منذ سنين وهو يعيش بجوارها فعندما يراها يشعر بالفخر والأمل.. فقد نشأت بينهما صداقة قوية وكان يقف يتأملها لساعات طوال وهي باسقة تلوح له السعفات الراقصات على أنغام الرياح وكان في بعض الأحيان يتساءل "هل تشعر هذه النخلة بوجوده؟!" وكان يرنو إليها بعينين حاملتين همّ السؤال فتكتفي هي بتلويح لطيف يعيد هذا الشخص إلى ذاته آمناً مطمئناً.
دام هذا الحال سنوات طوال ثم جاء ذلك اليوم الذي هبت فيه الرياح على المدينة ـ رياح شديدة قوية عبثت بالحدائق واقتعلت الطمأنينة من قلب صديق النخلة لأنه كان يرى نخلته تقوم هبوب الرياح العاتية ويتأمل بصمت جهادها ومعاناتها.. كان مشهداً مثيراً ولكنه مقلق ماذا لو تغلبت الرياح على النخلة؟!!.
إن الشجيرات الأدنى مستوى في الرياح كنّ فرحات لأن النخلة تحميهن من الرياح.. فوحدها تحملت عبء المقاومة والدفاع عن الخطوط الأمامية.
وفجاه اشتدت الرياح وارتفعت بعض سواعد النخلة إلى أقصى مدى تبلغه في الدفاع عن نفسها ومقاومة الرياح والبعض الآخر في سعفاتها أنزلته لتحمي به الشجيرات المحتميات بها وتحت ظلالها.. وهكذا ظلت النخلة تقاوم وتدافع ولم تستلم ولم تسمح للرياح تتغلغل إليها وتنجح في إسقاطها.
وهذا هو حال اليمن فهو كتلك النخلة الباسقة ونحن الشجيرات اللاتي نحتمي بظلاله.
وما يحدث الآن من تظاهرات ومطالبات ما هي إلا من أجل الوطن.. فنحن نمر بمحن كبيرة وتتملكنا نويات من الألم عندما نرى أنفسنا إلى الوراء دائماً ولا نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام فالتصرفات لا تتغير والنتائج لا تتبدل.
لا حظ عزيزي القارئ أن كثيراً من الأمور لا تنفذ في اليمن.. فالرئيس/ علي عبدالله صالح ـ يتحدث في خطاباته عن أشياء لا يتم تنفيذها.. فقبل فترة أعطى تعليماته بتوسيع صلاحيات المجلس المحلي وهذا طبعاً لم يحدث ولم يتم تنفيذه ومؤخراً أعطى أيضاً تعليماته من أجل إلغاء الرسوم في الجامعات الحكومية وعندما طالبوا الطلاب بتنفيذ هذا الكلام قالوا لهم لا نستطيع، لا بد من وجود قرار بذلك.
هذا هي الحال في بلادنا يتم إعطاء وعود كنوع من المهدئات والمسكنات وعلينا أن ننتظر صدور القرارات التي من خلالها تسري تلك الوعود.
إن زمن الوعود انتهى ولا بد من إصدار قرارات بدلاً من إلقاء الخطب لأن كل المكاتب الإدارية ومؤسسات الدولة لا تعتبر بأي كلام يقال حتى وإن كان على لسان الرئيس.. فالكل يقول إن كلام الرئيس على عيني ورأسي ولكن أين هو القرار المكتوب؟!، لذا أنا أرى أن أي خطة من شأنها التغيير أو الهدف منها الإصلاح لا بد وان تكون مدعومة بقرار!!.
أنا لا أهاجم وإنما انظر للأمور بعين خالية من الغشاوة وتقرأ مفردات الواقع بإمعان.
فلا ينبغي السكوت عن مواطن الضعف في حياتنا ولا بد أن نضع أصبعنا في الجرح ونعترف بعلل الواقع ونعالج الفجوات بأسرع ما يمكن بروح متبصرة تحافظ على مصلحة الوطن.. إننا نعاني من علل وأمراض بألوان الطيف والاعتراف بها من أولى أولويات الإصلاح ولا يجدينا نفعاً أتباع سياسة السكوت.. فنحن نريد إصلاحا حقيقياً يخدم المواطن اليمني والوطن بأكمله.