ولا شعاراً
إيديولوجياً للمدح أو الذم، وإنما نقصد به جملة المفاهيم والفعاليات الذهنية التي
تحكم، بهذه الدرجة أو تلك من القوة والصرامة، رؤية الإنسان العربي إلى الأشياء
وطريقة تعامله معها في مجال اكتساب المعرفة، مجال إنتاجها وإعادة إنتاجها. ونحن نقصد
ب"الإنسان العربي" ا لفرد البشري المشخص الذي تشكل عقله، تفتح وترعرع ونما وتقولب،
داخل الثقافة العربية التي تشكل بسبب ذلك إطاره المرجعي الرئيسي إن لم يكن
الوحيد. و"الثقافة العربية" بوصفها الإطار المرجعي للعقل العربي، نعتبرها ذات زمن
واحد منذ أن تشكلت إلى اليوم، زمن راكد يعيشه الإنسان العربي اليوم مثلما عاشه
أجداده في القرون الماضية، يعيشه دون أن يشعر بأي اغتراب أو نفي في الماضي عندما
يتعامل فكرياً مع شخصيات هذا الماضي، أدبائه ومفكريه، بل بالعكس هو لا يجد تمام
ذاته، لا يشعر بالاستقرار ولا بحسن الجوار إلا باستغراقه فيه وانقطاعه له. والثقافة
العربية بهذا المعنى، وبالتالي العقل العربي ذاته، إنما تشكلت ككيان ثبتت أركانه
وتعينت حدوده واتجاهاته خلال الفترة المعروفة في تاريخ هذه الثقافة ب"عصر التدوين"
، الفترة التي رسمت خلالها في الوعي العربي، صوره العصر الجاهلي والعصر الإسلامي
الأول، وهي نفسها الفترة التي نقلت خلالها إلى اللغة العربية، وبالتالي إلى الوعي
العربي ذاته، صور من الثقافات "الأجنبية" تحت ضغط هذه الحاجة أو تلك. ومن خلال هذه
الصور التي استعادها الوعي العربي في عصر التدوين عن الماضي، ماضي العرب وماضي
غيرهم، ترسخت في الذهن العربي طرق في التفكير تشكل في ترابطها وتفاعلها مع مفاهيم
ذلك العصر ما ندعوه هنا ب"العقل العربي". وإذن فعصر ا لتدوين هو الإطار المرجعي
الحق للعقل العربي وليس العصر الجاهلي ولا العصر الإسلامي الأول ولا ما قبلهما. دليل
ذلك أن ما نعرفه عن ما قبل عصر التدوين إنما تم بناؤه في هذا العصر نفسه، كما أن ما
جاء بعده لا يفهم إلا بربطه به نوعاً من الربط. وبعبارة أخرى أن عصر التدوين حاضر في
الماضي العربي الإسلامي السابق له وفي كل ماض آخر منظور إليه من داخل الثقافة
العربية الإسلامية، كما هو حاضر في مختلف أنواع "الغد" التي أعقبته "= عصر
التدوين". هو حاضر في كل ذلك بكل معطياته وصراعاته وتناقضاته الإيديولوجية وأيضاً،
هذا ما يهمنا بالدرجة الأولى، بكل مفاهيمه ورؤاه وأدواته المعرفية. وبتعبير آخر: أن
المعطيات والصراعات والتناقضات التي عرفها عصر التدوين والتي تشكل هويته التاريخية
هي المسؤولة عن تعدد المقولات وصراعها في العقل العربي. وأخيراً فإذا كنا قد صادرنا
على المطلوب في بعض المسائل التي أثرناها في هذه التحديدات الأولية فإن الطابع
"الأولي" لهذه التحديات يسمح بذلك.
ومع هذا فنحن نعتقد أن الفصول الثلاثة
الماضية قد قدمت ما يجعلها، ليس فقط مبررة بوصفها أدوات عمل، بل أيضاً واعدة برؤية
جديدة وآفاق جديدة. ولذلك فإنها ستظل حاضرة معنا تغني البحث، وفي نفس الوقت يغنيها
ويثبتها. على أن عملية تحديد المفاهيم ستبقى مهمة لا تنتهي إلا بانتهاء الكتاب. العقل
العربي هو البنية الذهنية الثاوية في الثقافة العربية كما تشكلت في عصر
التدوين. .
تلك هي الخلاصة المجردة التي خرجنا بها من هذا القسم الأولى من
الكتاب، ويبقى علينا أن نثبتها ونرتفع بها إلى مستوى الحقيقة التاريخية، لا بل
الحقيقة العلمية. وسيكون ذلك ب"التحليل الملموس للواقع الملموس". وهذا ما سنقوم به
في لحظتين: لحظة الدراسة التكوينية للعقل العربي، ولحظة التحليل البنيوي لأساسيات
المعرفة في الثقافة العربية أي لبنية العقل العربي ذاته، ولحظة التحليل البنيوي
لأساسيات المعرفة في الثقافة العربية أي لبنية العقل العربي ذاته، اللحظة الأولى
خصصنا لها هذا الكتاب الأولى واللحظة الثانية ستكون موضوع الكتاب الثاني. * القسم
الثاني: تكوين العقل العربي المعرفة والإيديولوجي في الثقافة العربية*الأعرابي صانع
"العالم" العربي 1 ثمة معطيات كثيرة يمكن أن تبرر إعطاء الأولوية للغة العربية
في دراسة مكونات العقل العربي. فالعربي يحب لغته إلى درجة التقديس، وهو يعتبر السلطة
التي لها عليه تعبيراً ليس فقط عن قوتها، بلعن قوته هو أيضاً. ذلك لأن العربي هو
الوحيد الذي يستطيع الاستجابة لهذه اللغة والارتفاع إلى مستوى التعبير البياني
الرفيع الذي تتميز به. أما الباقي فهم "أعاجم" و"الأعجم": الذي لا يفصح ولا يبين
كلامه" ومنه: الحيوانات العجمى. ومن هنا يمكن القول أنه كلما كان العربي أقدر على
التعامل مع اللغة العربية، تعبيراً واستجابة، كان أكثر امتلاكاً لما به الإنسان هو
إنسان: فالعربي "حيوان فصيح" ، فبالفصاحة وليس بمجرد "العقل" تتحدد ما هيته. ويمكن
تبرير إعطاء الأولوية للغة العربية في دراسة مكونات العقل العربي من زاوية أخرى:
ذلك لأنه إذا كان أهم ما ساهم به العرب في الحضارة الإسلامية التي ورثت الحضارات
السابقة لها هو اللغة والدين، فغن الدين الإسلامي بقي عربياً، ولا يمكن أن يستغني
عن لغة العرب، لأن القرآن وهو "كتاب عربي مبين" لا يمكن نقله إلى لغة أخرى دون
المساس به. ف"العربية جزء من ماهيته" كما يقول علماء أصول الفقه، ونستطيع أن ندرك
أبعاد هذا المبدأ الأصولي في الإسلام إذا لاحظنا ذلك الدور البالغ الأهمية الذي
تلعبه اللغة العربي في الدراسات والأبحاث الإسلامية، عقيدة وشريعة. إن كثيراً من
الخلافات المذهبية، الكلامية والفقهية، مرده إلى اللغة، أي إلى ما تتوفر عليه اللغة
العربية من فائض في ألفاظه، وما يتوفر عليها اللفظ العربي من فائض في المعنى، وما
تتميز به التراكيب العربية من تنوع. أما الخلافات السياسية التي كانت تحركها أصلاً
دوافع اجتماعية، اقتصادية أو طائفية، فقد وجدت هي الأخرى في النص الديني العربي،
بفضل مطاوعة اللغة العربية وانفتاحها، ما تتخذ منه سنداً أو غطاءً. وثمة اعتبار آخر
يمكن أن يبرر إعطاء الأولوية للغة العربية في دراسة العقل العربي: مكوناته
وآلياته. أنه المعطى التكويني نفسه، ذلك أن الواقع التاريخي يؤكد بما لا يدع مجالاً
للطعن فيه أن أول عمل علمي منظم مارسه العقل العربي هو جمع اللغة العربية ووضع
قواعد لها. وفي حالة كهذه يكون من الطبيعي تماماً أن يتخذ العمل العلمي الأول، الذي
أنتج علم اللغة وعلم النحو، نموذجاً للأعمال العلمية الأخرى التي قامت من
بعده.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد