;
د/ عبدالله الحاضري
د/ عبدالله الحاضري

رسالة إلى الثوار 1852

2012-03-29 15:05:07


مازلت أعتقد أن الثورة اليوم تمر بمرحلة عبورها الثوري وهي أخطر مرحلة تمر بها الثورات على الإطلاق، ذلك أن هذه المرحلة قد تستغرق فترة زمنية طويلة من المحتمل أن تتجاوز العشر السنوات، إنها المِحك الحقيقي التي ستُبين المدى التي وصَلتْ إليه الثورة في تحقيق هدفها الموضوعي وهو تغيير الإنسان، فالثورة التي لا تُغيّر الإنسان ليست بثورة، فبدون هذا التغيير تتحول الثورة إلى أطلال ثورة والتغيير الشكلي إلى حلم وما نتج عن الحسم الثوري من تغيير سياسي ما هو إلا خيال سُرعان ما سيزول وينكشف عَوَارُهْ بمرارة كما حصل بالأمس القريب حين ظهر الرئيس السابق مُدججاً بالسلاح والقوات وبجوار الرئاسة ليُقيم طقوس عيد ميلاده, أحسَّ اليمنيون بهذا الحدث أنهم كانوا في حُلم استيقظوا منه ليدركوا أن الثورة إذا لم يتم تَدارُكها فستصير إلى ما صارت إليه ثورة 26سبتمر.
إنَّ التجربة الثورية اليوم تمر بمُنحنى تاريخي خطير، ستؤثر نتيجتُه على كُلّ يمني وبالضرورة على كُلّ عربي بمُقتضى الإيقاعات اليومية والتفاعُلات بين ثورات الربيع العربي والترابط اللا محسوس بين أبجديات الأحداث في الوطن العربي الذي غيّرتُه طبيعة التغيُّرات العلمية والفنية والاحتكاكات الحضارية في الفترات التاريخية الماضية ،فأصبح من الاستحالة بمكان تقييم الأحداث والأشياء بالمعايير والمقاييس الوطنية فحسب.. ومن هذا المُنطلق كان لابُدَّ من وضع أُسس وقواعد تتناسب مع المرحلة الثورية، أعني مرحلة تغيير الإنسان كمُقتضى من مُقتضيات العبور الثوري وفقاً لمشروع حضارة.. فيجب أن نتذكّر أن الإنسان اليمني بحاجة ماسة لتغيير خصائصه الاجتماعية وفقاً لحقائق التاريخ التي أودعت في تكوينه خُلاصة تجارب أجداده الحضاريين السابقين, بهذا الإيداع وحده يستطيع الإنسان اليمني اتخاذ موقف مُحدد مِن قضية ما قد تُفرض عليه -سلباً أو إيجاباً- فمن المُتعارف عليه علمياً أن الإنسان كائن حساس يحمل في جيناته كل تجارب من سبقوه، فتخضع بالضرورة كل تصرفاته وحركاته وسكناته بل وحتى نظرته للأشياء والأحداث إلى قانون ومعادلات شكّلها فيه تاريخ أسرته ومجتمعه ومحيطه الثقافي ومما لاشك فيه أنّ الضرورة الثورية والتاريخية ستُدخل الإنسان اليمني في خِضَّمْ تجربة اجتماعية جديدة، فيجب أن ندقق في تاريخ جهازه الحضاري لنحدّد مدى قُدرته وصلاحيته في الإنتاج والإبداع من جديد.
 إن تغيير الإنسان هدف ثوري وعلى الثوار أن يدركوا أن هذه المرحلة هي مرحلة التغيير وعليهم أن يبدؤوا بفرض معطيات مشروع ثقافي فاعل مُنتِج وسطي معتدل وصدق الله القائل (إنَّ الله لا يُغير ما بِقومٍ حَتّى يُغيروا ما بأنفُسهِمْ).
 إن مرحلة العبور الثوري تقتضي منا الفصل الموضوعي بين المُنتَج السياسي والاجتماعي، فمهما كانت الإشكالية في المُنتَج السياسي فيجب أن نعلم أن ذلك ناتج من الإشكالية في المُنتج الاجتماعي والعكسُ غير صحيح وفي نفس الوقت يجب أن نعلم أن التغيير وفقاً لهذه المُعطيات ضرورة اجتماعية وطنية داخلية يجب أن تتوافق مع البُعد الحضاري الدولي ومع طبيعة المتغيرات على المستوى الإنساني، أعني أنّه يجب أن نُحدد موقفاً ثقافياً مُعيناً من المستوى الحضاري الغربي وماهية علاقتنا به وما أروع ما قاله أستاذُنا مالك بن نبي -رحمه الله - حين قال (إن اليابان وقفت من الحضارة الغربية موقف التلميذ ووقفنا منها موقف الزبون، إنه استورد منها الأفكار خاصة ونحن استوردنا منها الأشياء خاصة، إنه خلال سنوات يُنشئ حضارة وكنا نشتري بضاعة حضارة فكان البون بيننا شاسع والخلاف جوهري) فأنا أعتقد انه يجب علينا أن ندرس أفكار حضارة انطلقت ولها من الظروف الاجتماعية والمادية ما لنا وفي تصوري أن التجربة الماليزية جديرة بالدراسة والتدقيق في معطياتها، فهي تجربة يمكن أن نتعلم منها كيفية وضع أسس دخول حضارة... إن التوافق في المُعطى الداخلي والخارجي للمشروع الاجتماعي اليمني هو ضرورة ثورية حتى لا نَظّل أسرى للمُتغيرات السياسية ونتوه عن الهدف الإستراتيجي للثورة وهو التغيير الاجتماعي والوصول إلى مستوى حضارة، فكُل حركة ثورية قد تفقد غايتها إذا لم تُفرق بين الغاية ذاتها والوسيلة وستظل رهينة لمحض الصُدفة ولا تأتي بأي نتائج مُحددة وفقاً لبرنامج زمني.
 الهدف الثوري في غايته هو الوصول باليمن إلى بدايات طريق حضارة وما المشروع السياسي إلا وسيلة لهذا الهدف وليس غاية في ذاته.. ومن هنا يجب القول إن لدينا سنتان نختبر فيهما قدراتنا على التغيير المنشود على المستوى الاجتماعي من الداخل والقدرة على الاستفادة من مشروع دولي حضاري قائم متوافق ولو نسبياً مع مُعطيتانا الثقافية والاجتماعية على مستوى الخارج, يجب أن يخرج الثوار ولو بشكل جزئي من الإعتصامات ولتكن اليمن كُلها هدفاً للثورة وليكن العالم مدرسة يستفيد منها الثوار، يجب أن يكون الثوار على مستوى عظمة الثورة وأن يتجاهلوا تصرفات شيوخ الماضي حتى وإن إحتفلوا بأعياد ميلادهم كُل يوم,إن الاستمرار في الإعتصامات بشكل كُلي يمنحُ أعداء الثورة حُريّة المناورة والقُدرة على المُبادئة نفس الوقت تظلُ حركة الثوار مُحددة بالرقعة الجغرافية للإعتصامات فيفتقدون بذلك القدرة على التّوسع الثوري ونزع زِمام المُبادئة من المُتربصين بالثورة.
 إن السعي لتحقيق الهدف الموضوعي للثورة يقتضي من الثوار المراجعة الشاملة لأنماطهم التكتيكية في صراعهم السلمي، فوسائل الإنجاز الثوري غير وسائل العبور الثوري..والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد