;
عبد العزيز المقالح
عبد العزيز المقالح

تونس والربيع العربي 2085

2011-12-04 04:56:13


هل يمكن القول بوضوح لا لبس فيه إن تونس هي وحدها التي قطفت ثمار الربيع العربي من دون خسائر فادحة؟ وإذا صح ذلك القول فإن الفضل - وفقاً لكثير من المراقبين - يعود إلى الجيش التونسي الذي نشأ، بعيد الاستقلال في منأى عن اللعبة السياسية، وهو ما يخالف تماماً ما كان عليه الحال في بقية الأقطار العربية، وخاصة سوريا والعراق، حيث ازدهرت الانقلابات العسكرية، وكان السباق على كراسي الحكم هدف كل الجنرالات، وذلك ما جرّ على هذين البلدين الكثير من الويلات، وفي مقدمتها غياب الدولة المدنية المعاصرة، وجعل استقرار الأمور بعيداً عن سيطرة الجيش أمراً مستحيلاً حتى بعد المستجدات الأخيرة والبحث المستميت عن النظام الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة.
إن نجاح ثورة الياسمين في تونس لا يعود إلى ما تحمله التسمية من براءة وسلمية فحسب، وإنما يعود أيضاً إلى الشعب العربي التونسي نفسه، وإلى ما يتحلى به من صفاء في النفوس وكراهية راسخة للعنف، كما يعود كذلك إلى الوعي المتقدم في صفوف النخبة والجمهور على حدٍ سواء، وخاصة النخبة الإسلامية المستنيرة، وليس صحيحاً ما يقال عن تأثير قرب تونس من ضفة الشاطئ الجنوبي لأوروبا، فكل الأقطار العربية الواقعة على البحر الأبيض المتوسط تلامس تلك الشواطئ بالقدر نفسه، ولكن أبناءها لا يتسمون بالمزايا نفسها التي يتسم بها أبناء تونس، وهي حقيقة يمكن لزائر هذا البلد العربي أن يدركها بوضوح، سواء كان هذا الزائر سياسياً أو إنساناً عادياً، ولا أريد أن أذكّر القارئ بالفارق بين أهلنا في الجزائر وأهلنا في تونس، وقد شهدت الجزائر في تسعينات القرن الماضي وفي أوائل هذا القرن ما ملأ المقابر وهز وجدان العالم.
لقد تفاءل كثير من عرب المشرق والمغرب بتلك الورود الثورية التي تفتحت مع ربيع هذا العام، لكن أغلب المتفائلين يعيشون الآن ما يشبه الشقاء الحزين لما نال تلك الورود من قصف وذبول، وما تعرضت له بعض الأقطار العربية التي مرّ بها الربيع، من خلافات وتمزقات تكشف عن تخلف في الوعي، وعن ميل نحو العنف والاحتكام إلى القوة في أقوالنا كما في أفعالنا. 
ومن يشاهد الحوارات التي تتم على القنوات الفضائية العربية، وغير العربية، بين النخب الفكرية والسياسية، يدرك بوضوح أبعاد الخلل الأخلاقي والنفسي، والرغبة الكامنة لدى البعض في التحدي والإقصاء والإدانة المتبادلة. 
ويبدو للمشاهد المتابع لنماذج من تلك الحوارات العلنية أنه في حالة اقتراب المتحاورين من بعضهم سيتحول الكلام العاصف إلى ضرب بالأيدي وعض بالنواجذ.
وحبذا لو أخذت الأقطار العربية التي ثارت، وتلك التي لم تثر بعد، دروساً من تونس وأحزابها، ومن الطريقة السلسة التي تمت بها المرحلة الانتقالية ثم مرحلة الانتخابات وتقسيم مهام السلطة التنفيذية والتشريعية، بعيداً من الأنانية والاستئثار. 
ولا ينبغي في هذا السياق إهمال الدور العقلاني لراشد الغنوشي - المفكر الإسلامي المعتدل والمنفتح- وقد سبق لي أن عرفته عن قرب هنا في صنعاء، وتبادلت معه أطراف الحديث عن قضايانا الجوهرية، كما استمعت إلى إحدى محاضراته، فأشعرني بأن ليس بينه وبين مخالفيه في الرأي ثأر ولا خصومة، وبأن الاختلاف الهادئ المتزن من أجل المصالح العامة ضرورة تقتضيها سنة الحياة وطبيعة البشر، وأن الخلافات ذات الطابع الشخصي هي التي تحتدم معاركها وتسيل فيها الدماء. 
ومن هنا فقد كان الغنوشي – وأمثاله من مفكري تونس- من الأسباب المساعدة لا على استيعاب الرأي والرأي الآخر فحسب، وإنما على تجاوز الإشكاليات التي تعانيها معظم الأقطار العربية.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد