;
عبد الحفيظ الحطامي
عبد الحفيظ الحطامي

بعد "4"عقود ونيف من السنين .. إنهم يعاقبون جيل الثورة لرفضه اختزال غاياتها النبيلة 1818

2010-10-03 13:17:38


الإهداء : إلى كل قلم يكتب بضوء صباحات الثورة التي لا نزال عالقين بقيمها وأهدافها
هناك من يسعى من داخل السلطة وخارجها وأهدافها إلى اختزال التاريخ والحضارة اليمنية في مجرد أغاني باردة تمجد حاضر وحاضرة الحكام، في محاولة منهم لإقناعنا بأنهم يستحقون تصفيق الأيدي العاطلة والمتسولة والواجفة والمذعورة من القادم المخيف ، أو إنهم يستحقون هتافات الحلوق المبحوحة وحشرجات مفترشي الجولات والشوارع والأرصفة وأبواب المساجد والشركات وتلأسواق وسجون ما قبل الترحيل خلف الحدود الشائكة وليس أخيراً المتدثرين في مخيمات النزوح من حروب بلا هوية ولا ملامح .. كل شيء خمد وانطفأ، لقد تعبنا عبور مسافات قدر الانحناء .. لنبحر اليوم ورؤوسنا مرفوعة لنعبر كل التحديات بأرواح ممتلئة بالتغيير وعقولنا مفعمة بثقافة النضال السلمي كوفاء لمن بذلوا دمائهم من أجل تحررنا من الفقر والجهل والمرض الذي لا يزال يعرش في مرابعنا رغم مرور 4 عقود ونيف من السنين على الثورة ..
دار حديث ودي بيني وبين زميل صحفي ـ خارج الوطن طبعاً ـ قال لي: من المؤسف أيها الزميل أن يتم التضييق عليكم معاشر الصحفيين في اليمن بهذه الأساليب المتتالية من القمع والمصادرة رغم كل الزعيق الثوري عن الحرية والديمقراطية ، إن تعمد السلطات القضائية في إصدار أحكام متتالية تمنع فيها صحفيين يمنيين من الكتابة ، وتغلق صحفاً وتصادر أخرى وتمارس القرصنة على صحافتكم الالكترونية ، وتمنع صحفاً من الطباعة ، وأن يغيب صحفي عن أهله وأسرته أشهر ولم تكشف جهات الاختطاف عن مكانه إن لم تكن أجهزة السلطة نفسها هي من قامت بهذا الدور ، دمت يا أخي وكل عام وأنتم بخير ، قلوبنا معكم مع فائق اعتزازي بكل قلم يستعصي على التغييب والغياب في ساحة الهامش الديمقراطي.
فأجبته عليه برسالة بريدية قلت له: إيه أيها الزميل إننا نقبع فيما يشبه سجن تتسع حوله دوائر جهنم التي يوقد فتيلها في ساحاتنا اللصوص والقتلة وتجار السلاح ومختلقو الأزمات التي تحاصرنا وتعيث الفساد والقهر والتسلط في مضارب البلاد السعيدة ، سجن يقال لنا عبثاً من الشاشة الصغيرة الرسمية جداً إنه وطن، تأكل غربان الفساد من رؤوسنا وجيوبنا ، بينما صقور ونسور وضباع القصر تنهش ما بقي من أشلاء عمرنا المكدود، تلعق ما بقي من عرقنا ودمنا وأشلاء حياتنا وأحلامنا المصادرة ، تسرق الابتسامات المرحة من شفاة طفولتنا المستباحة بالفاقة والقهر والحرمان ، وأنا وبقية السجناء في الصباحات الحزينة كما في شجن المساء الكئيب ، نحاول قسراً الخروج من قمقم الصمت وبلادة هذا الواقع المخاتل ، نجدف في بحار التفكير بحثا عن موطن قدم في حياة كريمة تليق بنا كآدميين ، ليجد البعض منا ـ مع دواعي الأسف ـ متورطين في معصرة الحاكم ، يعصرون من وقتهم ومالهم وعرقهم ورسالتهم ملعقة ذهبية للحاكم بغية أن يرضى عنهم مقابل الفتات ، إننا نشهد في هذه البلاد صوراً مصطنعة ، ومشاهد من جنون الفنتازيا المسفوحة على امتداد الخريطة المتورمة بشظايا الانفجار ، نمعن من شرفات عمرنا المكدود فنرقب من يرقص على أوجاعنا ـ نحن اليمنيين ـ .. وآن لنا أن نبحر إلى مساحات التغيير والنضال السلمي لانتزاع حقنا في حياة كريمة ..
يتبدل الزمن حولنا ولا نتبدل ، الأمنيات والأحلام المخذولة هي ذاتها تتربع في كوامن طفولتنا ، نتوارثها منذ الأجداد وحتى الآباء ، لنصحوا نحن الأبناء على ذات الأحلام والأمنيات الذابلة .. كل شيء من حولنا يتغير ونحن القابعون على الكراسي لا نتبدل ، نتوارث نحن التصفيق والهتاف والملق والشائعات ، وهم يتوارثون الوكلات والشركات والوزارة والمقاولات والمناقصات والوظائف والدوائر الانتخابية والمحلية .. أعمارنا تقضي هكذا دلهفة ابن الوزير وزير وابن الرئيس رئيس وابن العسكري عسكري وابن الخادم خادم وابن القبيلي قبيلي.
نبتلع حيال كل المتغيرات مرارات المداهنة والهتاف السمج ، من يجرؤ على التنفس في هذه الأجواء المعتمة يا أخي.
أربعة عقود ونيف من السنين على الثورة والجمهورية ، والحروب الأهلية تلتهم أجساد اليمنيين بصمت ، تحت مبررات شتى ولا فتات خرساء نحيلها إلى عداوات وتمترسات ونختلق من بعضنا أعداءً حقيقين، نتقاتل معهم كأشد ما يكون عليه الأعداء في خنادق الموت ، "حلفاء الأمس أعداء اليوم" تتبدل الولاءات وتتغير النكايات وتتناسل الأزمات كالمسوخ ، لا هوية لأية أزمة وحرب وصراع دامي ينفجر هنا أوهناك في هذه الربى السعيدة !! الجميع يحاول إقناعنا قسرا أن الآخر اليمني ، هو الخائن والعميل منذ أن أطلق الأئمة على الثوار والثورة الدستورية وقادتها بأنهم كفرة ومرتدون يريدون تغيير القرآن، حين طالبوا بدستور للبلاد يقيم العدل والمواطنة المتساوية ويحررنا من كهنوت البغي والاستبداد ، وذلك بهدف إبقاء عروشهم وكروشهم على كاهل هذا الشعب.
واليوم ـ يا أخي ـ يكرر التاريخ نفسه ـ ما أشبه الليلة بالبارحة ، بنفس الصورة ونفس الاتهامات وكلها من أجل الحفاظ على العروش والكروش وليذهب الشعب إلى الجحيم ، فحين تطالب القوى الوطنية بإصلاح جذري للأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية وإصلاح نظم التداول السلمي للسلطة ، وتأسيس رؤية إنقاذ وطني لإخراج البلاد من أزماتها المحدقة والمتتالية ، فجأة تتحول هذه القوى الوطنية في خطاب السلطة وحكامها إلى إنهم متآمرون وخونة وخارجون عن ولي أمر المسلمين ـ بحسب خطاب سلفي مدعوم من السلطة ـ وتمضي هذه الاتهامات الرعناء في سبيل تحميل كل مطالبات الإصلاح أنها من تخطيط وتدبير الأعداء المفترضين في عقلية الحاكم وسلطته ، وكلما يا ـ أخي ـ أشبعونا خطابات كسيحة عن منجزات مشاريع الطرق ، يتفاقم أعداد المتوفين بعشرات الآلاف في الحوادث المرورية كحرب سرية تمضغ أجساد اليمنيين بفعل غياب التخطيط والفوضى والإهمال ، تقتات حوادث السيارات ووعورة الطرقات أجساد اليمنيين بشراهة فائقة ، نموت بالأوبئة يا ـ أخي ـ رغم أن القضاء على المرض من أهداف الثورة المجيدة ، ونعلق داخل الحدود الشائكة ، نموت عطشا وجوعاً في صحراء الربع الخالي وبيشة وجيزان ، نموت بتهمة الانتماء للجماعات المسلحة التي صنعها الحاكم لإشعالنا وإشغالنا بها .. في قوافل التهريب السرية نقضي وداخل الحافلات والسيارات والشاحنات الغادرة نموت بأعين مفتوحة ونحن في طريقنا للبحث عن رغيف الخبز لدى الأشقاء ، نقتل حرقاً وغرقاً من دول الجوار .. ولا تحظى قضايانا حتى بمجرد مجاملة ولو من باب الدعاية لوضعها في برتوكولات اللقاءات والمفاوضات والاتفاقيات المعلنة والسرية .. نموت غير مأسوف علينا بتهمة التسلل والتهريب والإرهاب ، في قوارب الصيد الشحيحة نعتقل ويصادر منا كل شيء حتى الكرامة التي نمتلكها تداس وتنتهك في سواحل تيعوة الإريتري وسواحل الشركاء في البحر الأحمر .. وحين يصرخ الصيادون ويناشدون ترتد عليهم الإجراءات مزيدا من الرسوم والإتاوات في الداخل فيخلدون إلى الصمت ، نموت في نعوش الغربة ، ويمتهن أطفالنا التسول للبحث عن فارق الصرف ، ويسيل حكامنا ماء وجوههم في تسول جماعي بنا، فيما يتحول بعض أطفالنا إلى عاهات تتسول بهم عصابات التهريب في شوارع دول الجوار ، نقتل بالوكالة في حروب الدولار والريال السعودي، نموت يا سيدي بالكبد الوبائي والسل والسرطان والملاريا وحمى الضنك ، ويتحدث المسؤولون في بلادنا بأن ميزانية وزارة الصحة في دولة اريتريا أكثر بكثير من خزينة وزارة الصحة في العهد الصالح..
نسمع عن انتخابات وتعلن نتائج تلو أخرى وكلما جاءت انتخابات لعنة أختها ليتراجع دور مجلس النواب إلى مادون ذلك من السلبية والصمت والشغف بالهدر والتوصيات العقيمة والمصادقة على الاتفاقيات المخصية ، نموت من تلفيقات الصحف الرسمية ومن فبركات نشرات أخبار التاسعة التي تطوقنا بالأكاذيب والفضائح والدجل والملق والزيف .. ليبقى الفقر هو المعرش الوحيد فينا ، كلما وعدونا بالتنمية المستدامة .. أقعدتنا البطالة وأجهضتنا الفاقة ، يحاول بعض المهمشين أن يسكنوا بضع مترات في هجير الحديدة القائض "لا ماء ولا كهرباء" ليقيموا فيها سكناً من صفيح لآدميتهم ، لكن مافيا نهب الأراضي تحول كل شيء إلى أحواش كبيرة وفلل فارهة وجمعيات وشركات أراضي واستثمار قذر لأرواح المسحوقين والمقهورين والمنبوذين.
أحزابنا السياسية غافية، دائخة ـ ساكنة تتحدث بثراء فاحش عن النضال السلمي ، تضع الرؤى والاطروحات والمبادرات والبرامج وفجأة نجدها في مخدع السلطة قريبة من القصر بعيدة عن الشارع وأشواقه وأوجاعه ، تسقط في براثن السلطة منذ أقرب انتخابات وحتى آخرها ، شاهدة زور على ديمقراطية كسيحة ، وتدفع بأعضائها في معارضة شكلية لتجميل مشهد ديمقراطي فاقع لا يسر الناظرين في الداخل والخارج..
نموت من فرط العبث بجمال شواطئ عدن والمكلا والحديدة والمهرة وسواحل أبين الذهبية، لكننا لا نرى فيها سوى لافتات شركات الأراضي ومصبات المجاري وناهبي الأراضي وعصابات التشطير والتمزق ومافيا المخدرات والتهريب وسارقي الثروة السمكية ولصوص الشواطئ الغير آمنة والمؤمنة والمستباحة، والخراب يطال جمال سواحلنا في الوقت الذي تعيش فيه عواصم مدننا المنسية بلا مجاري، فأنوفنا مزكومة من روائحها الكريهة تنعم عيوننا بالقمامات الوارفة ،نتعايش مع البعوض والحشرات القارضة .. نموت من الكلاب المسعورة وسيارات الشرطة وعجلات المراهقين في سيارات السادة الوزراء وكبار القوم ومشائخ القبائل وتفحيطات أولاد البشوات ومن ساورهم وما أكثرهم في البلاد السعيدة، إنهم يتزايدون أكثر بكثير من المثقفين والأدباء والشعراء والكتاب ومتصفحي الانترنت.
قضاتنا أدانوا أصحاب الأقلام النظيفة والرافضة للإذعان وقضوا بحبسهم وسجنهم ونفيهم ومنعهم من حق كتابة السطور في صحف تعيش بأشلاء رئهة مختنقة بالمحاكمات والتجسس وفوبيا الترصد ومخبري مطابع الاستثمار الرسمي والتي يقال إنها من منجزات ثوراتنا وثرواتنا ، وفي المقابل يفلت القتلة والمجرمون والخونة والمهربون وقطاع الطرق وأصحاب الثارات وخاطفو السياح ومن على شاكلتهم في الإجرام تجاه هذا الوطن فمن سيحاكم من يا سيدي ؟!..
في هذه البلاد المنهوبة ، من يملك بندقية وقبيلة وشيخاً وظهراً إلى عسكرتاريا الفساد يبقى بعيداً عن المساءلة ، من يجرؤ على الإشارة إليه، مجرد الإشارة بالبنان، ناهيك عن نطق حكم بإدانته بقضايا قتل أو فساد أو تهريب وغيرها من معضلات البلاد التي تسبب فيها هؤلاء.
يا ـ أخي ـ يصعب علي حشد الشواهد والدلائل التي لا تحتاج إلى استنطاق شواهدها المؤلمة ، في عهود الطوابير الطويلة نعيش وتسير حياتنا مجبرة على حياة الطوابير، من طوابير الغاز إلى طوابير المياه، إلى طوابير الضمان، إلى طوابير الأسرة في المستشفيات الحكومية، إلى طوابير الانتخابات ، التي تقودنا إلى نتائج وخيمة وخائبة.
لقد تطبعنا مع صراخ آلاف الموتى والقتلى والجرحى والمشردين والقابعين تحت الخيام، تحت المطر والبرد والرياح ، أنات الأطفال وتوجع النساء والشيوخ العجز والمرضى يتسرب إلى أرواحنا كطنين سرمدي ، لا يكاد يفارق مسامعنا.
يا أخي لقد تنامى الكذابون والمنافقون ومحتكرو الثروة والثورات وتجار القمح والأرز والنفط وناهبو الأراضي ومدمنو ترويض الناس وإشاعة الفقر والقهر في نفوسهم .. يتناسل ناهبو البنوك وقطاع الطرق ومزورو الانتخابات ومروضو الضمائر وعشاق الكراسي وبائعو الكلام ومافيا الأوطان ومغتصبو الأطفال والنساء وأفاعي الخصخصة وناهبو المال العام ، وقراصنة الشركات والمقاولات وخاطفو السواح ، ومبتزو رجال المال والأعمال.. إنهم يتناسلون كالجرب القاتل الذي يشوه ملامحنا.
لقد استلذوا صمتنا .. فخدشوا وحفروا وسرقوا ونزعوا وقتلوا ونهبوا ودفنوا وغنوا وضحكوا وفرحوا ورقصوا وابترعوا وعفروا وجوهنا بغبار زعيقهم وأدمنوا التلذذ بأوجاعنا وأخيرا بصقوا على جروحنا الراعفة ، إنهم يحتسوا ما بقي من الثروات ، إنهم يتصارعون فيما بينهم في حلبة السلطة يروض بعضهم البعض ، يتوارثون كل شيء العداوات والأحقاد والضغائن ومراكز السلطة والتسلط ، وحين نسائلهم يقولون لنا "نحن أو الطوفان" ، لقد استيقظنا فجأة على صراخهم "ستتقاتلون من باب إلى باب ومن طاقة إلى أخرى"، هل نعاقب لأننا جيل ثورة صحونا حينما عرفناهم على حقيقتهم وقبضنا عليهم متلبسين ينهبون الثروة وينحرفون بأهداف ثورتنا النبيلة إلى غايات لا تتجاوز ذواتهم وقصورهم وبطونهم وكروشهم؟ .. العالم اليوم يا أخي يأسف للمشهد الدرماتيكي في اليمن ويتنادون لإنقاذه من ورطة السقوط ، لكنه رغم أسورة الوجع والألم الضارب أطنابه في بلادنا السعيدة جداً !! ثمة إصرار لتجاوز هذا النفق يا أخي .

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

محمد الجماعي

2024-05-06 23:20:44

"فسيلة" الزنداني؟

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد