;
د/ عبدالله الحاضري
د/ عبدالله الحاضري

العصيان المحمود 2196

2012-04-27 16:15:32


في خِضم إيقاعات الأحداث الثورية في ليبيا كنت أتوق باستمرار للاستماع لسيف الإسلام القذافي, فلعلي أجد في إحدى كلماته ما يؤكد صحة ما كنت أذهب إليه أن لهذا الشاب ذو الثقافة العصرية الغربية الحائز على أعلى المراتب العلمية من أرقى الجامعات البريطانية- ثقافته المتميزة عن ثقافة والده العقيد وأن له رؤاه عن مفاهيم الدولة العصرية وحق الشعوب في أن تحيا بكرامة وحرية, كنت فعلاً أتوق أن أسمع منه ولو كلمة واحدة تدلل أن أسرة القذافي ستتفهم طبيعة العصر والتحولات التاريخية وتتقبل التأقلم معها وكنت أقول لنفسي: سيف الإسلام هو الوحيد من بين هذه الأسر الذي يمكن أن يؤكد صحة ما أذهب إليه, خاصة وأنا منذ فتره طويلة أتابع بشغف أنشطته على كل المستويات خاصة المستوى الإنساني وكان يُذهلني بدماثة أخلاقه وشخصيته القيادية الجذَّابة.. كنت أتوق أن أسمع منه في بدايات الثورة الليبية كلمة قد تنقذ ليبيا من سفك الدم وفي نفس الوقت تنقذ والده وأسرته من الفناء المُحتَّم, كنت أراهن على رجاحة عقلة وفلسفة ثقافته والحال أنه إذا كان هناك خير يُراد بأسرة القذافي، فسينعقد في جبين سيف, أبداً لم أكن أتابع غالباً الأحداث في ليبيا إلا من أجل أن أستمع لسيف الإسلام الذي قد ينقذ ليبيا حتى جاءت الصاعقة التي شلَّت كل ذرة في كياني.. استمعت لأول كلمة لسيف الإسلام في الأحداث الثورية، ظهر وكأنه نسخة مطورة شكلياً وفكرياً من والده العقيد وبدلاً من أن يكون منقذ ليبيا تحول في ذاته وفي لحظات معدودة إلى مُدمّر ليبيا، تحدى بكلماته الشعب الليبي وخيَّره مابين الخضوع لوالده أو الموت, الله كم كانت إصبعه اليمنى تقتلني أثناء حديثه لأبناء أمته مهدداً بها ومن خلالها إياهم بالويل والثبور وعظائم الأمور تلك الإصبع كما توقعت قُطعت فيما بعد, كان بإمكانه أن ينقذ كل شيء في ليبيا ويصبح عزيزها حتى وإن قسا على والده وخرج عليه، ففي القسوة أحياناً تكمن الرحمة ذاتها ولو على الآباء، غير أن سيف الإسلام لم يفعل ذلك وأساء تقدير الموقف، فهو قد حسم أمره في أول خطاب له مرتكزاً كما يفعل دوماً الغِّر من الرجال على مُعطيات القوة التي كانت بين يديه على الكتائب والحرس والدبابة والمدفع في مواجهة الشعب والتاريخ ومع ذلك صدقوني كنت أتوقع منه أن يغير موقفه مع ازدياد سخونة الأحداث الثورية وقلت في نفسي: سيف الإسلام سيتغير ويقف مع الشعب على الأقل لينقذ أسرته ووالده من المصير المجهول, لم أكن أريد أن أصدق ما تراه عيني، سيف لم يكن هو الذي عرفناه، فهاهو أمامي ممسك بالبندقية ويقتل شعبه بعد أن كان في ذاكرتي تلك الشخصية العصرية الشابة الممتلئة حيوية، العاشقة لأفعال الخير والمواقف الإنسانية.
وفي الأخير بعد أن سمعت آخر خطاب له وهو في غرفة العمليات العسكرية، يعد أنه سيسحق الثوار، أدركت أن كل شيء انتهى وأن سيف الإسلام القذافي قرر الإنتحار، ولكن ليس لوحده، بل مع والده وأفراد أسرته, خيَّب سيف الإسلام الآمال والظنون التي كانت منعقدةً عليه بعدم استماعه لمعطيات العقل واندفاعه خلف والده بكل جنون، فكان مصيره منطقياً تماماً جنوناً في جنون كما أراده هو فالمرء يضع نفسه حيث يريد أن يكون.
 وفي اليمن كنت أرقب عن كثب تلك الشخصية التي تكاد تتماثل مع سيف الإسلام في المقومات الشخصية وفي حجم التأثير على المستوى السياسي والاجتماعي، إنه قائد الحرس الجمهوري الذي كنا متعلقين به وبشخصيته, كنت أتمنى أن لا أسمع له خطاباً نزقاً أثناء الإيقاع الثوري قد يشبه خطاب سيف الإسلام القذافي وكنت أتمنى له أن يقف مع الشعب في ثورته حتى وإن أغضب والده، ففي الأخير الوضع كان سيصب لمصلحة الأمة ولمصلحة أسرته، فحقق الأمنية الأولى ولم يخطب بنزق سياسي، بل التزم الصمت وإن اشترك في بعض الأفعال ضد شعبه الثائر وخيَّب الظن في الثانية، فلم ينضم للثورة ولم يكن منقذاً للوضع ولا لمصير أسرته، لكن ظلت صورته وشخصيته الهادئة لا تفارق أذهاننا وكنت شخصياً أتمنى أن يخرج من تحت عباءة والده ويكون له موقفه المستقل المُعبّر عن طموح جيل بأكمله يمثلهُ هو، غير أن شيئاً من ذلك لم يحدث، بل ازداد وضعه سوءً في الفترات الأخيرة وبدأت صورته تهتز أمام رفقته ومعاصريه من القيادات والضباط، خاصةً بعد أحداث تعز وأرحب الذي يتحمل شخصياً مسؤولية نتائجها، فهو في الأخير قائد الحرس, لم يدرك أحمد علي طبيعة التحولات التاريخية حتى يمكن أن يتعامل معها وبدلاً من البحث عن الممكنات في كيفية التعامل معها انجر وراء نزق والده وبدأنا نشعر أنه بدأ في تفعيل خطوات وطقوس الإنتحار العسكري والسياسي، فبعد انتخابات 21 فبراير اعتقدنا أنه سيقف مع المشروعية الشعبية الجديدة وأن ثقافته واحتكاكه بالمجتمع الدولي ستجعله يتفهم لطبيعة وضع اليمن الجديد وأنه سيقف مع الرئيس هادي على الأقل أمام العالم، خاصة وهو كان يبرر عدم وقوفه مع الشعب في ثورته بداعي أنه مع المشروعية الدستورية والرئيس هادي يمثل اليوم هذه المشروعية، لكن للأسف الشديد لم يفعل ذلك ويبدو أنه فهم أن المشروعية تسطع من خلال نافذة أسرته لا من خلال نافذة شعبه، فوقف موقفاً غريباً مريباً، تمرد على القرارات الجمهورية الجزئية التي لم تكن ذات بُعد إستراتيجي، فماذا يعني إجراء تنقلات داخل الوحدات العسكرية حتى يتمرد عليها؟ والمؤلم أن هذا الشاب لم يكتف فقط بالتمرد وعدم تسليم اللواء الثالث حرس، بل أمدَّ ودعم أولئك الذين أغلقوا مطار صنعاء الدولي في موقف مخزٍ مُشين لم يشهد التاريخي اليمني المعاصر مثيلاً له، بل وحرَّك أكثر من كتيبة لدعم تمرد عمه داخل القوات الجوية.. وبهذه التصرفات من قائد الحرس بدأت تقفز إلى ذاكرتي صورة سيف الإسلام القذافي وبدأت أسأل نفسي: هل أحمد هو سيف أم سيف هو أحمد؟ وهل هذا التشابه يقتضي التوحد في كل شيء حتى في المصير نفسه؟.. شخصياً أتمنى أن لا يحدث ذلك، بل وأدعو الله أن يكون لأحمد علي موقف بجوار الشعب يحسب له في التاريخ وينقذ به أسرته من المصير المجهول حتى وإن عصى والده ولا أبالغ إن قلت أن هذا العصيان في مثل هذه الحالة قمّة الطاعة.. والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد