;
د/ عبدالله الحاضري
د/ عبدالله الحاضري

الرأسمالية ودودة القزّ 2114

2012-04-21 03:00:09


إنهارت النظرية الشيوعية كفكرة لتبقى النظرية الرأسمالية متفردة كفكرة ونظرية تسود وتحكم العالم، فهي ليست قيمة اقتصادية فقط بقدرماهي قيمة إيدولوجية أيضاً حاكمة وصلت ذروتها في بدايات القرن الواحد والعشرين، غير أنها بدأت تتراجع على المستوى الكُلي بشكلٍ مروّع، خاصة مع التغيرات الطارئة في القيم المعنوية كنتيجةٍ حتمية لمفهوم الحرب على الإرهاب الذي أثَّر بشكل مباشر وغير مباشر على فلسفة النظرية الرأسمالية على الصعيد الإنساني والمادي في نفس الوقت فالإنسان افتقد لمقومات الحرية والعدالة والمساواة وبدأ الدولار يقفد قيمته مُتزامناً مع انهيارات السوق العقارية العالمية وإفلاسات البنوك ووصول منظمة التجارة العالمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى طُرق مسدودة، كل هذه الوقائع والأحداث أثَّرت على القيمة الإيدولوجية النظرية للرأسمالية ودللّت بوضوح أنها وصلت بالبشرية إلى أفق مسدودة وأن الفكرة باتت قاب قوسين أو أدنى من الانهيار كما انهارت سابقتها النظرية الشيوعية، فالاستخدام المُفرط للسياسة العنيفة (أعني الأعمال العسكرية تحت مسوغ مكافحة الإرهاب سيُعجّل في انيهار فكرة الرأسمالية وكذلك استخدام سياسة الميل الكامل في القضايا التي تمَسُّ حقوق الشعوب لصالح طرف ما سيُسارع بنفس القدر في تحقيق نفس النتيجة.
 فسياسة أمريكا تجاه قضية فلسطين مثلاً يُبيّن إلى أي مدى ممكن أن تصل إليه الأمم المُتحضرة من الإجحاف إذا استبدلت القيم الإنسانية بالمصلحة السياسية وليت الأمر توقف عند ظُلم الشعب الفلسطيني، بل تعدّاها إلى ظُلم الأمة العربية من أجل الحفاظ على ميزان القوى لصالح إسرائيل، ففي الوقت الذي تسعى فيه الأمة العربية للتحرّر من الأنظمة الإستبدادية وتتمثّل في نفس الوقت بالقيم الديمقراطية تقف أمامها حائلاً الأمم المؤدلجة بالرأسمالية خوفاً من ميل ميزان القوى لغير صالح إسرائيل,كُنا نتوقع منها أن تقف مع الثورات العربية التوَّاقة للقيم الديمقراطية فلم تفعل وأظهرت ميكافيلية مصحوبة بنرجسية غريبة ليس لصالح شعوبها ولكن لصالح إسرائيل، فأعلنت على استحياء دعمها للثورات في الظاهر السياسي وتآمرت عليها أيضاً في الخفاء السياسي لتبقى الشعوب العربية في أزمات طاحنه مشغولة بنفسها وبصراعها مع أنظمتها الفاسدة المُستبدة وبذلك يظل ميزان القوى لصالح إسرائيل الديمقراطية الذي ينبغي أن تظل الوحيدة الموصوفة بهذا الوصف في المنطقة بكاملها,هذه المنهجية في التعامل مع الشعوب العربية تكاد توصل الفكرة الرأسمالية كقيمةٍ أخلاقية إلى العدم في الذهنية والجهاز المفاهيمي العربي قبل أن تتلاشى أصلاً في الوجود ذاته,واليوم في سوريا أصبحت القيم الإنسانية المُتحضرة تحتضر أمام المصالح السياسية وسيظل الدم السوري ينزف حتى تكتمل المصلحة الدولية المتوافقة بالضرورة مع المصلحة الإسرائيلية ويصبح الوضع السوري في مُحصلته النهائية قابلاً للتعايش وفقاً لميزان القوى المنطقي لصالح إسرائيل وفي اليمن نشعر بوضوح أن هناك إرادة خفية في إشعال حرب قاتلة تصُبُّ في نفس المصلحة التوافقية السابقة وقد بدأت إرهاصات هذا التوجّه في تصوري مُنذ أن سارعت بعض المنُظمات الدولية في طلب التحقيق مع الرئيس السابق أثناء تواجده في أمريكا وكذلك التسريبات الصحفية أن هناك طلباً قضائياً لسماع أقواله في بعض القضايا كانت هذه دلالات تسير في اتجاه واحد يجب عودة الرئيس السابق لليمن لافتعال أزمات ولزعزة الإستقرار فيها وهو ما حصل بالفعل، فبمجرد عودته تأزم الوضع السياسي والاجتماعي بالتمرُّد والتحريض على الرئيس وإنعاش الجماعات المُسلحة المُنحرفة فكرياً ووطنياً، خاصةً في المناطق الجنوبية وحشد القوى والأسلحة لتفعيل هذه الرغبة وصولاً لتحقيق الانفصال في الجنوب وإقامة إمارات دينية (ذو اتجاهات فكرية مختلفة) في أقصى الجنوب وأقصى الشمال.
وعلى نفس السياق تعاني ليبيا من نفس الإشكالية وإن تغيرت مُعطياتها وأهدافها الآنية لكنها على المدى البعيد تكاد تتوافق مع السيناريو اليمني وكذلك تعاني منها الآن السودان ومصر وإن اختلفت سيناريوهات المعاناة، فالنتيجة واحدة يبقى ميزان القوى لصالح إسرائيل.
أقول هذه الكلمات وأنا لستُ من مُدمنيّ نظرية المؤامرة لكنّي فقط أستقرء الواقع على ضوء المستوى القيميّ السياسي الإنساني ككُل لأُدلّل موضوعياً أن النظرية الرأسمالية المؤدلجة كانت مؤتمنة كحتميةً حضارية على القيم والتُراث الإنساني غير أنها لم تُراع حق هذه الأمانة فاستبدلتها بالمصلحة السياسية الأنانية وبدأت تقفُ حائلاً أمام الشعوب التي تسعى لنيل حريتها من مستبديها والأشدُّ ألماً أن تقف مع أعداء هذه الشعوب بداعي الإفادة من قدراتهم المزعومة على محاربة الإرهاب معها كما هو حاصل في اليمن,إن هذا المأزق الأخلاقي التي وضعت نفسها فيه هذه الدول المُتحضرة المعتنقة للأيدولولجيا الرأسمالية تسوقنا إلى نتيجةٍ واحدة وهي أنهُ حان الزمن التاريخي لنرتقب بجدية انتقال الحضارة الغربية إلى شعوب أخرى لديها من القدرة والإرادة ما تراعي فيها القيم الإنسانية المتوارثة وهذا هو التوجّه العام للتاريخ الذي سنحياه نحنُ أو الأجيال التي تأتي من بعدنا,كما أن على أولئك الذين يقفون أمام شعوبهم ولم يستوعبوا عظمة التغيير التاريخي أن يدركوا أن طُغيانهم يسوقهم إلى الموت في نسيجهم الذي نسجوه تماماً كدودة القزّ التي تأبى أن تموت إلا في نسيجها..

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد